عندما دفعت رئاسة الجمهورية أول تعديلين للدستور إلى منضدة المجلس الوطني،قلنا أن التعديلات في الدستور لن تقف عند حد إلا بعد أن تفرغ الدستور من كل ما هو ديمقراطي فيه. وبالفعل صدق ما تنبأنا به عندما دفعت رئاسة الجمهورية بتعديلين آخرين خاصين بالقوات المسلحة والشرطة. وبهذا انفتح الباب للمزيد من التعديلات. فقدمت لجنة تعديل الدستور برئاسة بدرية سليمان التي ساهمت في وضع قوانين سبتمبر المشؤومة ثمانية عشر تعديلاً على رأسها تحويل جهاز الأمن والمخابرات إلى قوة نظامية. في واقع الأمر فإن التعديل يقنن ما هو ممارس أصلاً. فبينما ينص الدستور في المادة 151 على أن تكون خدمة جهاز الأمن الوطني خدمة مهنية وتركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية، تحول جهاز الأمن منذ عدة سنوات إلى قوة ضاربة تضاهي القوات المسلحة عدة وعتاداً، وتعتقل وتواجه المظاهرات السلمية التي تطالب بالعدالة والانصاف بقسوة ووحشية وبالرصاص الحي غير آبهة بأرواح المئات من الشهداء كما حدث في هبة سبتمبر 2013م، وتصادر الصحف وتفرض الرقابة القبلية والبعدية وتمنع قيام ندوات الأحزاب في الميادين العامة وغيرها من الممارسات التي تعتبر إنتهاكاً فظاً للدستور وتفريغة من أي محتوى ديمقراطي. هذه التعديلات التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات تعيين الولاة والقضاة وقادة الجيش والأمن والتصرف في عائدات الأراضي المستثمرة مع تحصين هذه الصلاحيات ضد المساءلة القانونية أوالمحاسبة أو الاستنكار تعني التكريس لسلطة الفرد الواحد وإبعاد الشعب عن المشاركة في أهم خصوصياته وحقوقه العادلة. إننا ندعو جماهير الشعب السوداني إلى اليقظة التامة والاستعداد لمواصلة نضالها ضد الهجمة الشرسة على كافة الحريات الديمقراطية تمهيداً للمزيد من التضييق على الشعب في احتياجاته المعيشية اليومية و النيل من المكاسب التي أحرزها بنضاله وتضحياته الجسيمة ،وتصعيد هذا النضال للإطاحة بهذا النظام الذي ما عاد العيش تحت ظله ممكناً.