وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واقع القبيلة القومية والامة والطبقات في السودان
نشر في الراكوبة يوم 29 - 10 - 2014

عند تناول موضوع القبيلة والقومية والامة والطبقات في السودان، نحتاج لدراسة باطنية توضح النشأة والتطور والمنعرجات المختلفة التي مرت بها المسألة في الحقب التاريخية والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كان لها تأثيرها بهذا القدر اوذاك عليها، ورغم منجزات علم الاجتماع في هذا الجانب والذي نستلهمه كخلفية ، ولكن هذا لايعفينا من دراسة واقع المشكلة كما تشكلت وتبلورت في السودان، وبطبيعة الحال نحتاج للدراسة بذهن مفتوح استنادا علي المنهج الماركسي او المنهج العلمي في اوسع معانية الذي يستخلص النتائج من الواقع لا من تصورات ذهنية مسبقة، فماهو واقع القبيلة والقومية والامة والطبقات في السودان؟.
ماذا نقصد بالمسألة القومية والقبيلة والقومية والامة والطبقة ؟:
معلوم أن المسألة القومية تنشأ نتيجة للشعور بالاضطهاد القومي سواء كان ذلك بالاحتلال المباشر وقهر شعب لشعب اخر أو اضطهاد قومي أو اثني داخل الدولة الواحدة، بمعاملة شريحة من المواطنين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.كما أن المسألة القومية اتخذت في كل بلد طابعا يميزها عن البلدان الاخري.وأن القبيلة تتكون من عشائر تربطها صلة القرابة والدم، والقومية تتكون من عدة قبائل في رقعة معينة من الأرض ، والامة تتكون من عدة قوميات في بلد أو قطر معين ، الطبقة تضم افراد من قبائل ووقوميات وامم مختلفة علي اساس الدور في الانتاج والنصيب من الثروة، والوعي الطبقي، حسب التعريف الماركسي الذي حدد مفهوم الطبقة الاجتماعية علي اساس الدور في الانتاج والوعي الطبقي.
المسألة القومية تنشأ نتيجة للتطور المتفاوت بين الشعوب ، واتخذت طابعها الحديث مع تفكك النظم الاقطاعية في اوربا، وبروز نمط الانتاج الرأسمالي ، وبعد تحول الرأسمالية الي احتكار واتجاهها للتوسع في بقية بلدان العالم الثالث بهدف تصدير نمط الانتاج الرأسمالي واستعمار شعوب اخري بحيث تظل بلدان المستعمرات منتجة للمواد الخام ومستهلكة للسلع الرأسمالية من البلدان الرأسمالية المتطورة ، وبالتالي وقع علي شعوب المستعمرات التحرر من الاضطهاد القومي بالنضال من اجل الاستقلال السياسي ، والمضي الي ابعد من ذلك باستكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
ما هي سمات وخصائص القبيلة والقومية والامة في السودان؟.
كماا اشرنا سابقا مهم أن نتابع خصائص وسمات المسألة القومية في السودان بذهن مفتوح ومن خلال تحليل ملموس للحقائق والاوضاع التاريخية التي تجلت فيها، لأن ذلك يساعد في الاقتراب من حلها لمصلحة وحدة السودان من خلال تنوعه.
معلوم أن السودان شأنه كبقية الامم شهد تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان، والتي تدرجت من التكوينات العشائرية التي تربطها صلة القرابة والدم الي القبيلة التي توحد مجموعة من العشائر المعينة في رقعة معينة من الارض، حيث عرفت في البداية الملكية الجماعية للارض والتقسيم البدائي للعمل بين الرجال والنساء، ونظام الامومة، كما اوضحت حضارات المجموعة(أ)، (ج) التي اكتشفها علماء الآثار، والتي بدات تعرف بدايات الزراعة وتربية الحيوان، والفائض الاقتصادي الذي ادي لظهور الطبقات..
مع اكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات بدأت تعرف تلك القبائل الفائض الاقتصادي، والذي أدى الي نشوء اقدم مملكة سودانية: مملكة كرمة والتي شهدت التفاوت الطبقي والدولة والجيش وتطور الزراعة والصناعات الحرفية، والتبادل التجاري مع البلدان المجاورة مثل: مصر، كما اوضحت اثار تلك الفترة، وهذا يعكس أن الدولة تنشأ نتيجة لوحدة قبائل معينة في رقعة معينة من الارض مما مهد الطريق لنشؤ المسألة القومية، ثم بعد ذلك تم التوسع في تطور الدولة السودانية في السودان القديم: كما هو الحال في ممالك نبتة ومروى، وفي السودان الوسيط الذي شهد قيام ممالك النوبة المسيحية(نوباتيا، المقرة، علوة)، الممالك الاسلامية(الفونج، الفور ، تقلي، المسبعات).
شهدت تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان نشأة الدولة التي وحدت مجموعة من القبائل، وبالتالي ظهرت المسألة القومية، اذ ان القومية تضم مجموعة من القبائل، كما عرفت هذه الدول أو الحضارات المدن، التفاوت الطبقي واقتصاد السلعة – النقد ، التجارة الداخلية والخارجية، كما شهدت تطور حرفة الزراعة والرعي، وتطور اللغة المكتوبة: حيث حدث تطور لغوي من اللغة المصرية القديمة(الهيرولوغلوفية) الي استنباط ابجدية محلية بدأت باللغة المروية ، ثم اللغة النوبية في الممالك المسيحية، ثم اللغة العربية، كما تفاعلت الثقافات التي شكلت حضارات السودان المختلفة ، ونتج من هذا التفاعل الثقافة أو الهوّية السودانية والتي تتميز بالوحدة والتنوع، كما نتج من هذا التفاعل تاريخ مشترك أو تنوع تاريخي وثقافي.
كما عرفت تكوينات ما قبل الرأسمالية في السودان نظم الرق والاقطاع بخصوصيات وسمات معينة، تمت معالجتها بتفصيل في مؤلفات لكاتب هذه السطور( انظر: تاج السر عثمان: تاريخ النوبة الاقتصادي الاجتماعي، دار عزة 2003، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004، تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف الاكاديمية 2005م).
كانت حضارات أو تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان، تنفي بعضها ديالكتيكيا، بمعني أن كل حضارة كانت تستند علي منجزات الحضارة السابقة وتضيف لها الجديد الذي يكسبها قوة ومنعة واتساعا، وهذا ما نلمسه في الامثلة التالية:
1- في ممالك النوبة المسيحية بدأ الشعور القومي بالوحدة يتنامي، كما يتجلي ذلك في اتحاد مملكتي نوباطيا والمقرة في مملكة دنقلا(المقرة)، والتي وصفها المؤرخون، بأنها كانت عظيمة.
2- نلاحظ في ممالك النوبة المسيحية ، وان لم تنتشر المسيحية بشكل اوسع وشعبي في السودان، الا ان الديانة المسيحية الجديدة وحدت قبائل مختلفة علي أساس الدين الجديد ، وبالتالي خلقت بذور الشعور القومي المشترك ، فضلا عن الدفاع عن الوطن والذي عبر عن نفسه في الدفاع عن العقيدة، كما تجلي ذلك في مقاومة حملة عبد الله بن ابي السرح، والتي نتجت عنها اتفاقية البقط بين الدولة المسيحية في المقرة، ودولة الخلافة الاسلامية.
3- اما السلطنة الزرقاء أو سلطنة الفونج فقد كانت ميلا اوسع نحو الوحدة، اذ نلاحظ انها ضمت الرقعة التي كانت تضم ممالك النوبة المسيحية(المقرة وعلوة)، كما بدأ الشعور القومي يتسع، حيث نجد الطريقة الصوفية توحد افراد من قبائل مختلفة علي اساس الانتماء للطريقة بدلا من القبيلة.
كما شهدت السلطنة الزرقاء تطورا غير متوازن بين شعوبها وقبائلها، اضافة لنظام الرق الذي كان سائدا وكتشكيلة اقتصادية- اجتماعية استغلالية عرفتها كل شعوب العالم،مما شكل الخلفية التاريخية لبروز المشكلة القومية في السودان.
4- علي أن التطور الكبير الذي شهده السودان في تطوره نحو امة ، باعتبار أن الامة تضم مجموعة من القوميات في مساحة أو رقعة جغرافية اوسع، كان في فترة الحكم التركي- المصري (1821- 1885م)، والذي شهد تكوين السودان بشكله حيث ضم دارفور ، المديريات الجنوبية، اقليم التاكا(كسلا)، وظهر السودان بحدوده الحالية تقريبا.
كما بدأ الشعور القومي يزداد وتنداح دائرته، كما نلمس ذلك في ظهور طرق صوفية اوسع مثل الختمية التي وحدت قبائل من شرق وشمال ووسط السودان.
علي أن اللافت للنظر في تلك الفترة ظهور بذور نمط الانتاج الرأسمالي الذي تجلي في ارتباط السودان بالتجارة الخارجية عن طريق سلعتي( العاج والصمغ)، واتساع التعامل بالنقد نتيجة لظهور المحاصيل النقدية مثل: القطن، النيلة، الخ، اضافة لظهور العمل الماجور، نتيجة لاقتلاع الالاف المزارعين من اراضيهم وسواقيهم بسبب الضرائب والجبايات الباهظة، ليجدوا أنفسهم عمال ماجورين في مصانع ومؤسسات الحكم التركي.وبالتالي بدأ يظهر نمط الانتاج الرأسمالي الذي يضم طبقات وكادحين من قبائل واصول مختلفة يعملون في المشاريع الزراعية والصناعية للحكومة أو الافراد بأجر، ويجمهم الشعور المشترك بالظلم والقهر والنضال من اجل تحسين مستوى المعيشة ، وهذا ما كان يظهر في انتفاضات العاملين في عمل السخرة والمؤسسات التي كان يديرها الاحتلال التركي. كما تزايد الشعور القومي والاحساس المشترك لشعوب وقبائل السودان بالاضطهاد والقهر الذي كان يمارسه الاحتلال وخاصة في جباية الضرائب والنهب المنظم لقدرات البلاد الاقتصادية والبشرية لمصلحة دولة محمد علي باشا في مصر. اضافة لمقاومة القبائل في الجنوب وجبال النوبا وجبال الانقسنا لحملات جلب الرقيق الجائرة.
كما تم التوغل في جنوب السودان بهدف تجارة الرقيق التي شهدت توسعا كبيرا في تلك الفترة ، اضافة لتجارة العاج ، حيث تم اقتلاع قبائل بكاملها من مواقعها. كما قاومت قبائل وشعوب الجنوب الاحتلال التركي وحملات صيادي الرقيق ، ومن هنا جاءت جذور المسألة القومية في الجنوب والتطور غير المتوازن بين الشمال والجنوب وجذور التخلف في الجنوب وجبال النوبا، وجبال الانقسنا، وجنوب دارفور..الخ.
لقد ادى التطور غير المتوازن الي مركزية الثقافة العربية الاسلامية و تهميش القوميات التي شكلت حزاما حول الوسط مثل: النوبا في الشمال، البجا في الشرق، والانقسنا في جنوب النيل الازرق ، الجنوب، جبال النوبا،..الخ، اضافة للتهميش علي المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي(راجع:تاج السر عثمان: الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف الاكاديمية 2005م).
كان الشعور القومي طاغيا في بداية الثورة المهدية، التي وحدت القبائل في الشمال والجنوب والشرق والغرب ضد المستعمر(شاركت حتي قبائل الدينكا والشلك في الثورة).
علي أن سياسة الخليفة عبد الله التي عملت علي تهجير قبائل باكملها من الغرب الي الشمال ، والسياسة الحربية التي ادت الي قيام معسكرات في اطراف ووسط البلاد، ادت الي المزيد من دمج وصهر القبائل، وبالتالي، عمقت التصاهر والتمازج القومي وخاصة في المدن السودانية مثل ام درمان، القضارف وغيرهما.
ولكن سياسة الخليفة عبد الله التعايشي في ايامه الأخيرة التي كرّست الهيمنة وحكم الفرد وضرب القبائل التي قاومت القهر والتعسف في الشمال والجنوب والغرب والشرق ، اضعفت الشعور القومي وفتت من عضد السودانيين كامة، وبالتالي، كان السودان لقمة سائغة للاحتلال الانجليزي – المصري عام 1898م.
5- شهدت فترة الاحتلال البريطاني للسودان توسعا في الشعور القومي المشترك والذي اهمه الشعور بالاحتلال الأجنبي للسودان، والذي بدأت المقاومة له: بالمقاومة القبلية في الشمال والجنوب والغرب والشرق، والمقاومة من من منطلقات دينية، حتي قيام التنظيمات الحديثة التي وحدت افراد من قبائل مختلفة علي اساس سياسي واجتماعي وثقافي ورياضي وفني، مثل: قيام جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الابيض، ومؤتمر الخريجين والاحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، اضافة الي اندية الخريجين واندية العمال والاندية الرياضية والثقافية والنقابات والاتحادات. كما قاومت الحركة الوطنية تفتيت البلاد علي اساس قبلي، كما عبر الشاعر : "نحن للقومية النبيلة ، ما بندور عصبية القبيلة...الخ "، وكان ثوار 1924 يرفضون ذكر اسم الق
بيلة عند استجوابهم في المحاكم، وكانوا يصرون علي كلمة "سوداني".
كما وحدت المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية التي انشأها المستعمر بعد سياسة تحرير الرقيق ، والتي كان هدفها تحويل البلاد الي مزرعة قطن كبيرة ، وحدت العاملين في تلك المؤسسات والمشاريع والورش ، والتي ضمت ابناء قبائل من مناطق مختلفة ، كما تطورت وتوسعت المدن والحركة التجارية واقتصاد السلعة- النقد ، اضافة للتعليم المدني الحديث الذي ضم طلابا من قبائل وشعوب مختلفة مما عمق الشعور القومي ، اضافة للمدن مثل الخرطوم وعطبرة وبورتسودان..الخ، التي انصهرت واندمجت فيها القبائل المختلفة.
علي أن سياسة المستعمر وخاصة بعد ثورة 1924م، عرقلت ذلك التطور الموضوعي، عندما ادخلت الادارة الاهلية او القبلية، وسنت قانون المناطق المقفولة، والسياسة اللغوية في الجنوب(مؤتمر الرجاف)، وتقليص التعليم في الجنوب ، وتعميق الصراع بين الشمال والجنوب بتصوير العرب فقط هم تجار الرقيق ، علما بأن تجارة الرقيق كانت تجارة كونية، قام بها شماليون وجنوبيون ومصريون واوربيون..الخ.
كما عمق الاستعمار سياسة التنمية غير المتوازنة، علي سبيل المثال في الجنوب: لم يتم اى مشروع غير مشروع الزاندي والذي توقف بعد احداث 1955م، هذا اضافة لضريبة الدقنية والاجر غير المتساوى للعمل المتساوى بين العمال الشماليين والجنوبيين، وغير ذلك من القنابل الموقوتة التي خلفها الاستعمار والتي عمقت الصراع القومي بين الشمال والجنوب والتطور غير المتوازن في البلاد.
علي أن عمق وتطور الحركة الوطنية كان ترياقا ضد السياسة الاستعمارية ، وكان الشعور القومي طاغيا في معركة الاستقلال، حتي اجلاء القوات الاجنبية عام 1956م.
وبعد الاستقلال لم يتم تعزيز الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي وتنمية متوازنة بين اقليم السودان المختلفة، وسارت الحكومات المدنية والعسكرية علي خطى التمية الرأسمالية الاستعمارية التي عمقت الفوارق الطبقية والتفريط في السيادة الوطنية، وتكريس الفقر وتعميق التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والاستعلاء الديني والعنصري والقهر والتسلط باسم الدين، وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق.
كل ذلك ادى الي تعميق مشكلة الجنوب التي انفجرت عام 1955م، وانفجرت مرة اخري بشكل اوسع بعد فشل اتفاقية اديس ابابا عام 1983م. كما انفجرت الحركات الاقليمية في دارفور وجبال النوبا، واتحادات شمال وجنوب الفونج، بعد ثورة اكتوبر 1964م، وقبل ذلك كان مؤتمر البجا الذي تأسس عام 1958م. طالبت تلك الحركات بمطالب مشروعة تتلخص في : تطورير وتنمية مناطقها وتوفير الخدمات الاساسية لمواطنيها(التعليم، الصحة، الخدمات-كهرباء، مياه - ، العناية البيطرية...الخ). وكانت تلك الحركات ظاهرة صحية حركت سكون وركود تلك المناطق وجذبتها الي حلبة الصراع السياسي والقومي والاثني، وطالبت بالاعتراف بهويتها الثقافية.
علي أن المسألة القومية انفجرت بشكل اعمق واوسع في فترة الانقاذ التي عمقت الفوارق الطبقية والتنمية غير المتوازنة والاستعلاء الثقافي واللغوي والديني، حتي اتسع نطاق الحرب الذي شمل الغرب والشرق وجبال النوبا وجنوب النيل الازرق..الخ.
، وصادر نظام الانقاذ كل التنظيمات الحديثة مثل: الاحزاب السياسية، والنقابات، والمؤسسات الانتاجية والخدمية التي وحدت السوداني علي اساس قومي مثل: المدارس الثانوية العريقة، مشروع الجزيرة والسكة الحديد، والنقل النهري وهيئة الموانئ البحرية ...الخ المواني البحرية، وتم تشريد الالاف من اعمالهم، وتدمير القطاع التقليدي ، وتعميق العصبيات القبلية، من خلال التقسيم الاداري للولايات علي اساس قبلي، وتم الرجوع السؤل القبيلة في ارانيك الدولة الرسمية التي رفضها السودانيون في فترة الادارة البريطانية، كما عمق نظام الانقاذ مشاكل المناطق المهمشة بسبب الاستعلاء القومي والديني والقبلي ، مما ادي لانفجار الحركات المسلحة في تلك المناطق،وادي الي انفصال جنوب السودان. اذن ماتم من عودة للقبيلة في ظل الوضع الراهن عكس التطور الطبيعي الذي كان يجري في باطن المجتمع السوداني لقرون ، والذي ينذر بتفكك السودان وتحويلة الي قبليات وعصبيات متصارعة، مما يعرقل جوهر الصراع الاساسي في السودان باعتباره صراع من اجل التنمية المستقلة، ووحدة البلاد وتكاملها
والنضال من اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وقد عالجت ذلك بتفصيل في مؤلفي بعنوان: "الجذور التاريخية للتهميش في السودان(2006)"، ومؤلفي بعنوان: "قضايا المناطق المهمشة في السودان ( الدار العالمية 2013)".
وخلاصة ما نود أن نقوله في هذا المقال:
الوحدة والتنوع والاندماج والانصهار القبلي والقومي والطبقي والثقافي والاثني في السودان حتي تكوين الامة السودانية الحديثة، هي نتاج تطور تاريخي، وما يجري في ظل نظام الانقاذ هو انتكاسة وسير ضد عجلة التاريخ التي لايمكن أن ترجع الي الوراء.
الحل لايكمن في العودة الي القبيلة والانفصال وتمزيق اوصال البلاد، كما يبشرنا بذلك غلاة الانفصاليين في الشمال وفي حركات الاقليات القومية في المناطق المهمشة، هذا فضلا عن أن ذلك ضد التطور التاريخي للمسألة القومية في السودان، والذي عبرت عنه حضارات وثقافات السودان المتنوعة، ولكن الحل يكمن في التكامل والتطور المتوازن والحكم الذاتي والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، والوحدة من خلال التنوع وعلي أسس المساواة الحقيقية بين كل القبائل والاعراق والاثنيات ونبذ فكرة المواطن ،من الدرجة الثانية. وأن اسقاط نظام الانقاذ الفاشي الدموي الحالي يفتح الطريق أمام تآخي قبائل وشعوب السودان علي اساس الديمقراطية وقبول الآخر.
الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع هي الضمان ضد التشرذم القبلي والقومي والتفتت والانفصال والذي تكرّسه الدولة الدينية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.