مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والمؤتمر الوطني ...صراع حول الدولة السودانية (1)
نشر في الراكوبة يوم 12 - 12 - 2014

(بدأت في كتابة هذه السلسة من المقالات في عام اوائل العام 2012)
في خضم التفاصيل التي يمكن أن يُقرأ بها الراهن السياسي في الدولة السودانية،تبرز العديد من الصراعات التي تنبئ باوضاع على وشك الانفجار،والتي يمكن أن تؤدي لارتخاء قبضة الدولة على كلاً من الرقعة الجغرافية والحراك الذي يشكله المجتمع في بحثه عن المتلازمتين الأساسيتين للبقاء .. الأمن والرفاهية.
واقع الأمر أن نظرية الأمن المطلق لا تبرح المشهد السياسي السوداني، فهناك نوع من العقلية المريضة في تأسيس الأفكار لدى الدولة ذات الطابع الشمولي،تعمل على استبقاء الأمن في مقدمة متطلبات بقاء الدولة،والمعني بالأمن هنا ليس مرتبطاً بأحدى المتلازمتان السابقتين المذكورتين أعلاه (الأمن والرفاهية) في ما هو في عداد الخيارات الوطنية للدولة،ولكنه مشروع لتأسيس (أمن خاص) يبدأ بأفراد من كابينة قيادة الدولة وينتهي عند حدود المؤتمر الوطني كحزب مسيطر على مقاليد الأمر في الدولة السودانية.
تتفق مجمل القراءات السياسية للراهن السياسي في البلاد على الأنانية الأيدولوجية للإسلامويين،هي التي عملت على الغاء الفكر الحر والعقلي الجمعي للدولة،وأغفلت الفائدة في التعاطي مع خيارات المجتمع السوداني ذات الطابع المتعدد أثنياً ودينياً واجتماعياً،لذا فمجمل الفرضيات السياسية تعود لذات المشهد المتكرر منذ الاستقلال المستند على فقه تغيب العقل الجمعي للدولة،وظلت الدولة ككيان دستوري متقلبة ما بين القوة الجماهيرية الدينية بشقيها التقليدية (الإتحادي والأمة) والمستحدثة (الإسلامويون)،والقوة الحداثوية (القوميون العرب والشيوعيون والبعثيون) ،ومن ثم القوة القهرية العسكرية (الجيش والأمن والشرطة) وهي التي استطاع بفضلها الإسلامويون بعد انقلابهم على الشرعية الدستورية في يونيو 1989 من ترويض الدولة السودانية لصالح اجنداتهم الخاصة،والمؤسف أنهم في مرحلة ما بعد السيطرة على الدولة وتمكنهم من مفاصلها ركلوا حتى أجندتهم السياسية الخاصة(حل الترابي الحركة الإسلامية)،واستمسكوا بنظرية البقاء بمتلازمته الأولى (الأمن) حيث لم تتوازن مع رغباتهم الايدلوجية مفاهيم شاملة لل(رفاهية) تجعل من المجتمع مناصراَ للأفكار التي تؤسس على تنميته ،وأستشط الإسلامويون في تطبيق المتلازمة الامنية على حساب التحول الديمقراطي والشرعية الإنتخابية ودولة القانون والمؤسسات.
في خضم هذه الفوضى الضاربة باطنابها على مفاصل الدولة السودانية،تستأسد جملة من الصراعات التي غيرت تركيبة الدولة السودانية الجغرافية والاجتماعية،وعملت خارطة المشهد السياسي الجديد على تضيق الخناق على الإسلامويون وحزبهم ،فلقد كان ما أنتج من الحلول(ميتاً اكلينيكياً)،فواقع هذا التنافس البغيض على الدولة أفضى في النهاية لسلطة في أيدي من يسوس بدون أفكار حقيقية أو مرجعيات فكرية أو جملة ثوابت تبرز التضاد على كونه أختلاف حر وليس معادلات تخضع المتغيرات لحلول أقسى مما يمكن أن تتحمله بلادنا.
الجزء الأول
صراع حول السلطة والنفوذ والأمن
أن الصراع حول السلطة داخل (كابينة القيادة) يشتد بحيث يضخم من حالات (بقاء الاشخاص)،لتصبح مفاهيم واجبة الأتباع من قبل المجتمع السوداني،فقد كان الانحياز لإبراز نظرية الدولة الأمنية ثمنه الباهظ،فنظرية القوة نظرية غير محدودة ولا يمكن أن تكون لها إطارات ثابتة،فحتماً هنالك من يمتلك القوة التي تمكنه من السيطرة والنفاذ إلى أفكار الأخرين إن سبحو ضد تياره،فالمؤتمر الوطني بعد خمسة وعشرون عاماً من الانقلاب على الديمقراطية ،هاهو الأن يجثو امام القوى السياسية الطائفية (الأمة والاتحادي) وهي بكل ضعفها الذي أسهم فيه من أجل محاولة بقاء أخيرة،وكل المرجعيات الفكرية للإسلامويون ذابت تحت أشعة (السلطة الحارقة)،ولم يستفد المؤتمر الوطني من التحذيرات من كل معارضيه بأن ظهره سينكسر من جراء تداعي (خططة الدفاعية الأمنية) وسيقصم معه ظهر الدولة السودانية .لذا فإن انفصال الجنوب وحالة العصيان العسكري في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور كانت المسوغات التي تبرر حالة من التذمر العام العام من نظام الحكم بالبلاد.
إن النظرية الأمنية للدولة أفسدت مشروع الحقوق والدولة في مفاوضات نيفاشا، لذا فقد غابت النظرة الاستراتيجية الصائبة التي تدلل على ترافق كلاً من (الأمن والرفاهية) للمرحلة ما بعد نيفاشا،وأظهرت (العصبية الأمنية) أن كلاً من الطرفين ركلا (الرفاهية) وقاما باحتضان (الأمن) مع الكثير والكثير من القبل، وتناسيا أن المجتمع إن أصابه (الأمن) أقلقه الجوع الذي يمكن أن يلغي مبدأ الأمن لصالح أي من المشروعات التي (تعمل على اشباعه)، هذا بالنظر أن القهر والجوع هي الأسباب الحقيقية لكافة التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية،فما قامت الثورات إلا لكون الانسان العربي يقبع في أسفل سلسلة ما يمكن أن يعد رفاهية للشعوب.
لقد حلل بعض الخبراء الأمنيين حللوا نيفاشا بأنها ناقصة (عقل وأمن)،إذ أن الشكل الثنائي والشبق للسلطة أفسد مشروع دولة موحدة أو دولتين بكامل السلاسة في تعاطي القضايا الاقتصادية والأمنية والسياسية،وإن عملية تصدير المخاوف الأمنية تغلبت على تأسيس فكرة المصالح المشتركة والاستراتيجية لبقاء الدولتين.
ذات الغباء الايدولوجي والفكر الاستراتيجي المختل للدولة قاد حكومة المؤتمر الوطني للعبث بملف دارفور بمعطيات (نحن قادرون)، فكانت استباحة عظيمة للدولة من خلال خبراء الإسلامويون وهم بهذه التشوهات في الفكر المندثر والعقلية السياسية المضطربة من فكرة فقدان السلطة،ورغباتهم في التشبث بالنظرية الأمنية والقوة المطلقة وهي التي أخضعت السودان كمشروع للاستباحة فيما هو متعلق بخصوصيتة الأمنية واهميته الاستخباراتية وموارده الاقتصادية ومجتمعه الهش التكوين، وكبرنامج مستمر للتزويد بحليب الصراعات.
ليس من السهولة بمكان تجاهل المحاولات التي تتم لاخضاع الدولة السودانية بكل ما تملكه من الموارد الاقتصادية والبشرية والطبيعية وجعلها مرتمية في احضان (رغبات الاستقرار) لكل التسويات السياسية التي تتم بين الإسلامويون واصحاب محاولات الإخضاع في الداخل والخارج من اجل اقتسام كيكة السلطة، ومن ثم التمرغ في نعيم الثروة (حدث هذا مع كل المنشقين من الاحزاب السياسية في الداخل ،ومع تيار منشق من الحركة الشعبية في ما عرف بالسلام من الداخل ومن ثم اهدرت موراد الدولة للوصول لاتفاقية السلام الشامل ،وفى اتفاقية الشرق الموقعة في أسمرا مع جبهة الشرق وفي ابوجا مع مناوي والاتفاقيات التي ضمت العديد من الفصائل المنشقة من حركات التمرد في دارفور والتي انتهت بالتوقيع مع السيسي في الدوحة،وعلى الصعيد الخارجي كانت التسويات السياسية مع تشاد وارتريا وأثيوبيا لا تخرج من أطار (نتنازل كيما نظل في الحكم) وفي كل هذه التسويات السياسية كانت الأجندات الخارجية أداة ضغظ للتوقيع على هذا الكوم الهائل من الاتفاقيات هنا وهناك).
تظل سلعة الأمن غالية المنال باهظة الثمن إلا انها لا تغيب عن مخيلة الدولة ذات الطابع الأمني ويمكن أن تفدى بكل ماهو (غالٍ) ومملوك للشعب السوداني، في سبيل البقاء لاصحاب النزعات الخاصة في (ثلة الحكم) الزاحفون إليه من (أغبى) احزاب الانانية الايدولوجية في التكوين السياسي السوداني.
وهنا يكمن سؤال حقيقي .. كيف يقود أغبياء أحزاب الأنانية الايدولوجية بلادنا ..؟،وأعتقد أن الرد على هذا (بأن الجواب بيانه عيان للناظرين)،فالدولة لا تستطيع الوقوف على قدميها، وفقدت ثلثها ويستأسد عيها محيطها الأقليمي الذي كان فيما مضى يتشكل من داخل اراضيها (تشاد،اثيوبيا،ارتريا،يوغندا،الكنغو)،ومعزولة من بعدها العربي نتاج سياسات التقارب مع ايران واقترابها من اجندات الحركات الإسلاموية وفقدانها ميزة مهما لطالما قام بها السودان وهو حماية خاصرة المنظومة العربية،وينخر (عظمها الأخلاقي) ما يهدم مجتمعها ،وتتوزع مواردها على (بعض) ممن يحكمون بأسم المؤتمر الوطني،وتنهار فيها المؤسسات الواحدة تلو الأخرى جراء نظرية خدمة الحزب على حساب الوطن،وتطاردها (القرارت) الدولية بحيث تخضع أخيراً لما تجزم على رفضه مرتهنة على خياراتها العوجاء ب(الداخل)، متخطية الخطط الاستراتيجية المنجية من الارتهان للحلول الدولية.
لكي نتعرف على جملة الصراعات التي (تخاض) بأسم بلادنا لا بد من التنبيه لأخطر الصراعات وهو صراع الداخل بين من هم في الدولة (جناح الرئيس في الجيش) ومن هم بوهم امتلاكهم لمفاصل الدولة (المؤتمر الوطني).فهنالك صراع بين مؤسسة الرئاسة حيث مطلق الصلاحيات (بالدستور) التي تمكن مؤسسة الرئاسة من هدم طموحات من هم بالحزب،فمآلات المحكمة الجنائية الدولية وزهد (مشكوك في أمره) من الرئيس بالتنحي عن منصبه والأعلان عن الجمهورية الثالثة كأخر أنواع الخبل السياسي للإسلامويون جعلت من هم في الصف الأول للحزب طامعين في التقدم لكابينة القيادة،فصار هنالك تنازع من أجل مشروع (الاصطفافات) وراءهم تخضع لعين المراقبة من مؤسسة الرئاسة التي يدعي الزهد رئيسها ويتواري نائبه (وهو غير محسوب على تيار تحالف الرئيس والجيش) لا تعرف له حقيقة في النوايا ،ونفس الرجلين يحفان نفسيهما بكل من هو غير قادر على قلب الطاولة فيما بعد أو له استناد مرجعي يجعله قادرا على أن يكون طامعاً في الخلافة من خلال مباركة الرئيس لذلك.
وهذا الصراع (الرئاسي) محاط بسياج أمني لتدعيم السلطات وليس بعيداً عن الاذهان تقلص دور جهاز الامن والمخابرات بعد إقالة رئيسه وقصقصة أجنحته وبروز دور أكبر للجيش في التصدي للملفات الأمنية متخطياً مرحلة (المنفذ فقط)، وتصعيد ذوى الميول العسكرية على المصعدين وفقاً لأنتماءهم للحركة الإسلاموية القديمة، أو المعينين استناداً على ولاءهم للمؤتمر الوطني .
ولا يمكن أن نغفل أن قومية المؤسسة العسكرية أخذة في التأكل من خلال هذه الفترة الطويلة من الحكم الشمولي الحزبي،فمن مبدأ تخوف الإسلامويون من الانقلابات العسكرية تم احالة الكثير من اصحاب الخبرات في الجيش للتقاعد والفصل التعسفي لصالح اصحاب الولاءات،واستطاع الإسلامويون أن يسيطروا على قرابة الاربعة أجيال من العسكريين داخل الجيش،وهذا ما يقلل من فرص الانقلاب أو أنحياز الجيش لأي مشاريع للتعبير الشعبي في مرحلة المحاصصة بين الشرعية (الإسلاموية) والشرعية الثورية للشعب.
كما قادت نظرية الدولة الأمنية الإسلامويون لتطويرَ جهاز الشرطة ليصبح خطاً ثانياً للدفاع وحائط صد بالقانون لصالح حماية نظام الحكم وإن فسد،وأقحمت الشرطة السودانية في المشاريع السياسية المتعلقة بخوض الحروب والقتال العنيف في مناطق التمرد بدارفور،وبالطبع تم تعزيز قدرات قوات الشرطة لقمع الاحتجاجات والمظاهرات التي تقوم من حين لأخر في مواجهة النظام،وليس بغريب أن يكون في قيادة الشرطة الأن أولئك الذين زج بهم لمؤسسة الشرطة إثر التعديلات التي ادخلت على قانون الالتحاق بمؤسسة الشرطة في بداية التسعينات فيما عرف بقانون الضباط الجامعيين،هذا الأمر مكن الإسلامويين من ادخال عدد كبير من منسوبيهم ضمن قوات الشرطة وبعد مرور اثنين وعشرون عاماً يمثل أغلبهم الأن متخذي القرار داخل مؤسسة الشرطة (كان بعد الملحقين بمؤسسة الشرطة قد تحصلوا على رتبة مقدم فما فوق في أول تعيين لهم،كما سمح لحفظة القرآن للتقدم للالتحاق بكلية الشرطة،وزج داخل العمل الشرطي ذا الطبيعة العسكرية بمدنيين عرفوا بالمنسقين ملحقين بأجهزة الأمن الخاص التابع وقتها للإسلامويون،وتم انشاء قوات الشرطة الشعبية كمشروع لتدريب الكوادر الإسلاموية إسوة بالدفاع الشعبي لتأمين المحور القتالي مع الحركة الشعبية ومحور الحماية الداخلية بمفهوم الأمن المسيطر عليه من قبل الإسلامويون ).
إن التنافس على مستويات المؤسسة العسكرية الثلاث (الجيش والأمن والشرطة) على التحكم في طبيعة المعلومات الأمنية والاستخباراتية يجعل من مستوى الصراع قابلاً لتبادل الأدوار خصوصاً بين الجيش والأمن ،فطبيعة الاوضاع القتالية على طول الحدود السودانية (من النيل الأزرق في الجنوب الشرقي حتى مثلث عوينات في الشمال الغربي) تتطلب قاعدة معلومات استخباراتية تجعل من يظفر بها قادراً على التحكم في مستويات اتخاذ القرار،لذا فإن مشروعاً للسيطرة من قبل المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم في البلاد ربما يكون هو التحليل الأرجح حيث لن يتأثر بمن هم على دست السلطة طالما أن هنالك من يدير مشروع منسق ومتحكم فيه من قبل المؤسسة العسكرية التي تفلح حتى الأن في ترويض الأمن وابعاد الشرطة وجعلها مهتمة بالشأن التنفيذي بدون تدخلات في المسارات الأمنية والسياسية،وقد يكون هنالك ريموت كنترول بايدي اقليمية أو دولية أو الأثنين معاً كيما ترعى مشروعات وفقا لاجنداتها الخاصة وتجد من ينفذها بالداخل (الداخل هذا لايستثنى الإسلامويون أو المنتمين للمؤتمر الوطني)،ويمكن لللاتعقل السياسي أن يفرز الدولة الأمنية ويعيد ترتيبها دون المؤتمر الوطني كقوة سياسية فاعلة ومسيطرة على المؤسسة العسكرية ... ربما..!!؟.
وهنا يكمن الصراع الأشد خطورة على الدولة السودانية الذي سيجعل الإسلامويون في الحزب (المؤتمر الوطني) في صراع مع الإسلامويون في الجيش والأمن المتحالفين مع رفقائهم من العسكريين الغير منتمين للإسلامويون واولئك الراغبون في امتداد مشروع السلطة لصالح الجيش.
إن عملية تحريك خلايا نائمة لصالح الحزب الحاكم نفسه يمكن أن تفسد خططاً للعناصر التي يمكن أن تعد كوادراً وطنية داخل المؤسسة العسكرية وأن كان لها انتماء للحركة الإسلامية أو حتى المؤتمر الوطني ،وهنا يمكن ان نذكر فقط بأن المؤتمر الوطني تحسب لهذه العمليات المعقدة بانشاء اجهزة قتالية موازية للمؤسسة العسكرية القومية،(وحدات الامن الخاص والأمن الشعبي مقابل جهاز الأمن والمخابرات) و(مليشيات الدفاع الشعبي مقابل القوات المسلحة) و(كوادر الشرطة الشعبية مقابل قوات الشرطة النظامية).كما أن المؤتمر الوطني يمكن أن يحشد الكثير من كوادرة الإسلاموية المنظمة بفقه (نحكم أو نحاكم) و(حتمية فوضى الصراع حتى لا نصرع).
ولكن يبقى هذا رهين بشكل الصراعات التي يمكن أن تنشأ بين العضوية (المتمردة) على المجموعة (المسيطرة) ،ومدي التوافق مع من يدير لعبة المعلومات والاستخبارات لصالح توجيه ضربة قاصمة (لأصحاب مصالحهم) بالمؤتمر الوطني وتغيير ثوب الحزب وتغطية عوراته بالثوب الإسلاموي (الارتهان مجدداً للحركة الإسلامية والجماعات الإسلامية المتشددة) ،مما يمكن ان يشكل حائط صد ضد قدرات ورغبات النافذين (المعدودين على الأصابع) في المؤتمر الوطني.
بالعودة للصراعات داخل المؤتمر الوطني فنجد أن التحول ما بعد انتخابات ابريل 2010 من شرعية الحزب إلى شرعية الانتخاب قلل من القبضة المركزية التي كانت في عهد التعيينات مسيطرة على مقاليد الأمور،وتتمثل الشرعية الانتخابية في ماهو مستند على القبلية|الجهوية|المال| الخبرات الحزبية السابقة|البعد الاقليمي،حيث يستند الولاة واعضاء البرلمان والمجالس التشريعية على شرعية انتخابية جماهيرية ساعدت على تراخي قبصة المركز على شكل وعمل وأجندة منسوبي الحزب في الولايات (كرم الله في القضارف وكاشا في جنوب كردفان وابومدين في النيل الأزرق وعبد الباقي في المناقل وايلا في بورتسودان)،كما ان عمليات حشو مقاعد السلطة بالعائدين من خانة المعارضة المسلحة والمتحولين من احزابهم السابقة،واولئك المستندين على القوة القبلية والجهوية في مناطق النزاعات،أدت إلى نوع من الانتفاخية في جسد المؤتمر الوطني وتاجيج الغيرة السياسية والتنازع حول السلطة والثروة،كما أن تفشى الفساد وتضخم البعض بأسم الحزب على من هم بالحزب أيضاً،أسهم في اشتعال الصراعات بعد أن فشل المؤتمر الوطني في الاستناد إلى أي مرجعية أو قوة شورية قادرة على الحد من أحد،فقد اصبح مالوفاً أن تطير (روؤساً كبيرة) في مشروع التهجس اليومي داخل الحزب،مما ينبئ بانهيار سريع ومفاجئ في المؤتمر الوطني مع التحديات الاقتصادية التي لا يملك المؤتمر الوطني لها الحلول الحقيقية،بحيث يمكن أن تشكل الضربة القاضية،وتنهي أحلام المرتمين في احضان الحزب للظفر بالثروة والسلطة ،وهنا سيكون الحزب عبارة عن طبقتان (من يملكون كل شئ) وأولئك المحسوبين كمتلقيين (لوجه القباحة) وهم في خط العوز والعدم،مقارنة بالتماسيح والصقور والذين (يملكون كل شي ويمحون من يقف في وجههم).
إن الإسلامويون وحزبهم يظنون في مرحلة غرورهم السلطوي بأنهم قد افلحو في غلق الثغرات الأمنية التي تمكن الأخرين من الاطاحة به،وهم كما يتوهمون مسيطرون على الجيش ومخترقين لكل القوى السياسية، وممتلكين لكل المواعين الإعلامية ومدجنين لكل الصحافة السودانية،ولاهين الشعب السوداني في لقمة عيش (شبه مستحيلة) مما يجعله تحت السيطرة،ولكن التاريخ يحدثنا على أن هذا النوع من الظروف يمكن ان تجعل من (الأغلبية الصامتة) معياراً للقوة قادر على التأثير على كل معطيات السيطرة والتحكم التي تؤسس على قلب الطاولة في وجوه اصحاب المشاريع السلطوية المعدة لقهر الشعوب ولا دليل على ذلك خيراً مما يحدث في المنطقة العربية بأثرها وربيعها العربي(الترجمة العربية لمشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي) ،فلقد انهارت بفجائية (تدعو للدهشة والاستغراب) نظرية الدولة الأمنية والعنف تجاه التغيير مهما افزع عنف الدولة الشعوب في محاولاته لقمع الاحتجاجات السلمية بدءاً من تونس انتهاءاً بسوريا.
هنالك معيارين أخذين في التصاعد لقياس (معدل بقاء النظام)،وهما الوضع الاقتصادي المنهار بعد تعويم الجنية والذهاب لمرحلة تطبيق رفع الدعم عن المحروقات للمرة الثانية خلال الست سنوات الأخيرة بعد موافقة (الحزب الفاشل دوماً في انتاج الحلول الناجعة)،وهذين سببين كافيين لسحب البساط ومقاييس الرضا الجماهيري (شبه المعدومة أصلاً) من تحت اقدام الفئة التي (تتحكم)،وفقا لتزايد الساخطين من افعال الحكومة والمنضمين لل(منتظرين اجتثاث الحزب) في موعد فاصل.
المعيار الأخر هو بلا شك الفساد فلم يعد الفساد حالة قانونية يتطلب اثباتها تجاه منسوبي المؤتمر الوطني،ولكن الفساد الأن يعد المؤسسة التي تدير (كل البلاد) من واقع حجم المال الفاسد المتحرك داخل جسد الاقتصاد السوداني،ولو قدر لنا حساب ميزانية مؤسسة الفساد فهي ببساطة تفوق ميزانية (الدولة نفسها).
لقد اصبح للفساد شركاته الربحية التي تحتكم على ملايين الدولارات بفضل استثمارات الفاسدين في مشاريع بداخل الدولة من اموال (كانت فيما مضى ملك الدولة)،وهي استثمارات ممتدة لاستثمارات ضخمة بالخارج،والتشارك الوحيد المتناغم داخل اروقة النافذين والمتنفذين الفاسدين في الدولة يكون في الربحية والمنفعة الاقتصادية المتبادلة بين الفاسدين،لقد اصبحت هذه الاموال الهائلة في ايدي من لا يخاف ولا ينصاع للمؤتمر الوطني ،فدائرة المعلومات المغلقة على شكل المفسدين المشاركين من نافذي الدولة والنسب التي تعبئ حسابات المفترض إسكاتهم تجعل من مشاريع ايقاف الفساد أو حتى الحد منه (كردم النهر بحفنة رمل).
ليس من المستغرب أن تتجه الدولة بهذه الغرائبية في الأفكار والافعال لخوض حرب مع دولة جنوب السودان في هذا الوقت العصيب والوضع الاقتصادي المجنون،كما أن جنون العظمة عند الإسلامويون وتشبثهم منفردين بالسلطة على حساب كل السودانيين، جعل من حمل السلاح الوسيلة التي يتفهم بها المؤتمر الوطني كيف يحترم ويقيم ويستجيب لمطالب الأخرين، ويصعب على الإسلامويون تصور كل المعارضين من فئة (حملة السلاح) تحت اطار واحد بعد تكون الجبهة الثورية المتحدة التي جمعت ابناء جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور في مشروع للتمرد المسلح مدعومة من دولة جنوب السودان للتخلص من حكم المؤتمر الوطني في الخرطوم ،بالمقابل فإن الإسلامويون متهمون من قبل الحركة الشعبية بدعم المتمردين في دولة جنوب السودان، رغم ان الحركة الشعبية أستطاعت أن تحد من هذه المقاومة في الفترة الأخيرة لحد كبير.
إن إتخاذ قرار الحرب يتم وفقاً لقرارات سياسية بعد دراسات استراتيجية متعمقة في التفاصيل وتحديد مراحل خوض هذه الحرب،وكان لتلازم الحرب المستعرة ضد الفساد والتي ضيقت الأرض بما رحبت على كل من هو قادر على التاثير في اتخاذ اهذا القرار من السادة (النافذين والمتنفذين والتنفيذيين) المتهمين بضلوعهم في بعض ملفات الفساد ،فلا صوت أعلى من صوت المعركة الذي يمكن أن يجعل من الخرس وتصفية الحسابات مشروعاً قانونيا يسمى (قانون الطؤاري)،يقره الرئيس ويوسع من سلطات وصلاحيات الجيش ويصرف الآلة الإعلامية عن متابعة وكشف وتقصى الحقائق في (مملكة الفساد)،وذلك رغماً عن انصراف الآلة الإعلامية (في الأساس) لتقديم فروض الولاء والطاعة للدولة ومؤسساتها الرئاسية وللحزب الحاكم،وهو بالطبع غير معني بمسالة متابعة وكشف وتقصى الحقائق في (مملكة الفساد) لتعارضها بشكل قطعي مع فكرة الولاء المطلق والطاعة العمياء للدولة لذ فهي بعيدة كل البعد عن الاشتراك بأي شكل كان في الحد من نفوذ (مملكة الفساد)...هلا فهمتم ...؟؟.
إن التساؤلات العظيمة تظل مرتبطةً باموال البترول خلال هذه الفترة الطويلة منذ نهاية التسعينات،فما تطور من بنيات أساسية هو شكل ظاهري أريد به أن نشاهد واقع مصطنع لاجتذاب الاستثمارات (التي فرت في النهاية ساخطة ومنهوبة)،وان يظل المواطن البسيط في حالة مقارنة بين هذا الشكل وذاك الشكل،ولكن هذا الأثر منعدم في شكل التخطيط لإستدامة رفاهية المجتمع ،وهنا ندلل على ما سقناه بأن تكلفة الدولة الأمنية باهظة الثمن، بينما يطل سؤالاً مهماً من الذي جعل مشروع التهجس الأمني هذا مستمراً، ليعمل على تغطية حجم المنصرف وميزانية الأمن والدفاع الغير قابلة للتشكيك والمراجعة والانتقاد على حساب الطلبات المجمدة لتمويل مشاريع التنمية العادلة في البلاد...؟ .وهل من يجرؤ حقيقة في تقفي أثر استثمارات جهاز الأمن والمخابرات (في كافة المجالات )،والقوات المسلحة والشرطة وهي استثمارات تمثل الغول الذي يلغف كل ما هو موجود في المساحة (المحدودة اصلاً) التي من المفترض أن يتحرك فيها القطاع الخاص....من..؟
إن هنالك مشهد كارثي لصراع عارم يجتاح مؤسسات الدولة ذات الطبيعة الأمنية (الأمن والجيش) فالانتماءات السياسية والعقائدية التي تمكن من يديرون الصراع من الجلوس فوق تلة الخطايا بحماية من مؤسسات الدولة الأمنية،وهنا تخرج الاصوات الهزيلة التي تستند على (كفي .. لقد شبع هؤلاء)،أو من نوع التململ مثل (هم يأكلون ونحن نلام) ،واطيبهم الذي يقول (هذا ليس بعهدنا بكم)،وهذه الفرضيات قد تتلاقى وتشكل ضغطاً ما على المفسدين ومن يحميهم،مما يسرع من عمليات الإحلال والإبدال ولكن حتما سيخنق البدلاء بتقليل الصلاحيات وتجفيف مصادر التمويل وارهاق البدلاء بحجم (المبدلين) الذين يستطيعون من إدارة صراع مثمر لصالح (النافذين الفسدة) ومن هنا يصح الصراع على المال وسيلة لإشغال العضوية (الاطهر فيهم) عن السلطة،وطالما أن خيوط السيطرة هذه من قبل (النافذين) غير مرئية ويمكنهم من اسقاط خيوط الامساك وإفلاتها لسقوط من (فاحت رائحته)،وهنا عليكم بتذكر أن فقه السترة خرج على السنة كل اطراف الصراع في الرئاسة والجيش والأمن والشرطة ووزارة العدل والبرلمان والمؤتمر الوطني في محاولة للاتفاق على ان الإسلامويون (لا فيهم شق لا طق)، والحقيقة أنه لا توجد هنالك معلومات دقيقة عن حجم هذه الأموال مالم يجب على ذلك د. عوض الجاز الذي ظل ممسكاً بملف البترول قبل انتقاله لوزارة المالية في مرحلة ما قبل الانتخابات وعاد إليها في التشكيل الوزاري الجديد إلى أن تم أعفاءه مؤخراً.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.