لا شك أن مسائل تتعلق بالدين والحرب والحب، مازالت تفرض سطوتها على الكثير من القراء، فتشدهم عناوين تحمل أشياء من هذا المثلث المتخم بالتناقضات، التي تثير في القارئ عواطفه، وتجذبه إلى دائرة التشبع بتفضيلِ أعمالٍ تحملُ في صفحاتها ما يدور في هذه الأطر. من هنا كانت انطلاقة الكاتبة التونسية خولة حمدي بروايتها الأولى «في قلبي أنثى عبرية» دار كيان للنشر والتوزيع، التي تؤكد طبعتها السابعة ما أشرنا إليه حول أن هذا النوع من الروايات، يجذبك حتى تقتنيه لتتعرف على قصة العلاقة التي تصورها بين المسلم واليهودي، على النوح الذي يمكن أن تتخليه كلما قرأت مطلع قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش « بين ريتا وعيوني بندقية». تفاجئنا الكاتبة في التقديم لروايتها بأن القصة التي سنقرؤها حقيقة، ممسوحة بلمسة خيال كان لابد منها بحسب الكاتبة، لأجل تدارك الفراغات التي تملأ القصة كاملة أو لاستكمال أحداث تعذر معرفتها من أبطال الحدث الحقيقيين. بين جغرافيتين تتنقل الكاتبة بنا في أحداثها، فتنقسم بتطوراتها بين تونسولبنان، في الفترة الممتدة من أواسط تسعينيات القرن الماضي، حتى الأعوام الأولى من الألفية الجديدة. من جزيرة جربة « يهودية الطابع « في تونس، تبدأ معاناة مع الفتاة المسلمة الصغيرة «ريما»، التي قُدرَ لها أن تنشأ في كنفِ أسرة يهودية بعد وفاة أمها التي أوصت بها العم «جاكوب» ليرعاها ويحميها، بسبب تعلقها الزائد به، وبالفعل يكون جاكوب خير راعٍ للفتاة، رغم اختلاف الديانات التي لم تشكل عائقا أمام هذا الحب الأبوي، إلى أن كبرت ريما وصارت تتفكر في دينها الذي لم تنقطع عنه بسبب دروس الجامع، ما جعل استمرار بقائها في منزل الأسرة اليهودية صعبا، خصوصا أن «تانيا» زوجة جاكوب، بدأت تتذمر من تصرفات ريما المنحرفة عن العقيدة اليهودية، ليضطر الزوج لإرسال ريما إلى اخته «راشيل» في لبنان، مقصد الرواية الحقيقي. ففي قانا، البلدة التي ما زالت تمسح غبار المجرزة الإسرائيلية، نشأت أسرة جمعت فيها الديانة المسيحية واليهودية، بعد هجرة سونيا مع بناتها دانا وندى إلى لبنان، خوفا من زوجها المسلم الذي لاحقها من أجل بناته الصغيرات. يصاب «أحمد» أحد أبطال العمل الحقيقيين، فيلجأ به صديقه حسان بصدفة قل وقوعها، إلى منزل العائلة المسيحية اليهودية، لتستقبله ندى، وتخفيه في قبو منزلها وتدعو قريبها لمعالجته، فتنشأ بينهما قصة حب تنتهي بالخطوبة، بين شاب مسلم مقاوم، يقع في غرام فتاة عبرية، ويسعى لأن تسلم على يده فيبدأ بمحاولاته معها، وتساعده في ذلك ريما التي تصل إلى منزل ندى على نحو قدري غريب، ثم تموت بعد أن تتعرض لقصف إحدى الطائرات الإسرائيلية، لتبدأ رحلة الشك واليقين الخاصة بندى اليهودية. اختفاء أحمد مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوبلبنان، هو الحدث الأبزر الذي يؤثر في حياة ندى، التي تنطلق باحثة عن ذاتها الحقيقية فتغادر إلى فرنسا بعد حصولها على منحة دراسية، وهناك تبدأ بالتفكير بنفسها على نحو دراماتيكي، يوصلها لحالة من الهستيريا، تجعل استمرارها في فرنسا صعبا، لتعود إلى لبنان، حيث تعلن إسلامها. تطور الأحداث بعد ذلك يدخل القارئ في الشك، بين ما هو حقيقي وما هو من خيال الكاتبة، فالإسلام الذي «أتى بالجملة» على يهوديي القصة، يصيبك بحالة من الارتباك، خصوصا أن ظروف ذلك الإسلام لم تكن مقنعة، عندما يتعلق الأمر بسونيا والدة ندى، أو تانيا زوجة جاكوب، اللتين كانتا من أشد الرافضين للمسلمين في حياتهما، كما تقول أحداث الرواية، لكن ذلك يبرره شيء واحد هو أحقية الكاتبة في صناعة أبطالها، رغم ما يشكله هذا من الالتباس بين الحقيقي والوهمي في هذا النوع من الروايات التي توصف بالواقعية. وإذا كانت الكاتبة تريد في عملها، توصيف المجتمع «اليهودي العربي» المغلق على نفسه كما هو معروف، فإن الانفتاح الذي حصل مع نهاية الرواية، ينفي ذلك الأمر تماما، ويؤدي بنا لجانب غير حقيقي في مجتمعاتنا العربية خصوصا، حيث يصعب فيها بشكل كبير، إمكانية الانتقال من دين لآخر، لما له من أثر سلبي على الفرد المنتقل، تصل إلى حد هدر الدم في دياناتنا المتعددة. غلب على الرواية طابع السرد التقليدي الطويل، في محاولة من الكاتبة لوضع القارئ في أدق تفاصيل عملها، ورغم ذلك عانت الرواية من اقتضاب الأفكار في بعض جوانبها، خصوصا ما يتعلق في الطريقة التي أسلمت بها كل من تانيا وسونيا، ما يجعل الأمر وكأنه صدمة للقارئ الذي لم يكن ليتوقع إسلام شخوص كهذه نتيجة الخلفية التي تم تشكيلها عنهما في الصفحات الأولى. عموما فإن هذه الرواية المشوقة بأحداثها على نحو درامي عاطفي، يمكن أن تلقى رواجها عند الحالمين الباحثين عن مكملات عاطفية، تجعل كل شيء في إطار الممكن حصوله، في سبيل الوصول إلى الغاية الأسمى وهي الحب الذي تنتهي به القصة في رسالة ندى الأخيرة لحبيبها أحمد. «في قلبي أنثى عبرية» هي الرواية الأولى للكاتبة خولة حمدي، وصدر لها لاحقا «غربة الياسمين»، حيث تحاول أن يكون لها قدم في عالم الرواية العربية بعمليها القريبين للعاطفة التي تعد سمة الإنسان العربي المعاصر. صحافي سوري عبد السلام الشبلي القدس العربي