ندوة الشيوعي    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إتفاق الجبهة الثورية و موسى هلال : خطوة إلى الأمام في مسيرة إسقاط النظام!
نشر في الراكوبة يوم 31 - 07 - 2014

الحق الذي لا مراء فيه أن مشهد المشكل السوداني غاية في التعقيد و الإنفلات, و يكاد يشبه في تعقيده فيم يشبه نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا و لا يشبهه! فمشكلة بهذا الحجم والتعقيد و الميوعة لابد أن يتصدى لها قادة من طراز فريد, و قلوب كبيرة, وببعد نظر غير منظور. كما أنه لا بد من إعمال فكر جديد, و مميز لمواجهة هذا المشكل. فكر يغرق المسحانة و يطفح الزانة! الأن, الأن! لا سيما وأن الشعب السوداني دفع غاليا من أرواحه و دمائه و عرضه. مشكل السودان السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي كبير جدا, و لذلك يحتاج لحلم الكبار و ليس لأماني المراهقيين و الأغرار. قضية معقدة بدرجة تحتاج لقادة عظام يمتلكون الشجاعة و الصلابة و قوة العزيمة و قدرة فائقة ونظر ثاقب, يرى الأمور بغير المعتاد. الذي ينظر لأمر الوضع السوداني السياسي هذا, بتعقيده هذا, و خطورته على مستقبل السودان, بل و تهديده لوجود السودان مطلقا, يوقن بأنه ليس هنالك حل مثالي مطلقا, و إنما يتوجب علينا جميعا التواضع على دستور يستوعب تنوعنا, و يحقق طموحاتنا في أن نعيش في وطن يتساوى فيه الجميع بغض النظر عن الجنس, اللون, أو الدين. وطن يحدد و يمجد الواجبات, و تصان فيه الحقوق. وطن يعمل على صيانة حقوق إنسانه و يجد في تحقيق رفاهيته. وطن خير ديموقراطي او لا وطن. لا يمكن للواقع الماثل أن يستمر و لا ينبغي له قولا وعملا واحدا!
حملت الأنباء في الأسبوع الثاني من شهر يوليو 2014 خبرا مفاده أن الحركة الشعبية- شمال وقعت إعلان تفاهم لإنهاء الحروب مع مجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال فى خطوة فريدة من نوعها, و تقاربا كان غير منظور, وغير متوقع. و الحقيقة أن أي إتفاق يقود لوقف ماكينة الحرب في السودان لابد أن يجد الدعم من الجميع, و لابد أن يكون مكان ترحيب, و أن لا يرفض مبديئا من أي كان! لا سيما و أن الإعلان إشتمل, في المعلن عنه على الأقل, إشتمل على العمل المشترك لإنهاء الحروب في كافة أرجاء البلاد, و العمل على إنهاء النظام الشمولي وإحلاله بنظام ديمقراطي, وكذلك العمل على قيام دولة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات المتساوية بلا تمييز, والحفاظ على وحدة السودان شعباً و أرضاً على أسس جديدة مع الاعتراف بحق الآخرين في أن يكونوا آخرين. أي هدف مرجو أكثر من هذا؟ فلابد من تحقيق الأهداف أعلاه ليتهيأ لأهل السودان الوضع المثالي الذي يمكنهم من التواضع على حد سواء, و بناء وطن جديد يتراضون عليه.
و لكن لأن القضية السودانية قضية متميزة و معقدة, كان مفهوما تماما أن يصاحب هذا الإتفاق كثير من اللغط. و مما لا شك فيه أن هذا الإتفاق سيحرك كثير من المياة الراكدة و سيكون له تأثير مباشر و سريع على مجرى الأحداث في الشهور القليلة المقبلة.
بطبيعة الحال تباينت المواقف بشأن إعلان المذكرة و تراوحت ما بين نكران الحكومة لتوقيعها أصلا, و ما بين رافض, و ما بين هو مشفق للتقارب بين الجبهة الثورية – ممثلة بالحركة الشعبية-شمال- ومجلس الصحوة الثوري. كالعادة إتخذت الحكومة من الأكاذيب تكتيكا للتقليل من شأن أهمية هذا الإعلان و خطورته على وجودها, فإستعانت بماكينة إعلامها المضلل, و الضعف الأخلاقي و الفني الذي لازم صحفي هذا الزمن الأغبر, و صحفه التابعة رغم إدعائها الحيادية, فعمدت إلى إنكار الإعلان أولا, وإثارة الشكوك حوله, و التقليل من شأنه عندما لم تجد بدا من نكرانه.
فوكالة السودان للأنباء الرسمية لم يعصمها مركزها الإعتباري من الولوغ في الكذب مع سبق الإصرار و الترصد, فأوردت, في محاولة يائسة, خبرا هي تعلم قبل غيرها أنه لا أساس له من الصحة, و لكنها أوردته على أي حال. فقالت " أدان وإستنكر مجلس الصحوة السوداني الثوري بقيادة الشيخ موسي هلال الإتفاق الذي وقعه أحد عناصر المجلس مع ما يسمى بالجبهة الثورية بأديس أبابا مؤخرا وتمت نسبة الاتفاق إلي المجلس. وأكد الأستاذ هارون محمود القيادي بمجلس الصحوة السوداني الثوري في تصريح (لسونا) أن الإتفاق لا يمثل المجلس مؤكداً رفض مجلس الصحوة بكل قياداته التنفيذية والشعبية لهذا الاتفاق جملة وتفصيلا مشيراً إلى أن المجلس قاتل الجبهة الثورية ومازال لإيمانه بالسلام والتنمية والإستقرار، مبيناً أن الشيخ موسي هلال ينتمي لحزب المؤتمر الوطني وعضو بالبرلمان السوداني ومستشار للحكومة وإنه الآن يقود المبادرات للمصالحات القبلية في دارفور وهو مع بالسلام ويدعو له. وقال هارون أن هذه الاتفاق التي تم توقيعه يمثل الأجندة الشخصية لمن وقعه وأجندة عناصر تريد مزيدا من زعزعة الاستقرار لإقليم دارفور".
من هذا الهارون محمود الذي يكذب كما يتنفس هذا! على العموم سرعان ما خيب أمالهم موسى هلال و أجرى لقاء أكد فيه توقيعه هذا الإعلان. وفي سؤال عن صحة توقيعه على الإعلان, صرح "نعم.. الحركة الشعبية قطاع الشمال هي أحد التيارات التي تقود العمل السياسي المعارض للنظام وأنا أعلم ذلك جيداً، ولا أرى الأمر حراماً، نحن وقعنا معهم بيان تفاهم لنشر السلام ومنع الحروب في البلاد". والحقته الصحفية بالسؤال: ولماذا نفيت في إحدى الصحف أنك فوضت إسماعيل الأغبش للتوقيع مع الحركة الشعبية قطاع الشمال على الاتفاق؟ فأجاب: أنا؟ من قال إني نفيت؟ هل جاء النفي في الصحف على لساني أم على لسان شخص آخر؟ فتجيب الصحفية, نعم على لسانك! فينفي جملة و تفصيلا " هذا غير صحيح على الإطلاق، أنا لم أتحدث إلى أي صحيفة حول هذا الموضوع، وأول حديث لي في هذا الموضوع للصحافة معكِ أنتِ. البيان الذي وقع تم تحت إشرافي مباشرة، وأنا راضٍ عنه وفيه دعوة للخير عبر نبذ الحرب والدعوة إلى السلام. إسماعيل الأغبش يمثل مجلس الصحوة، ونحن على اتصال معه ومع الحركة الشعبية قطاع الشمال، والبيان في فحواه يؤكد على إيقاف الحروب في السودان وإيقاف الحروب القبلية، وهو بيان ليس مضراً، ويؤكد على دعوة السلام في الوطن العريض. نحن على علم بالبيان وموافقون عليه، ومن وقَّع وقَّع بتفويض شخصي مني". أولم أقل لكم إنها محاولات يائسة و أماني خائبة من الحكومة و صحفها الأكثر خيابة! إنها ضربة قاضية للحكومة و النظام و لكنهم كعادتهم قابولها بأماني المراهقين و دفن الروؤس في الرمال. إنه إختراق أربك النظام و أرعد فرائضه.
عندما لم تتمكن من النكران بعد التصريحات التي لا لبس فيها التي أدلى بها موسى هلال, عمدت ماكينة إعلام الحكومة المضلل إلى التشويش و التقليل من شأن هذه الخطوة التي أربكت ترتيباتهم, ولم تكن في حسبانهم أن يحصل أي تقارب بين أي من فصائل الجبهة الثورية مع موسى هلال. أسمع "الأهرام اليوم" تتزحلق وتهرطق فنقلت عن موسى هلال قوله " إن برنامجه منذ عهد السلام أصبح إصلاحيا ولا يستهدف إسقاط النظام، كما تريد الجبهة الثورية، وتابع- أي موسى هلال- "إذا أرادت الجبهة الثورية السلام فمرحبا بها أما إن أرادت اسقاط النظام فانني ضدها لأنني أعمل وفق برنامج معلوم لإصلاح الدولة والحزب" كلام والله! على أي حال فقد أنكر موسى هلال أن يكون قد أدلى بأي حديث لأي صحيفة بهذا الخصوص, و لكنها أمانيكم و سذاجتكم التي تمنحكم هذا الإحساس بالأمان الزائف و الدوائر تضيق عليكم, ويوم التغابن يمضي نحوكم في تسارع و أنتم عنه غافلون.
أما المؤتمر الوطني فكعادته يطبب لمن يشكي الصداع كراعيه! فقد جاء عنه" وكشف المؤتمر الوطني عن إتصالات يجريها نائب رئيس الحزب إبراهيم غندور مع هلال بشكل راتب. وأكد أن هلال ما يزال عضوا في الحزب والبرلمان". والله؟!! و من سألك عن هذا أصلا يا غندور؟ أو لا تسأمون أنتم من اللعب على الحبال, و الضحك على الدقون؟!
كل هذا كوم و لكن ما أتي به الصوارمي لم يأتي به الأولين و لا الأخرين! أسمعه يحدثك و أخبرني إذا فهمت ما يرمي إليه الصوارمي أو اي كان إسمه! " من جانبه قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الصوارمي خالد سعد ل "الشرق الأوسط" إنه من المبكر إستعداء موسى هلال وقواته في الوقت الراهن، وأضاف: "مازلنا نحتفظ بحبال الود مع موسى هلال وقواته، ولكن ما التأكيد على أنه وقع هذه المذكرة؟" و مضى يقول "أن القيادة السياسية والقوات المسلحة ستخضعان المذكرة للدراسة، وبعدها ستعلن إن كان متمرداً من عدمه وكيفية التعامل مع قواته، لكنه إستدرك قائلاً: "إذا كانت مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية صحيحة، فإنها بحسب قانون القوات المسلحة حركة متمردة وتحارب في الميدان، وأي تعاون من أي شخص مع التمرد سواء بالذخيرة أو نقل المعلومات أو تسهيل العمليات العسكرية للمتمردين، فإنه يصبح جزءاً من التمرد". هل فهمتم شيئا من هذا؟ هل موسى عضو برلمان أم هو متمرد أم من هو بالنسبة للنظام الأن؟ يبدو أن النظام لم يحسم أمره بعد و لكن مما لا شك فيه أن موسى هلال قد صار على بينة من أمره.
أما توابع الحكومة و الذين يصر النظام على أنهم أصحاب القضية واهلها الحقيقيون و الممثلون الأصليون للجبهة الثورية فأمرهم عجب!على أي حال هم كثر و يهرفون بما لا يعرفون!و تستعملهم الحكومة أنى شاءت. كانوا سيرفضون هذا الإعلان و لو أتى مبرأ من كل عيب طالما أن الحركة الشعبية- شمال طرف فيه! إنهم مأمورون, ولا يفعلون إلا ما يؤمرون. أحزان,و لكن أكثر ما أحزنني, هو تهافت اللواء تلفون كوكو و مماحكته! فقد أثبت سعادة اللواء جهالة و تهافت لا تليق بالكبار! فقد وصف الإعلان "بالإتفاق المخزىء والهزيل الذى تم توقيعه بين الحركة الشعبية شمال وما يسمى مجلس الصحوة الثورى السودانى بقيادة المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية!" و الحق الذي لابد من تثيبته هو أن موسى هلال ليس مطلوبا لدى المحكمة الجنائية. لا يعني هذا براءته على أي حال, و لكن لابد من وضع الأمور في نصابها. و لكي نكون محترمين لدى أنفسنا و الأخرين, لا بد أن نكون أمناء عندما نتناول أمورا غاية في الأهمية, وتتعلق بحياة أمة و تاريخ شعب! أنظر إلى سقوط اللواء و هو يلوي الحديث و يوغل في الشتائم بصورة مخجلة لا تليق به فيقول "إن هذه المذكرة تعبر عن مصالح الثلاثى الشيطانى ومؤامراتهم للقضاء على الحركة الشعبية ومشروعها والهامش السودانى فى جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وما بيان الاتفاق بين ياسر عرمان وسارة نقدالله ببعيد.. وتأتى هذه المذكرة فى إطار زرع الفتن بين أبناء دارفور وجبال النوبة وحرق قيادات جبال النوبة الواحد يلي الآخر(جقود مكوار نموذجاً ) والزج بهم فى مجاهل السياسة النتنه.. وجقود مكوار لا يمثل رأى أبناء جبال النوبة فى هذه المذكرة إنما الحركة الشعبية.. وإقدام جقود مكوار على هذا العمل يعبر عن ضيق اُفقه السياسى الخالى فكرياً وذهنياً بل مجرد جثة بدنية متحركة خالية المحتوى والمضمون" (بيان اللواء تلفون بخصوص الإعلان)... يقول تلفون "الثلاثي الشيطاني و مؤامراتهم للقضاء على الحركة الشعبية!" فتأمل! إنه إلتواء في أبخس صوره!
هنالك الأصدقاء المشفقون الذين لا يرون في هذه الخطوة إختراق للجبهة الثورية, ممثلة في الحركة الشعبية- شمال, بل إحتراق! و منطلق هؤلاء إنه ما كان يجب أن تضع الحركة الشعبية يدها في يد رجل تلطخت يداه بدماء الأبرياء. وكالعادة, إتخذ بعضهم هذا الإعلان مبررا ليصب جام غضبه على الحركة الشعبية- شمال, و يتهمها و يرميها بكل سوء, ولكن كعادة هؤلاء الناشطين, إنصب غضبهم على ياسر عرمان بصورة خاصة دون وجه حق. معظم مواقف هؤلاء الناشطين المشفقين لم تنم عن نضج, و لكنها كانت متعجلة و تغلب عليها العاطفية! كان عليهم الإعتبار بالتاريخ, فصحائف التاريخ مليئة بهزائم الاغبياء الذين يعظمون من شأن أنفسهم ويقللون من قوة أعدائهم و يرفضون التنازل و التواضع معهم على بعض إتفاق. فإذا كانت الحركة الشعبية- شمال "إبتلعت ضفدعا" لتجلس و تحاور البشير, العنصري, الفظ, مهندس كل هذه المذابح, والمحرك لموسى هلال وغيره من قوات الجنجويد لإرتكاب تلك الجرائم! إبتلعت ضفدعا و جلست لتحاور عمر البشير الذي لا يفوت فرصة قط إلا و كال فيها الشتائم و الزراية و الإحتقار لقادة الجبهة الثورية. فإذا ما تحملت كل هذا وجلست لتحاور البشير لإيقاف هذه الحرب و التقتيل, ألا يكون مقبولا, أو لعله من العقل أن تجلس الجبهة الثورية مع موسى هلال أو أي من قادة الجنجويد وتعمل على تحييدهم على أقل فروض إن لم نقل تكسبهم إلى جانبها في الصراع؟ أعتقد أن هذا أقل ما تقبل به الفطرة السليمة والسياسة الرشيدة.
و ما يمكن كذلك أن يقال في هذا الخصوص, أن هذا الإتفاق ليس تبرئة لموسى هلال أمام محكمة قانون, ولكنه إعلان مذكرة تفاهم من شأنها أن توقف القتل و السحل وسط الأبرياء, و تعجل بإسقاط النظام. أما المحاسبة و أخذ الحقوق لأصحابها, فليس مكانها المفاوضات السياسية, و لكنها تأتي بسن القوانين, و إنشاء المحاكم المختصة عندما يأتي وقتها. محاكم سوف يديرها قانونيون حرفيون و ليس سياسيون " حالمون". إن هذا الإعلان الذي تم توقيعه مع موسى هلال, لكل ناظر بعمق, يعتبر خطوة موفقة جدا قامت بها الحركة الشعبية-شمال و أيدتها كل فصائل الجبهة الثورية. فقد وضعت هذه الخطوة الحكومة في حلقة ضيقة. و قد كان هذا الإعلان كذلك بمثابة رسالة لحميدتي, وقد أحرجته هذه الإتفاقية أيما إحراج أمام أهله و عشيرته, لا سيما و أن شيخا معتبرا لديهم مثل موسى هلال, يقف على النقيض منه. كذلك, لا بد من الإعتراف بأنه بالرغم من أن قوات الجبهة الثورية لا تخشى أية قوة عسكرية, و قد أثبت ذلك في الميدان, و لكنها تعلم أنها ستخسر الكثير إذا دخلت في أي حروب جانبية, غير لازمة أو يمكن تلافيها مع أي قوات أخرى غير القوات الحكومية. فإن قوات الجبهة الثورية الأن في موقف أقوى, فقد كسبت هلال بقواته, و صار الجيش في موقف أضعف الأن بخروج هلال بقواته من قائمة حساباته.
مما لا شك فيه أن الجبهة الثورية لها رؤية, و قد ثبتت في كل أدبياتها أن يدها في البندقية, و لكن عينها على السلام. و أن المحاسبة و أخذ حقوق الضحايا مبدأ أساسي لا يمكن أن يسقط بالتقادم, و لكن لكل مقام مقال. و أي كلام عن المحاسبة الأن, سيكون سابقا لأوانه, و إنه لا يكون حديثا معقولا, ولا موضوعيا, و فوق ذلك غير ممكنا. و على كل حال, فالخير للسودان أن يستوعب العبر التاريخية من الدول التي تتشابه في تاريخها السياسي مع السودان. فالجبهة الثورية تفخر بتجربة المؤتمر الأفريقي في جنوب أفريقيا و تحاول محاكاته و تعمل على تطوير فكرة الجبهة الثورية لتصير كالمؤتمر الأفريقي, وتتوحد مثله كمنظومة متكاملة لتمارس العمل السياسي بعد الإنقاذ. و الحال كهذا, لا بد أن تعد و تستعد الجبهة الثورية لإتخاذ قرارات, ربما تكون صعبة و غير جذابة, تجنب السودان الإحتراب و الإنتقام و الفوضى, و ربما التفكك.
ماذا يريد الناس أن يكون سودان ما بعد الإنقاذ؟ هل يريدون سودانا تسوده الرغبة في الإنتقام؟ أم سودانا متصالحا يقوده رجال يحكمون العقل ويشعرون بمسئولية التاريخ فيعملوا على المصالحة الوطنية و بناء الوطن العريض؟ و بالضرورة الحديث عن المؤتمر الأفريقي لا بد وأن يقود للحديث عن تجربته السياسية بعد سقوط حكومة الفصل العنصري و التي بدورها أرتكبت جرائم لا تغتفرضد الإنسانية. فقد زار رسول الإنسانية القائد الأفريقي نيلسون مانديلا بتسي أسكومبي أرملة هندريك فيرورد, أحد مهندسي الفصل العنصري و أكثر المنافحين عنها. كما التقى مانديلا بشخصيات بارزة في نظام الفصل العنصري، بما في ذلك المحامي بيرسي يوتار؛ مؤكدا صفحه ومصالحته الشخصية لهم، كما أعلن مانديلا أن "الشعب الشجاع لا يخشى الصفح من أجل السلام". ورغم الجدل المثار، وافق مانديلا على تشكيل «لجنة الحقيقة والمصالحة» للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في ظل نظام الفصل العنصري من جانب كل من الحكومة وحزب المؤتمر الأفريقي، وعين صديقه و رفيق دربه القسيس ديزموند توتو رئيسا للجنة. فألغي قانون الحكم بالإعدام, كما منحت اللجنة عفوا فرديا لكل من يدلي بشهادته حول الجرائم التي أرتكبت في حقبة الفصل العنصري. خففت جهود لجنة الحقيقة و المصالحة من مخاوف البيض، كما أنها لم تتردد في أن توجه أيضا الإنتقادات للسود المتشددين و الذين إتركبوا جرائم ضد الإنسانية.
بالطبع صدرت كثير من الإنتقادات من وسط حزب المؤتمر الأفريقي لسياسة الغفران والمصالحة تجاه البيض التي تبناها مانديلا. فمثلا أتهمت ويني "مطلقة مانديلا" حزب المؤتمر الأفريقي بأنه حرص على ترضية البيض على حساب حقوق السود و معاناتهم و لم يهتم بأخذ حقوقهم و الإنتقام لهم من التظلمات التي لحقت من البيض أثناء سنوات الفصل العنصري. و لكن لم يكن لمانديلا خيارا أفضل و لم تكن هنالك من سياسة أخرى مثلى أو ممكنة، خاصة وأن الجنرالات والمتنفذين البيض كان يمكنهم عرقلة عملية السلام برمتها، بما في ذلك انتخابات سنة 1994. لم تلقى سياسات مانديلا قبولا واسعا من حزب المؤتمر الأفريقي في أول الأمر, و لكن ظهرت حكمته جلية وأخيرا تبنى المؤتمر الأفريقي كل سياسات الرئيس مانديلا بدون تحفظ, في حين إعتبر المجتمع الدولي هذه المصالحة نجاحا, و سابقة تاريخية, عبقرية, منعت وقوع حربا أهلية بين البيض والسود في جنوب أفريقيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.