وقَّعت بعض قوى المُعارضة السودانية (الجبهة الثورية، حزب الأمة القومي، وقوى الإجماع الوطني ومُبادرة المُجتمع المدني) يوم الأربعاء الماضي 3 ديسمبر 2014 على اتفاقٍ مُشترك أسموه (وثيقة نداء السودان)، كإعلانٍ سياسي لتأسيس دولة المُواطنة والديمقراطية. حيث اشتملت الوثيقة على الجوانب الإنسانية والحروب والنزاعات والأحوال المعيشية والوضع السياسي الراهن بنحوٍ عام، وما يتعلَّق بالحوار والحل السياسي الشامل والانتقال نحو الديمقراطية وآليات العمل. توالت بعدها ردود الأفعال بصورةٍ دراماتيكيةٍ مُدهشة، لا سيما من قبل الجماعة الحاكمة، والتي اتَّسمت (في ظاهرها) بالرفض والامتعاض، في تمثيلية يُمكن رُؤيتها بعين البصيرة، عقب التأمُّل في مضامين وبنود الوثيقة أعلاه. أوَّل ردود أفعال المُتأسلمين ال(مُدهشة)، هو توجيه ما يصفونه بال(رئاسة) بفتح مُعسكرات التدريب لقوات الدفاع الشعبي وتعبئة المواطنين لرد ال(خونة) وال(مُتمردين)، حسب وصف حسبو محمد عبدالرحمن! والذي تساءل في كلمته التي ألقاها بمقر الدفاع الشعبي في اليوم التالي للاتفاق (مُباشرةً)، عن جدوى توقيع القوى المُعارضة والمتمردين على وثيقة باسم نداء السودان، في الوقت الذي تدور فيه بينهم وبين الحكومة مُفاوضات للتوصُّل للسلام! مُعلناً التوجيه ال(رئاسي) للوُلاة بفتح مُعسكرات التدريب، ومُؤكداً أنَّ مشروعهم في (تمكين) ال(دين) ماضٍ رغم كيد الكائدين! وفي ذات السياق، أعلن وزير الدولة للدفاع استعداد الجيش والدفاع الشعبي للدفع بالقوات لمناطق العمليات، مُؤكداً جاهزية أحد (ألويتهم) للتحرك لمناطق العمليات بعد (تلقي) أفراده تدريباً مُتقدماً على كل فنون القتال واستخدام (مُختلف) الأسلحة! وهو ما سار عليه حديث المنسق العام لقوات الدفاع الشعبي الذي استعرض (أكَّد) مُضيهم وقال إنهم ماضون في طريق الجهاد! وبالأمس، حَمَلَتْ الأنباء قيام السلطات الأمنية باعتقال فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قوى الاجماع الوطني من منزله، بجانب اعتقال الدكتور أمين مكي مدني مُمثِّل مُنظَّمات المُجتمع المدني السودانية! مع أنباء قوية و(مُدهشة) عن اعتقال بعض أعضاء ما يطلقون على أنفسهم أو يُوصفون بمُبادرة (سائحون)، الذين ذهبوا إلى اديس ابابا، والتقوا ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية قطاع شمال السودان! للحقيقة فإنَّ ردَّ الفعل الإسلاموي لا يتناسب إطلاقاً مع مضامين وبنود وثيقة نداء السودان التي تمَّ توقيعها من قبل الجهات المُشار إليها أعلاه، ليس إلا لأنَّها لم تأت بجديد يُذكر (يُضاف) أو (قد) يُغيِّر أو يُشكل خطراً يستدعي كل هذه الزوبعة ال(دراماتيكية) الإسلاموية! فالوثيقة لم تُضف مُؤثراً إيجابياً وعملياً جديداً يُسهم في تغيير الأوضاع المأزومة، و(خَلَتْ) تماماً من أي مدى زمني لتنفيذ مضامينها، وبالتالي لا وجود عملي (تطبيقي) لهذه المضامين والبنود! وبمعنىً آخر، لا توجد آلية واضحة المعالم لتنفيذ مضامين وبنود الوثيقة، وهو أمرٌ يتعارض مع أي عمل مُعارض (جاد) حتَّى وإنْ بَدَت بعض المُتطلَّبات الثورية ال(صارخة) بين بنوها! وكان حرياً بالمُوقعين عليها، أن (يُحدِّدوا) سقفاً زمنياً لتنفيذ شروطهم أو طلباتهم التي وضعوها للمُتأسلمين، ومن ثمَّ الشروع في خطوات كفيلة بتغيير الأوضاع أو ما يُعرف بال(بديل) في حالة الرفض الإسلاموي ال(مُتوقَّع)، وفق آليات واضحة المعالم تكون معلومة (مُسبقاً) لمُنتسبي تلك القوى السياسية وبصورةٍ خاصة حزب الأمة القومي، وقوى الإجماع الوطني ومُبادرة المُجتمع المدني، وهو ما لم يحدث! لدينا تجارُباً سابقة مريرة، كال(تهديدات) المشهورة لرئيس حزب الأمة بإسقاط المُتأسلمين في مائة يوم، فاقت الألف يوم الآن ولا يزال يتقافز صاحب المقولة من (تمثيلية) لأُخرى! فالحديث عن أزمات السودان واستعراض مساوئ المُتأسلمين، حتَّى وإنْ كان تفصيلاً، لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، وكان حرياً بحزب الأمة ومن معه من قوى الإجماع الوطني والمُجتمع المدني تحديد آلية أو خطة عملية (فعلية) ومُناقشتها وتأمين مُتطلباتها مع قواعدهم قبل التفكير في توقيع مثل هذا الاتفاق، كتعبئة جماهيرهم للتحرُّك الداخلي والقيام بواجبهم جنباً إلى جنب مع الحركات النضالية المُقاتلة في الميدان! ومن واقع ردود فعل المُتأسلمين، حتَّى وإنْ قاموا ببعض الدراما المُتوقَّعة مُمثَّلة في اعتقال هذا أو ذاك، يُشيرُ لأنَّهم يُبيتون النية لأعمال أكثر دموية، إذ لا يتعارض توقيع المُعارضة لاتفاقات تخصها مع جلوسهم للتفاوض، كما لا يتعارض توحُّد طلبات المُعارضة وسعيها للحل الشامل اللهم إلا إذا تقاطع هذا مع رغبة المُتأسلمين إبقاء الصراع بالسودان، وهو هدفهم الفعلي! وبجانب هذا، يبقى الخطر الأكبر في حشد المُتأسلمين لمليشياتهم تمهيداً لارتكاب المزيد من الجرائم في المناطق المأزومة بدارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، من واقع تصريحاتهم أعلاه بتحريك قواتهم لما يصفوه بمناطق العمليات! والتي سيدفع ثمنها، بلا شك، الأبرياء من المدنيين العُزَّل، وهو ما يجب التنبيه له داخلياً وخارجياً. فالأحزاب أو القوى المدنية المُوقعة على الوثيقة لا وجود (فعلي) لهم في المناطق التي ستستهدفها مليشيات المُتأسلمين، والتي ستعمد لارتكاب المزيد من جرائم الحرب بحجة الرد على الخونة (كما تصفهم) وهم في الواقع مدنيين عُزَّل، في وقتٍ يأمنُ فيه حزب الأمة وقوى الإجماع الوطني على ذواتهم بحجة أنهم مُعتقلون!! هذه نقطة خطيرة من الأهمية الاستعداد لها وتوقعها ووضع الآليات الكفيلة بتلافيها و(صدها). كنت قد كتبتُ مقالاً سابقاً، توجَّهتُ فيه للقوات النظامية التي تحمي المُتأسلمين وتُساعدهم في جرائمهم ضد الإنسان السوداني بأن يميلوا لجانب شعبهم وبلدهم، فهم لا يحمون السودان بقدرما يُؤسسون لترسيخ المُتأسلمين الذين دمَّروا البلد وأهله، ويعملون على تفتيته وتمزيقه! وطلبت منهم الاقتداء بما جرى في الدول القريبة منا وآخرها بوركينا فاسو التي انحاز جيشها الحُر لصالح الشعب، ولم يُطلق رصاصة واحدة ضده، فكسبوا شعبهم وحريتهم. الآن أُجدِّد دعوتي للقوات النظامية العاملة في حماية المُتأسلمين، راجياً منهم تحكيم العقل فهم أيضاً ضحايا، ولقد ضربت أمثلة عديدة في مقالي السابق تُعزز أنهم ضحايا للمُتأسلمين لا أود إعادتها، وواقع الجيش المُؤلم يُعزِّز هذا القول، فقد ظلوا دوماً في آخر قائمة اهتمامات المُتأسلمين، بعدما أضحى الأمر في أيدي الصبية وطلاب المُغامرة وتُجَّار الدين، وأفراد الجيش (وحدهم) من يدفع الثمن، بينما يبقى أبناءُ المُتأسلمين وأحبائهم في مأمنٍ ينعمون بملذَّات الحياة وتلبية شهواتهم التي لم ولن تنته، حتَّى ولو كان الثمن تمزيق السودان وإبادة أهله! ضعوا أيديكم في أيدي الثوريين ولا تقتلوا أو تقاتلوا أهلكم، فعدوكم وعدو السودان واحد، وهو هذه العصابة الدموية المُتدثرة بثوب الإسلام وهو منهم بُراء، أنظروا حولكم كيف كان السودان وكيف أصبح على أيديهم! حافظوا على أرواحكم وأرواح أهاليكم وأنقذوا ما تبقَّى من بلدكم! فالسودن لم يشهد تراجعاً كما شهده في عهد هؤلاء، وكونوا على ثقة بأنَّ التاريخ سيُسجل لكم هذا الموقف النبيل، وحاولوا اللحاق بركب الجيوش المُحترمة التي تميل لمصلحة شعوبها، ومصلحة شعب السودان على اختلاف أقاليمه وثقافاته في ذهاب هؤلاء الذين لم يدعوا مكاناً إلا ودمَّروه. وللناشطين والأحرار في القواعد الحزبية نقول، تجاوزوا رموزكم وشدوا سواعدكم ولا تدعوا الفرصة أمام المُتأسلمين لارتكاب المزيد من الجرائم في حق أخوتكم المدنيين في المناطق المأزومة، تحرَّكوا في الشارع العام وشتتوا تركيزهم، واستغلوا ما أُتيح لكم من أدوات وآليات ونظموا صفوفكم، واستفيدوا من تجارُب الدول القريبة، فمُقومات الثورة على الظلم ومن ثم الحرية والانعتاق مُتوافرة، فقط تحتاج لإرادة منكم وأنتم قادرون على تحقيق الحلم إذا كسرتم حاجز الخوف وتجاوزتم الرموز المُتكلسة، ولا تقعوا في فخاخ تصديق مسرحيات الأبالسة! [email protected]