الإسم الموضوع اسباب انخفاض الجنيه بريد إلكتروني [email protected] الرسالة يا حبيب هذه الحلقات يبدأ نشرها يوم السبت و لكن نزلها غدا الجمعة مساءا تحت و أرفعها بعد ذلك. تحياتي أسباب إنخفاض الدولار مقابل الجنيه (1/3) في إفادة سابقة للراكوبة حول أسباب انخفاض الدولار قلنا أن انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار و العملات الصعبة الأخرى يعود في الأساس لأسباب هيكلية بحتة يعانيها الاقتصاد السوداني تتلخص في انهيار معدلات الإنتاج في كافة القطاعات الإنتاجية على رأسها القطاع الزراعي، خاصة المحاصيل النقدية التي اشتهر السودان تاريخيا بتربعه علي قمة المصدرين لها عالميا كالصمغ، القطن، السمسم، الكركدي، و غيرها بما يتجاوز ال65% عما كانت عليه قبل 1989م بالإضافة لانهيار القطاعات الخدمية التي كانت تدر حصيلة معتبرة من النقد الأجنبي كالخطوط الجوية السودانية و غيرها من خطوط الطيران الأجنبية التي أغلقت أبوابها لفشل السياسة النقدية و انهيار قيمة العملة المحلية و كذلك الخطوط البحرية السودانية و تراجع الأداء المالي لسوداتل نتيجة للفساد و سوء الإدارة و الانهيار التام لقطاع السياحة و غيرها من القطاعات الخدمية المدرة للنقد الأجنبي. و ذلك كله نتيجة للسياسات الإقتصادية الخاطئة التي أهملت تلك القطاعات و اثقلت كاهلها بالضرائب و الرسوم و الأتوات فارتفعت تكاليف انتاجها لمستويات غير مسبوقة فقدت معها (علي انخفاضها) قدرتها التنافسية العالمية و فقدت البلاد بالتالي ما يزيد عن 90% من حصيلتها من العملات الصعبة في حين تضاعفت فاتورة الاستيراد لتتجاوز حاجز ال 13 مليار دولار، يوفر منها السوق الأسود لوحده حوالي 5 مليار دولار علما بأن الجزء الأكبر من فاتورة الاستيراد مخصص للسلاح و أجهزة الأمن و القمع و السلع الغذائية الرئيسة. و بالتالي فإن أي حلول غير هيكلية تستهدف استنهاض القطاعات الإنتاجية و الخدمية و إصلاح السياسة المالية و النقدية تصبح مجرد ضجيج إعلامي و حلول مؤقتة لن تنجح في استعادة عافية العملة المحلية. لذلك فإن ارتفاع الدولار في ظل هذا الواقع أمر محتوم حتي لو شهد بعض موجات الانخفاض المتقطعة في بعض الأوقات لأسباب عابرة إلا أن الاتجاه العام سيظل هو اتجاه الصعود. لا تزال هذه الإفادة تمثل الحقيقة المرة (حسب تقديرنا) التي تستعصي علي التزييف، فإذا نجحت الإنقاذ في تحريف الدين و استغلاله في تغبيش وعي الناس طوال السنوات السابقة و تكريسه من أجل مصالحها و مصالح عصبتها الفاسدة و أتباعها من الطفيليين، و إذا تمكنت أيضا من توظيف أجهزتها الإعلامية و قدرات كوادرها الخرافية علي الإفك و التضليل و التلاعب بالألفاظ في خداع العديد من أفراد شعبنا في كثير من القضايا فإنها قطعا و مهما أعطيت من قوة و من رباط الخيل و حتي لو كان بمقدورها اختراق الأرض و بلوغ الجبال طولا فإنها لا تستطيع تحريف الحقائق الإقتصادية لأن الإقتصاد هو علم الأرقام و المفاضلة بين البدائل و هو أكثر العلوم و أشدها ارتباطا بمعايش الناس و حياتهم اليومية، و أيضا لأن الناس هم عصب الإقتصاد في المقام الأول. و المواطن السوداني يعبِّر عن فهمه للواقع الإقتصادي بقدر ارتباط الأخير بحياته اليومية في سياق فلكلوره الشعبي و بطريقته الخاصة و فطرته العفوية البسيطة المستمدة من نشاطه الإقتصادي و الإجتماعي التي لا تلتبس عليها الأمور. و لعل طرفة الأب الذي زيَّن مائدة الغداء بدجاجة محمرة احتفاءً بعودة أبنه النهائية من الدراسة في الخارج تعبِّر عن ذلك عندما سأل إبنه أثناء ونسة الغداء المعهودة (دحين يا ولدي درست شنو؟ فأجابه الابن درست فلسفة فسأله الأب مرة أخري بكل تلقائية الفلفسة دي شِنِي؟ فأجابه الابن يعني ممكن أثبت ليك الدجاجة ال في الصينية دي دجاجتين فما كان من الأب بوعيه التلقائي العفوي البسيط و قناعته التي لا تهزها الريح إلا أن التقط الدجاجة بشكل خاطف ساخرا متهكما (أها أنا بآكل الجدادة دي إنت أكل البتثبتها). إنها نفس حالة الإنقاذ و روبوتاتها المبرمجة علي الإفك و الجهالة الذين يحاولون إقناع المواطن الفقير المعدم بأنه غنيٌ مترف كحالة ربيع عبد العاطي متفاخرا بأن متوسط دخل الفرد في السودان قد وصل في عهدهم 1800 دولار و هو لا يعلم أن هذا الرقم (و الذي يعادل حوالي 150 دولار شهريا دون أن نخصم منه الإستهلاك الوسيط المتمثل في الضرائب و الزكاة و غيرها من الرسوم و الأتوات بالإضافة إلي تكلفة المنافع العامة "الكهرباء و الماء" و الإهلاك للوصول لدخل الفرد الحقيقي الذي لا يتعدي 60 دولار شهريا بعد الخصم كحد أقصي) حتي لو افترضنا أنه صحيح فهو من أدني متوسطات دخل الفرد في العالم. فما باله أن قلنا له أن دخل الفرد في دولة قطر يبلغ حوالي 98 الف دولار (أي 8.2 ألف دولار شهريا) و في لوكسمبورج حوالي 78 الف دولار (أي 6.5 ألف دولار شهريا) و في أمريكا حوالي 53 الف دولار (أي 4.4 ألف دولار شهريا) و في السويد 41 الف دولار (أي 3.4 ألف دولار شهريا) و حتي في جيبوتي المجاورة التي تعد أحد أفقر بلدان العالم قد بلغ 2700 دولار (أي 225 دولار شهريا) علما بأن تقدير متوسط دخل الفرد بقسمة الناتج المحلي الإجمالي علي عدد السكان يعتبر مؤشرا ضعيفا في قياس رفاهة المجتمع بالذات في البلدان المتخلفة لأنه مجرد معادلة حسابية بحتة تتجاهل كثير من المتغيرات و العوامل الإقتصادية الأخري التي لا تفهمها الإنقاذ و لا تعكس الدخل الحقيقي للفرد أو التوزيع العادل للثروة فلا يستوي أن يكون دخل العامل في مستشفي الخرطوم (مثلا) الذي يعيش علي أقل من حد الكفاف و لا يتجاوز دخله الشهري ال 60 دولار أن يكون نصيبه الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي 1800 دولار و دخل مأمون حميدة وزير الصحة و رجل الأعمال المرموق بجلالة قدره 1800 دولار أيضا و هو مبلغ بالنسبة له طالب واحد بكليته الجامعية الشهيرة التي يرتادها أبناء الأثرياء و الميسورين فقط كرسوم دراسية سنوية. أو كحالة السيد حجير رئيس لجنة الشئون المالية و الإقتصادية بالبرلمان (المضروب الذي ما إن استمعت لأيٌ من مداولاته أو قراراته أو مداخلات أو تصريحات أحد أعضائه حتي تذكرت و زادت قناعتك رسوخا بأن الإنسان فعلا قد خُلِق من طين) و هو يدعو الناس جميعا دون حياء أو خجل التضرع لله سبحانه و تعالي بالدعاء من أجل أن يصل سعر الدولار لما يعادل واحد جنيه. الدعاء يمكن أن يدخل المرء الجنة إذا كان صادرا من قلب سليم و عقل راجح و إرادة تسعي لإقامة العدل و تكريس معني الاستخلاف في الأرض (وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( و الذي يحتم علي الإنسان كخليفة أو وكيل (علي شئ لا يملكه) القيام بمهمته علي الوجه الأكمل بإقامة العدل أولا و أخيرا في استغلال موارد الأرض البشرية و الإقتصادية في الإنتاج و الإستهلاك و التوزيع العادل للدخل و عدم تركيزه في أيدي قلة من المتنفذين. لكنه (أي الدعاء) لن يخرجنا من وهن اقتصادنا المتزايد بسبب فساد حجير نفسه و غيره من ولاة أمورنا الذين يكتنزون الذهب و الفضة و الدولار و اليورو و الاسترليني و الريال و الدرهم و ما خفي كان أعظم. فليس من بين القوي و العناصر الإقتصادية البحتة التي تؤثر علي سعر الصرف و السعر الحقيقي (أي القوة الشرائية) للعملة المحلية عنصر الدعاء فهو فقط من تقليعات السيد حجير التي تندرج ضمن منهج الطغمة الفاسدة في إستغلال الدين و تكريس الجهل و الخرافات في تفسير الواقع علي شاكلة قصة (خوجلي أبو الجاز ال قلب المويه جاز) و غيرها من حكاوي الشعوذة و الدجل التي وجدت في حقبة الإنقاذ بيئة خصبة تشهد عليها حلقات الذكر الصاخبة في بعض أطراف العاصمة المثلثة و ضهاريها لأوقات متأخرة بعد منتصف الليل التي يرتادها كبار رموز الإنقاذ دون إستثناء و أتباعهم و مريديهم ليتحللوا من سوء أعمالهم التي ما أن تصبح الدنيا في اليوم الثاني حتي و عادوا في طغيانهم يعمهون أو كما يقول المثل (بالليل تسبِّح و بالنهار تضبِّح). حجير و مخدِّميه و بقية العصبة الفاسدة هم في الحقيقة أشد الناس حاجة للتضرع لله سبحانه و تعالي لعله يغفر لهم إلا أنه (عزّ و جلّ) قد يسامح و يغفر و لكن ليس في ظلم العباد الذي حرَّمه علي نفسه فالظلم كما يصنِّفه الدين ثلاثة أنواع ظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يُغفر فهو الشرك بالله، حيث يقول الله سبحانه و تعالي: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد لنفسه، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا و أن الله سبحانه و تعالي لا يظلم أحدا لذلك فإن ظلم العبد للعبد لا يترك و لا يغفر إلا إذا عفي المظلوم عن الظالم أو تم القصاص و نال المظلوم حقه الشرعي بالكامل. و بالتالي لا عاصم لعصبة الإنقاذ اليوم أو غدا من غضب الشعب السوداني إلا رد المظالم و رد المظالم في حد ذاته يحتاج لبسالة و شجاعة و درجة رفيعة من الإيمان و التجرد و الصدق مع النفس و مع الناس و نقاء السريرة و قليل من الرحمة و هي خصال لا تتمتع الطغمة الحاكمة (بطبيعتها) و لو بذرة واحدة منها. من يتوقع ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار في واقع السودان الإقتصادي الكارثي الحالي هو كمن يسبح ضد التيار متحديا قانون الجاذبية مثل شخصية الرسوم المتحركة (رود رانر) الذي يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه. إنها نفس حالة روبوتات الطغمة الفاسدة لا يوجد أي شيء حقيقي تحت أقدامهم، مجرد إقتصاد هالك يقف علي أعمدة ظلت خلال أكثر من ربع قرن من الزمان فريسة تنخر فيها طفيلية الإنقاذ خلف الكواليس بنهم (بُهَيمِي) كما ينخر السوس جذوع الأشجار في الخِفَاء حتي عادت واهنة ريثما تتهاوي بحملها الثقيل و تصبح هباءا منثورا أو كما قال شاعرنا الراحل إدريس جماع كدقيقٍ فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريحٍ أجمعوه. فالفساد و التكالب علي الثراء و مراكمة الثروة و الصرف البذخي للطغمة الفاسدة علي مستوي الدولة متمثلا في المكاتب الفخمة و المخصصات التي لا طائل لها و السيارات الفارهة و العطالة المقنعة ليس فقط علي مستوي مؤسسات الدولة بل علي قمة هرم السلطة و المناصب المختلقة (مركزي, ولائي، محلي, قطاعي و هلم جرا), الإدارات الحكومية و العسكرية و الأمنية المستنسخة التي يتم الصرف عليها من عرق الشعب (وزارة استثمار مركزية, ولائية, جهاز مغتربين, دعم سريع, طيرة, و غيرها) و كذلك علي المستوي الشخصي لعصبة الإنقاذ و طفيليتها من بيوت فاخرة و قصور عاجية ملحقة بالغرف الواسعة و الأسرة الدافئة الوسيرة و الستائر الزاهية الظليلة و أبدع ما أنتجته بلاد السند و العجم من فرش و سجاد و أغطية و شراشف و أناتيك و غيرها. و كذلك في السيارات الفارهة المصطفة في مواقف البقالات الكبري و محلات الحلويات و المطايب و النعيم وهم يدفعون من غير حساب كصرف من لا يخشي الفقر (فاكهة مما يتخيرون و لحم طير مما يشتهون) و حتي صحن الفول حبيب الشعب أصبح كما يقولون (خشم بيوت صحن بوش بموية الفول و الجبنة و فول آخر ليس كالفول الذي نعرفه له مزاق خاص لا مثيل له تتباهي بصنعهه و إعداده عليِّة القوم داخل قصورها العاجية في الطناجر الفخارية المضغوطة بعناية فائقة و أواني النيكل البخارية و غيرها من أحدث ما أنتجته تكنلوجيا المطابخ الحديثة المستوردة). مرة أخري نؤكد علي ما جاء في إفادتنا للراكوبة بشأن إنخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار و العملات الصعبة الأخري و نتفق مع بعض ما جاء في مقال الخبير الإقتصادي الدكتور التجاني الطيب و الأستاذ حسين أحمد حسين (في مقاله الأول) قبل عدة أسابيع في الراكوبة و لكننا نختلف معهما في تأثير العامل الخارجي المتمثل في المقاطعة الخارجية و نتفق تماما مع إفادة الدكتور محمد حامد لجريدة الميدان قبلهما و الذي نُشِر أيضا في راكوبتنا الظليلة و نضيف إليه أو نزيده شرحا (إذا سمح لنا) بأن الطلب علي الدولار لا يتمثل في طلب المتحكمين في تجارة العملة علي الدولار و الذي يتمثل في شراء الدولار و غيره من العملات الصعبة مباشرة من المغتربين العائدين لقضاء اجازات العيدين (الفطر و الأضحي) أو بطريقة غير مباشرة من المغتربين غير العائدين للإجازة و هم ينفذون تحويلاتهم في هذا الموسم بشكل مكثف عن طريق سماسرة تجار العملة و وكلائهم في الخارج بتسليمهم المبالغ المحولة بالعملة الصعبة في الخارج و الاستلام في الداخل بالعملة المحلية فالطل الحقيقي للدولار و العملات الصعبة يتمثل في طلب المستوردين أو الذين يحتاجون للدولار و العملات الصعبة لغرض استكمال عمليات الإستيراد سواء كانت جهات حكومية و شبه حكومية أو قطاع خاص فبينما كان سعر الشراء المفرق في السوق الأسود من تجار العملة يتم بمعدلات منخفضة و صلت إلي 8.2 جنيه للدولار الواحد بلغ سعر البيع للمستوردين أو الطالبين الحقيقيين (النهائيين) للدولار حوالي 9.8 جنيه للدولار أي أن الدولار في حقيقة الأمر لم ينخفض فالطلب الحقيقي يتمثل في طلب المستوردين لتلبية إحتياجات استيرادهم من العملة الصعبة و ليس في مسرحيات و تاكتيكات تجار العملة المتنفذين و المسيطرين علي السوق الأسود من العصبة الفاسدة للحصول علي الدولار و العملة الصعبة و اكتنازها و التحكم فيها و من ثم عرضها بالسعر الذي يرغبون فيه لبيعها للمستوردين و هو ما يفسره انخفاض الدولار في نقس الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع و الخدمات. سنركز في هذه الحلقات علي بيان دور الفساد في زيادة قيمة الدولار باستدعاء تفسير تقي الدين المقريزي و وصفة أبو التاريخ و الإجتماع و أيضا علم الإقتصاد العلامة المفكر عبد الرحمن ابن خلدون في تفسير كل هذا الفشل لبيان أن فرية المشروع الحضاري الذي من المفترض أن يستمد روحه من التراثت الإسلامي و إسهامات علمائه و مفكريه ليس له أي صلة بالتراث الإسلامي فتابعونا.