إسحق أحمد فضل الله يكتب: (تعليل. ما يجري)    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكاذيب بنك السودان
نشر في الراكوبة يوم 05 - 03 - 2014

إنها قطعا ليست بكذبة أبريل فنحن لا زلنا في مستهل مارس، و مارس كما هو معروف في فلكلور السودانيين (شهر الكوارث). لكن عندما تصدر الأكاذيب عن أعلي سلطة نقدية في البلاد (عينك يا تاجر) من خلال بيان صحفي رسمي دون ذرة من حياء أو خجل تتحول الأكاذيب إلي كوارث.
أما الكارثة الكبري فليست في الأكاذيب نفسها (فهذا أمر معتاد) و إنما في تمادي البنك المركزي في الكذب كعادة و خصلة في حد ذاتها يُصَدِّقها هو و يتوهم أن الناس علي درجة من السذاجة و الجهل ليصدقوه القول. و ليس ذلك بغريب إذا كان القائمون علي أمر بلادنا من كبيرهم إلي صغيرهم هم من زمرة الإفك و الفجور أسوة بقول النبي الكريم (إن الكذب يهدي إلي الفجور، و إن الفجور يهدي إلي النار، و ما يزال الرجل يكذب و يتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذَّابا). (فإذا كان رب البيت للدفء ضارب فشيمة أهل البيت الرقص). و هذا ليس افتراءا من جانبنا فقد قدَّمت لنا سلطة الإنقاذ خلال عقدين و نيف من الزمان ضروبا من فنون الرقص يمكننا أن نضارع بها الأمم.
فالحقيقة الوحيدة التي وردت في بيان البنك المركزي هو إقراره بإيقاف البنوك السعودية و بعض المصارف الأجنبية التعامل مع البنوك السودانية. و اعترافه هنا لا ينبع بالطبع من مبدأ الشفافية و الصدق و إنما من كون الأمر أصبح حقيقة لا سبيل لإنكارها، فالعالم كله عاد يعرفها، و قد جاءت مدعمة بإخطارات رسمية، و تداولت أخبارها صحف و مصادر رسمية و إعلامية غير سودانية ليس لسلطة الإنقاذ سيطرة عليها. و لكنهم برغم ذلك حاولوا تحويرها و تزييفها بأكاذيب و مبررات واهية لا و لن تنطلي علي أحد.
فقد برر البنك المركزي مقاطعة البنوك السعودية و بعض البنوك الأجنبية لنظيرتها السودانية (كعادته) بشماعة المقاطعة التي ظلت حكومة الإنقاذ (و لا زالت) تدمن تعليق خيبتها و فشلها عليها طوال السنوات الماضية كلما ضاقت بها الكوارث و استحكمت عليها حلقات الأمور و أحاط بها الفشل.
و هي في حقيقة الأمر (أي شماعة المقاطعة دون أن نضطر للخوض في تفاصيلها) بضاعة تخص سلطة الإنقاذ الفاسدة لوحدها لا ناقة لشعبنا بها و لا جمل مثلما تخص محكمة الجنايات الدولية زعيم الطغمة الفاسدة لوحده دون سواه كمجرم حرب ارتكب جرائم جنائية بعينها يحاكم عليها القانون الدولي يمتثل أمامه لوحده و يحاكم بموجبه لوحده. فإن كانت المقاطعة تمثل لهم مشكلة و تنعكس آثارها السلبية علي شعبنا فهم الذين دفعوا البلاد إلي أسبابها و مسالكها بتبنيهم لمشروع واهم متصادم مع حقائق الكون و التاريخ (لا يمت لواقع بلادنا و ثقافة شعبنا بصلة) فهم وحدهم الذين يتحملون نتائجها الكارثية أمام شعبنا و أمام العالم و الإنسانية جمعاء طال الزمن أو قصر.
و لكنها (أي المقاطعة) ليست سببا في مقاطعة البنوك الأجنبية لمثيلتها السودانية كما يحاول أذيال النظام من أفندية البنك المركزي و أبواقه الفارغة في اللجنة الاقتصادية للمجلس الوطني (المضروب) تمريره علي الناس. فالحقيقة الوحيدة المرة التي لا تحتمل التأويل و يجب علي الجميع معرفتها من نبأ مقاطعة البنوك السعودية و بعض البنوك الأجنبية للتعامل مع البنوك السودانية هي أن جهازنا المصرفي قد أغدق في براثن الفشل الذريع و قارب حافة الهاوية و هو يسبح ضد التيار و صدقت عليه مقولة تروتسكى بأن (البرجوازية تنحدر نحو الكارثة بعيون مغلقة) و أصبح حاله تماما كحال شخصية الرسوم المتحركة رود رانر و هو يتحدي قانون الجاذبية (كما جاء في منظورات آلان وودز) وهو يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه، إنها نفس حالة قطاعنا المصرفي الآن. لا يوجد أي شيء حقيقي تحت قدميه، مجرد سلطة نقدية عليا تدمن الإفك و اجترار الأكاذيب، فساد مستشري حتي النخاع، ديون معدومة، و صكوك إسلامية غير قابلة للتحصيل.
فالأمر بكل بساطة أن بنوكنا و للأسف الشديد قد فقدت مصداقيتها عالميا نتيجة لانعدام أرصدتها من العملات الصعبة في البنوك المراسلة لها بالخارج للدرجة التي أصبحت معها لا تستطيع تغطية قيمة الاعتمادات المستندية و الحُوالات المصرفية الصادرة عنها و أصبحت مصنفة في كل محافظ تلك البنوك كحسابات رديئة. بل أن بعضها أصبح مطالبا بكم طائل من العملات الصعبة و أصبحت حساباتها المفتوحة في البنوك المراسلة بالخارج تشكل عبئا ثقيلا علي تلك البنوك الأجنبية المراسلة اضطرت معه اغلاق هذه الحسابات الرديئة و التخلص منها لإيقاف نزيف المصروفات و الخسائر التي تتحملها نتيجة إدارتها و التعامل معها. و هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعرفها كل الناس دون أن تنطلي عليهم فريِّة البنك المركزي في محاولة منه لإخفاء حقائق واقع الجهاز المصرفي التي تسبب هو فيها و أصبح بالتالي بؤرة من أكبر بؤر الفساد في بلادنا.
فمن المعروف أن وسائل الدفع في التجارة الخارجية تتم إما بموجب الاعتمادات المستندية أو بموجب خطابات الضمان أو بالتحويلات المصرفية و لذلك يقوم كل بنك بتكوين شبكة من البنوك المراسلة له في كل بلد من البلدان الأخري بموجب اتفاقية يتم بموجبها فتح حساب يتم تغذيته بحد مقبول من العملات الصعبة ليقوم البنك المراسل بقوة هذه العملات الصعبة سداد قيمة الاعتمادات المستندية أو الحوالات المصرفية أو خطابات الضمان الصادرة من البنك المحلي أو تعزيز الاعتمادات الصادرة عنه. فندما يقوم شخص بتحويل 100 دولار للسعودية مثلا عن طريق بنك الخرطوم لا يتم ارسال نفس ورقة ال 100 دولار (بالبريد الجوي) و لكن يتم خصمها لصالح المستفيد من حساب بنك الخرطوم في البنك المراسل له بالسعودية. و بالتالي عندما يكون حساب بنك الخرطوم خاليا من العظم فمن البديهي لا يستطيع البنك المراسل تنفيذ الحوالة.
و لتبسيط العملية ففي حالة الاعتماد المستندي يقوم المستورد السوداني بطلب فتح اعتماد من بنك الخرطوم مثلا (و يسمي المستورد هنا بطالب فتح الاعتماد) و بناءا علي ذلك يقوم بنك الخرطوم بإصدار اعتماد مستندي (عبارة عن خطاب محدد فيه مواصفات البضاعة المراد استيرادها و المستندات المطلوبة التي يتم الدفع للمصدِّر أو المستفيد أو البائع بموجبها و تتمثل في الفاتورة و شهادة المنشأ و بوليصة الشحن و شهادة الفحص و قائمة التعبئة و غيرها من المستندات) و ذلك عبر البنك المراسل لبنك الخرطوم في السعودية مثلا حيث يتعهد فيها بنك الخرطوم بسداد قيمة الاعتماد عند تقديم المستندات المطلوبة بعد فحصها و التأكد من صحتها. ثم يقوم البنك المراسل في السعودية بإضافة تعزيزه للاعتماد إذا طلب منه بنك الخرطوم ذلك و كان رصيد حساب بنك الخرطوم طرفه يغطي قيمة الاعتماد. و يقوم من جانبه (بناءا عليه) بإصدار تعزيز للاعتماد مقابل عمولة متفق عليها (أي تعهدا اضافيا) من جانبه بالسداد نيابة عن بنك الخرطوم في حالة تقديم المستندات المطلوبة و يقوم بإخطار المستفيد (أو المصدِّر أو البائع) عن طريق البنك الخاص به الذي حدده مسبقا في الفاتورة المبدئية التي سبق و أن أرسلها للمستورد السوداني قبل إصدار الأخير للاعتماد المستندي.
أما إذا كان رصيد حساب بنك الخرطوم في البنك السعودي (مثلا) لا يغطي قيمة الاعتماد فلن يضيف تعزيزه للاعتماد و يكتفي فقط بإخطار المستفيد عن طريق بنك المستفيد بخطاب الاعتماد دون أي تعهد من جانبه بالسداد و يصبح بالتالي خطاب الاعتماد غير معزز أو غير مؤكد و لكنه (أي البنك السعودي المراسل) سيفقد مصداقيته أمام بنك المستفيد مستقبلا إذا لم يقوم بنك الخرطوم بسداد قيمة المستندات خاصة إذا تكررت العملية لأكثر من مرة مما يضطر البنك السعودي المراسل لبنك الخرطوم مستقبلا لإغلاق حساب الأخير حفاظا علي سمعته و مطالبته بسداد أي اعتمادات سابقة قام بتغطيتها نيابة عنه مضافا إليها عمولته و مصروفاته و تظهر هذه المبالغ عادة في ميزانية البنك السعودي في جانب الأصول.
و كلما طالت مدة تأخير بنك الخرطوم عن سداد هذه المبالغ كلما تكبد البنك السعودي خسائر مقابلها فإذا بلغت مدة التأخير 91 يوم يصنف الحساب كحساب (دون المستوي) و يتم تكوين مخصص له (أي مخصص ديون مشكوك في تحصيلها لمقابلة الخسارة المحتملة) بحوالي 20% من قيمة المبلغ المستحق تخصم مباشرة من أرباح البنك المراسل في قائمة الأرباح و الخسائر. و إذا بلغت مدة التأخير 181 يوم يتم تصنيف الحساب تصنيف أسوأ كديون (مشكوك في تحصيلها) و تزيد نسبة المخصص عليه تلقائيا إلي 50% من قيمة المبلغ المستحق، أما إذا تجاوزت مدة التأخير حاجز ال 271 يوم يتم تصنيفه كحساب ردئ و يؤخذ عليه مخصص 100% (أي يصبح المبلغ المستحق علي بنك الخرطوم كله خسارة تخصم بالكامل من الأرباح في قائمة الأرباح و الخسائر الخاصة بالبنك السعودي المراسل).
و يتم عادة الوصول لقرار إغلاق الحساب عندما يقوم البنك السعودي المراسل باعتبار مستحقاته طرف بنك الخرطوم كديون معدومة يضطر لشطبها من حساباته بشكل نهائي و يتم تقييدها لمرة واحدة في قائمة الأرباح و الخسائر كمصروف أو خسارة بالكامل و تختفي بشكل نهائي من حسابات البنك المراسل و يصنف بنك الخرطوم بالتالي في القائمة السوداء أو المحظورة للبنك المراسل السعودي و التي درجت البنوك علي تسميتها (تهذيبا) بالقائمة الخاصة.
و عادة ما يتم التعامل التجاري الدولي بين بنوك الدول المحترمة ذات الاقتصاديات المستقرة بموجب اعتمادات مستندية لا تحتاج لتعزيز كما يحدث علي سبيل المثال بين دول الخليج و دول الإتحاد الأوروبي و أمريكا و اليابان و الصين و غيرها نتيجة للثقة المتبادلة و لنشاط شبكات البنوك المراسلة بينها و نشاط حركة حسابات كل منها طرف الآخر بالعملات الصعبة. و قد كان السودان أيام عهده الزاهر كذلك في تعاملاته مع البنوك الأجنبية حتي قبل ليلة الانقلاب الغاشم لطغمة الإنقاذ الفاسدة في يونيو 1989م التي وصلت معها أصول البنوك السودانية في الخارج كما في سبتمبر 2013م حوالي 4.5 مليار جنيه سوداني ما يعادل 550 مليون دولار فقط بسعر 8.2 جنيه مقابل الدولار (علما بأن سعر اليوم 9 جنيه مقابل الدولار الواحد) حسب بيانات اﻟﻤﻴﺰاﻧﻴﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪة ﻟﻠﺒﻨﻮك اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ - سبتمبر 2013م – مجلة العرض الإقتصادي و المالي - موقع بنك السودان المركزي – جدول رقم (15 A) – صفحة 27. و هو مبلغ يمثل فقط 0.04% من قيمة فاتورة الإستيراد التي وصلت إلي حوالي 13 مليار دولار. أي أن 99.96% من قيمة الفاتورة يتم تمويلها من السوق السوداء خارج نطاق الجهاز المصرفي، و أي أفندي من أفندية البنك المركزي الكبار يمتلك 10% من قيمة هذا المبلغ، و أي سمسار من سماسرة المؤتمر الوطني يمتلك أضعافه في الخارج, فما بالك لو أن أحفادهم يخرجون من مطار الخرطوم و هم يحملون في حقائب سفرهم عشرات الملايين من الدولارات. في حين أن أصول البنوك التجارية طرف بنك السودان المركزي حسب نفس الجدول المذكور و نفس المصدر المشار إليه بلغت حتي سبتمبر 2013م حوالي 13.6 مليار جنيه ما يعادل 2.4 مليار دولار بسعر البنك المركزي تمثل أرصدة شهادة شهامة و غيرها من صكوك الإستثمار الحكومية (التي لا يتم سدادها للبنوك) الجزء الأكبر منها.
(فكم تبلغ ثرواتهم و كم هو حجم المبالغ المنهوبة من موارد شعبنا و خيراته يا تري) إنه سؤال يقع ضمن الأسئلة الصعبة التي تحتاج لإجابات شبه مستحيلة).
هذا التدهور في أرصدة حسابات البنوك السودانية في شبكة البنوك المراسلة بالخارج لم يعد وليد اللحظة و إنما بدأ منذ زمن مبكر من عمر الإنقاذ خاصة خلال فترة التسعينات نتيجة للفساد الشامل الممنهج الذي ضرب القطاع المصرفي و الإنهيار الكامل للاقتصاد الوطني نتيجة تراكم الدين الداخلي و الخارجي و تدهور القطاعات الإنتاجية و الخدمية و خصخصة مؤسسات القطاع العام و نهبها و زيادة معدلات الإنفاق علي الأمن و الحرب و مخصصات الأجهزة الحكومية المترهلة و تراجع الصادرات لمستويات غير مسبوقة مقابل تزايد معدلات الاستيراد و زيادة معدلات التضخم و انهيار قيمة سعر الصرف و غيرها من الجرائم الاقتصادية.
و نتيجة لكل ذلك فقد تفشت خلال تلك الفترة ظاهرة شركات الوساطة المملوكة لمنتسبي سلطة الإنقاذ في الخارج التي كانت تقوم بتعزيز الإعتمادات غير المعززة الصادرة من البنوك المحلية (كتجارة في حد ذاتها و مصدر للكسب) عن طريق حساباتها الخاصة في البنوك الخارجية المكتنزة بما تم نهبه من أموال شعبنا مقابل عمولات و صفقات لا طائل لها أسهمت بشكل مباشر في رفع تكلفة الواردات و ارتفاع أسعار السلع الأساسية للمواطن و في نفس الوقت ضاعفت من ثروات أصحاب هذه الشركات.
و مع استمرار مسلسل التدهور الاقتصادي و زيادة معدلات التضخم و انخفاض قيمة العملة المحلية امتنعت تلك الشركات المذكورة عن تعزيز الاعتمادات المستندية كما كانت تفعل لأنها أصبحت تجارة كاسدة بالنسبة لها. فلم يعد بمقدورها السداد بالعملة الصعبة في الخارج و الاستلام بالعملة المحلية بالداخل خاصة و أن عملية تحويل أموالها لحساباتها في الخارج أصبحت محاطة بقدر عالي من الصعوبة فضلا عن أنها لا تحقق لهم مكاسب فأصبحت تفضل الاحتفاظ بأموالها بالعملات الصعبة في الخارج في شكل ودائع لدي البنوك الخارجية أو استثمارها في مشاريع عقارية في ماليزيا و أوروبا و بعض دول الخليج و غيرها من البلدان و تحول نشاطها في مجال تعزيز الاعتمادات المستندية الصادرة من البنوك المحلية إلي عمليات منظمة من السمسرة و الاستجداء لدي البنوك الخليجية خاصة بنوك الأوفشور في مملكة البحرين لإضافة تعزيزها لتلك الاعتمادات مستعينة ببعض الكوادر المنسوبة لهم و التي تتبوأ مراكز مرموقة في تلك البنوك، أو مقابل خطابات ضمان صادرة من بنك السودان (و مختومة بختم صقر الجديان) و استطاعت بذلك هذه الشركات من تحويل أعلي سلطة نقدية في البلاد لأكبر ممول للقطاع الخاص و لسماسرة المؤتمر الوطني و لا زال هذا النشاط مستمرا حتي يومنا هذا. و للأسف الشديد حتي السلع الاستراتيجية (كالقمح علي سبيل المثال و ليس الحصر) يتم استيرادها بنفس الآلية عن طريق القطاع الخاص بدلا عن الدولة (بحجة المقاطعة أيضا برغم أن القمح لا يدخل ضمن سلع المقاطعة) و عبر صفقات يتم ترتيبها في الخارج عن طريق شركات الوساطة تلك مقابل عمولات لا أنزل الله لها من سلطان.
معظم ما قاله الخبراء في تأثيرات إيقاف البنوك السعودية و بعض البنوك الأجنبية التعامل مع البنوك السودانية علي الاقتصاد الوطني و علي شعبنا و اطلعنا عليها هنا في الراكوبة صحيحة لكن الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يعرفها الجميع أن الطغمة الحاكمة و بطانتها الفاسدة من أفندية البنك المركزي تتعمد إخفاء الواقع الكارثي الذي يعيشه جهازنا المصرفي و المالي و الذي نتوقع انهياره الشامل خلال الفترة القليلة القادمة إذا ما ظل المؤتمر الوطني قائما علي أمور بلادنا و ظلت السلطة النقدية العليا في بلادنا تمارس الإفك و تحاول تزييف الحقائق المرة و ستكون نتائج هذا الإنهيار مأساوية علي شعبنا و علي كافة القطاعات الإقتصادية. ألا هل بلغت اللهم فاشهد
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.