حزب البشير يخوض مرة أخري وفي يأس فكري وسياسي تجربة الورقة الدينية و(التلاعب) بالأحاسيس والمشاعر الدينية بالدعوي إلي ما يسمي ب (الإسلام السوداني)الذي يقوم علي (الوسطية) ونبذ الإرهاب ووصف المفكرون من الحزب أن هذ الإسلام الجديد (تجربة سودانية خاصة ) لا تشبه برامج ومشروعات الأنظمة الإسلامية في الدول العربية كما صرح حسبو محمد عبدالرحمن نائب البشير ورئيس القطاع السياسي أن الحزب الحاكم يطرح هذا الإسلام (السوداني) بإعتباره تجربة سودانية محضة تقوم علي الإسلام الوسطي في كل مناحي الحياة ولا تقوم فكرته علي (الإرهاب والغلو والتطرف والتكفير ولا تشبه تجارب الآخرين) ، وطالب حسبو خلال حديثه يوم الجمعة الماضية في فاتحة أعمال المؤتمر الرابع لقطاع الفكر والثقافة وشؤون المجتمع بالمركز العام ، بتوثيق وتأصيل التجربة وطرحها علي كل المجتمعات. وقبل الخوض في إنتقاد وفضح هذا التفكير العقائدي المنحرف الذي لا يتصف بأي نعت غير أنه إبتداع في الدين ما أنزل الله به من سلطان من حق الشعب السوداني الذي يدعوه حزبه الحاكم إلي هذا الإسلام الخاص به والذي يحمل إسمه إلي التساؤل : وما ضر إسلامنا ؟ أليس إسلامنا وسطياً تصديقاً لقوله تعالي : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) – البقرة (143) وفي تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى : ( أمة وسطاً ) أي : عدلاً خياراً . وأن المراد من الشهادة على الناس : الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله . ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية : " والوسط ههنا الخيار والأجود , كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي : خيارها , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه , أي أشرفهم نسباً , ومنه : الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي صلاة العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها". وربما سيتبادر إلي الأذهان سؤال آخر من الأهمية بمكان : إذا كان الحزب يدعو إلي تجربة دينية سودانية خالصة تدعو إلي معاني الوسطية فما الذي كان يعتنقه ويؤمن به هذا النظام قبل خمسة وعشرين عاماً ؟؟ وواقع الأمر إن إجابة هذا السؤال لا تحتاج إلي كثير عناء فالنظام وحزبه الحاكم (ثُلَةٌ) تنتمي إلي (التظيم العالمي للإخوان المسلمين) الذي لم يؤمن بفكرة (الإسلام الوسطي) او (الأشعريين) ولا حتي بتعاليمهم بل بني فكرهم الديني علي القوة والعنف كوسيلة لتحقيق التمكين وإباحة او تشريع قتل النفس وإراقة الدماء التي حرم الله حتي ولو بدون حق طالما أنها تحقق للجماعة غاياتها الكبري وهي (التمكين في الأرض) والتمتع بالدنيا وكنز الأموال والتطاول في البنيان وتجربة الإخوان في دغدغة المشاعرالعقائدية واللعب علي أوتار الدين ليست بدعة لديهم فقد سبق لهم الدعوي إلي الحرب المقدسة و(الجهاد في سبيل الله) كمسمي لتعريف الحرب ضد معارضي النظام وإستطال حديثهم عن (الحور العين) و(الجنات وإقترابها) وأن الحرب ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان هو جهاد لا جزاء له إلا الفردوس وهو أعلي الجنان ولكنهم سرعان ماعادوا عن هذا الفكر والمفهوم ووقعوا علي إتفاقية السلام وتخلوا عن أرض الإسلام التي تداعوا إلي الجهاد من أجلها . وحتماً سيقود التحليل المنطقي والعقلاني إلي فهمٍ واحدٍ وهو : أن نظرية الإسلام الجديد التي أطلقها مبادرتها النظام هي رسالة تهدف إلي لفت أنظار جهات دولية بعينها وهي تحديداً مصر والمملكة العربية السعودية وربما أطراف دولية أخري أن النظام قد تخلي نهائياً عن الفكر الإخواني الذي ينادي بالعنف والإرهاب وأنه اصبح يعتنق إسلاماً وسطياً لا يقف مع العنف والإرهاب الذي يعتنقه ويمارسه التنظيم الإخواني بل يدعو إلي المحبة والسلام وهذه المبادرة والتي تستبق زيارة البشير إلي القطر المصري تشير في ثناياها وبين سطورها (الخبيثة) إلي تخلي النظام عن دعم التظيم الإخواني في مصر وهي صفة (الغدر) التي إمتاز بها هذا النظام فقد سبق له إستضافة (اسامة بن لادن) في السودان ثم عرضوا للإدارة الأمريكية تسليمه بلا ذنب أو جريرة ولما قوبل طلبهم بالرفض طلبوا منه مغادرة البلاد كما سبق لهم الحرص علي علاقة طيبة مع الحكومة المصرية في بداية حكمهم للبلاد وهو يخططون لمحاولة إغتيال رئيس دولتهم حتي فضحت مؤامرتهم علي رؤوس الأشهاد رغم محاولاتهم اليائسة لإخفاء معالمها وتفاصيلها المخزية . وظني الذي يكاد أن يكون يقيناً أن الشعب السوداني لن ينساق وراء هذه (الخزعبلات) الساسية بعد أن خبر ألاعيب هذا النظام و(عجم كنانته) وأن هذا الدين الإسلامي السوداني هي كلمة حق أريد بها الباطل وفي تقديري أيضاً أن حكومة المملكة العربية السعودية والحكومة المصرية ليست إلي هذه الدرجة من السذاجة و (البله العقلي) لتصديق هذه (التخاريف) التي يهذي بها النظام فهذا النظام يمارس الكذب علي شعبه بنفس الوتيرة التي يكذب بها علي المجتمع الدولي من حوله حتي كتب عند العالمين (نظاماً كاذباً ) لن يحل الصدق ابداً أويحرم الكذب والنفاق في الدين يوماً واحداً أو ساعة من زمان ولن ينجح هذا النظام لأن تلك مشيئة الله (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) – يوسف (21) والله طيب ولا يقبل إلا طيباً فعن أبي هريرة (رضي الله عنه ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم. وعلي هذا النظام وفي محاولاته اليائسة للإفاقة من موته السريري البحث عن كذبة أخري لأن إرادة الله غالبة . عمر موسي عمر - المحامي [email protected]