كما هو معلوم، الانتخابات العامة التي جرت في أبريل من العام 2010 كانت يجب أن تُجرَي قبل التاسع من يوليو العام 2009م وفقاً لنص المادة 216 من الدَّستور الانتقالي، والتي حددت مواعيد الانتخابات، حيث نصت علي (تُجرَي انتخابات عامة علي كُل مستويات الحُكم في موعد لا يتجاوز نهايّة العام الرابع من الفترة الانتقاليّة). ونصت المادة 226/4 من الدَّستور علي أنّ الفترة الانتقاليّة تبدأ في التاسع من يوليو2005م. وبهذا، ووفقاً للدَّستور، فالاستحقاق الدَّستوري كان يجب أن يُجرَي قبل التاسع من يوليو العام2009م. ليُجرَي بعدها دورياً انطلاقاً من هذا الموعد. ولكن، نسبةً للإحصاء السُّكانِي وما صاحبه، وتَماطُل الحزب الحاكم وتلكؤه في إيداع القوانين المُقيّدة للحريات منضدة البرلمان –رغم أنَّ ما عُدِّلَ منها لَمْ تَحُل قيدا بل أحكّمَت القيُّود- تأجلت الانتخابات إلي فبراير العام 2010. ثم تأجلت مرة أُخري إلي أبريل 2010م. ورغم أنَّ ذلك التصرف تَطَّلَب حينها تعديلاً في الدَّستور، إلاّ أنَّ، شيئاً من ذلك لَم يَحدُث. وهذا تَرتّبَ عليه، ما إنتهَي إليه كثيرين حينها، وهو أنَّ النظام القائم بعد التاسع من يوليو 2009 أصبح نظاماً فاقداً للشرعيّة الدَّستوريّة. وهكذا، فقد ركَلَ شُركاء الحُكم آنذاك قانون البلاد الأعلي ومضوا في الطريق غير آبهينَ بِفعلَتهِم. وقبل ذلك، وكما هو معلوم، فأخِر (انتخابات) أقامها الإسلامِيُّون قبل العام 2010 كانت في ديسمبر من العام 2000م. وذلك بعد أن تَمَّ حَل البرلمان في العام1999م. ووفقاً لدَّستور1998م الانتخابات البرلمانية كانت يجب أن تُجرَي في ديسمبر من العام 2004م. فأجل البرلمان أربع سنوات (ثمانِ دورات) وفقاً للمادة 72 من ذلك الدَّستور. ولكن، جاءت اتفاقيّة السلام الشامل وخلقت وضعاً جديداً بالبلاد. ولكن، وبالرغم من أنَّ برلمان الانقاذ كان (تفويضه الشعبي) إنتهَي أجله في ديسمبر العام 2004، وبرلمان2005 تَشكّلَ وفقاً لِما نَصَّت عليه اتفاقيّة السلام الشامل، والتي تضمّنَتها المادة 117من الدَّستور الانتقالي، إلاّ أنَّ البرلمان عاد لينعقد في دورته (التاسعه)! في العام 2005 وكأن شيئاً لَم يكُن! أما المُضحك، ما كان يُردِدَهُ بعضهم حينها، بأنَّهم (تنازلوا) عن مقاعدهم البرلمانيَّة للقوي السياسيّة الأُخري، نزولاً عند اتفاقية السلام الشامل. اليوم، الإسلامِيُّون لايَرونَّ في نصوص الدَّستور الإنتقالي إلاّ ذلك النص المُتعلق بالانتخابات كاستحقاق دستوري يجب الالتزام به. مع أنَّ هذا الاستحقاق الدَّستوري، لا يستقيم دون الإلتزام بحرية الرأي والتعبير، كحق دستوري يجب الالتزام به أولاً. هذا غير أنَّ، الذين يتمسكُون اليوم بهذا الاستحقاق الدَّستوري، وعلي رأسهم المفوضيّة القوميّة للانتخابات، هُم أنفسهم الذين داسوا بأقدامهم في العام 2009م علي ذات النص الدَّستوري الذي يتمسكون به الآن، كالتزام دستوري يجب التَقَيُّد به. فقاموا بتأجيل استحقاق دستوري كان مُقَرَراً إجراؤه قبل التاسع من يوليو2009 إلي أبريل2010 دون أي سند من الدَّستور الإنتقالي. فبعد ذلك، عن أي التزام دستوري تتحدث اليوم المفوضيّة القوميّة للانتخابات؟!. الإسلامِيُّون، يأخذون بأحكام الدَّستور متي ما رغِبُوا، ويطرحونها جانباً متي ما رغِبُوا. كتأجيل الإنتخابات في العام 2009. أو يُطبِقون أحكاماً ويغُضون أبصارهم عن أحكامٍ أُخري وكأنَّها عورة، كالأحكام المُتعلقة بالحقوق الأساسيّة والحريات الديمقراطيّة مثلاً. أو لا يأبَهونَ بما تضمّنَه من أحكام. كالترديد المُتكرر بضرورة ترشيح البشير لدورةٍ أُخري، رغم أنَّ أحكام الدَّستور الانتقالي تحُول دون ذلك. واليوم، الانتخابات العامة المتوقع إجراؤها في أبريل من العام القادم. بلاشك، لا معنَي لها في ظل النظام الحالي. وتُعَمِق انعدام الثقة في النظام في ظل دعوة الحوار التي أطلقها. وإجراؤها في مثل هكذا أجواء لن يزيد المشهد السياسي إلاّ تعقيدا. ولكن، ورغم ذلك، تأجيل الانتخابات – حتي وإن قرر (الحوار الوطني) ذلك- سيصطدم بأحكام الدَّستور الانتقالي إن لَم يُعَدّل الدَّستور. وأعتقد أنَّ الفترة المُتبقيّة من عُمر الهيئة التشريعيّة القوميّة تحُول دونَ تعديل الدَّستور. أما المفوضيّة القوميّة للانتخابات فسُلطتَها في تأجيل الانتخابات محصورة فقط في منصب رئيس الجمهورية و الوالي. وبالتالي، المفوضيّة لا تمتلك الحق في تأجيل انتخابات المجالس التشريعيّة القوميّة أو الولائيّة. وحتي رئيس الجمهورية لايملك هذا الحق. هذا غير أنَّ، تأجيل انتخابات رئيس الجمهورية أو الوالي وفقاً للمادة 55 من الدَّستور مقروءة مع المادة 27/1 من القانون، مُقيّد بمدة زمنيّة لا تتجاوز ستين يوماً من اليوم الذي كان مُقرراً فيه إجراء الانتخابات. كما أنّ التأجيل رهين بحدوث أحد سببين وفقاً لنص المادة 27 من القانون، هُما، وقوع طارئ يُهدد البلاد أو جزءاً منها، أو في حالة إعلان حالة الطوارئ في كل البلاد أو أي جزء منها. وفقاً لنص المادة 210 من الدَّستور الانتقالي. دستور البلاد الحالي، لا شك، أنَّهُ دستور فوقِي كسابِقِيه. فهو لا يُعبر عن الإرادة الشعبيّة لجموع الشعب السُّوداني. لأنَّه وُضِّعَ بِمعزل عنه. ولكن، ذلك لايعنِي عدم احترامنا لأحكامه، خاصةً، وأنَّ الدَّستور جاء نتيجة توافُق سياسي وإن لَم يكُن بذلك المعنَي الواسع. ولكن، في نفس الوقت، الانتخابات ليست حلاً للأزمات. دع عنك، أن تُجرَي في ظل نظام شمُولِي. وبالتالي، إقامة الإنتخابات حالياً أو تأجيلها بتعديل الدستور، لا جدوي تُرجي منها في ظل النظام القائم. فالانتخابات تُجرَي من أجل التداول السلمِي للسُّلطة. وليس مجرد ديكور خارجي ليُضفِي شرعِيّة مُزيفة علي سُلطة غير شرعِيّة. علي قول البروف محمد سعيد القدال (له الرحمه). لذا، فالحَل هو، حَل الحكومة وتشكيل حكومة قوميّة انتقاليّة تنتَشِل الوطن من أزماته. ولكن، هذا الحل نراه مُستبعداً مِن قِبَل النظام القائم، وبالتالي، فالحل السياسي بات بعيدا. لِتبقَي الحقيقة، وهي أنَّ لا بديل عن السَيّر في الطريق الطويل نحو الحُريّة والديمقراطيّة وإقامة دولة القانون. الميدان