البروفيسر الطيب زين العابدين ينفث الهواء الساخن البشير عسكري يعتبر الديمقراطية نوع من الرفاهية الحكومة تتعمد تذكيرنا بأنها جاءت للحكم بالقوة وستستمر بالقوة حوار - نجاة إدريس أكد المحلل السياسي والأكاديمي البارز د.الطيب زين العابدين بأن اتفاق (نداء السودان) هو اتفاق جيد، مثله مثل خارطة الطريق وإعلان باريس وإتفاقية أديس أبابا، مشيرا إلى أنها جميعا تسير في اتجاه واحد وتطالب بأشياء معقولة. وأوضح بأن التصعيد الذي فعلته الحكومة تجاه الموقعّين يذكّر بأن الحكومة جاءت بالقوة وستستمر بالقوة، وتنبأ بأن تفرج الحكومة في أي لحظة على فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني وفرح العقار ومحمد الدود دون تقديمهم لمحاكمة. وقال زين العابدين بأن ترشح الرئيس لانتخابات 2015 هو أمر غير دستوري, ووصف انتخابات 2015 بالميتة كونها تجيئ في ظل مقاطعة الأحزاب لها، مشيرا إلى خوض المؤتمر الوطني والأحزاب الديكورية -حد تعبيره- للانتخابات. إلى جانب ذلك كله تحدث د. زين العابدين عن الكثير المثير الذي تجدونه في ثنايا الحوار الآتي. كيف تنظر إلى قرار مدعية المحكمة الجنائية فاتو بنسودا القاضي بحفظ التحقيق بشأن المتهمين في قضية إقليم دارفور؟ - هناك خلط بالنسبة للحديث الذي قالته فاتو بنسودا -والتي هي المدعية الجديدة في محكمة الجنائية الدولية – فقد قالت إن مجلس الأمن لم يساعد المحكمة الجنائية في أنها توقّف المتهمين حتى يمثلوا أمامها وبالتالي تستطيع تحقيق مهامها، لذلك هم كتبوا رسالة لمجلس الأمن في عام 2010م ليساعدهم في هذا الأمر، كما كتبوا له أيضا شكواهم من بعض الدول التي زارها الرئيس البشير مثل الكنغو، تشاد، أرتريا، ليبريا، وكينيا وبعضهم أعضاء بالمحكمة الجنائية ولم توقّف الرئيس البشير أي منهم ليمثل للمحكمة. وبالتالي المحكمة الجنائية ليست لديها بوليس حتى تعمل هذا الفعل بنفسها، فإذا كانت الدول الأعضاء بالمحكمة الجنائية والدول الأعضاء بالأمم المتحدة لا تريد المساعدة فماذا ستفعل المحكمة الجنائية، فمجلس الأمن هو الذي حول هذه القضية إلى محكمة الجنايات الدولية. المدعية ذكرت بأن هذه القضية تكلف المحكمة الجنائية أموالا كثيرة وهي محتاجة لهذه الأموال في محاكمات وتحقيقات أخرى، وصرف الأموال يكون لإسكان الشهود ولحراستهم، كما أن هناك صرفا كبيرا على المحققين ليكتشفوا معلومات جديد. وقالت فاتو بنسودا إن كل هذا الصرف ليس له داع الآن فهناك ما يكفي من الشهود ومن الأدلة في هذا الموضوع، فكان كلامها كنوع من التهديد لمجلس الأمن ومن ثم قامت بحفظ القضية. وعندما نقول إنها حفظت القضية يكون ذلك مثلها مثل أي نيابة عامة حينما تقوم بحفظ القضية فيمكن أن تحفظ كما يمكن أن تفتح في أي وقت، وبالتالي فإن هذا الشيء ليس انتصارا للسودان ولا انتصارا للرئيس البشير بأي حال من الأحوال. كيف تنظر للاحتفاء الذي قابلت به الحكومة القرار؟ - الحكومة (ما عارفة وبتلفح الموضوع من غير تعرفو كويس) وليس بالإمكان أن يكون الرئيس مخطئا كما قال عادل إمام، وبالتالي الفهم الذي انعكس في الإعلام لم يكن صحيحا. دعنا نتقدم خطوة .. ما رأيك في اتفاق نداء السودان؟ - (كويس جدا) أنا أرى أن الوثائق التي ترعى المواثيق جميعها هي وثائق عن تقنين الحوار, أو لوضع ضوابط له: (خارطة الطريق، إعلان باريس، اتفاقية أديس أبابا، نداء السودان) أراها جميعاً تسير في اتجاه واحد، وتطالب بأشياء معقولة جداً، وأغلبها تطالب بتهيئة المناخ، وهذا ما لا تريد الحكومة الالتزام به، وحتى خارطة الطريق التي صنعتها الحكومة ووقعت عليها، عندما جاءت الجمعية العمومية للأحزاب وافقت عليها أيضا، لم تقم الحكومة بتنفيذها. بالتالي إعلان باريس أو خارطة الطريق أونداء السودان جميعهن للحكومة شيء واحد (البتنفذا تنفذا ..والما دايرا تنفذا ما بتنفذا) والذي لا يريد فعليه الشرب من البحر. بروفيسور غندور يفسر القصة بقوله إنه اتفق على أساس أنه يمثل الحزب ولكن في الدولة هناك أجهزة أخرى لها قوانينها وخططها وسياساتها و(بتعمل الدايرا)، كيف يستقيم أن تتفق معي ثم تأتي لتعتقلني، وتقول لي إن من اعتقل هو جهاز الأمن وليس هو المؤتمر الوطني .. هذه حجة سخيفة . ما تعليقك على التصعيد الذي فعلته الحكومة تجاه الاتفاق واعتقالها لفاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني وفرح العقار ومحمد الدود؟ - هذا التصعيد لا داع له، فالحكومة دائما تقصد بأن تذكرنا أنها جاءت للحكم بالقوة وستستمر بالقوة، (والداير يشيلا يمشي يجيب قوة زي قوتا!) ،الغريب عندما تستعمل الحركات المسلحة قوتها تعتبرها الحكومة نشازا ،الحكومة (أصلا حكومة أمنية) وهي تحكم بسلطة الأمن وتمارس القوة تجاه كل من تظن أنه خصما لها، فما الداعي مثلا لاعتقال الصادق المهدي الفائت هو أو إبراهيم الشيخ ،أنا أيضا كنت قد انتقدت قوات الدعم السريع فهل هي منزهة مثلا؟! برأيك هل سيطول اعتقال أبوعيسى وأمين مكي مدني؟ - أعتقد أنها ستعتقلهم ثم ستفرج عليهم دون أن يقدموا لمحاكمة وهذا ديدنها لسنوات طويلة. هل تعتقد أن الحكومة حانقة على اتفاق نداء السودان من باب أنه سيفكك الدولة أم هناك أسبابا أخرى؟ - أنا لا أرى أن الانتقاد الشفوي من شأنه أن يفكك الدولة ، أنا حر في انتقاد من أشاء ،وما هي الدولة (الملصقّة) التي يفككها النقد ، فهناك حركات مسلحة الآن تقوم بمحاربتها، وحتى الحركة الشعبية التي حاربتها وأخذت منها ثلث السودان لم تتهمها بأنها ستفكك السودان. نداء السودان به نقد مكتوب بورق فكيف يفكك هذا النقد الدولة، الصادق المهدي لديه أوراق نقدية كثيرة جدا لمّا لم تفكك الدولة؟ فهل ورقة نداء السودان هي من ستفكك الدولة؟ بالعكس تماما إذا نحن لم نتوصل لمعادلة سياسية مقبولة من الأطراف الأخرى فإن السودان لا محالة سيتفكك كما تفكك جنوب السودان، وتهم جنوب السودان التي تقول إنكم دعمتم حركات التمرد وإنكم أخذتم منه بعض النقاط على الحدود، وإنكم لم تحلوا منطقة أبيي أي أن هذه التهم هي تهم عملية وهي ما جعلت الجنوبيين يصوتون للانفصال بنسبة 98%فهذا كله هو الذي يفكك السودان وليس ما يفككه اتفاقية إطارية وهي شبيهة باتفاقيات فعلتها الحكومة في خارطة الطريق وفي اتفاقية أديس أبابا. المؤتمر الوطني يرى أنه جدد دماء الحزب بالتغيير الذي أحدثه على قيادات الصف الأول من أمثال طه ونافع، فيما ترى أنت أن الحزب لجأ للتغيير حتى لا تكون هناك بدائل للمرشحين للمنصب الأول، الآن بعد حفظ قرار مدعية المحكمة الجنائية البعض يعتبر الرئيس هو الأنسب بين أعضاء حزبه للترشح ..كيف ترى الأمر؟ - أبداً الرئيس دستوريا لا يفترض أن يترشح، وذلك حسب دستور 1998 ودستور 2005 واللذين نصا بأن الرئيس يجب ألا يحكم أكثر من مرتين، علما بأن هذه الدساتير صاغتها هذه الحكومة. الحركة الإسلامية أيضا في دستورها أن أهل المناصب العليا عليهم ألا يمكثوا في مناصبهم أكثر من مرتين، المؤتمر الوطني أيضا في نظامه الأساسي سنّ ألا يمكث العضو في منصبه أكثر من دورتين، ولكن لأن الرئيس عسكري والعسكريون يعتبرون أمور الديمقراطية شيئا من الرفاهية والتي ليس لها داع وهم يعطون الأوامر لمن تحتهم، لذا فإنه جمّع السلطات حتى داخل الحزب فأصبح يأتي نواب الرئيس بالتعيين، لذلك فهو عين على عثمان ثم عاد وفصله وعين نافع ثم فصله، وأتى بالحاج آدم ثم فصله، وبهذه الطريقة لا يكون هناك نواب منتخبون فالرئيس وحده يستطيع أن يأتي بمعاونيه ويستطيع أن يخلعهم متى ما شاء، وفي الحزب نفس الشيء يحدث، وحتى في الحركة الإسلامية عمل هيئة عليا ثم أصبح رئيسا لها، وهذا تجميع للسلطات. الآن الرئيس يريد أن يعيّن الولاة وأن يتصرف في الأمر فماذا بقي من الحكم اللامركزي إذا كنت أنت من تعين الحكومة وأنت من تتصرف في الولاية، ففيم يتصرف الولاة؟ لذلك أقول لا توجد فيدرالية في الدنيا يقوم المركز فيها بتعيين الولايات وهو ذاته –اي المركز- من يتصرف في الأمر، فالرئيس يجمّع السلطات في يده كي يتصرف كما يشاء وإذا خالف الولاة خطه فإنه يقوم بفصلهم وسيأتي تعيين ولاة جدد قريبا، وتجميع السلطات في يد الرئيس أدت لإضعاف مكانة الرئيس داخل المؤتمر الوطني، وفي الانتخابات الأخيرة للمؤتمر الوطني والتي سيكون المرشح فيها رئيسا، السيد البشير وجد 51% فقط من أصوات مجلس الشورى ،وهذه ال 51% هي أقل حد يمكن أن تعطيه الشرعية لمرشحها لأنه لابد أن يفوز ب50% وهي الحد الأدني. فإذا صوت ثلاثة أشخاص فقط ضد الرئيس لسقط، وهذه النسبة في أي حزب آخر سواء كان حزب الأمة أو المؤتمر الشعبي أوالحزب الشيوعي أو أي حزب آخر هل سيفوز بها أي رئيس آخر للحزب؟ منسوبو المؤتمر الوطني يعتقدون أن الرئيس محل إجماع؟ - هذا الكلام غير صحيح فهو ليس محل إجماع حتى داخل الحزب، وكاد نافع أن يفوز علي الرئيس نفسه. وبالتالي هناك منافسة في الحزب وقد نافس الرئيس كل من نافع وعلي عثمان، والمسؤول عن شؤون الحزب جاء الأخير في المنافسة، والدليل على أنه ليس محل إجماع إنه تغيب عن مجلس الشورى 127 عضواً من 522 وهذا أهم اجتماع لمجلس الشورى في تاريخ الحزب. (مقاطعة) هل تعتقد أن المتغيبين كانوا ضد ترشيح الرئيس؟ - هذا نوع من الاحتجاج، وهم يعرفون جيدا أنهم لا يستطيعون شيئا، وبالتالي خير للشخص أن يقاطع، وهذه ذات الطريقة التي تقاطع بها الأحزاب الانتخابات، وهذا الدرس لابد أن يفهمه المؤتمر الوطني، وأن يفهمه الرئيس، ولا بد أن تكون هناك إلتفاتة من داخل المؤتمر الوطني حتى لا يتدهور الوضع بصورة غير مسبوقة، فالسلطات الكثيرة التي في يده ومشاكلنا الخارجية كما هي، وهناك مشكلة جنوب السودان التي أصبح فيها تهديد بالحرب وإلا كيف نقول للجيش السوداني أن يدخل جنوب السودان حتى يطارد العدل والمساواة. الحكومة أعلنت أنها ستمضي في الحوار بمن حضر .. المؤتمر الشعبي هو الأكثر حماسا للحوار من الأحزاب الأخرى التي شاركت فيه وأعلن أنه سيمضي في الحوار حتى لو بقي وحده، فهل سيسفر الحوار الوطني عن اصطفاف يميني تجاه قوى اليسار؟ - لا لن يكون الأمر هكذا، وشخصياً أظن أن المؤتمر الشعبي رغم أنه قال ما قلتيه أنت الآن، لكن في نفس الوقت لن يخوض الانتخابات، والمؤتمر الشعبي نفسه سيصعب عليه الاستمرار بعد أن تقيم الحكومة الانتخابات، وغيره يقاطع الانتخابات، ويبقى في العراء، وبعد أن يقاطع حزب الأمة وحزب الإصلاح الآن، ومنبر السلام العادل وحتى الاتحادي الديمقراطي يمكنه أن يقاطع ، وبالتالي فإن الانتخابات ستكون انتخابات ميتة ولن يبقى للمؤتمر الشعبي وجه ليحاور به النظام وفيم سيكون الحوار؟ زقتها القصة ستكون حسمت فهؤلاء هم الذين سيعقدون البرلمان، وهؤلاء هم الذي سينجزون الدستور الجديد، وسيستمر المقاطعون في مقاطعتهم بل ستتصاعد معارضتهم وقد يدخلون في تكتلات مع بعضهم البعض مثل ما كان من تكتلهم في نداء السودان .. والمؤتمر الشعبي ليس محصورا في شخص كمال عمر أو الترابي لوحدهما فهناك قواعد لن يكون عندها استعداد للدخول في حوار. لماذا تعتقد بأن الشعبيين لن يستمروا في الحوار فيما إذا أمرهم د.الترابي بالاستمرار فسيستمرون؟ - ليس بهذه الطريقة، فحتى مريدي الطرق الصوفية الذين ينطبق عليهم المثل (الحوار في يد سيدو زي الجنازة في يد البغسلا) أصبح لهم راي، لكن د. الترابي يعطي اعتبارا (لي ناسو) لأنهم مثقفون ومتعلمون وصفوة وكانوا في وقت ما وزراء ومسؤولين لذلك لا يمكن أن يحملهم على رأيه بهذه الصورة ، ثم ماذا يحمله الحوار بعد أن انتهى السباق(the game is offer) وبعد أن يحسم أمر الدستور ورئاسة البشير، لذلك لا أعتقد أن يستمر الحوار بأي حساب سياسي سواء كان ذلك للترابي أو غيره يستطيع أن يستمر في حوار مع المؤتمر الوطني بعد أن يعمل الأخير الانتخابات وبعد أن يفوز البشير بدون أي منافسة تذكر، ويفوز نواب الوطني بدون منافسة تذكر، ويتم تعيين الولاة. وكما تلاحظين أن (الناس التانيين غير المؤتمر الوطني) ليس لهم نصيب في الولاة، والآن أصبح هناك مواجهة مع جهات كثيرة منها الولايات غير الراضية عن موضوع تعيين الولاة، كما هناك مواجهة مع الحركات المسلحة، كما أصبح هناك مواجهة مع مزارعي مشروع الجزيرة، فالدولة أمامها مواجهات كثيرة، كما أن المواجهات الخارجية باقية كما هي، والحالة الاقتصادية تزداد سوءا، فما الذي يوقّف الحكومة (على حيلا)؟ ألا يمكن أن تكون هناك نسبة معينة للشعبي في الحكومة (محاصصة) كما فعلت الحكومة مع الديمقراطي الأصل؟ - ممكن أنا أتكلم عن مجرد مبدأ العمل، طالما أنهم لن يدخلوا الانتخابات كونهم يتلقونها عطاء فلماذا يقاطعون الانتخابات. إذا كنت تريد حصة فقط، فإذا أردت أن تدخل الانتخابات فمعروف أنه يمكنهم أن يعطوك حصة مثل ما حدث لأحزاب أخرى، ولكن عندما تقاطع تذهب لأخذ حصتك فهاذا لا يليق بأي حزب يحترم نفسه ،وأنا أعتقد أن أهل المؤتمر الشعبي لن يقبلوا ذلك ،على الأقل قواعدهم لن تقبل ذلك ،فهناك مجموعة كبيرة هم الآن (قنعانين) ناهيك عما سيحدث مستقبلا، عندما يزداد ضعف الحكومة ويراه الناس رأي العين . هل ضعف الحكومة يمكن أن يكون مبرراً كافياً لثورات الشعوب؟ - تقوم الثورة عندما يقتنع الناس بأن النظام يمكن أن يزول، ولكن طالما النظام محافظ على قوته وهيبته فهناك أناس كثيرون رغم أنهم غاضبين على النظام إلا أنهم يصبرون عليه على أساس أن احتمال إزالته ضعيف، ولكن أول ما يتضح الفساد فأن الانهيار سيصبح مفاجئا، فزين العابدين في تونس مثلا كان مسيطرا على البلد كلها، وحسني مبارك أيضا كان مسيطر لمدة ثلاثين عاما، ولكن عندما حدثت الثورة انتهى كل شيء، ولم يقدر النظام على مواجهة الثورة إلا الذين لديهم عصبيات. والآن من يحارب مع بشار الأسد هو العصبة العلوية وليس الشعب السوري، فالشعب أعزل ورفضت الدول أن تسلح المعارضة، اليمن أيضا بها عصبيات قبلية لذلك بها مقاومة بالرغم من انهيار نظام عبد الله علي صالح رغم أنه كان مسيطرا لمدة طويلة، فبالتالي بمجرد أن يقتنع الناس بأن النظام يمكن زواله وعندما تكثر عليه المظالم فإنه يحدث انهيارا سريعا بين عشية وضحاها . برأيك ما هي الأسباب الحقيقية وراء التقارب بين الوطني والشعبي، هل هو البعد الإقليمي الذي حدث للحركات الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي، أم هي شخصية د. الترابي الذي صالح نظام مايو بعد فشل أحداث الجبهة الوطنية والآن البعض يعتبر موقف الحزب نوعا من المصالحة، أم تراه إفلاس الحزب هو السبب الرئيس في هذا التقارب؟ - شخصياً أفتكر أن التفسير الذي قاله الترابي هو المقتنع به وهو الآن في توجه وتحرش بالإسلام السياسي في أي مكان، وهذا واضح جداً، انضمت له بلدان مثل السعودية هي أيضا عاملة بالإسلام السياسي، وكذلك المملكة الأردنية، وهنا الإسلام السياسي نعني به من يريدون أن يغيروا سياسات دولهم وقوانينها ونظمها التعليمية والتوجيهية على أساس إسلامي وهم أغلبهم ينتمون لحركة الإخوان المسلمين في العالم العربي وهناك جماعات أخرى مثل أنصار السنة المسيسين مثل الموجودين في الكويت والسودان، وفي مصر ظهر حزب النور السلفي والذي تسيس، وهؤلاء هناك اتجاه ضدهم في العالم العربي، وأيضا العالم الغربي منذ زمن يتوجس منهم، الآن عندما أتى الربيع العربي وأصبحت لهم قوة في كل البلاد التي حدثت بها ثورات أصبحوا العدو رقم واحد طالما أنه سيرث الأنظمة القديمة والتي كانت ملكية أو عسكرية شمولية فبالتالي الترابي رأى أن هؤلاء الناس هم مستهدفين وعليهم محاربة عربية ودولية، على الأقل أمريكا كانت بعيدة عنك ولا تحب التعامل معك بصورة من الصور ولكنها لن تصبح مساندة لك. الآن أقرب الأقربين كل الأنظمة الشمولية في العالم العربي تريد أن تتوحد، حتي دول الديمقراطية مثل الجزائر والمغرب والأردن هم أيضا لا يريدونك، فالترابي مستوعب ما يحدث تماما، لكن فكرته لن تنجح ما لم يغير المؤتمر الوطني منهجه وطريقته في الحكم، ومن الواضح أن المؤتمر الوطني ليس لديه استعداد وكذلك رئيسه لذلك أعتقد أن الشيخ الترابي ينفخ في (قربة مقدودة) وبالتالي محاولاته لتقوية النظام بنوع من تماسك الجبهة الداخلية لن تنجح. (مقاطعة) كيف ستفشل مساعيه بعد أن أحدث المؤتمر الوطني تغييراً في صفوف قادة الصف الأول،كما أن هناك محاولات للإصلاح وإطلاق المعتقلين؟ - (غاضبا) هل محاولته لإطلاق المعتقلين هي إصلاح حقيقي، قانون جهاز الأمن ضد الدستور خاصة أن الدستور لا يعطي للأمن حق اعتقال الناس ومصادرة الصحف ولكن من يستعمل هذه السلطة .. هذا ليس إصلاحا يذكر، هذا مجرد انسجام مع الدستور. وحتى تعيين الولاة الذي يحدث هو ضد الدستور، فهل هناك نظام لا ينفّذ حتى قوانينه ودستوره الذي صنعه بنفسه، هذا إصلاح في أضعف حالاته، وهذا مجرد تعهد بفك المعتقلين لعدد محدود جدا، وهل اعتقال فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني سيقوي الحكومة أم سيضعفها، فالرؤية السياسية الصحيحة غير موجودة في الحزب، وأعتقد أن المؤتمر الوطني هو أكثر حزب به احتجاج داخلي ضد قياداته الحالية، على الرغم من وجود احتجاجات داخل الأحزاب الأخرى. ولماذا لا يمكن للخط الإصلاحي أن يفعل شيئا؟ - شخصياً أريدك أن تلاحظي شيئا، أغلب القرارات المهمة لا تصدر عن المكتب القيادي للحزب ولا تصدر من مجلس الوزارء، كل القرارات يصرح بها الرئيس متى ما أراد، وأين ما أراد في مناسبات ليست لها صلة. وهكذا فإن الحزب لا يستطيع أن يخالف رئيس الجمهورية، فالأصل في الاستبداد يصنعه الناس وقال الله إن فرعون كان رب الاستبداد في سورة الزخرف ربنا سبحان وتعالي أراد أن يخبر أن المسؤول ليس فرعون وحده (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين)، فرعون استخف بقومه وهم أطاعوه وأنا أظن أن هذا يحدث في كل المجتمعات، قانون إلهي أن الاستبداد سببه هو القوم الذين يبذلون الطاعة مهما كان استبداد الحاكم والآن نحن في حكم مستبد. الحركة الوطنية للتغيير تقدم أفكاراً في الهواء دون أن يكون هناك تغيير على أرض الواقع.. لماذا لم تطرحوا رؤاكم هذه كحزب حتى يتم تنزيل الأفكار على أرض الواقع؟ - نحن ليست لدينا مقدرة لتكوين حزب (وما شاء الله في كم وثمانين حزب مسجل) أي إنسان يريد حزبا فعليه أن يدخل في أي حزب يريده، الحزب يحتاج قواعد جماهيرية معتبرة في كثير من ولايات السودان، ويحتاج لكوادر لها خبرة في السياسة لتسيير الحزب، وكذلك يحتاج تمويل، ونحن نفتقد للثلاثة، والعاقل هو من يمد أقدامه على قدر لحافه. أغلب الموجودين في الحركة الوطنية للتغيير وأنا أحدهم لا نريد الانضمام لأي حزب، وتجربتي في الحركة الإسلامية كرهتني في أي تنظيم سياسي وحتى لو قيل لي أصبح رئيس جمهورية في تنظيم سياسي فأنا لا أريد. نحن لا نريد أن نكون حزبا، وبالتالي نريد أن نسهم بأفكارنا ونمدها في الهواء يأخذها من يأخذها ويتركها من يتركها، فالتغيير بدءا يأتي بأفكار، حسن البنا مثلا عندما أسس الحركة الإسلامية سنة 1928 كانت ورقاً وتخطيطاً وأي أفكار جديدة بدأت كأفكار ولكن كم من الزمن تأخذه حتى تتعمق ويقبلها الناس وتتداول عند الناس قد تأخذ زمنا طويلاً ،ونحن واعون كي نكون مصدر أفكار ودراسات للناس، وفي وزارة العون الإنساني ووزارة الثقافة ووزارة الشئون الدينية هناك آلاف المنظمات المدنية وجميعها استطاعت أن تعمل في غير العمل السياسي، وأغلبها دورها توعوي، والبعض يعمل في الإغاثة والتنمية، وهناك من يشبهنا وهؤلاء أكثر فعالية من الأحزاب . د. الطيب هو الوحيد من القيادات التنفيذية للجبهة الإسلامية القومية الذي سجّل موقفا للتاريخ برفضه للانقلاب الذي دبرته الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989..البعض يعتبر سكوتك على إجهاض الوضع الدستوري خيانة؟ - لكل فرد فكره، لكن أنا لم يكن لي أي دخل بالتنظيمات الأمنية أو العسكرية للجبهة الإسلامية، فما كان لدي صلة بها ولا أعرف عنها شيئا ولكنني أعرف بأن هناك شغلا، وفي وقت سابق كان التفكير في الانقلابات موجود في كثير من الأحزاب، وأنت تعطي حماية لنفسك بالعمل العسكري، لكن عندما يجتمع مثلا مكتبنا التنفيذي ويقول إنه يفكر في عمل انقلاب ساردا أسبابه والتي كانت تمدد الحركة الشعبية واحتلالها ل80% من الجنوب وبدأت تغزو الشمال حتى وصلت للكرمك وقيسان وممكن أن تهدد الخرطوم، ثانيا الحكومة الموجودة ضعيفة، ثالثا يوجد حوالي ثلاث محاولات للانقلاب في الجيش وإذا أنتم لم تفعلوها فسيفعلها آخرون وستكونون لهم العدو الأول، بمعنى أن الانقلابات (جاية جاية) وحكومة الديمقراطية الثالثة تم حلها من قبل رئيس الوزراء خمس مرات رغم أن لديه أغلبية بالبرلمان، والغرب كان يمنع أي حركة إسلامية بأن تذهب للسلطة عن طريق ديمقراطي، هذه هي الأسباب التي ذكرت وأقواها أن هناك حركات للإنقلاب بالجيش، لكل هذه الأسباب أعتقد وقتها أن حججهم كانت قوية جدا، وأنا قلت إن الإنقلاب العسكري لا يأتي بنموذج إسلامي ولا أحد يستطيع تكذيب ذلك بمن فيهم الشيخ الترابي والذي كان يدافع عن الأمر، كما أنهم كانوا يتحدثون عن (حاجة) مؤقتة عمرها ثلاث سنوات ثم تعود الديمقراطية كما كانت، والاتفاق الأول (ما يقعدوا 25سنة) ولكنه أصبح كذلك. أنا أتحدث عن صمتك على انقلاب لإجهاض وضع دستوري؟ - (غاضبا) هل يعقل أن يذهب زيد من الناس ليبلغ البوليس بفحوى الاجتماع في أي مكان في الدنيا لا يمكنك فعل ذلك ما دمت منتميا لهذا الكيان، وهل يوجد حزب من الأحزاب إذا جلس عدد من الناس في اجتماع مثل هذا، هل يمكن للشخص أن يبلغ البوليس؟ هذا عمل الاستخبارات أو الحكومة نفسها، و كما يقال المجالس بالأمانات، وحتى الناس الذين ذهب إليهم عبدالخالق (مسكوه) ولم يبلغوا عنه، وأنا أرى أن الذي يبلغ عن مثل هذه الأشياء هو الخائن، ولو تكررت القصة مرة أخرى (ح أعمل كده)، فالذي يريد تسميتها خيانة فليسمها، ومن من الأحزاب لم يشترك في عمل انقلاب، وهذا كلام الناس المثاليين و(الفارغين)، ولكن هناك واقع اجتماعي لابد من احترامه. هناك أناس فقط يريدون (توسيخ) كل من لديه سمعة جيدة وهل هناك سياسي دون عيب، من يقول عنا كذلك فليرنا في السودان الشخص الذي ليس لديه عيب. المؤتمر الوطني تمنعه مصالحه من عمل حكومة انتقالية قبيل الانتخابات .. والأحزاب لا تثق في انتخابات تحت سيطرة المؤتمر الوطني ..كيف تكون المعادلة؟ - المعادلة أن الأحزاب ستقاطع، لذلك سياتون بأحزاب الموالاة ليعطوهم بعض المقاعد، وبالتالي سيقولون عملنا انتخابات واشترك بها 19 حزبا وبالتالي ستكون أحزابا ديكورية، مثل الموجودة الآن ولم تفعل شيئا، وليس لها أي دور. وعليه هذه الأحزاب لا قيمة لها، فالحكومة كم من المرات ذهبت لمحاورة الأحزاب المسلحة دون أن تشرك الأحزاب التي تشارك معها.