سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إنفصال الجنوب لن يشكل كارثة..حمدي : عجز الميزان أسوأ المخاطر..وسينتج عن الانفصال عجز في موارد الشمال قدره 40 في المئة وعجز في موارد النقد الأجنبي يعادل 80 إلى 90 %
قال وزير المالية والاقتصاد الوطني الأسبق في السودان د. عبدالرحيم حمدي إن الإجماع حول انفصال جنوب السودان واقتراب الإعلان عن قيام دولة جديدة يطرح تساؤلات كثيرة حول الآثار الاقتصادية للانفصال على دولتي الشمال والجنوب وحول احتمالات التعاون المشترك في المستقبل. واعتبر في حديث إلى مجلة الاقتصاد والأعمال أن فقدان حصة كبيرة من عوائد البترول بالنسبة للشمال بعد الانفصال لن يشكل كارثة، إذ أن هذه العوائد لم تشكل أكثر من 7 في المئة من الناتج القومي. وأضاف أن خلال تاريخ السودان الحديث لم يكن الجنوب يسهم إيجاباً في اقتصاد السودان، وبسبب الحرب التي ظلت دائرة فيه طوال فترة طويلة، كان إسهام الجنوب سلبياً لاستنزافه موارد البلاد، وكان عبئاً على الاقتصاد السوداني. واعتبر أن المحادثات الحالية بين الطرفين قد تنتهي بإيجاد إطار قانوني ربما في شكل اتحاد اقتصادي لأن الدولة الجديدة ستحتاج إلى دعم الشمال. وأضاف أن وضع الجنوب تغيّر عندما تمّ اكتشاف البترول فيه خلال سبعينات القرن الماضي، وبدأ إنتاجه في العام 1999 فظهر فجأة أن الجنوب يمكن أن يسهم إيجابياً في اقتصاد السودان وبصورة فعالة. وبالتدريج بدأ إنتاج البترول بالتزايد مع اكتشاف حقول جديدة. لكن عائدات البترول ذهبت إلى ميزانية الدولة المركزية لدعم التنمية والخدمات والبنية التحتية والمجهود الحربي. ولأول مرة أصبح إسهام اقتصاد الجنوب، المبني كلياً على البترول، إيجابياً في الاقتصاد الوطني، لكن هذه الصورة لم تستمر أكثر من 6 سنوات (1999-2005) عندما تم توقيع اتفاقية السلام وبدأت قسمة الثروة البترولية مناصفة بين دولة الشمال المركزية و"إقليمالجنوب". آثار الانفصال اعتبر حمدي أن آثار الانفصال الرئيسية يمكن حصرها في ثلاث نتائج. أولا: سيزيد نصيب الجنوب من عائدات البترول بما يعادل مليار دولار سنوياً ليصبح 3 مليارات وينخفض نصيب الشمال ليصبح في جملته 2 مليار. وسينتج عن هذا عجز سنوي في موارد الموازنة العامة للشمال قدره 40 في المئة وعجز في موارد النقد الأجنبي يعادل 80 إلى 90 في المئة. وفي الصورة الكلية لا يبدو أن "ذهاب" البترول بعد الانفصال "كارثة" على الاقتصاد كما أشاع البعض، فالأثر الأول والأخطر على اقتصاد السودان "الشمالي" بعد الانفصال سيكون في سدّ فجوة عجز الميزان الخارجي، ثم يلي ذلك فجوة الحساب الداخلي. أضاف أن النتيجة الثانية للانفصال ستتمثل في عرقلة حركة القبائل الرحل التي يبلغ عدد أفرادها 10 ملايين والتي تملك أكبر ثروة حيوانية في أفريقيا والمقدرة بنحو 140 مليون وحدة من الإبل والخراف والأبقار. وتعيش هذه القبائل على طول خط الحدود الذي يصل إلى ألفي كيلومتر. ثالثا: ستواجه مئات الألوف من الأسر أوضاع مزعجة في مناطق التمازج والتي تمارس أنواعاً متعددة من النشاط التجاري والخدمي والصناعي والزراعي. وسيكون الوضع القانوني لجنسية هؤلاء محل تساؤل. أما عن مواجهة مشكلة انخفاض الإيرادات، فأشار حمدي إلى أن الدولة بدأت بتطبيق إجراءات عدة تمثلت بتخفيض الدعم عن الطاقة والذي كان يكلّفها 6 مليارات جنيه سنويا (2 مليار دولار) حيث تم كخطوة أولى رفع ثلث الدعم في نهاية ديسمبر. كما بدأت بإجراءات لزيادة الدخل من الرسوم الجمركية ومن ضريبة القيمة المضافة على الاتصالات. وستزداد الرسوم الجمركية أيضاً على عدد كبير من السلع غير الضرورية، وسيتم تقييد حركة الاستيراد لتقليل فاقد العملة الصعبة. وتنوي الدولة صرف 250 مليون دولار، من عائد هذه الزيادات، على الزراعة والصناعة لمساعدة الصادرات الصناعية والزراعية. ومن أهم "الصادرات" التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة فوراً هي الأوراق المالية (سندات الحكومة) التي أصدرتها في السنوات القليلة الماضية وحصلت منها على 9 مليارات دولار، 70 في المئة منها من الخارج. واستنتج حمدي أن الآثار المباشرة للانفصال عن اقتصاد الشمال يمكن تلافي أكثرها بإجراءات اقتصادية بوشر بتنفيذها فعلاً. أما الآثار غير المباشرة مثل حركة الرعي والتجارة فيجري التفاوض حولها حتى لا تتأثر بالانفصال. وأضاف حمدي أن اقتصاد الشمال (السودان) ظلّ ينمو بمعدّل 8 في المئة سنوياً لمدة 10 سنوات، ولكن هذا الاقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية تمثّلت في ضعف الإنتاجية. لذلك يبقى الأمل في دخول القطاع الخاص العربي إلى جانب شراكات أجنبية من البرازيل، الهند، الصين مجال الاستثمار لاسيما في الزراعة. ولذلك فهناك حاجة إلى توفير مناخ جيد وإجراءات جاذبة للاستثمار الخارجي. وختم حمدي متوقعا أن لا يواجه السودان الشمالي مشكلة ركود أو انهيار اقتصادي، رغم أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمواجهة آثار الانفصال قد تخلق ضائقة معيشية. أما بالنسبة للجنوب فإن التحديات ستكون أكبر والموارد أقل بكثير من المتطلبات. ولهذا فإن الدولة الجديدة ستعتمد أساساً على الخارج، وستحتاج لدعم دولة الشمال. ولهذا تجري الآن محادثات مكثفة ومستمرة بين الطرفين عبر عشرات اللجان لوضع أسس لترتيبات تيسر التعاون. الشرق القطرية