في وسط الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية طالعتنا وكالة الأنباء الفرنسية عن عزم السودان إرسال 5000 رأس من البقر إلى مصر لسد احتياجاتها من اللحوم ، وفي بادرة تتزامن مع زيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف إلى السودان. وهذا الموقف السوداني جاء نتيجة زيارة الرئيس عمر البشير إلى القاهرة عقب أحداث 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك. وفي ظل دبلوماسية اللحم الحيواني هناك من يخرج من فئة "الدلوماسي" كما يسميهم بعض السودانيين ويتهم أفراد الجالية السودانية في ليبيا بأنهم من فرق المرتزقة وبذلك باتوا هدفا للثوار الليبيين. أحد السودانيين الظرفاء علق على هذا الموضوع مستشهدا بقول الطيب صالح "رحمه الله":من أين أتى هؤلاء ؟ ساعتها غضبنا من قول الرجل الكبير! إلا أن الأيام أثبتت صحة حدس الرجل . فكيف بالله عليك يتسنى لبلد عريق في الدبلوماسية وفنها يشهد زوراً على بني جلدته بأنهم مرتزقة وقتلة ! أية دبلوماسية هذه ؟ يبدو أن من يقفون على رأس هذه الدبلوماسية لا يدركون أن شعوب الدول العربية ( الصديق منها والعدو) لا يميزون بين الجعلي والفوراوي، وبين الشايقي والنوباوي، وبين الكاهلي والبرقاوي فجميعهم عندهم سواء فنحن في نظرهم ( زول)." لا يمكن ان يمر هذا الخبر دون أن يتوقف المرء في محطة المقارنة مع الأوضاع في الدول العربية التي تشهد تحركات ثورية أشبه بالحرب الأهلية منها بالمظاهرات السلمية. ولعل ما شهدته البحرين مؤخرا من أحداث اختلطت فيها الآراء والأصوات حتى من داخل بعض الخليج . وبالرغم من النتيجة الأمنية التي تحققت بدخول قوات درع الجزيرة لحماية المؤسسات الوطنية البحرينية إلا ان هناك بعض الأصوات ادعت زورا وبهتانا أنها أتت لاحتلال البحرين واستخدمت العنف ضد المواطنين وغير ذلك من التزوير للحقائق . وما يزعج فعلًا من أن تلك الأصوات أتى بعضها بدشداشة هي اقرب للعمامة الصفوية . فعندما ترفع أعلام حزب الله الصفراء ويتغير عدد مثلثات علم البحرين الخمسة لتصبح اثني عشر مثلثاً فما هي الدلالة الرمزية لذلك؟ الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع هي الحقيقة التي نبعت من شعوب دول الخليج عندما تعرضت الكويت إلى غزو عراقي غاشم ظالم فأصبح أمنها هو أمن الجميع , ولم يعد هناك "زول" كويتي أو (زول) سعودي أو بحريني أو قطري أو إماراتي أو عُماني "كلنا أصبحنا من الكويت" . رسالة قيلت في التسعينيات وعادت بعد عقدين للتأكيد للجميع في البحرين بأن قوات درع الجزيرة هي خيار شعوب المنطقة . وفي جانب آخر, وبالرغم من إيماني بحق الشعوب في التعبير عن مطالبها ومشاركتها وعلى حرية الإعلام , إلا أن الأوضاع الأخيرة أظهرت على شاشات التلفزة العربية بعض الأحقاد والأمراض التي تصب زيت الحقد على نار الفتنة لتوقظ شيطان الطائفية. إنها عملية منظمة تستوجب توخي الحذر منها أو تصحيح طروحاتها بالمعلومات الدقيقة. ومن هذه المعلومات ما هو موقف دول الخليج من قوات درع الجزيرة ؟ والى متى لا تتم المتابعة الإعلامية من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لوسائل الإعلام والحديث معها مباشرة لتصحيح الصورة الذهنية؟ المشكلة أن تشويه صورة دول الخليج يأتي أحيانا من وسائل إعلامية خليجية في ظرف حساس يعرف الجميع فيه استهداف تلك الوحدة العربية الوحيدة وذات الثقل الاقتصادي والاستقرار السياسي. أرجو أن تتجه الأوضاع في عالمنا العربي إلى ساحة الحوار المثمر الذي يكفل الحريات ويحقق الآمال بدلا من دبلوماسية سد الجوع بالبقر أو التخوين، فالحرية "ثمرة نادرة تنبت على شجرة نادرة تدعى الفهم" كما يقول ميخائيل نعيمة.. الرياض