نقل اعتقال زعيم حزب الأمة المعارض السيد الصادق المهدي السودان من حالة الحوار والبحث عن حلول لأزمات البلاد إلى مربع الحرب والتنافر من جديد. وألقى قرار الاعتقال بظلال كثيفة على مجمل المشهد السياسي السوداني، حيث أعاد إنتاج مشكلة كادت تحل خلال الفترة الماضية بعدما بشر المهدي نفسه بتوجه الحكومة نحو اعتماد الحلول السلمية لمعالجة قضايا الوطن. واعتقلت أجهزة الأمن زعيم حزب الأمة الصادق المهدي -أكثر المؤيدين للحوار السلمي- بعد انتقاده قوات يطلق عليها اسم الدعم السريع، مما حدا بجهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى فتح بلاغ ضده لدى نيابة الجرائم الموجهة إلى الدولة. وفتحت الأزمة -بحسب متابعين- الباب لتمسك كثير من قوى المعارضة بموقفها الرافض لمبدأ الجلوس مع الحزب الحاكم ومناقشته بشأن الانتقال السلمي للسلطة. جدية الحكومة ودفع الاعتقال إلى تساؤل متكرر حول صدق الحكومة وجديتها تجاه ما طرحه الرئيس عمر البشير من رغبة جادة في الوصول إلى التوافق الوطني الكامل. ويشير متابعون إلى ما اعتبروه نجاحا لرافضي الحوار -الصقور- داخل المؤتمر الوطني الحاكم في الوصول إلى مسعاهم، متوقعين حدوث أزمة جديدة حتى بعد إطلاق المهدي. وبدا أن ردود الفعل الغاضبة لم تقتصر على حزب الأمة القومي وحده، لتعلن هيئة شؤون الأنصار -الطائفة الدينية التي ينتمي إليها الحزب- استنفار أجهزتها في كافة ولايات السودان للاستعداد لأي طارئ، مشيرة في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه إلى ما ستسلكه خلال المرحلة المقبلة من تعبئة سلمية متدرجة "لإزالة الظلم وإحقاق الحق". من جانبه، يرى المؤتمر الوطني الحاكم عبر الناطق الرسمي باسمه ياسر يوسف أن ما حدث للمهدي ليس اعتقالا سياسيا وإنما استدعاء من النيابة والشرطة لتكملة التحري في بلاغ سابق ضده أضيفت له اتهامات جديدة تحت مواد جديدة. وقال للصحفيين إن المواد الجديدة لا تسمح بإطلاق الشخص بالضمان الشخصي لذلك تم التحفظ على المهدي لحين تكملة التحري وتحويل البلاغ إلى المحكمة. وأكد أن حزبه يرى أن الحوار قضية إستراتيجية ووطنية ينبغي ألا تتأثر بقضية قانونية، داعيا إلى الفصل بين المسارين القانوني الجاري حاليا عن المسار السياسي "لأن قضية الحوار قضية إستراتيجية وليست تكتيكية". أما المهدي نفسه فقال إنه "وفي كل الأدبيات أقول إن الوضع السياسي في السودان مأزوم أمنيا واقتصاديا ودوليا، وإن التأزم يفتح باب أعمال مضادة بالعنف أو الانقلاب أو الانتفاضة". بدائل خطرة وأضاف المهدي في منشور سربه مكتبه تلقت الجزيرة نت نسخة منه أن "البدائل للحوار السلمي محفوفة بمخاطر فادحة للمصير الوطني"، مشيرا إلى أن الانتفاضة بأساليب مدنية مع استعداد النظام لمواجهتها عسكريا "ربما أدت للسيناريو السوري". وأضاف أن أكثر وسيلة أمنا لتحقيق مطالب الشعب السوداني "هي المائدة المستديرة أو المؤتمر القومي الدستوري كوسيلة استباقية لسلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل". ودعا المهدي في منشوره كافة القوى السياسية والمدنية لتكوين تجمع عريض "للمطالبة بالحريات العامة والقيام بكافة وسائل التعبير المدني لدعم هذا الموقف". أما حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور فاعتبرت اعتقال المهدي خطوة متوقعة، مشيرة إلى أنه بدّد الثقة "المعدومة أصلا في نوايا النظام تجاه الحوار الوطني". وأكدت في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه أن الحكومة لا تريد حوارا كما يشاع، وإنما تريد استيعابا أعمى للقوى السياسية دونما إبداء أية وجهة نظر مخالفة لتوجهاتها. طي صفحة من جهتها، قالت الجبهة الوطنية العريضة في بيان لها "إنه وبعدما انكشف ما هو معلوم بالضرورة فإننا ندعو حزب الأمة وقاعدته العريضة بالبلاد لطي صفحة الحوار مع النظام مبدئيا، والتنسيق مع قوى المعارضة الأخرى لإدارة انتفاضة شعبية جامعة لاقتلاع النظام". واعتبر الخبير الإستراتيجي حسن مكي في تعليق للجزيرة نت ما يحدث صراعا بين أجنحة داخل المؤتمر الوطني الحاكم، مشيرا إلى نجاح مجموعة رفض الحوار والتوافق بين السودانيين في فرض رؤيتها. في حين أكد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم دقش ما كان يخشاه الجميع "بنجاح رافضي الحوار داخل المؤتمر الوطني في قلب الأمور والعودة بالأزمة السودانية إلى المربع الأول". وتوقع في تعليق للجزيرة نت ردة فعل عنيفة لأنصار حزب الأمة والمعارضة عموما "بما سيقضي على كافة جهود التسوية السلمية في البلاد". ورأى أن المهدي كان من أكثر المتحمسين للحوار والتسوية السلمية "وبالتالي فإن اعتقاله يعني نهاية عملية الحوار بكاملها". المصدر : الجزيرة