اتهمت الرئاسة اليمنية، أمس، المعارضة بتقديم مقترحات ومبادرات ذات تفسيرات «انقلابية».. هذا في الوقت الذي يتواصل فيه مسلسل الاستقالات في أوساط شخصيات كبيرة في الحزب الحاكم، مع اتساع رقعة التظاهرات في المحافظات وازدياد أعداد المعتصمين. وقال مصدر مسؤول في الرئاسة اليمنية: إن النقاط الخمس التي تقدمت بها أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك» عبر وسطاء من العلماء والمشايخ، يكتنف بعضها «الغموض» و «الالتباس»، وأعلن المصدر رفضه للتفسيرات المقدمة للنقطة الرابعة من قبل قيادات أحزاب اللقاء المشترك، وذلك فيما «أصدره من تصريحات متناقضة ومخالفة للدستور ولإرادة الشعب المعبر عنها في صناديق الاقتراع». وأشار إلى أن تلك النقطة تنص على: «وضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية في إطار فترة انتقالية لتنفيذ ذلك؛ بحيث لا يتعدى نهاية هذا العام، بناء على مبادرة يقدمها الرئيس بذلك»، وأن هذه النقطة تتناقض تماما مع ما ورد قبلها في النقطة الثالثة التي تنص على «انتقال سلمي وسلس للسلطة بالاستناد إلى ما التزم به الرئيس بخصوص عدم التمديد وعدم التوريث وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة». واعتبر المصدر الرئاسي اليمني أن تلك التفسيرات تمثل «عملية انقلابية مكشوفة على الديمقراطية والشرعية الدستورية». وأكد أن الدستور «مرجعية الجميع، حاكما ومحكومين»، وأن «أي محاولة للخروج عن الدستور أمر لا يمكن القبول به لما ينطوي عليه ذلك من مجازفة خطيرة تهدد أمن الوطن وسلامته، وتمثل تدميرا لعمل المؤسسات الدستورية وتجاوزا لإرادة الشعب المالك الحقيقي للسلطة التي يقررها عبر صناديق الاقتراع». وجدد الموقف الرئاسي السابق بأن الانتقال السلمي والسلس للسلطة لا يتم عبر الفوضى، وإنما عبر الاحتكام لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال الانتخابات ليختار من يريد حاكما له بعيدا عن أي أعمال عنف أو شغب أو تدمير للمكتسبات الوطنية التي حققها شعبنا في ظل راية الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية»، كما جدد تأكيد أن الرئيس لن يرشح نفسه في 2013 ولن يورث الحكم لنجله، وكذا تمسكه بمبادرة العلماء ذات النقاط الثماني. في هذه الأثناء، ألغت «هيئة العلماء والمشايخ» مؤتمرا صحافيا كان مقررا أن يعقد بعد ظهر أمس في منزل الشيخ صادق عبد الله بن حسين الأحمر، لشرح دور الوساطة الذي قاموا به بين الرئيس صالح والمعارضة، الأيام الماضية، وهي الوساطة الماراثونية بنقل مبادرة والعودة بأخرى، وقبيل موعد المؤتمر بساعة ونصف الساعة، أُبلغ الصحافيون بتأجيله إلى أجل غير مسمى، وقالت مصادر مطلعة: إن التأجيل تم بعد أن التقى العلماء والمشايخ الرئيس، صباح أمس، في محاولة جديدة للتوصل إلى صيغة اتفاق بعد أن فشلت المساعي السابقة. وشهد اليومان الماضيان سيناريوهات مختلفة في الأزمة اليمنية؛ فقد فشلت مبادرة العلماء ذات النقاط الثماني بعد أن وصفت المعارضة ما سمتها «خطة طريق» من 5 نقاط، وهي التي تثير حفيظة النظام، ونصت مبادرة العلماء على: «سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته إلى مجلس النواب لإقراره بالتوافق، وسحب مشروع التعديلات الدستورية المنظورة حاليا أمام مجلس النواب، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإجراء التعديلات الدستورية بالتوافق، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق، وإحالة الفاسدين إلى القضاء، وسرعة البت في قضايا الفساد المنظورة أمام القضاء، وإطلاق أي سجين ممن لم تثبت إدانته أو لم تكن له قضايا منظورة أمام القضاء، ويتم اختيار 5 قضاة، يقوم كل طرف باختيار اثنين منهم، والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء المرجعية أو بالتوافق بين القضاة الأربعة؛ وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي، وإيقاف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض، وذلك بما يهيئ الأجواء لإنجاح الحوار الوطني وإيقاف المظاهرات والاعتصامات، وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن الأطراف كلها». أما «خارطة طريق» المعارضة فقد تضمنت: «استمرار التظاهرات والاعتصامات وحق الشعب في التعبير عن رأيه بكل الطرق والوسائل السلمية، والتحقيق في جرائم القتل التي ارتكبت في مختلف محافظات اليمن خلال الفترة الماضية تحقيقا شفافا نزيها وعادلا وتقديم القتلة ومن يقفون وراءهم إلى محاكمات مستعجلة، وإنزال القصاص العادل بهم، وتعويض أسر القتلى والجرحى، والانتقال السلس للسلطة، استنادا إلى التزامات الرئيس المعلنة بعدم التوريث والتمديد وعدم الترشح في انتخابات 2013، أن يحدد الرئيس مجموعة الخطوات التي سيجري عبرها نقل السلطة، وعدم توريثها، خلال فترة زمنية لا تتعدى نهاية هذا العام، وأن يعلن الرئيس هذه الخطوات للشعب وكل القوى السياسية بتحديد موقف منها بالقبول أو الرفض». كان الرئيس صالح قد أطلق مبادرة في 2 فبراير (شباط) الماضي، وهي المبادرة التي قبلت بها المعارضة قبل أن تندلع الاحتجاجات في الساحة اليمنية وتتأزم العلاقة مجددا بين الطرفين لتدعو المعارضة أنصارها إلى النزول إلى الشارع والمشاركة في الفعاليات المطالبة برحيل النظام، ومن خلال التجاذبات في الساحة اليمنية، فإن الخلاف يكمن في نقطتين رئيسيتين، الأولى: رفض الرئيس صالح السقف الزمني الذي وصفته المعارضة لتنحيه، الذي يحدد ذلك بحلول نهاية العام الحالي، وإصراره على إكمال ولايته حتى 2013، أما النقطة الثانية فهي: إصرار صالح، أيضا، على أن تتوقف التظاهرات وترفع الاعتصامات من الساحات في جميع المحافظات، الأمر الذي ترفضه المعارضة وتؤكد أن من حق الشباب التعبير عن آرائهم.. ويؤكد المراقبون أن وقف التظاهرات والاعتصامات سيمثل نصرا كبيرا للنظام الذي سيتخلص من ضغط الشارع عليه. ويؤكد المراقبون للشأن السياسي في اليمن أن الخطابات المتتالية للرئيس صالح، وما احتوته من مضامين ومواقف، أسهمت في تأزيم الوضع واشتعال الشارع، فبعد مبادرته، مطلع الشهر الماضي، التي أكد فيها أنه لن يمدد لنفسه ولن يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة ولن «يصفر العداد» أو يورث الحكم لنجله، عاد وأكد، الثلاثاء الماضي، أنه لن يترك السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع وأن من حق ابنه الترشح كمواطن يمني. وفي التطورات المتلاحقة في الساحة اليمنية، فقد رفض «شباب الثورة» المعتصمون في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء الجديدة، التحاور مع رئيس الوزراء، الدكتور علي محمد مجور، الذي كلفه الرئيس للتحاور معهم ومعرفة مشكلاتهم ومعالجتها، ومنع المعتصمون، أمس، رئيس الوزراء من دخول الساحة لإلقاء خطابه، مما اضطره إلى الالتقاء بعدد من الطلاب المنتمين للحزب الحاكم في الجامعة، وأرسل المعتصمون رسالة الرفض لوفد أوفده مجور للتحدث إليهم، وأكدوا مطلبا وحيدا هو رحيل النظام. هذا ويشهد حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم باليمن حالة من الانهيار في صفوفه، إن جاز التعبير؛ فقد تواصل مسلسل الاستقالات في صفوفه، وارتفع عدد النواب الذين استقالوا من صفوفه إلى 14 نائبا بعد أن استقال، أمس، النائب علي العمراني والنائب ورجل الأعمال فتحي توفيق عبد الرحيم، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب (البرلمان)، كما استقال، أيضا، رجل الأعمال نبيل الخامري ومسؤولون حكوميون آخرون، هم: حاشد عبد الله الأحمر، نائب وزير الشباب والرياضة، وسام يحيى الأحمر، وكيل وزارة الثقافة، والشيخ محسن صلاح، وكيل وزارة الإدارة المحلية، الذي قال ل«الشرق الأوسط» إنه استقال بسبب ما تعرض له «أبناؤنا الشباب أثناء قيامهم بالاعتصامات السلمية في الكثير من المحافظات من اعتداءات»، إضافة إلى «ما يعانيه الشعب من ظلم وفساد واضطهاد وما لا يطاق وما أوصل الناس إلى الاحتقانات نتيجة للأخطاء والتصرفات الخاطئة التي قامت بها قيادة المؤتمر الشعبي». أما النائب علي العمراني فقال ل«الشرق الأوسط» إنه استقال من الحزب الحاكم بعد أن جمد عضويته لمدة 10 أيام، وفي حال الاستجابة للشروط التي وضعها، سوف يستقيل، وهو ما حدث فعلا، وقال إنه اشترط بقاءه في المؤتمر بإعلان الرئيس أن كل ما آل إليه من أموال خلال فترة حكمه «يعتبر ملكا للشعب، وكذا تخلي أقربائه عن الأموال التي امتلكوها خلال الفترة نفسها، مقابل مكافأة نهاية خدمة تكفل للرئيس أن يعيش في مستوى لائق وكريم»، إضافة إلى «تصفية جميع المواقع الحكومية من ضعيفي القدرات والفاسدين»، وكذا «الشروع في إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية وتخلي الرئيس وأقربائه عن المناصب العسكرية»، بالإضافة إلى عدم «المساس بالفعاليات السلمية». وأضاف العمراني أن الأيام العشرة مضت «من دون الشروع في الأجندة التي وضعتها؛ لذلك كان لزاما أن أمضي في الاستقالة». من جانبه، أعرب الحزب الحاكم عن ارتياحه لحدوث مثل هذه الاستقالات في صفوفه، وقال طارق الشامي، رئيس دائرة الفكر والإعلام في الحزب: إنه من المتوقع أن تحدث مثل هذه الاستقالات. وأضاف ل«الشرق الأوسط» أنهم ينظرون إلى ذلك بأنه في مصلحة المؤتمر الشعبي العام؛ بحيث «يظل في أوساطه الأشخاص المقتنعون ببرنامجه وبنهجه وآلياته، وهناك المتذبذبون ومن يترنحون في كل مرحلة ومن المفيد أن يذهبوا بعيدا ويقدموا استقالاتهم أو يعبروا عن مواقفهم».