بسم الله الرحمن الرحيم المتوكل محمد موسى إن زيارة الصادق المهدى لمقر الجامعة العربية، بعد توقيعه لإعلان باريس مع الجبهة الثورية، قد تأخرت 25 عام، لقد كان على الصادق أن يلجأ إلى ما يقوم به اليوم من تحالفات مع المعارضة المسلحة لنظام المؤتمر الوطنى والتواصل مع المجتمع الدولى منذ أن أطاح به الرئيس البشير فى يونيو من 1989م، لأنه فى ذلك الوقت وقبل أن تستتب الأمور فى يد حكومة الإنقاذ كان يمكنه الحصول على تعهدات دولية بعودته إلى سدة السلطة التى كان هو رئيسها الشرعى المنتخب من قبل الشعب السودانى صاحب الحق الأصيل فى إختيار من يحكمه، وكانوا، حتماً، سيعينونه حتى وإن أدى ذلك إلى إرسال الجيوش الأممية لإعادته إلى السلطة، وهناك تجارب عديدة تم فيها الإنقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة ولكن إرادة الرؤساء المنتخبين المغدور بهم لم تستسلم لأقدار الإنقلابيين وسطوتهم، بل واصلوا كفاحهم من المنافى وأقنعوا المجتمع الدولى بعدالة قضيتهم ليُساعدهم فى إستعادة السلطة المغتصبة وقد كان لهم ما أرادوا، حدث هذا فى هاييتى مع الرئيس المنتخب جون أرستيد، وفى سيراليون مع الرئيس المنتخب أحمد تيجان كبا، ولازال الرئيس المصرى السابق محمد مرسى وأنصاره، بغض النظر عن إختلافنا مع مرسى أو الإتفاق معه، يطالبون بعودته للحكم بوصفه الرئيس الشرعى المنتخب. كنت أستغرب كثيراً للتصريحات التى كان يطلقها السيد الصادق المهدى والتى يقول فيها إنه وحزبه لن يسعيا لتغيير النظام الذى أطاح به بالقوة، ويسوق مبررات واهية لا تُقنع حتى الأطفال الصغار ناهيك عن قاعدة عريضة من الشعب السودانى ظلت تسمع تصريحات قادة النظام الإنقلابى أنفسهم يتبجحون ويصرحون، صباحاً ومساءً، بمناسبة وبدون مناسبة، أنهم باقون فى السلطة التى إغتصبوها بليل وبقعقعة السلاح، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن من يريدها، أى السلطة، فليمتشق حسامه وليستعد للنزال والذخيرة " تورى وشها"، لكن هناك شبّان سودانيون، أبوا الضيم، فردوا لعصابة المؤتمر قفازها فى وجهها غير عابئين بتفوق النظام من حيث السلاح وإستغلال كل موارد الدولة لمحاربتهم ولم يستطع أن يردعهم عن هدفهم المنشود فى إسقاطه رادع، وهى رغم أنها معركة غير عادلة، لأن النظام هو من إختار كيف يكون شكل المعركة وحدد ميدانها وقواعد لعبها واستغل فيها كل موارد الدولة ، ومع ذلك قبلوا التحدى وظلوا ينازلوه فى ساحات الوغى سنينا عددا، فلماذا يزوَّر رئيس الوزراء الشرعى والمنتخب من الشعب عن خوض معركةٍ هو الأحق بخوضها، فمن يلوم السيد الصادق إذا ما لجأ إلى حمل السلاح من أجل إسترداد سلطة خولها له الشعب عبر صناديق الإقتراع ضد قطاع طرق سطو عليها بليلٍ وبقوة السلاح؟ أم لم يسمع السيد رئيس الوزراء الشرعى بمقولة ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة؟. ظل الصادق المهدى طوال الوقت يتحدث عن الحلول السلمية والحوار والتحول الناعم، دون أن يدرى أن لا أحد مِن من حمل السلاح كان يرغب أصلاً فى حمله لولا تعنت حكومة الإنقاذ وإستخفافها بالآخرين، ذلك الإستخفاف الذى يُقابل بالرضوخ والإذعان من قبل الشعب المغلوب على أمره ومن رئيس الوزاء الشرعى المغدور به، حتى تملك أهل المؤتمر الوطنى إحساس بأنهم يملكون السودان وأهله وليسوا مجرد مواطنيين مثل الآخرين، ولست أدرى لماذا يتجاهل الصادق وأنصار الحل السلمى، حقيقة أن أول من إستخدم السلاح هو نظام المؤتمر الوطنى عندما استولى على السلطة بقوة السلاح، ثم كما أسلفنا دعا كل من ينتقده إلى حمل السلاح إذا أراد إصلاحاً لأوضاع البلاد؟. هذه السلبية فى النضال جعلت المؤتمر الوطنى يستخف بعقول اهل السودان للدرجة التى أصبح يُفسر فيها كل المصطلحات السياسية ومعانيها المعروفة منذ الأزل، وفق ما يخدم أهواءه ومصالحه ومصالح اتباعه لا وفق ما هو متبع ومعروف بالضرورة، فها هو فى موضوع الحوار يسوق الذين يُفترض أن يُحاورهم وفق أصول الحوار وقواعده المعروفة مثل قطيعٍ من الأغنام أمامه فى مسرحية هزلية تؤكد إستخفاف هؤلاء الناس بخطورة الأوضاع فى البلاد، كل هم هذا النظام الفاشى تكريس المزيد من السلطة فى يده، فكيف يتم إقناعه بتفكيك نفسه وتشكيل حكومة إنتقالية وهو لديه قناعة راسخة أن لديه تفويض ربانى بحكم السودان وعلى الجميع الإذعان والقبول بتخريصاته وكذبه وفساده أو فليضربوا رؤسهم فى أقرب حائط!!؟؟ إذاً فلا منجى ولاملجأ للإطاحة بأمثال هؤلاء الطغاة إلا بإستخدام السلاح. على الصادق المهدى، رئيس الوزراء الشرعى، وبعد التجارب المريرة التى ذاق وبالها على يد طغمة الإنقاذ الفاشلة أن يكون قد وعى الدروس والعبر، ونجزم أنه فعل ذلك خاصةً بعد توقيعه على إعلان باريس، فلا يدعو إلى عدم إسقاط النظام بقوة السلاح، بل فليدعو إلى إسقاط هذا النظام الفاشل، والذى أحال البلاد إلى قطعة من الجحيم، بكل الوسائل المتاحة بما فى ذلك الكفاح المسلح، وألا ينسى أنه آخر رئيس إنتخبه الشعب السودانى ومن حق هذا الشعب أن يُسائله عن لماذا لم يُحافظ على سلطته التى خولها له، وبعد أن سُلبت منه بليلٍ لماذا لم يناضل من أجل إستردادها ؟.