الديمقراطية والحرية والعدالة... لا الهيبة! أتمنى أن يستوعب الحكام العرب التغير الحاصل ويأخذوا من ثورتي تونس ومصر الدروس والعبر، وأن يسعى كل منهم إلى عمل إصلاحات «حقيقية» تضمن بقاءه بعيدا عن طوفان الغضب الذي يسود العالم العربي اليوم، والذي قد يطيح بحكم أي واحد منهم بين لحظة وأخرى، وأن يباشروا اليوم وقبل فوات الأوان في تلبية مطالب شعوبهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم. بعد ثورة تونس التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك، أصبح واضحا للجميع أن الشعب العربي قد كسر الحاجز النفسي الذي كان يمنعه من الاعتراض والثورة على أشد أنواع الظلم والقهر والاستبداد، وصار مؤمنا بقدرته على تقرير مصيره بيده دون مساعدة من أحد، والسبيل إلى ذلك سهل وبسيط أيها المواطن العربي، فقط، أعلن العصيان المدني، وأضرب عن العمل، واجمع الحشود في الميادين، ثم أعلن بعزة وكبرياء رفضك لنظام حكمك الظالم، وخلال أيام، سينصاع لمطالبك صاغرا أعتى الجبابرة، وتتساقط أمام رغباتك مجبرة أشرس الحكومات، ويركع بذلّ تحت قدميك كل أئمة الخراب ودعاة الفساد وعبدة الأصنام! هذه هي الخطة، وهذا هو السبيل للتحرر من الطغيان، فهمه المواطن العربي وحفظه عن ظهر غيب، وهو على استعداد لتنفيذه متى ما استدعى الأمر ذلك، وكل من راقب الأحداث الأخيرة يعلم علم اليقين أن ثورة المصريين لن تكون الأخيرة أبدا، وأن طوفان الحرية والعدالة قادم وسيقتلع رؤوس الفساد والإفساد واحدا تلو الآخر، وعلى كل واحد منهم إن أراد السلامة أن يجهز حقائبه منذ الآن ويستعد للرحيل، لكن السؤال الذي يدور في أذهان كل المراقبين هو: من التالي؟ من الذي سيخلعه شعبه قريبا ويتخلص منه إلى الأبد؟! والإجابة من أغلبيتهم تشير إلى أن أنظمة الجمهوريات العربية 'اليمن، ليبيا، سورية، السودان، الجزائر....' هي المرشحة لتكون التالية، وإن انفجارا قادما سيظهر في إحداها، سبب ذلك هو تشابه الظروف والأوضاع بينها وبين تونس ومصر، فغياب الديمقراطية وتفشي الفساد وغياب العدالة وحرية التعبير والزج بالمعارضين في السجون يكاد يكون سائدا- وإن بشكل متفاوت- في جميع هذه الأنظمة، فيما تستبعد الترشيحات الأنظمة في دول الخليج من الغضب والثورة الشعبية أو تضعها في آخر القائمة لأسباب عديدة- من بينها وليس وحدها- المستوى المعيشي الجيد الذي تتمتع به الأغلبية العظمى من مواطني هذه الدول، والعلاقة الطيبة التي تربط الحاكم بالمحكوم فيها، والعدالة الاجتماعية التي يعيشها أغلبية أفراد هذه الشعوب، ومساحة حرية التعبير التي تفوق نسبيا معظم الدول العربية، وتقبل الأنظمة والحكومات للرأي المعارض بدرجة معقولة، حيث لا توجد الرغبة في الانتقام من المعارضين وأسرهم بشكل تسلطي وبعيد عن القانون كما يحدث في باقي الدول العربية، بطبيعة الحال، تتفاوت هذه الأنظمة في تعاطيها مع ما ذكرت، وهي ليست مثالية وبحاجة للكثير من الإصلاح، لكنها في أسوأ الظروف، بعيدة كل البعد عما يحدث في محيطها العربي الغريب والرهيب! أتمنى، كما يتمنى الجميع، أن يستوعب الحكام العرب التغير الحاصل ويأخذوا من ثورتي تونس ومصر الدروس والعبر، وأن يسعى كل منهم إلى عمل إصلاحات 'حقيقية' تضمن بقاءه بعيدا عن طوفان الغضب الذي يسود العالم العربي اليوم، والذي قد يطيح بحكم أي واحد منهم بين لحظة وأخرى، وأن يباشروا اليوم وقبل فوات الأوان في تلبية مطالب شعوبهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم بعد أن قضوا سنين طويلة من النوم في العسل بعيدا عن هذه المطالب! ولعل أكبر درس قدمته ثورتا تونس ومصر هو أن بقاء أي نظام واستمراره مرهونان بما يقدمه لشعبه من ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية وقبول للرأي المعارض، وأن أقرب طريق لزواله هو القمع والتسلط والفساد والهيبة الزائفة، التي تستمد قوتها من البطش بالمعارض، والحط من كرامته، والطرب لما يقوله المنافقون والوصوليون والانتهازيون! ندعو الله، ونحن نرى هذا الغضب العربي الجامح على بعض الحكام، بأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يحفظ لنا العلاقة الفريدة من نوعها بين الشعب وأسرة حكمه، والتي سادها الحب والألفة والتسامح عبر السنين، ويبعد عنا وعنهم أصوات التزلف والنفاق التي تدعو إلى استعادة الهيبة عبر الضرب بيد من حديد لكل مخالف ومعارض للرأي، غير مدركين أن الديمقراطية والحرية والعدالة هي الضمان، وهي الاستمرار، وهي البقاء لأي نظام حكم، لا الهيبة ولا غيرها! حمد نايف العنزي [email protected]