بيروت – بالحب تزهر القلوب، وتزدهر الحقول وتنمو الثمار، كما لم نعهده من قبل. إنها الرسالة الأهم التي يمكن للمشاهد أن يحملها معه بعد متابعته لفيلم «فيتامين». وسيحمل معه ذكرى بالغة التأثير في البشر، نظراً لتراجع منسوبها والحاجة إليها، هي الضحك الجميل لمواقف كوميدية وصلت عفوية. إنما سيبقى يردد أن أهل ضيعة «بير المير» البقاعية فشلوا تماماً في ضبط ألسنتهم على إيقاع لهجة أهل سهل البقاع الخاصة بهم دون سواهم. والرسالة الثانية تتمثل في إعلاء شأن الأرض. في تلك القرية كان ثمة من يقول «ومين بيبقى والأرض منتركها لمين»؟ وكان مشهد قطف الزيتون دليلا على جمال خيرات الأرض والتعلق بها، واللقاء فيها ومن أجلها. «فيتامين» فيلم لبناني افتتح بحضور أبطاله وحشد من أهل الفن والإعلام يوم الثلاثاء، وسيكون في الصالات بدءاً من 18 الشهر الجاري. ينتمي لفئة الفانتازيا. وكل من يشاهده سيتمناه حقيقة واقعة. وبما أن التمني يختلف عن الواقع سيبقى المشاهد سارحاً في حلم جميل مرّ كلمح البصر على أهل «بير المير». هي قرية بقاعية نعرف من أهلها أنهم امتهنوا زراعة الحشيشة. حتى العمة زمرد أطلقت على حمارها لقب «أبو حشيش». هجر الشباب ضيعتهم إلا قلة قليلة منهم، وصارت ضيعة العجائز. جف البئر لإنحباس المطر، حتى البقرة لم يعد فيها حليب. في عملية بوليسية تستولي ثلاث فتيات من الضيعة على سيارة نقل يعتقدن حمولتها مالاً. ولدى الكشف عليها تبين أنها حمولة من ملايين حبوب الفياغرا الزرقاء الشهيرة. أخفين الحبوب في البئر باعتباره جافا. انهمر المطر غزيراً بعد إنحباس طويل. خيب ظن الفتيات، وأعاد الأمل لقلوب أهالي الضيعة. أسرعوا جميعهم نحو البئر ليشربوا. وبدأت مفاعيل الفياغرا تظهر على العجائز، الذين تركوا عصيهم وعاد إليهم الشباب. والنسوة اللواتي كن يشكين ضعف الشعر على رؤوسهن بتن يشكين كثافته. هجم الرجال والنساء إلى «لوكاندة سناء» وصار الرقص والحب جزءا من سلوكهم. تضاعفت مفاعيل الفياغرا، فهربت النساء من بيوتهن طالبات الرحمة. ومن كانت تشكو الوحدة وجدت حبيباً يحضنها. وكذلك كان المفعول غير المتوقع على ثمار الأرض. وصارت الضيعة هدفاً لمراسلي الصحافة المحلية والأجنبية. كتبت هذه الفانتازيا كلود صليبا، وضمنتها الكثير من كوميديا الموقف، ومنها غير المألوف مطلقاً. لن يكون المشهد مقبولاً تبادل القبل بين الأزواج وبالفم في مشهد عام، وفي القرية. إنما سيكون ممكناً من ضمن مفاعيل الفياغرا، ومن ضمن جرعة فانتازيا زائدة. حتى وحيد الفار إلى مغارة في رأس الجبل كان غزله لحبيبته قاتلاً «يا حشوة مدفعي». هو ليس الموقف الوحيد المبالغ به. بل غيره الكثير. «لازم نعمل شي للضيعة» جاءت من ضمن سياق علاقة «زوزو» ماغي بوغصن بقريتها وتخصصها بالزراعة، إنما غلب عليها الوعظ. كان من الأفضل ورودها في سياق أبسط. وقبل تناول أبطال الفيلم وضيوفه الكبار، يجب التوقف الضروري عند الذين مثلوا سكان ضيعة «بير المير» وهم من غير المحترفين. هذا الجمهور القروي في كل ظهوره، سواء في عجزه، أو في نشوته بعد ثورة الفياغرا ظهر طبيعياً، شكلاً، ملابس وحركة. حتى العمة فريزة التي أدت دورها الممثلة المبدعة ختام اللحام جاءت في غاية الصدق، بل الأكثر صدقاً، وكأن هؤلاء تركوا على سجيتهم دون افراط في إدارة الممثل. ولم يكن مستساغاً على سبيل المثال أن يكون في قرية ضربها الجفاف «لوكاندا» راقية، وست «سناء» مع صدرها العاري. في المشاهد البوليسية، وبكل بساطة نقول إنها ليست ملعب السينما اللبنانية. كان من الأفضل تطوير بعض المشاهد بعيداً عن هذا الاستعراض. وكان من صالح الفيلم أن تلك المشاهد لم تُستغل للتطويل، كما هو سائد في بعض الأفلام العربية. اعتدنا تصديق الممثلة ماغي بوغصن بطلة «فيتامين»، فهي ممثلة تعمل كل ما بوسعها لتأتي الشخصية التي تؤديها منبعثة من داخلها. في «فيتامين» فاجأتنا بعدم إتقانها لكلام أهل البقاع. فقط سيحفظ منها المتلقي كلمة «راح جُن» و»الدجرد» أي الجرد. كان من الأفضل لو مثل الجميع بما اعتاده من كلام. وهذا قرار يعود للمخرج. أن يتم الاكتفاء ب»رشرشة» بعض الكلمات البقاعية، وكل ما تلاها ليس منها، أمر مضحك. «فيتامين» الذي جمع في ختامه القلوب كافة بالحب، ولم يترك قلباً وحيداً، حمل بطله «جمال» الذي يؤدي دوره كارلوس عازار، التخلي عن أحلامه في بيروت، والبدء بقطاف الزيتون. إنه فيلم حب، حتى وإن زنرته الحشيشة. هو فيلم حب بوجود القديرة في المواقف الكوميدية شكران مرتجى، والممثل اللبناني المعروف بيار جامجيان كضيفي شرف، وفي شخصيتين مبالغ في أدائهما. الموسيقى التصويرية التي كتبها الفنان زياد الأحمدية تغلغلت في مفاصل المشاهد المتتالية وصارت جزءاً لصيقاً بها. لا شك أن «فيتامين» سيتأثر بنجاح فيلم «بي بي» الذي قدمته شركة «إيغل فيلم» في العام الماضي، وكان من بطولة ماغي بوغصن ويوسف الخال. هو لا يزال في ذاكرة من يبحثون عن السينما اللبنانية. فالجانب الكوميدي فيه هو العامل الجاذب، مع غض نظر عن تفاصيل كثيرة شكلت ثغرات كان أفضل للفيلم أن يتخفف منها. من زهرة مرعي: القدس العربي