قضية أحداث سبتمبر مازالت محل جدل سياسي وقانوني وحقوقي على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وظل هذا الملف يتحرك ببطء في المؤسسات الرسمية ودار بشأنه حديث كثير داخل البرلمان، حيث تلقت لجنة التشريع والعدل شكاوى من قبل أسر ضحايا سبتمبر، والمتوقع من وزارة العدل أن تلتقط هذا الملف للبت في مظالمه إلا أن الواقع لا يخاطبه، وكانت الاحتجاجات والمظاهرات في سبتمبر عمّت مدناً مختلفة من السودان، على خلفية قيام الحكومة بتطبيق سلسلة من الإجراءات الإقتصادية، من بينها رفع الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية. وتصدت السلطات وقوات الأمن للمتظاهرين بالرصاص الحي، وقتل بحسب منظمات المجتمع المدني ما يزيد عن ال200 شخصاً، وقالت الحكومة إنّ عدد القتلى 80 فقط بحسب وزارة الداخية السودانية.. بيد أن منظمة العفو الدولية والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام قالت في تقرير نشرته أمس الأول إن القمع الوحشي للاحتجاجات في السودان يجب أن ينتهي، ويجب أن يحاسب أفراد قوات الأمن المسؤولين عن قتل وجرح وتعذيب المتظاهرين وجاء التقرير تحت عنوان "المفرط والمميت، استخدام القوة والاعتقال والتعذيب ضد المتظاهرين في السودان" وهو تقرير يوثق مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضد المتظاهرين السلميين في الغالب على مدى العامين الماضيين. إنه يكشف عن نمط مقلق من الاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.. إنه يكشف كذلك عن حالة الإفلات من العقاب على نطاق واسع وعدم محاسبة أولئك الذين يزعم بمسؤوليتهم عن الانتهاكات المذكورة. وقالت منار إدريس الباحثة في شؤون السودان بمنظمة العفو الدولية بأن " الحملة العنيفة على المعارضين تعني أن الناس الذين يعبرون عن مظالم حقيقية من القمع الحكومي وإجراءات التقشف الاقتصادية يقابلون بالهراوات والضرب والرصاص" بينما قالت كاثرين بيركس مديرة برنامج في المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام: " إن استخدام القوة غير الضرورية أو المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة أحياناً من قبل قوات النظامية يبدو أنها محاولة متعمدة لسحق الاحتجاج.. واستطردت قائلة: "إن غياب محاسبة المسؤولين من هذه الانتهاكات يوضح ثقافة الإفلات من العقاب الخطيرة التي توجد في السودان." ومضى التقرير إلى بحث أربعة احتجاجات فرقتها بعنف الشرطة وجهاز الأمن القومي المخابرات، وقوات الأمن الأخرى.. وتشمل هذه الاحتجاجات ما وقع على مستوى البلاد في يونيو/ 2012 وسبتمبر – أكتوبر/ – 2013 وكذلك مظاهرات جامعة الجزيرة في ديسمبر/ 2012، وجامعة الخرطوم مارس/ 2014. وقالت منظمة العفو الدولية إن رد الحكومة على هذه الاحتجاجات اتسم بالاستخدام المفرط للقوة والاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة مع المتظاهرين كالضرب وإطلاق الرصاص المطاطي والذخيرة الحية من قبل قوات الأمن.. وقد قتل مالا يقل عن 185 شخصاً خلال احتجاجات عام 2013. ذكر تقرير العفو الدولية عن أنه خلال احتجاجات عام 2012، اثنا عشر متظاهراً - عشرة منهم من الأطفال - قتلوا بالرصاص في يوم واحد.. من بين 185 قتلوا خلال احتجاجات عام 2013، أصيب الأغلبية في الرأس أو الصدر.. إلا أن هناك تضارباً في أرقام شهداء سبتمبر وأُصيب العديد من الآخرين في الظهر.. واكتشف أن أحد القتلى قد أُصيب بطلقات نارية ثم أطلقت عليه النار مرة أخرى من مسافة قريبة. واتهمت التقرير أن جهات بعينها منعت وصول المتظاهرين إلى المستشفيات أو اعتقلت المتظاهرين الجرحى عند وصولهم لتلقي العلاج الطبي.. اختار آخرون عدم الذهاب إلى المستشفى خوفاً من الاعتقال والترهيب. وأورد التقرير أنه منذ عام 2012، ومئات المتظاهرين، من بينهم عشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان.. ومن أعضاء أحزاب المعارضة السياسية والطلاب والنشطاء الآخرين، قد اعتقلوا أو احتجزوا بمعزلٍ عن العالم الخارجي وبدون تهمة.. وودد أن العديد من المعتقلين تعرضوا لسوء المعاملة، وانتقد التقرير مسألة الإفلات من العقاب وقال رغم وجود أدلة موثوقة على انتهاكات حقوق الإنسان، تقاعست الحكومة السودانية مراراً عن ضمان إجراء تحقيقات سريعة وشاملة ومحايدة وفعالة، ولم تتخذ خطوات لتقديم تعويضات للضحايا.. في حين أنها أنشأت لجاناً لها صلاحية التحقيق في الحوادث غير أن تكوينها، والمؤشرات الناتجة عن تحقيقاتها ونتائجها لم تعلن أبداً على الملأ.. واعتبرت العفو الدولية أن الحصانات المنصوص عليها في القانون للمسؤولين الحكوميين، بمن فيهم أعضاء جهاز الأمن الوطني والشرطة، شكلت عقبة أمام المساءلة، كما أنها تخلق الحواجز القانونية أمام التحقيقات والمحاكمات الفعالة في انتهاكات حقوق الإنسان. هاجمت العفو الدولية غياب المحاكمات بالرغم من مرور عام كامل وقالت لم تقدم للمحاكمة سوى واحدة فقط من 85 شكوى جنائية قدمتها عائلات ضحايا احتجاجات عام 2013.. وقد قُوبلت الشكاوى الجنائية التي تم رفعها ضحايا وأسرهم بعدم وجود إرادة للتحقيق من قبل السلطات المختصة.. وواجه بعض الذين قدموا شكاوى إلى المضايقة والترهيب وبمعرفة هذه المخاطر، فإن غالبية الضحايا لم يحاولوا السعي لتحقيق العدالة.. وقالت كاثرين بركس: "إن الضحايا وأسرهم ما زالوا ينتظرون تحقيق العدالة وهناك حاجة ملحة لإجراء تحقيقات شفافة وشاملة وحيادية في عمليات القتل والاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة التي يتعرض لها المحتجون منذ عام 2012". في وقت قالت فيه منار إدريس "إنه أمر حيوي أن يقدم المسؤولون عن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان إلى العدالة في محاكمات عادلة دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام وأن يتم إصلاح عاجل للقوانين التي تمنح الحصانات للقوات النظامية . ويذكر أن السودانية التضامن مع أسر ضحايا أحداث سبتمبر مازالت تواصل اهتمامها بالملف من حيث متابعة قضايا أسر الشهداء وحالات المصابين، وسبق أن سلمت اللجنة الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان بالسودان، مسعود بدرين، الأحد تقريراً مفصلاً عن أوضاع حقوق الإنسان بالبلاد، بجانب مسار محاكمات المعتقلين.. وقال رئيس اللجنة، صديق يوسف، في تصريحات قال "اجتمعنا بمسعود بدرين، ودفعنا له بتقرير شامل حول واقع حقوق الإنسان والانتهاكات الفظيعة، التي ازدادت بشكلٍ كبير مطلع العام الحالي". وطالب صديق من الخبير الإنساني ممارسة كافة الضغوط على الحكومة لتعديل القوانين المقيدة للحريات وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وإرجاع السودان إلى البند الرابع لمراقبة حقوق الإنسان، بدلاً عن البند العاشر الذي ينحصر في تقديم المساعدات الفنية.. وكان تقرير اللجنة السودانية شرح الخلفية العامة لأحداث سبتمبر، وسير محاكمات المتظاهرين والمعتقلين حتى الآن، وأوضاع المصابين وأسماء الشهداء، بجانب أوضاع الصحافة والإعلام خلال أحداث سبتمبرالماضي. وكان بدرين قد قتم بإجراء تعديلات فورية على قانون الأمن الوطني لعام 2010، لتعارضه مع مبدأ حرية التعبير وتقيده العمل الصحافي في البلاد، واعتبره مقيداً لأنشطة منظمات المجتمع المدني. تقرير اللجنة السودانية للتضامن مع أسر ضحايا سبتمبر وتقرير منظمة العفو الدولية والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام يضع ملف أحداث سبتمبر في صفيح دولي ساخن. فاطمة غزالي [email protected] الجريدة