ماذا وراء ترحيل المهاجرين من السودان؟    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إتفاق الجبهة الثورية و موسى هلال : خطوة إلى الأمام في مسيرة إسقاط النظام!
نشر في الراكوبة يوم 31 - 07 - 2014

الحق الذي لا مراء فيه أن مشهد المشكل السوداني غاية في التعقيد و الإنفلات, و يكاد يشبه في تعقيده فيم يشبه نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا و لا يشبهه! فمشكلة بهذا الحجم والتعقيد و الميوعة لابد أن يتصدى لها قادة من طراز فريد, و قلوب كبيرة, وببعد نظر غير منظور. كما أنه لا بد من إعمال فكر جديد, و مميز لمواجهة هذا المشكل. فكر يغرق المسحانة و يطفح الزانة! الأن, الأن! لا سيما وأن الشعب السوداني دفع غاليا من أرواحه و دمائه و عرضه. مشكل السودان السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي كبير جدا, و لذلك يحتاج لحلم الكبار و ليس لأماني المراهقيين و الأغرار. قضية معقدة بدرجة تحتاج لقادة عظام يمتلكون الشجاعة و الصلابة و قوة العزيمة و قدرة فائقة ونظر ثاقب, يرى الأمور بغير المعتاد. الذي ينظر لأمر الوضع السوداني السياسي هذا, بتعقيده هذا, و خطورته على مستقبل السودان, بل و تهديده لوجود السودان مطلقا, يوقن بأنه ليس هنالك حل مثالي مطلقا, و إنما يتوجب علينا جميعا التواضع على دستور يستوعب تنوعنا, و يحقق طموحاتنا في أن نعيش في وطن يتساوى فيه الجميع بغض النظر عن الجنس, اللون, أو الدين. وطن يحدد و يمجد الواجبات, و تصان فيه الحقوق. وطن يعمل على صيانة حقوق إنسانه و يجد في تحقيق رفاهيته. وطن خير ديموقراطي او لا وطن. لا يمكن للواقع الماثل أن يستمر و لا ينبغي له قولا وعملا واحدا!
حملت الأنباء في الأسبوع الثاني من شهر يوليو 2014 خبرا مفاده أن الحركة الشعبية- شمال وقعت إعلان تفاهم لإنهاء الحروب مع مجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال فى خطوة فريدة من نوعها, و تقاربا كان غير منظور, وغير متوقع. و الحقيقة أن أي إتفاق يقود لوقف ماكينة الحرب في السودان لابد أن يجد الدعم من الجميع, و لابد أن يكون مكان ترحيب, و أن لا يرفض مبديئا من أي كان! لا سيما و أن الإعلان إشتمل, في المعلن عنه على الأقل, إشتمل على العمل المشترك لإنهاء الحروب في كافة أرجاء البلاد, و العمل على إنهاء النظام الشمولي وإحلاله بنظام ديمقراطي, وكذلك العمل على قيام دولة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات المتساوية بلا تمييز, والحفاظ على وحدة السودان شعباً و أرضاً على أسس جديدة مع الاعتراف بحق الآخرين في أن يكونوا آخرين. أي هدف مرجو أكثر من هذا؟ فلابد من تحقيق الأهداف أعلاه ليتهيأ لأهل السودان الوضع المثالي الذي يمكنهم من التواضع على حد سواء, و بناء وطن جديد يتراضون عليه.
و لكن لأن القضية السودانية قضية متميزة و معقدة, كان مفهوما تماما أن يصاحب هذا الإتفاق كثير من اللغط. و مما لا شك فيه أن هذا الإتفاق سيحرك كثير من المياة الراكدة و سيكون له تأثير مباشر و سريع على مجرى الأحداث في الشهور القليلة المقبلة.
بطبيعة الحال تباينت المواقف بشأن إعلان المذكرة و تراوحت ما بين نكران الحكومة لتوقيعها أصلا, و ما بين رافض, و ما بين هو مشفق للتقارب بين الجبهة الثورية – ممثلة بالحركة الشعبية-شمال- ومجلس الصحوة الثوري. كالعادة إتخذت الحكومة من الأكاذيب تكتيكا للتقليل من شأن أهمية هذا الإعلان و خطورته على وجودها, فإستعانت بماكينة إعلامها المضلل, و الضعف الأخلاقي و الفني الذي لازم صحفي هذا الزمن الأغبر, و صحفه التابعة رغم إدعائها الحيادية, فعمدت إلى إنكار الإعلان أولا, وإثارة الشكوك حوله, و التقليل من شأنه عندما لم تجد بدا من نكرانه.
فوكالة السودان للأنباء الرسمية لم يعصمها مركزها الإعتباري من الولوغ في الكذب مع سبق الإصرار و الترصد, فأوردت, في محاولة يائسة, خبرا هي تعلم قبل غيرها أنه لا أساس له من الصحة, و لكنها أوردته على أي حال. فقالت " أدان وإستنكر مجلس الصحوة السوداني الثوري بقيادة الشيخ موسي هلال الإتفاق الذي وقعه أحد عناصر المجلس مع ما يسمى بالجبهة الثورية بأديس أبابا مؤخرا وتمت نسبة الاتفاق إلي المجلس. وأكد الأستاذ هارون محمود القيادي بمجلس الصحوة السوداني الثوري في تصريح (لسونا) أن الإتفاق لا يمثل المجلس مؤكداً رفض مجلس الصحوة بكل قياداته التنفيذية والشعبية لهذا الاتفاق جملة وتفصيلا مشيراً إلى أن المجلس قاتل الجبهة الثورية ومازال لإيمانه بالسلام والتنمية والإستقرار، مبيناً أن الشيخ موسي هلال ينتمي لحزب المؤتمر الوطني وعضو بالبرلمان السوداني ومستشار للحكومة وإنه الآن يقود المبادرات للمصالحات القبلية في دارفور وهو مع بالسلام ويدعو له. وقال هارون أن هذه الاتفاق التي تم توقيعه يمثل الأجندة الشخصية لمن وقعه وأجندة عناصر تريد مزيدا من زعزعة الاستقرار لإقليم دارفور".
من هذا الهارون محمود الذي يكذب كما يتنفس هذا! على العموم سرعان ما خيب أمالهم موسى هلال و أجرى لقاء أكد فيه توقيعه هذا الإعلان. وفي سؤال عن صحة توقيعه على الإعلان, صرح "نعم.. الحركة الشعبية قطاع الشمال هي أحد التيارات التي تقود العمل السياسي المعارض للنظام وأنا أعلم ذلك جيداً، ولا أرى الأمر حراماً، نحن وقعنا معهم بيان تفاهم لنشر السلام ومنع الحروب في البلاد". والحقته الصحفية بالسؤال: ولماذا نفيت في إحدى الصحف أنك فوضت إسماعيل الأغبش للتوقيع مع الحركة الشعبية قطاع الشمال على الاتفاق؟ فأجاب: أنا؟ من قال إني نفيت؟ هل جاء النفي في الصحف على لساني أم على لسان شخص آخر؟ فتجيب الصحفية, نعم على لسانك! فينفي جملة و تفصيلا " هذا غير صحيح على الإطلاق، أنا لم أتحدث إلى أي صحيفة حول هذا الموضوع، وأول حديث لي في هذا الموضوع للصحافة معكِ أنتِ. البيان الذي وقع تم تحت إشرافي مباشرة، وأنا راضٍ عنه وفيه دعوة للخير عبر نبذ الحرب والدعوة إلى السلام. إسماعيل الأغبش يمثل مجلس الصحوة، ونحن على اتصال معه ومع الحركة الشعبية قطاع الشمال، والبيان في فحواه يؤكد على إيقاف الحروب في السودان وإيقاف الحروب القبلية، وهو بيان ليس مضراً، ويؤكد على دعوة السلام في الوطن العريض. نحن على علم بالبيان وموافقون عليه، ومن وقَّع وقَّع بتفويض شخصي مني". أولم أقل لكم إنها محاولات يائسة و أماني خائبة من الحكومة و صحفها الأكثر خيابة! إنها ضربة قاضية للحكومة و النظام و لكنهم كعادتهم قابولها بأماني المراهقين و دفن الروؤس في الرمال. إنه إختراق أربك النظام و أرعد فرائضه.
عندما لم تتمكن من النكران بعد التصريحات التي لا لبس فيها التي أدلى بها موسى هلال, عمدت ماكينة إعلام الحكومة المضلل إلى التشويش و التقليل من شأن هذه الخطوة التي أربكت ترتيباتهم, ولم تكن في حسبانهم أن يحصل أي تقارب بين أي من فصائل الجبهة الثورية مع موسى هلال. أسمع "الأهرام اليوم" تتزحلق وتهرطق فنقلت عن موسى هلال قوله " إن برنامجه منذ عهد السلام أصبح إصلاحيا ولا يستهدف إسقاط النظام، كما تريد الجبهة الثورية، وتابع- أي موسى هلال- "إذا أرادت الجبهة الثورية السلام فمرحبا بها أما إن أرادت اسقاط النظام فانني ضدها لأنني أعمل وفق برنامج معلوم لإصلاح الدولة والحزب" كلام والله! على أي حال فقد أنكر موسى هلال أن يكون قد أدلى بأي حديث لأي صحيفة بهذا الخصوص, و لكنها أمانيكم و سذاجتكم التي تمنحكم هذا الإحساس بالأمان الزائف و الدوائر تضيق عليكم, ويوم التغابن يمضي نحوكم في تسارع و أنتم عنه غافلون.
أما المؤتمر الوطني فكعادته يطبب لمن يشكي الصداع كراعيه! فقد جاء عنه" وكشف المؤتمر الوطني عن إتصالات يجريها نائب رئيس الحزب إبراهيم غندور مع هلال بشكل راتب. وأكد أن هلال ما يزال عضوا في الحزب والبرلمان". والله؟!! و من سألك عن هذا أصلا يا غندور؟ أو لا تسأمون أنتم من اللعب على الحبال, و الضحك على الدقون؟!
كل هذا كوم و لكن ما أتي به الصوارمي لم يأتي به الأولين و لا الأخرين! أسمعه يحدثك و أخبرني إذا فهمت ما يرمي إليه الصوارمي أو اي كان إسمه! " من جانبه قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الصوارمي خالد سعد ل "الشرق الأوسط" إنه من المبكر إستعداء موسى هلال وقواته في الوقت الراهن، وأضاف: "مازلنا نحتفظ بحبال الود مع موسى هلال وقواته، ولكن ما التأكيد على أنه وقع هذه المذكرة؟" و مضى يقول "أن القيادة السياسية والقوات المسلحة ستخضعان المذكرة للدراسة، وبعدها ستعلن إن كان متمرداً من عدمه وكيفية التعامل مع قواته، لكنه إستدرك قائلاً: "إذا كانت مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية صحيحة، فإنها بحسب قانون القوات المسلحة حركة متمردة وتحارب في الميدان، وأي تعاون من أي شخص مع التمرد سواء بالذخيرة أو نقل المعلومات أو تسهيل العمليات العسكرية للمتمردين، فإنه يصبح جزءاً من التمرد". هل فهمتم شيئا من هذا؟ هل موسى عضو برلمان أم هو متمرد أم من هو بالنسبة للنظام الأن؟ يبدو أن النظام لم يحسم أمره بعد و لكن مما لا شك فيه أن موسى هلال قد صار على بينة من أمره.
أما توابع الحكومة و الذين يصر النظام على أنهم أصحاب القضية واهلها الحقيقيون و الممثلون الأصليون للجبهة الثورية فأمرهم عجب!على أي حال هم كثر و يهرفون بما لا يعرفون!و تستعملهم الحكومة أنى شاءت. كانوا سيرفضون هذا الإعلان و لو أتى مبرأ من كل عيب طالما أن الحركة الشعبية- شمال طرف فيه! إنهم مأمورون, ولا يفعلون إلا ما يؤمرون. أحزان,و لكن أكثر ما أحزنني, هو تهافت اللواء تلفون كوكو و مماحكته! فقد أثبت سعادة اللواء جهالة و تهافت لا تليق بالكبار! فقد وصف الإعلان "بالإتفاق المخزىء والهزيل الذى تم توقيعه بين الحركة الشعبية شمال وما يسمى مجلس الصحوة الثورى السودانى بقيادة المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية!" و الحق الذي لابد من تثيبته هو أن موسى هلال ليس مطلوبا لدى المحكمة الجنائية. لا يعني هذا براءته على أي حال, و لكن لابد من وضع الأمور في نصابها. و لكي نكون محترمين لدى أنفسنا و الأخرين, لا بد أن نكون أمناء عندما نتناول أمورا غاية في الأهمية, وتتعلق بحياة أمة و تاريخ شعب! أنظر إلى سقوط اللواء و هو يلوي الحديث و يوغل في الشتائم بصورة مخجلة لا تليق به فيقول "إن هذه المذكرة تعبر عن مصالح الثلاثى الشيطانى ومؤامراتهم للقضاء على الحركة الشعبية ومشروعها والهامش السودانى فى جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وما بيان الاتفاق بين ياسر عرمان وسارة نقدالله ببعيد.. وتأتى هذه المذكرة فى إطار زرع الفتن بين أبناء دارفور وجبال النوبة وحرق قيادات جبال النوبة الواحد يلي الآخر(جقود مكوار نموذجاً ) والزج بهم فى مجاهل السياسة النتنه.. وجقود مكوار لا يمثل رأى أبناء جبال النوبة فى هذه المذكرة إنما الحركة الشعبية.. وإقدام جقود مكوار على هذا العمل يعبر عن ضيق اُفقه السياسى الخالى فكرياً وذهنياً بل مجرد جثة بدنية متحركة خالية المحتوى والمضمون" (بيان اللواء تلفون بخصوص الإعلان)... يقول تلفون "الثلاثي الشيطاني و مؤامراتهم للقضاء على الحركة الشعبية!" فتأمل! إنه إلتواء في أبخس صوره!
هنالك الأصدقاء المشفقون الذين لا يرون في هذه الخطوة إختراق للجبهة الثورية, ممثلة في الحركة الشعبية- شمال, بل إحتراق! و منطلق هؤلاء إنه ما كان يجب أن تضع الحركة الشعبية يدها في يد رجل تلطخت يداه بدماء الأبرياء. وكالعادة, إتخذ بعضهم هذا الإعلان مبررا ليصب جام غضبه على الحركة الشعبية- شمال, و يتهمها و يرميها بكل سوء, ولكن كعادة هؤلاء الناشطين, إنصب غضبهم على ياسر عرمان بصورة خاصة دون وجه حق. معظم مواقف هؤلاء الناشطين المشفقين لم تنم عن نضج, و لكنها كانت متعجلة و تغلب عليها العاطفية! كان عليهم الإعتبار بالتاريخ, فصحائف التاريخ مليئة بهزائم الاغبياء الذين يعظمون من شأن أنفسهم ويقللون من قوة أعدائهم و يرفضون التنازل و التواضع معهم على بعض إتفاق. فإذا كانت الحركة الشعبية- شمال "إبتلعت ضفدعا" لتجلس و تحاور البشير, العنصري, الفظ, مهندس كل هذه المذابح, والمحرك لموسى هلال وغيره من قوات الجنجويد لإرتكاب تلك الجرائم! إبتلعت ضفدعا و جلست لتحاور عمر البشير الذي لا يفوت فرصة قط إلا و كال فيها الشتائم و الزراية و الإحتقار لقادة الجبهة الثورية. فإذا ما تحملت كل هذا وجلست لتحاور البشير لإيقاف هذه الحرب و التقتيل, ألا يكون مقبولا, أو لعله من العقل أن تجلس الجبهة الثورية مع موسى هلال أو أي من قادة الجنجويد وتعمل على تحييدهم على أقل فروض إن لم نقل تكسبهم إلى جانبها في الصراع؟ أعتقد أن هذا أقل ما تقبل به الفطرة السليمة والسياسة الرشيدة.
و ما يمكن كذلك أن يقال في هذا الخصوص, أن هذا الإتفاق ليس تبرئة لموسى هلال أمام محكمة قانون, ولكنه إعلان مذكرة تفاهم من شأنها أن توقف القتل و السحل وسط الأبرياء, و تعجل بإسقاط النظام. أما المحاسبة و أخذ الحقوق لأصحابها, فليس مكانها المفاوضات السياسية, و لكنها تأتي بسن القوانين, و إنشاء المحاكم المختصة عندما يأتي وقتها. محاكم سوف يديرها قانونيون حرفيون و ليس سياسيون " حالمون". إن هذا الإعلان الذي تم توقيعه مع موسى هلال, لكل ناظر بعمق, يعتبر خطوة موفقة جدا قامت بها الحركة الشعبية-شمال و أيدتها كل فصائل الجبهة الثورية. فقد وضعت هذه الخطوة الحكومة في حلقة ضيقة. و قد كان هذا الإعلان كذلك بمثابة رسالة لحميدتي, وقد أحرجته هذه الإتفاقية أيما إحراج أمام أهله و عشيرته, لا سيما و أن شيخا معتبرا لديهم مثل موسى هلال, يقف على النقيض منه. كذلك, لا بد من الإعتراف بأنه بالرغم من أن قوات الجبهة الثورية لا تخشى أية قوة عسكرية, و قد أثبت ذلك في الميدان, و لكنها تعلم أنها ستخسر الكثير إذا دخلت في أي حروب جانبية, غير لازمة أو يمكن تلافيها مع أي قوات أخرى غير القوات الحكومية. فإن قوات الجبهة الثورية الأن في موقف أقوى, فقد كسبت هلال بقواته, و صار الجيش في موقف أضعف الأن بخروج هلال بقواته من قائمة حساباته.
مما لا شك فيه أن الجبهة الثورية لها رؤية, و قد ثبتت في كل أدبياتها أن يدها في البندقية, و لكن عينها على السلام. و أن المحاسبة و أخذ حقوق الضحايا مبدأ أساسي لا يمكن أن يسقط بالتقادم, و لكن لكل مقام مقال. و أي كلام عن المحاسبة الأن, سيكون سابقا لأوانه, و إنه لا يكون حديثا معقولا, ولا موضوعيا, و فوق ذلك غير ممكنا. و على كل حال, فالخير للسودان أن يستوعب العبر التاريخية من الدول التي تتشابه في تاريخها السياسي مع السودان. فالجبهة الثورية تفخر بتجربة المؤتمر الأفريقي في جنوب أفريقيا و تحاول محاكاته و تعمل على تطوير فكرة الجبهة الثورية لتصير كالمؤتمر الأفريقي, وتتوحد مثله كمنظومة متكاملة لتمارس العمل السياسي بعد الإنقاذ. و الحال كهذا, لا بد أن تعد و تستعد الجبهة الثورية لإتخاذ قرارات, ربما تكون صعبة و غير جذابة, تجنب السودان الإحتراب و الإنتقام و الفوضى, و ربما التفكك.
ماذا يريد الناس أن يكون سودان ما بعد الإنقاذ؟ هل يريدون سودانا تسوده الرغبة في الإنتقام؟ أم سودانا متصالحا يقوده رجال يحكمون العقل ويشعرون بمسئولية التاريخ فيعملوا على المصالحة الوطنية و بناء الوطن العريض؟ و بالضرورة الحديث عن المؤتمر الأفريقي لا بد وأن يقود للحديث عن تجربته السياسية بعد سقوط حكومة الفصل العنصري و التي بدورها أرتكبت جرائم لا تغتفرضد الإنسانية. فقد زار رسول الإنسانية القائد الأفريقي نيلسون مانديلا بتسي أسكومبي أرملة هندريك فيرورد, أحد مهندسي الفصل العنصري و أكثر المنافحين عنها. كما التقى مانديلا بشخصيات بارزة في نظام الفصل العنصري، بما في ذلك المحامي بيرسي يوتار؛ مؤكدا صفحه ومصالحته الشخصية لهم، كما أعلن مانديلا أن "الشعب الشجاع لا يخشى الصفح من أجل السلام". ورغم الجدل المثار، وافق مانديلا على تشكيل «لجنة الحقيقة والمصالحة» للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في ظل نظام الفصل العنصري من جانب كل من الحكومة وحزب المؤتمر الأفريقي، وعين صديقه و رفيق دربه القسيس ديزموند توتو رئيسا للجنة. فألغي قانون الحكم بالإعدام, كما منحت اللجنة عفوا فرديا لكل من يدلي بشهادته حول الجرائم التي أرتكبت في حقبة الفصل العنصري. خففت جهود لجنة الحقيقة و المصالحة من مخاوف البيض، كما أنها لم تتردد في أن توجه أيضا الإنتقادات للسود المتشددين و الذين إتركبوا جرائم ضد الإنسانية.
بالطبع صدرت كثير من الإنتقادات من وسط حزب المؤتمر الأفريقي لسياسة الغفران والمصالحة تجاه البيض التي تبناها مانديلا. فمثلا أتهمت ويني "مطلقة مانديلا" حزب المؤتمر الأفريقي بأنه حرص على ترضية البيض على حساب حقوق السود و معاناتهم و لم يهتم بأخذ حقوقهم و الإنتقام لهم من التظلمات التي لحقت من البيض أثناء سنوات الفصل العنصري. و لكن لم يكن لمانديلا خيارا أفضل و لم تكن هنالك من سياسة أخرى مثلى أو ممكنة، خاصة وأن الجنرالات والمتنفذين البيض كان يمكنهم عرقلة عملية السلام برمتها، بما في ذلك انتخابات سنة 1994. لم تلقى سياسات مانديلا قبولا واسعا من حزب المؤتمر الأفريقي في أول الأمر, و لكن ظهرت حكمته جلية وأخيرا تبنى المؤتمر الأفريقي كل سياسات الرئيس مانديلا بدون تحفظ, في حين إعتبر المجتمع الدولي هذه المصالحة نجاحا, و سابقة تاريخية, عبقرية, منعت وقوع حربا أهلية بين البيض والسود في جنوب أفريقيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.