طلاب العلم هم ركائز وأعمدة مستقبل البلاد ويجب على القائمين بأمر التعليم توفيره للجميع وفق ما جاء في مخرجات مؤتمر التعليم وكل المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان، إلا أن واقع الحال يقول غير ذلك فقد كشف تقرير لأحد خبراء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن وجود (200) ألف ممن هم في سن الدراسة خارج العملية التعليمية بولاية الخرطوم من جملة (499) ألف طالب أي أن هنالك ما يقارب نسبة 50% وهذا يدل على واقع خطير يواجه مستقبل البلاد. حالات فاقد تربوي صالح طفل في التاسعة من عمره لم تغفر له طفولته البريئة ليجسد حالة اغتيال للطفولة حيث يعمل صالح في إحدى حظائر الأبقار ويقوم بعملية حلب الأبقار مقابل بضع جنيهات لاتسمن ولاتغني من جوع لكن ليسد بها رمق أسرته التي رحل عنها الوالد. أكثر ما يؤرق عمر هو شعوره المتراكم بأن جميع أطفال المدارس أفضل منه فهو لايعرف القراءة والكتابة ولايتزيا بالحلة التي يرتدونها، ولكن عندما يلتقي مع بعض الرفاق من رصفائه في مهن مختلفة بعد انتهاء يوم العمل في إحدى مقاهي السوق الشعبي يشعر وهو يدخن الشيشة أنه ينتمي لعالم الكبار، يقول عمر: بدأت العمل كعامل (ورنيش) منذ السابعة من عمري، والدي موجود لكنه لا يستطيع الصرف علي وأخوتي الخمسة. أما هادية والتي تبلغ الحادية عشرة من عمرها فقد تركت مقاعد الدراسة لتعمل مع والدتها في بيع (الزلابية) بعد أن هجرهم والدها. عبء على المجتمع الأطفال في الحالات التي ذكرناها سابقاً يعتبروا فاقداً تربوياً واضحاً للعيان لكن هنالك فاقد تربوي أخطر من هؤلاء يتمثّل في وجود العديد من طلاب المدارس الذين يخرجون من منازلهم وهم بزي المدرسة ويحملون المصروف المدرسي وبعضهم يدخل المدرسة لكنه يتسرب منها خلسة في منتصف اليوم الدراسي والبعض الآخر ممن يكونون في كامل زيهم المدرسي لكن لايذهبون إلى المدارس وإنما يتسعكون في الطرقات فهم عبء على أسرهم وعلى الدولة وهذه الحالات يصعب حصرها حتى تتم معالجتها. تهديد المستقبل يقول الخبير التربوي د. محمد صالح: إذا كانت هذه الإحصائية دقيقة وصحيحة معنى ذلك أنه يجب الوقوف بقوة في النظام التعليمي والنظر ماذا جرى ولماذا هذا العدد الكبير خارج المدرسة، وهذا يعني أيضاً أن هنالك أسباب قوية جداً دفعت هؤلاء الأطفال للخروج من المدرسة وهذا يشكل خطراً كبيراً جداً على مستقبل البلاد فإذا كان هذا العدد الكبير في العاصمة نفسها والتي تتوفر فيها كل سبل العيش والمدارس والمعلمين وكل الوسائل التي تسهل الحياة فما بالك بالمناطق الأخرى، فهذا نذير خطر كبير جداً وهذا المؤشر يضع القائمين بأمر التعليم وعلى رأسهم وزير التربية والتعليم في ولاية الخرطوم خاصة وفي السودان عامة أمام مسؤولية كبيرة، ويشير محمد صالح إلى أنه يجب أن تجد هذه المعلومة العناية الكافية والاستعجال في دراسة الحالة ووضع المعالجات حتى يدركوا أين يوجد الخلل هل هو في النظم التعليمية أم في البيئة التعليمية أم أن هنالك قضايا اجتماعية أو اقتصادية جعلت من هؤلاء الطلاب خارج المدرسة؟ فإذا استمر الحال على هذه الطريقة فسوف يحدث هدم للعملية التعليمية وسوف نفقد نصف المجتمع خارج العملية التعليمية وهذا بالتأكيد سوف يؤثر على مستقبل البلد بقوة ويصبح المستقبل مجهول فماذا سوف يفعل هؤلاء الذين لم يتعلموا؟ ويبين محمد صالح أن كل المؤتمرات في العالم تدعو لأن يكون التعليم للجميع، فهل نحن استطعنا أن نوفر التعليم للجميع؟ وهل التزمنا بمجانية والزامية التعليم؟ فإذا وفرنا كل ذلك فلماذا خرج هؤلاء؟ فهذه الإحصائية توضح أن هنالك بعض الخلل وأن المسؤوليات لم تستكمل وأننا نخطط لنصف المجتمع فقط فماذا سيفعل النصف الآخر؟، ويجب على وزارة التربية والتعليم أن تتناول هذا الموضوع بقوة. بطء المعالجة يوضح الخبير التربوي بالمركز القومي للمناهج والبحث التربوي/ د. عوض أدروب: نحن في بخت الرضا تمت دعوتنا في العام 2008م إلى ورشة تتعلق بالأطفال والشباب خارج المدرسة وكنت من ضمن ممثلي المركز القومي للمناهج والبحث التربوي في هذا المشروع في القضارف وضمت هذه الورشة كل من اليونسيف ومسؤولي محو الأمية وتعليم الكبار وهذه الورشة خرجت بعدة توصيات من ضمنها إعداد مناهج لهذه الحالات حتى يتم إلحاقها بالتعليم العام وقمنا بحصر الفئات فمثلاً من عمر سبع إلى تسع سنوات أعددنا له كتب لإلحاقه بالصف الثالث، ومن عمر عشر سنوات إلى أربعة عشر سنة أعددنا له كتب ليدرسها خلال عام ونصف ليلحق بأقرانه بالصف السادس وهكذا تم حصرهم، ونحن في بخت الرضا قمنا بإعداد مناهج وكتب لهذه الفئات بغرض إلحاقهم بأسرع ما يمكن بالتعليم العام وهذا المشروع هو مشروع قومي على مستوى السودان وقد قمنا بدورنا في تأليف الكتب لكنا فوجئنا بأن هذه الكتب لم تظهر إلا قريباً فقد قمنا خلال هذا العام بزيارة للنيل الأزرق ووجدنا هذه الكتب هنالك حيث أوضح لنا الخبراء التربويون أن هذه الكتب جاءت في هذا العام فنحن نتساءل هنا: أين التخطيط الإستراتيجي؟ فقد قمنا بإعداد هذه الكتب قبل سبعة أو ثمانية أعوام فلماذا تأخرت؟ ومحو الأمية هي طرف أساسي في تنفيذ هذا المشروع مع اليونسيف، ويشير أدروب إلى أن هذه الإحصائية للتلاميذ خارج المدرسة تدل على تغييب للجهات المهمة في التخطيط الإستراتيجي ومن ضمنها المركز القومي للمناهج، ويشير أدروب إلى أن غياب المعلومات وغياب المتابعة من قبل الوزارات المسؤولة ابتداءً من الوزارة الاتحادية إلى الوزارات الولائية فيجب أن يتم حصر كل الأطفال خارج المدرسة ومعرفة الأسباب، ويوضح أدروب أن إدارة محو الأمية هي المسؤولة عن غياب المعلومات وعن انفرادها بالمعلومات وعدم إشراك الآخرين من جهات الاختصاص والنظرة المادية في تنفيذ المشروعات فلايمكن أن تقوم بهذا العمل لوحدها وهو عمل إستراتيجي فيجب إشراك كل أقسام الوزارة بجانب إشراك الولايات التي (تطأ على الجمر) وكل أقسام التخطيط بالعاصمة والولايات، فلابد أن نخطط سوياً من أجل التعليم فيجب على كل إدارات التعليم أن تمشي في خطوط متوازية حتى نستطيع أن نحقق شعاراتنا، ويضيف أدروب: وفوق هذا وذاك يجب أن يتم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في العملية التعليمية، فالغالبية العظمى في السودان تسيس التعليم وتنظر له نظرة مادية فيجب أن تكون كل مقاعد وزارات التربية والتعليم الاتحادية والولائية ينبغي أن تملأ بالرجل التربوي الذي يهمه التعليم قبل كل شيء فغياب التدريب والتأهيل للقيادات التي تقوم على أمر التعليم وهي معظمها عبارة عن ترضيات قبلية وجهوية ولا علاقة لهم بالعمل التربوي وفي هذه الحالة فإن التعليم كتبت له النهاية قبل أن يبدأ. تكاليف باهظة يوضح مدير عام مدارس الرؤية/ أسامة محمد بشير أن هؤلاء الأطفال يعدون فاقداً تربوياً والفاقد التربوي له عدة أسباب من ضمنها التكلفة العالية للتعليم في السودان والرسوم الدراسية الباهظة ومعظم الأسر لا تستطيع الالتزام بهذه المصروفات لأن معظم الأسر في السودان تحت خط الفقر. عوامل اجتماعية واقتصادية يرى الاختصاصي الاجتماعي/ محمد أحمد عبد الحميد: أن هنالك عدة عوامل اجتماعية واقتصادية واثنية تضافرت وجعلت العاصمة تعج بعدد غير محدود في حركة النزوح مما أثر تأثيراً واضحاً على الخدمات الاجتماعية في العاصمة ويتضح ذلك جلياً في نسب التساقط وعدد الأطفال الذين هم في سن التمدرس وهم خارج أسوار المدرسة، ويبين عبد الحميد أن من أهم الإشكاليات التي تواجه النازح ارتفاع مستوى المعيشة في العاصمة وانعدام مجانية التعليم مما يجعل الأسر الكبيرة للنازحين تعتمد على هؤلاء الأطفال في معيشتهم اليومية باعتبار أن الطفل منتج لديهم ولهذا من المشاهد المألوفة في العاصمة أن أغلب المهن الهامشية من ماسحي الأحذية وأطفال (الاستوبات) وسريحة الجرائد فكل هؤلاء يعدوا فاقداً تربوياً نتيجة للضائقة المعيشية في البلاد بجانب أن كثيراً من الأسر الريفية لاتقبل بالاختلاط في المدارس بجانب أن النازحين جاءوا من عدة بيئات ثقافية تختلف مع المجتمعات الحضرية ولهذا يتحفظون على تعليم البنت ولهذا نرى أن عدد البنات اللائي في سن التمدرس وخارج المدارس أكثر من عدد الأولاد وذلك لطبيعة المجتمعات المختلفة، ويرى عبد الحميد أن هنالك إشكالية أخرى وهي إخفاء المعلومات الدقيقة، وكافة المعلومات عن العملية التربوية في السودان تعتمد على التقديرات والمؤشرات وهي غير دقيقة وذلك يرجع إلى أن ما يصرف على البحث الأكاديمي الميداني شيء لايذكر. رفع معدل الجريمة ويضيف عبد الحميد: أن أكبر مشكلة ستواجه السودان خلال العشرة أعوام القادمة أن معدل الأمية في معدل تصاعدي وليس تراجعي مما يعكس للمانحين الدوليين عدم تعاون السودان مع الأسرة الدولية وجديته في تحقيق الربط العالمي لأن يكون عام 2015م وفق مؤتمرات التعليم في داكار وجومتيان (التعليم للجميع) فينبغي للسودان أن يوضح للعالم مدى جديته في الخمسة عشر عاماً الماضية بما أنفق على التعليم الأساسي وردم الفجوة في النوع (الجندر) باعتبار أن التعليم حق أساسي نصت عليه كافة التشريعات الدولية ودستور البلاد، ومخاطر هذه النسب في التساقط التربوي سينعكس سلباً على الحياة اليومية في السودان وذلك برفع معدل الجريمة ويستصحب ذلك إشكالية صحية كبيرة للأطفال باعتبار أن الجهل أحد المخاطر الصحية على الإنسان ولهذا نلحظ أن تجارة الأفيون والمخدرات يقوم بجلبها الكبار ويوزعها الصغار وهذا مافطن له المشرع في قانون الطفل للعام 2010م، وخلاصة القول أن السودان أمام تحدٍ كبير مع الأسرة الدولية في نهاية العام 2015م بإثبات أن العاصمة وفرت لكافة الأطفال في سن السادسة وحتى 18 عاماً مقعد في المؤسسات التعليمية وعلى الدولة وصناع القرار أن يؤكدوا للعالم أنه ليس هنالك فاقد تربوي. تشكيك وقال وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم د. عبد المحمود النور ل «الإنتباهة»: إن هذه الإحصائية غير دقيقة بل أن الواقع يقول غير ذلك فهنالك ازدياد في نسبة استيعاب التلاميذ بمدارس الأساس. الانتباهة