دعت مصادر اقتصادية سعودية إلى ضرورة إعادة ترتيب وضع الاستثمارات السعودية في عدد من الدول العربية التي تشهد أوضاعا سياسية وأمنية واقتصادية غير مستقرة، تهدد مستقبل استمرار هذه الاستثمارات. وقالت ل ''الاقتصادية'' المصادر ذاتها، إن الاستثمارات السعودية في الدول التي تعاني اضطرابات أمنية وسياسية أمام خيارين: إما العودة إلى حضن الوطن ''السعودية'' وإما البحث عن مناطق أخرى أكثر أمنا واستقرارا مثل منطقة الخليج أو الدول الصناعية في أوروبا. وتشير المصادر إلى أن السعودية ظلت تشكل أحد المراكز الدولية المصدرة لرؤوس الأموال إلى الخارج، خاصة إلى الدول العربية التي كان لها نصيب كبير من هذه الاستثمارات، رغم محدودية إمكاناتها وتشريعاتها المتأخرة ومعوقاتها التي تختلف من دولة إلى أخرى، إضافة إلى أوضاعها السياسية والأمنية والاقتصادية غير المستقرة. وبينت أن هنالك استثمارات سعودية ضخمة في السودان، تونس، مصر، لبنان، واليمن، غيرها من الدول العربية، تأثرت بشكل كبير نتيجة تطور الأوضاع السياسية والأمنية في تلك الدول، فأصبح المستثمر السعودي يشعر بالقلق على مستقبل استثماراته في هذه الدول. وحسب ناصر القرعاوي المحلل الاقتصادي فإن الاستثمارات السعودية تأثرت إلى حد كبير بتطور الأوضاع في تونس ومصر ولبنان، بعد أن أصبحت الأوضاع السياسية والأمنية في هذه الدول مصدر قلق للمستثمر السعودي، ربما يدفعه إلى إعادة ترتيب أوراقه فيما يتعلق باستثماراته الخارجية، خاصة في الدول العربية التي أصبحت أوضاعها السياسية والأمنية غير مطمئنة وغير جاذبة على المديين المتوسط والبعيد. ويصف القرعاوي تجربة رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين في الدول العربية ب ''السيئة'', وأن الأوضاع الحالية في مصر وتونس سيتمخض عنها عزوف واضح في توجهات السعوديين لمواصلة الاستثمار فيهما، كما حدث في لبنان من قبل، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يتم تجميد نشاط مشروعات سعودية في مصر وتونس بسبب أوضاعهما السياسية والأمنية غير المستقرة، أضف إلى ذلك سورية والسودان واليمن. ويعتقد القرعاوي أن الوقت قد حان لعودة الاستثمارات السعودية الموجودة في الخارج إلى حضن الوطن، أو التوجه إلى مناطق أكثر أمنا كدول أوروبا الصناعية وأمريكا التي تشهد استقرارا سياسيا وأمنيا. ولكن القرعاوي يرى أن عودة الاستثمارات السعودية للداخل يتطلب من الجهات الرسمية العمل على تهيئة البيئة الاستثمارية وجعلها جاذبة للاستفادة من الأوضاع الحالية التي تشهدها مصر وتونس، في محاولة منها لمنع ''هروب'' الاستثمارات السعودية من تلك الدول التي تواجه قلاقل أمنية وسياسية إلى مناطق أخرى. وأشار إلى أنه يجب وقف تدفق هذه الاستثمارات إلى المناطق الساخنة كمصر وتونس ولبنان، لذا على اللجان المشتركة في مجلس الغرف السعودية والبنوك المحلية أن تقوم بدور إرشاد المستثمرين وتوعيتهم بالمناطق الآمنة لاستثماراتهم وإبعادهم عن المناطق الساخنة, إلا أن هذا لا يعفي المستثمرين أنفسهم من مسؤولية دراسة المشروعات الاستثمارية في الخارج بتأني وانتقائية خاصة في الدول العربية، ويقول القرعاوي ''نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقنا فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجة، بما فيها الحكومية التي لديها استثمارات كبيرة في الأسواق العالمية، والابتعاد قدر الإمكان عن المناطق التي تعاني أوضاعا غير مستقرة''. وخلافا لما ذهب إليه القرعاوي فإن الدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية يؤكد أن ''المزاج الاستثماري السعودي'' في الخارج لديه المقدرة على التكيف مع الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة في كثير دول العالم، حيث أثبتت ذلك التجارب، والدليل على ذلك استمراريتها في مصر ولبنان والسودان واليمن رغم ما تشهده هذه الدول من تطورات سياسية وأمنية طاردة للاستثمار الأجنبي. ويشير الزامل إلى عدم تأثر الاستثمارات السعودية في مصر بالأحداث الجارية الآن، وأنه مع استقرار الأوضاع ستعود عجلة الاستثمارات للدوران من جديد، خاصة أن أغلبية الاستثمارات السعودية في الخارج سواء في منطقة الخليج أو بقية الدول العربية تتركز في الجانب الصناعي، وأن الأثر المباشر نتيجة الأحداث في مصر لن يكون في انسحاب هذه الاستثمارات، وإنما في تجميدها لحين عودة الحياة إلى طبيعتها. ويضيف أن فكرة انسحاب المستثمرين السعوديين من مصر أو لبنان غير ورادة، خاصة أنهم تعودوا على مثل هذه الأوضاع واستطاعوا حماية مصالحهم واستثماراتهم. ويقول: ''حتى الآن كل المشروعات السعودية في مصر، بالرغم من الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة لم تتأثر، لبعدها عن مواقع الأحداث وتمركزها في المناطق الصناعية البعيدة، التي لم تتعرض لأعمال تخريبية''، لكنه أشار إلى أن الاستثمارات العقارية وسط المدن في مصر قد تتأثر بسبب الاضطرابات. ويؤكد الزامل أن تأثير الأوضاع الحالية في مصر في الصادرات السعودية التي تعتمد بالدرجة الأولى على منطقة الخليج، أما الصادرات السعودية إلى مصر فتعد محدودة ولمصانع بعينها هي بحاجة إلى هذه الصادرات، ولا يمكن أن تستغني عنها مهما تطورات الأوضاع الأمنية. من جانبه، يرى الدكتور عبد الرحمن السلطان المحلل الاقتصادي أنه لا توجد قيمة لجدوى دراسات الاستثمار في الدول التي تشهد اضطرابات أمنية، كما يحدث الآن في مصر وتونس وحتى أن وجدت فإنها تصبح غير ذات قيمة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة التي لا تمكن المستثمرين من الاستفادة من عوائدها، لكن في حال تطورات هذه الاضطرابات فإن المستثمرين سيفكرون وبشكل جدي في إعادة النظر في استثماراتهم في الدول التي تعاني عدم استقرار أمني وسياسي. ويقول الدكتور السلطان إنه في حال حدوث تحولات جوهرية على الصعد: السياسي والأمني والاقتصادي في الدول التي تشهد اضطرابات، فإن مستقبل الاستثمارات السعودية في هذه الدول سيكون جيدا. ويعتقد السلطان إنه لا يمكن لمراكز البحوث والدراسات التنبؤ بالأوضاع السياسية والأمنية في الدول الأخرى، باعتبار أنها أحداث استثنائية تفرض نفسها، لذا لا يعول على جدوى هذه الدراسات والبحوث في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وأن هذه الدراسات تصبح عديمة الفائدة في مثل هذه الأوضاع. الاقتصادية