جيرار أغابشيان يبحث في فيلمه '1915' عن وطنٍ جديد لأرمن سوريا الذين جنت عليهم الحرب كما جنت على كل السوريين. ميدل ايست أونلاين بقلم: رضاب فيصل معادلة صعبة يشكل العام 1915 بالنسبة للشعب الأرمني، تاريخاً لا يمكن لأجياله المتعاقبة سنة وراء سنة أن تنساه أو تتجاهله، فهو بداية رحلةٍ أبدية بمثابة القدر، فرض على كل واحدٍ منهم مهمةً بغاية الشقاء والصعوبة تكمن في إيجاد مكانٍ يشبه إلى درجةٍ ما، الوطن. وقد أنتجت "بدايات" وهي مؤسسة سورية غير ربحية، تهتم بدعم وانتاج الأفلام القصيرة والوثائقية والفنون البصرية، وتنظيم دورات تدريبية متخصصة تواكب كافة مراحل صناعة الفيلم الوثائقي، فيلماً وثائقياً لمخرجه الشاب جيرار أغابشيان، حمل عنوان "1915" كإشارة أولى ومباشرة إلى بدء رحلة النزوح الأرمنية، يحاول من خلاله تتبع خطوات الأرمن من أرمينا إلى سوريا وإلى لبنان، من عام 1915 وحتى اليوم. يقول أغابشيان: "من أرمينا إلى سورياولبنان، طريق كلو حواجز بس رح نكمل الرحلة ليصير كلشي متل ما لازم يكون...". كذلك يروي أغابشيان بصوته حول متابعة الأرمن رحلة الشقاء ومحاولة إيجاد الحياة على هذه الأرض القاسية من أرمينيا إلى سوريا وبالأخص مدينة دير الزور، حيث بدأ شكل جديد للحياة، أعطى أهل دير الزور الأمان للأرمن الهاربين من الموت، وبعد مرور 100 عام استمرت الرحلة ولم تكن هذه المرة بسبب العثمانيين بل كانت ثمناً للحرية، ولم يكن الأرمن هم الهدف. كانت هجرةً جمعت الديريين والأرمن ككثير من السوريين الباحثين عن العيش الكريم الرافض للذل. ينطلق الفيلم ومدته حوالي 9 دقائق، من حكاية مغني الأوبرا السوري - الأرمني كيفورك الذي نزح إلى لبنان باحثاً عن الأمان في ظل هذه الأيام التي تحمل الكثير من الألم محاولاً رسم ابتسامة رغم كل هذا الحزن. وببساطة، يحكي كيف أن مائة عام مضت لم تكن كافية لتزيل ما آلت إليه المجازر والتهجير القسري للشعب الأرمني على يد العثمانيين منذ عام 1915 ولغاية اللحظة. يقول: "الأرمن خارج سوريا دائماً بمصائب، دائماً، يعني لسه ما كملنا ال 100 سنة إجتنا هجرة تانية، هجرة غير شكل". ويضيف في مكانٍ آخر: "البلد مش بلدنا يعني.. على راسي لبنان، بس خيي خلص أنت جاي مهجر من منطقة أخرى، البلد مو بلدك، الشعب مو شعبك". الحرب شوّهت كل شيء، الحرب الدائرة اليوم على الأراضي السورية.. عبارة نستخلصها من حديث كيفورك وجرار، أزهقت الأرواح وحطّمت الحجر. إلا أنهما يشيران بشكلٍ مباشر وغير مباشر إلى إمكانية تعمير ما تهدّم من البلد "سوريا"، لكن من سيعيد الشباب التي ماتت إلى الحياة من جديد؟ هي معادلة صعبة باتت تستهلك تفكير الأرمني السوري الذي يعتبر نفسه وإلى جانب كونه أرمنياً، سورياً بامتياز. لدير الزور عند الأرمن مكانة الوطن البديل، الحضن الذي جمعهم وطبب جراحهم بعد اللجوء. وهي اليوم، جريحة وبعيدة بالنسبة لهم، تماماً مثلما كانت أرمينيا في العام 1915. الشيء الذي يدلّ عليه الفيلم من بدايته وحتى النهاية. وأما المحطة التالية لرحلة الأرمن فتقودهم إلى لبنان. في بيروت، يمشي المغني مع صوت جيرار في شارع أرمينيا ومنطقة أرارات حيث يستطيع الأرمني هناك أن يحكي بلهجته ويجد من يفهمه، وسط أجواء أرمنية واحتفالات من وحي التراث. محاولين البحث عن أجوبة لأسئلة كثيرة. لكن وللأسف دون جدوى. وهنا يضيء كيفورك على مسألة بغاية الخطورة، هي مسألة الهوية. فيشير أنه وبعد ذهابه إلى أرمينيا للدراسة، قرر العودة إلى سوريا لأنه لم يجد نفسه هناك. فبلده سوريا. تتقاطع أنغام كيفورك مع الموسيقى، وسط مشهد النهاية بينما يمشي هو في طريقٍ معتم، كما كل السوريين؟ ضائعاً ربما، أو شارداً ربما. لكننا أكيدون من أنه يبحث من جديد عن وطنٍ مفقود.