بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم الافتراضي: أطياف الرواية وأشباحها .. بقلم: عبد الرحمن الغالي
نشر في سودانيل يوم 03 - 11 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
تتدافع الأفكار على رأسه بأسرع من طاقة قلمه على مجاراتها. تزاحمت عليه خواطر العالم الإفتراضي الذي يعيش فيه أو يهرب إليه لا يهم. ولكن هل هناك عالم حقيقي؟ قال أكبر متصوفي بلاده بل أكبر متصوفي العالم في عصوره الأخيرة مخاطباً الواحد الأحد: ( فاجعل مطمح قلوبنا إليك ولا تجعل نظرها إلى ما كان من عدم وكذا حقيقته الراهنة بغيرك عدم وسيعود ما غر من ظاهرها عدم). صنّف بعض كتّاب بلاده كتاباً كبيراً أفنى فيه الوقت وأهدر الجهد ليثبت أن لكل أديب في بلاده مهرباً يلجأ إليه وما درى أن الشعر والأدب مناطه على مفارقة الواقع إلى عوالم المثال، ليته تدبر كتابَي كولن ويلسون اللا منتمي وما بعده، إذن لأدرك أنه إنما يقرر المقرر. وهل يحتاج لكولن ويلسون فهذا أمر معلوم من الأدب بالضرورة، فقد إمتلأت صفحات مقدمة كتابه هو نفسه التي كتبها كاتب آخر مطّلع بشواهد تمرد الأدباء على سائد بيئاتهم .
كان الجاحظ من أكبر المتمردين، كتب مقدمة في ( المحاسن والأضداد) أرادها مدحاً للكتب وفضلها ولكنها جاءت ذماً للناس. والجاحظ ليس ممن يسوقه الكلام، وإنما يُستدل من ذلك على الرباط القوي بين الكتابة والنفور القوي من مألوف الناس. الجاحظ غريب الأطوار حاد الذكاء وله ولع بتسليط الضوء على بطولة النماذج المضطهدة . له رسالة في ( فخر السودان على البيضان) وكتاب ( البخلاء) وكتاب ( المحاسن والأضداد). أشار الدكتور محمد الواثق لذلك في كتابه (تاريخ الدراما العربية) المكتوب بالانجليزية وأسماه نموذج نقيض البطل أو البطل النقيض anti- hero. وقبل الواثق رأى إبن قتيبة ملامح من ذلك في رسالة الجاحظ في الرد على النصارى حيث إتهمه بالخبث لأنه أورد حجج النصارى كأقوى ما تكون الحجة ثم تعمد أن يفندها تفنيداً ضعيفاً .
قال محمود المسعدي عن كتابه (روايته): (هذا كتاب كتبته منذ أحقاب حين كنت أروم أن أفتح لي مسلكا إلى كياني الانساني وأقضي حجاً إلى موطني المفقود : وفاءٌ حنينٌ إلى الذات الجوهر الفرد وتوليدٌ للعشرة من معدن الوحشة)...فالحياة عند المسعدي (كونٌ وإستحالة ومأساة فإذا هي إرتدت ظاهرةً وقراراً ورضىً فهي الخسران ولعنة ٌ على الزائفين)
ومهما يكن فكتاب (مهارب المبدعين) فيه جهد محمود لكاتب مطّلع أفسد كثيراً من بهجته أنه ليس دراسة أدبية كما ذكر مؤلفه وليته كان !.
العالم (يعني الناس ) كله يعيش في العالم الإفتراضي: سحرٌ مثل سحر آصف بن برخيا جالب عرش بلقيس عليها وعلى نبي الله سليمان السلام، شبكة تجلب في لمح البصر الكتابة والصور المرئية والصوت المسموع. أصبح العالم منكبّاً على مرايا صغيرة يتخاطبون عبرها بتلك الوسائل: الكتابة والصوت والصورة الساكنة والمتحركة.
كان عالمه من نوع آخر وإن ساعده عليه عالم العالم الافتراضي الجديد. فآخر من عاش معه في هذا العالم الافتراضي فتاة تركية رائعة القلم إسمها إليف شافاق أو إلف شفق – علم فيما بعد أنها صارت كاتبة يشار لها بالبنان – لها رواية ضخمة إسمها (قواعد العشق الأربعون) كتبتها بأسلوب بديع عن شمس الدين التبريزي وتوأم روحه جلال الدين الرومي. لشد ما أخذه التصوف إلى عوالم الافتراض منذ قرأ في شبابه دراسة الدكتور عبد القادر محمود عن التصوف ثم تتبع بقية كتبه عن الفلسفات المعاصرة والتصوف في السودان. وأعجبه (منطق الطير) لفريد الدين العطار رغم كونه مترجماً. وقبلها – قبل إلف شفق – كان قد ولج عالم إبراهيم الكوني ذلك الليبي الموهوب وكتاباته عن الصحراء وعالمها الواسع الجدب الفارغ الخصب الملهم الواضح الغامض الساطع المظلم المخيف الحار البارد: الصحراء جامعة المتناقضات ورادّة الانسان إلى ذاته بعد إنشعابها أو تاركة ذاته لتواجه أسئلة الوجود بانفتاحها على الفراغ والغيب المخيف.
دخل عالم الكوني عبر روايته ( نزيف الحجر).
وقبله إلتهم كتب يوسف زيدان: صاحب اللغة الرصينة، إندهش من رواية (عزازيل) ولو قرأها قبل رواية (شفرة دافينشي) لكان وقعها عليه عظيماً ولكن الأخيرة ( الشفرة) أبطلت بعض مفعول الأولى. لغة عزازيل هادئة متئدة متأملة صوفية شرقية، وإيقاع دافينشي سريع ذكي ومعلومات دافينشي فيها البحث الأكاديمي المصنوع لا المنساب بتلقائية شأن بقية روايات دان براون التي التهمها جميعا: أثارت فيه حكة التفكير المتواصل وزودته بأزودة لدعم نظرته المسبقة: أن العالم الآن يسير وفق مؤامرة أطرافها قوم أُوتوا من العلم نصيباً غير منقوص ولكنهم غابوا يومَ قَسْمِ الرحمة والأخلاق.
قرأ لزيدان ( النبطي) وأعجبته إلا فقرة أفسدت عليه الكتاب كله وقرأ ( ظل الأفعى) و( محال) وختم (بجوانتنامو).
وقرأ رواية (حراك السكون ضد العاصفة) لكاتب سوداني هو حاتم بابكر عوض الكريم وهي باكورة إنتاج مبشرة، فكرته واضحة عما يريد قوله ولا يخشى مخالفة السائد في الأدب الذي هو مخالفة السائد في المجتمع!
لم يجد فيما قرأ لغة أرفع أو تشابه لغة محمود المسعدي التونسي الضخم، كان كتابه ( حدّث أبو هريرة قال ) فتحاً: اللغة العالية الرفيعة والحس الوجودي وتناول القضايا في أفقها التجريدي : أحاديث الوحشة والجماعة والفرد والعدد والحس والغيب واليقين يُطلب في تلك الثنائيات فلا يُدرك. قدّم توفيق بكار الرواية وتقديمه نفسه رواية أخرى داخل الرواية وكذا النقد الحق. وقرأ له (مولد النسيان) ثم قرأ روايته الأشهر ( السد) وكان قرأ عنها في كتاب معلمه الأثير الموسوم (بين النير والنور). بين النير والنور عجيبة من عجائب البيان وتداعي المعاني أظهر فيه عبد الله ذخيرته الواسعة من الأدب الروائي العالمي، مثل (أصوات وحناجر) لصديقه أحمد الطيب أحمد.
و على ذكر الأحاديث قرأ رواية ( حديث عيسى بن هشام) لمحمد المويلحي وهي جيدة وعربيتها سليمة مبينة ولكنها بعيدة عن سماوات المسعدي إذ هي رواية أرضية بالمقارنة.
كل رواية تفتح الباب لعدة كتب يقرأها: شفرة دافينشي أولجته لعالم المسيحية فقرأ عنها ما لايقل عن عشرين كتاباً في مدة وجيزة. ورواية ( إنفيرنو) ذهبت به إلى مؤامرة تقليص السكان (والرمز المفقود) و(حقيقة الخديعة) لعوالم المنظمات السرية وهلم جرا.
قرأ ( القلعة البيضاء) لأورهان باموق حائز نوبل التركي، و( الأشياء تتداعي) لشنوا أشيبي النيجيري وأخافه مكر الاستعمار ومصير بطل الرواية، وأعاد قراءة الطيب صالح بعد ما قرأه في ميعة الصبا واكتشف أن الانسان لايستطيع أن يدعي أنه قرأ كتاباً وفرغ منه لأن الانسان كائن متجدد متحول كل يوم هو في شأن وما الكتاب إلا وسيلة لأن يقرأ الانسان نفسه. دخل عالم الصادق النيهوم الليبي - وهذا خارج سياق حديثه عن الرواية – وأحلام مستغانمي الجزائرية : أعجبته ثلاثيتها ولم يعجبه كتاب ( نسيان com) فهو نزاري السنخ .وقرأ (زهرة الصبار) لعلياء التابعي التونسية ودخل قبل ذلك عوالم فنتازيا ماركيز. وأعجبه عبد العزيز بركة ساكن: كاتب جيد لو أتقن اللغة. اللغة مهمة: جيمس جويس استنفد مخزون اللغة فلم تسعفه. نحت جويس كمّاً من الكلمات الجديدة واستخدم معارفه اللغوية الانجليزية واليونانية والعربية وغيرها. ومن شاء فلينظر إلى روايتيه (عوليس و يقظة فينيقان). ترجم عوليس مترجم مصري يدعى طه محمود طه، استغرقت الترجمة معه عشرين عاماً وضع خلالها قاموساً بكلمات الرواية، ومع هذا فليس هناك من يعرفه. قلما كتاب قرأته في الآونة الأخيرة يخلو من أخطاء اللغة.
رواية ( الجنقو) جميلة جريئة وثلاثية البلاد الكبيرة (الطواحين - رماد الماء – زوج إمرأة الرصاص) بها نضج فني ينبئ عن مستقبل كبير لبركة ساكن وكذلك رواية ( عرس الطين). لم يكمل رواية (مسيح دارفور) بعد.
قرأ كتاب لمياء شمت النقدي (تأملات ومشاهدات)، لمياء شمت ناقدة لغتها آسرة وروحها حلوة تلتقط الجمال في الأعمال وتدل عليه – عكس مفهوم النقد في السودان – وقلّما تشير لمثالب الأعمال، لا أذكر أنها أشارت لمنقصة في عمل في كتابها ذلك. أعرف أن بعضهم يعيب هذا فمن شاء فليرجع إلى ( غربال) ميخائيل نعيمة في النقد ومقدمة العقاد لذلك الكتاب قبل زهاء القرن من الآن.
معظم نقاد السودان كتبهم كالدوم: ثمره قليل السكر وظله قليل ومع ذلك يرمي بظله بعيداً عن الجوار، لمياء من قلائل الاستثناءات.
نقد عبد الله الطيب خمرٌ في أسره، سكّرٌ في طعمه، منبّه للعقل شاعريٌّ بصيرٌ مبصّرٌ، أكثر إمتاعاً من الأعمال المنقودة نفسها، وكذا الدكتور أحمد الطيب أحمد وكتابه ( أصوات وحناجر) ينبئ عن إطلاع واسع وبصر بالأدب الغربي ولا غرو فهو أول عربي ينال درجة الدكتوراة في المسرح.
استسهال الكتابة كاستسهال كل شئ شائع ميسور في هذي البلاد. تناول القضايا السياسية والأفكار الرائجة مثل الحرية وحقوق الأقليات والمجموعات المضطهدة والمنفية صار سوقاً رائجة وهو أمر حسن ولكن يأتي عمق التناول كأقسى محك: وكل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك.
وعلى ذكر المجموعات المنفية قرأ كتاباً أسمه ( نساء يركضن مع الذئاب) للكاتبة كلاريسا بنكولا كتاب رائع يجمع بين علم الجنوسة والفولكلور.
الفن نقيض المباشرة، والسياسة في معناها الشائع فعل مباشر. لم تشده رواية ماركيز (الجنرال في متاهته). أكملها ليتعرف على سايمون بوليفار الثائر الأمريكي اللاتيني. السياسة أرضية قريبة من الناس والأدب سماوي، أذكره هذا بقول شوقي ( صوني جمالك عنا إننا بشر*** من التراب وهذا الحسن روحاني). من دنا في كتابته من السياسة سيقترب من بعض الناس أكثر ولكنه سيحجب عن الأكثرية التي ترى ما هو معلق في السماء. رواياته الأُخر باهرات: ( مائة عام من العزلة – في ساعة شر – الحب في زمن الكوليرا)
كان يقول: عجبت كيف يفهم الحرفيون وأصحاب المباشرة النص القرآني. القرآن كتاب واحد تقود كل سورة لتاليتها وكل آية لتاليتها وكل جملة لتاليتها وكل حرف لتاليه هذا من حيث السبك وترابط المعاني دعك من الأسلوب الاشاري ودلالات الأمثال والتساوق المعنوي. وكان حمزة القارئ يعد القرأن بمنزلة السورة الواحدة. وتفسير البقاعي ( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) على سبيل المثال يشير للجزء الأول: الوحدة والترابط ، والتفاسير الصوفية تشير للجزء الثاني. البقاعي تفسيره جيد للغاية ومن ذريته ثروت الخرباوي صاحب (سر المعبد) و(قلب الأخوان) . وعرض ذلك سيأتي حين حديثه عن عالم المفسرين والتفسير والله على كل شئ قدير.
(منسي) للطيب صالح كتاب في السيرة الذاتية ، روحه جد خفيفة وهو غاية في الإمتاع. الكتاب مع روحه الفكهة يتخلله حزن عميق وتأمل في حصاد العمر فكأنه سيرة ذاتية مزدوجة للطيب صالح وصديقه منسي وفي الرواية معارف كثيرة وإشارات ذكية وتجسيد للشخصيتين السودانية والمصرية ومجالات المقارنة والمقابلة.
قرأ رواية (إبحار عكس النيل ) للإعلامية العراقية فايزة العزي عن إنفصال جنوب السودان.
وقرأ (بنات الرياض) لرجاء عبد الله الصانع، للرواية رواج كبير فالتنطع والثراء يجلبان الشماتة والحسد. وقرأ (جروح الذاكرة) لتركي الحمد ولم تعجبه إحتاط الكاتب فيها على لسان بطلة روايته من نقد النقاد لتقنية الرواية. وقرأ (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف رواية جميلة مؤثرة رغم موضوعها المباشر. تصاعد إيقاعها وازداد عمقها وبلغت ذروتها في فصولها الأخيرة. فكرتها ثورية تشبه أغنية فيروز (هدتكم الاشاعات) في مسرحية الرحبانية (حجر الصوان): رميُ القلمِ والعودة للوطن والانخراط في النضال ومواجهة الاعتقال والموت.
قبيل ثورة مصر قرأ للأسواني (عمارة يعقوبيان). الأسواني في عمارته كان قاسياً على المجتمع المصري. قال صاحبنا لنفسه ( ألا يعرف هذا المصري المصريين ) أم هو اعتمال الثورة في أحشائه خرجت قبل موعدها غضباً وتحريضاً؟ وأعجبه إدريس على في (انفجار جمجمة ) ولكنه حيثما جاء بشخصية سودانية برز الاحتقار في ثنايا حديثه عنها مع أنه نوبي مهمش مثل السودانيين. قال محمد طه الصحفي القتيل رحمه الله كلمة بليغة عندما اتُّهم بالتشيع: ( أنا سني مرمّد مثلكم !)
وقرأ رواية (مولانا) لإبراهيم عيسى وهي رواية خفيفة الظل متوسطة الجودة متوسطة الشجاعة متوسطة الفكر تناولت الواقع المصري قبل ثورة يناير: تعفن الدولة المصرية المباركية وتمدد جهاز الأمن السرطاني في الحياة المصرية وأشكال التدين المصري في مواجهة ذلك الواقع. كُتبت قبل الثورة وخُتمت بعدها. هل خُتمت أم وقع الكاتب تحت إغواء النهاية المفتوحة لعل الزمان يتيح له كتابة جزء تالٍ منها إذا صادفت الرواية نجاحاً أو سمحت الظروف بذلك؟!
قرأ ( التلصص) لصنع الله إبراهيم فتركت أثراً عابراً، هل تلصص صنع الله على هنري باربوس وروايته (الجحيم)؟ بطل الجحيم لا منتمي يتلصص عبر ثقب في الجدار على جارة تستأجر غرفة.
أعجبته قدرة حنّا مينا على السرد في ( الياطر) ثم قرأ روايات أخر له (الثلج يأتي من النافذة) و ( مأساة ديميتريو) وغيرهما، لغته خصبة وإيقاعه سريع ينبض بالحياة حياة المتوسط وإرثه وخصب البحر ومغامراته وشبق أهل الموانئ وبحّارتها وشغفهم.
لم يبق شيء في الذاكرة من المسرحيات المترجمة التي قرأها: المسرحيات في الورق مثل الألحان على النوتة الموسيقية لا تطرب فما بالك إذا كانت مترجمةٍ: (جريمة قتل في الكاتدرائية) لأليوت، (في انتظار جودو) لبيكيت، (الميجور باربارا) لبرناردشو، (موسم في الكونغو) لأيمي سيزار (حورية من البحر) لهنريك إبسن،(ليلة تبكي الملائكة) لبيتر ترسون وشكسبيريات عديدة: (الملك لير) (يوليوس قيصر) (الأعمال بخواتيمها) (العاصفة) (هاملت) كلها ذهبت أدراج الرياح. ومثلها ذهبت (يا طالع الشجرة) لتوفيق الحكيم. لا زال يذكر خيبة أمله فيها ( قرأها أيضاً في صباه) وأعجبة نقد طه حسين اللاذع لها ومن الروايات الذواهب روايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس.
وقرأ (أحدب نوتردام) لفيكتور هوغو في أواخر الطفولة وبواكير الصبا فأعجبته.
( الأوديسة) ترجمتها سيدة مصرية ترجمة جيدة ضاع اسمها كأغلب أسماء المترجمين.
بقي أثرٌ من (بئر الحرمان) لإحسان عبد القدوس لأنه قرأها في أواخر طفولته قبل الصبا والعلم في الصغر كالنقش في الحجر. أو ربما استهوته محبة البطل (أوالبطلة لايذكر) لأمه وخوفه المرضي عليها.
مسرحيات شوقي الشعرية جيدة، أعجبته مسرحية ( الست هدى) لما بها من خفة الروح والفكاهة المصرية، ومن البصارة في معالجة الشعر ومغالبته واستخدام أساليب تجار المصريين في التزيين والخداع والتلفيق المحبب!
في ( عنترة) يعلو شوقي ويهبط ويسمو ويسف وكذا في ( مجنون ليلى) وشوقي عبقري ماهر لا يعجز ولا يتحيّر!
لم يعجبه المهجريون: لا شعرهم ولا رواياتهم، قرأ باهتمام (النبي) لجبران. لم يستسغ قراءة الروايات بالانجليزية : لعدم إمتلاكه ناصية اللغة ولكنه كان يقرأها لتجويد لغته. لم يبق منها شيء سوى (أربع قصص قصيرة طويلة) وهذا عنوان الكتاب، أما أصحاب القصص فقد نسيتهم، و(خمس مسرحيات لأوسكار وايلد) مجموعة في كتاب وبدأ (الرجل والسلاح) لبرناردشو ولم يكمله وكذلك مختصر (للفردوس المفقود) لملتون.
لم تخرج الروايات على كثرتها عن موضوعة الانسان وغربته النفسية وحوار الفرد مع الجماعة والمجموعات مع المجموعات وحوار الحوارات أو صدامها ونزعة الهيمنة والتعدي وكيفية التصدي لها وحوار الغيب والشهادة أو الغيبة والشهود والطين والروح: ألحان ومقامات وتقاسيم عديدة صادرة عن نفس الأوتار السبعة تنقص أو تزيد.
(رسالة الغفران) ممتعة أكثر ما لفته فيها أنه رأى المعري فيها سُنّياً على مذهب أهل السنة والجماعة كما يقولون، كتبها بنفس مطمئنة على خلاف الكثير من أشعاره وكتاباته. الانسان كما بدأنا القول نعيده ليس واحداً: فيه الصوفي والسلفي المتطهر واللاأدري والأصولي والملحد والزنديق والراضي والمتحدي والمستسلم والثائر والقانع والحكيم والمتهور: المعري ذلك الخليط النفسي ولا تناقض وهو نفسه قال عن الانسان:
والذي حارت البرية فيه *** حيوان مستحدث من جماد
قال لبيد قبله:
قإن تسألينا مم نحن فإننا **** عصافير من هذا الأنام المسخر
وبعده قال السياب:
والذي حارت البرية فيه *** حيوان مستحدث من نقود!
ولا تفتحوا عليه باب الشعر وقراءته فقد أغلقه منذ زمن، وأصبح يستريح من عناء القراءة الطويلة بلحظات خاطفة من قراءة الروايات التي لم يبق في الذاكرة منها سوى ما حدّث به أعلاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.