سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في بيوت الساسة: الصادق والترابي يمارسان الشورى داخل الأسرة والبشير لا يرفض النصيحة .. زوجة الخطيب ليست شيوعية ولكنها تتعاطف معهم .. برلمانات غير منتخبة
في مسيرة الصعود والهبوط الوطني تحتضن بعض البيوت آباء سياسيين بالمعنى البطريركي القديم، أو بالمعنى الآخر الذي يجعل لهذه البيوت أهميتها، لكونها تنبثق منها مصائر الناس عادة، ساعة أن يستيقظ الإمام الصادق المهدي أو الدكتور الترابي أو الرئيس البشير من نومهم دون بروتكولات وزحمة سكرتارية، هل يتصدق لهم أحد أفراد الأسرة بنصيحة تندرج في إطار النقد الذاتي ؟ وعندما يفرك أحدهم عينيه أو يعود في المساء مثقلا بأهوال البلاد هل ينتظره الأقربون على هيئة برلمان أسري لا يعرف المداهنة والبصم بالعشرة، برلمان غير منتخب ولكنه يصدع بالحق ويقتص للضعفاء؟ دون شوك إن لم يحدث ذلك فالرئيس البشير في البيت هو (عمر) بلا ألقاب كما أن دكتور الترابي سط الدفء العائلي هو (حسن) والحال بالنسبة الإمام الصادق مع بناته فهو الصادق إن لم يكن (أبي الحبيب)، وبالضرورة لا يمكنك أن تتخيل أن تطرق أذن السيد الميرغني من أحد أبناءه كلمة (مولانا) .!! حراك نوعي الساسة في بيوتهم المفتوحة أوالمغلقة، زعماء طوائف أو أحزاب عقدية أو ليبراليين كيف يتصرفون حيال ضغوطات الأسرة وحلقات التداول السياسي الخاص، فكرة الانتماء المغاير لبعضهم، الأبناء والزوجات والأشقاء، ويقاسمونهم القرار أو من ادخروا لأدوار ليس من بينها الانشغال بالسياسة والهم العام، كيف هي الكواليس _ على العموم_ تحت زرقة المشاهد تلك وفي بيوت أذن الله أن يكون فيها كل ذلك الحراك النوعي؟ بيت الشيخ في منزل عراب الإنقاذ وزعيم الإسلاميين الدكتور الترابي تكاد تتجانس الأصوات تماماً، بالرغم من أن سيدة المنزل وحرم الترابي وصال المهدي هى سليلة أسرة مهدية أنصارية، كما أن أبناء الصادق عبد الرحمن وبشرى ومريم ورباح والأخرين ينادنها ب(عمتي وصال) .. لكن وصال المخلصة لتاريخ أجدادها ما وجدت أيّما حرج في الانتماء إلى التيار الإسلامي وأصبح بيتها يضج بحلفاء الأمس خصوم اليوم، ومع ذلك مهدت الطريق أمام أولادها لينتموا إلى زمرة الإسلاميين، غير أن عصاما الابن الأكبر لم يبد انشغالا بالتوجه السياسي للأسرة في بادئ الأمر وألزمته استقلاليته بالهروب إلى هوايات الصيد والقنص والحفر في ذاكرة التراث السوداني، عصام الترابي قال ل(اليوم التالي) إنه ليس في مقام يمكنه من نصح والده ولكنه ينزع بأفكاره في اتجاهات مغايرة،وهو كثيراً ما يجنح إلى قول رأيه الذي يخالف رأي والده وبقية أخوانه، كما أنهم يتحاورون في الييت بمحبة شديدة والدكتور الترابي يسمع ويتجاوب ولا يمارس عليهم أي وصاية، عصام المفتون بحياة البادية قال أن الأسرة بعيدة عن العمل الحزبي ولكن الخلاف بين الحركة الإسلامية وحزب الأمة هنالك تباين حوله، كما هنالك نظرة للأشخاص، هو بخلاف أخوته أكثر حدة في تقييم الأشخاص ، وعاد ليثبت أن لكل شخص ميوله وطريقة تفكيره المستقلة داخل التيار الإسلامي، ونفس الحال ينطبق على حزب الأمة، عصام فجر مفاجأة عندما ذكر انه كان يكره الإنقاذيين في بادي الأمر ولم يتفق معهم وواجههم بقوة، وعندما تم تجنيده للحركة الإسلامية بوسطة عبد الرحمن عوض ما كان يعلم أن شيخ حسن هو المسؤول عنهم وقد كان في ذلك الوقت بالسجن، بعدها تمت دعوته لإلقاء محاضرة في مدرستهم ليفاجأ به يحاضرهم باسم الجبهة الإسلامية، وذهب عصام إلى أنهم يناصحون والدهم كثيرا، وكنا نقول له (فلان) فاسد و(فلان) مظلوم وقد توسطت السيدة وصال في كثير من القضايا منها قضية عبد العزيز خالد عندما تم سجنه فذهبنا ووالدتنا إلى شيخ حسن وتم إطلاق سراحه بعدها . دار أبو جلابية تتجلى الصورة بشكل وهاج في البيت الاتحادي، المراغنة في نطاقهم الضيق تتماهى العلاقة بينهم على طريقة الأسر الحاكمة، لا صوت يعلو فوق صوت الزعيم، زعيم الطريقة الختمية ورئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني الذي يبدو للكثيرين أنه منصرف عن التعاطي في الشأن السياسي لا تتسرب قبضته من تحت ثقوب عباءته الفضفاضة، أبدا .. أبناء الميرغني الذين يتم إعداد أحدهم لخلافة والده وهو على ما يبدو محمد الحسن الذي يصنع تحت نار هادئة، بدا في الأول كأنه منعتق عن سطوة والده، شديد التمرد ولكنه في النهاية عاد لينتظم داخل الجوقة الموسيقية بلا نشاذ، محاوراً النظام بإسم الوالد وكل شئ! جميع أبناء الميرغني وضعتهم تقاليد العائلة ومواريث الحزب في رأس الرمح الذي يتصدى للقرار السياسي مما جعل مناصحتهم تدخل في إطار النقد الذاتي الناعم وتدابير الشأن العام، وبالرغم من ذلك اختلفت اهتماماتهم ما بين المنشغل بالسياسة والبزنس، أو من هو مستعصم بالغربة، الدائرة الأسرية مغلقة تماماً، وهذا إن دل على شئ إن ما يدل على أن أسرة الميرغني بلا جدال هى الحزب والبرلمان والتنظيم والطائفة، وما يخرج من هنالك هو القرار النهائي . في بيت الرئيس نحن الآن في منزل الرئيس البشير أو بالأحرى تحت ظلال الأسرة الأكثر أهمية للكاميرات، حيث للأشياء هناك خصوصيتها ، هى ليست زيارة بالمعني الحرفي ولكنها اطلالة افتراضية، ثمة من يردد أن الأسرة كلها على قلب رجل واحد وغالبا ما يبادرون بالنصح والمشورة عندما يلتئم شملهم، الحاجة هدية صاحبة النصيب الاوفر في بذل النصح، وهى أم قبل كل شئ .. شقيق الرئيس اللواء طبيب عبد الله البشير ألمح في افادات سابقة إلى وجود ذلك النمط الشوري ولكنه نمط مثل ما هو موجود في كل مكان بحسب قوله، يتفكر في الشأن العام ولكنه لا يتدخل في أمور الحكم، عبد الله قال إنهم يتلاقون بصورة دورية واحياناً منقطعة، وفي الغالب يتركز جل الحديث هو مشاكل الناس، فضلاً على ذلك فهو يعتبر أن تلك الممارسة الشورية شيء طبيعي وأن العلاقة أكثر دفئا وترابطا، بينما شكل العلاقة البرلمانية غير متاح بالمرة، من ثم يعود ليؤكد أن هناك وضوحا وشفافية في النقاش تنحاز بصورة مباشرة للمواطنين كما أن الرئيس لا يرفض المناصحة وهم لا يتحرجون من القول له (هنا أخطأت)، وذهب عبد الله إلى أن الرئيس ليس عنده (فيتو) في البيت ويقبل أيما نصيحة من أي فرد، وخلص ايضاً إلى أن الأسرة على امتداداتها ليست كلها مؤتمر وطني أو حركة إسلامية وإنما تعج بالاتحاديين وحزب الأمة وأحياناً اليساريين مثل بقية الأسر، لافتاً إلى إن الوالد كان اتحاديا ختميا ولم يلزمهم ليصبحوا مثله ختمية ولم يمنعهم من الانتماء إلى التيار الإسلامي . (قروب) أنصاري في منزل رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار الإمام الصادق المهدي المعروش بعبق التاريخ تبدو الصورة مختلفة بعض الشيء تتمازج فيها وطأة التقاليد بالانفتاح، أبناء الإمام وبناته فيهم من ينتمي إلى القوات المسلحة وفيهم من هو غير حزب أمة بالمرة، أو من تزوجت من شخص خارج إطار الأسرة وربما ينتمي إلى تيار في عداد الخصوم، كما انه هناك اتجاه مشدد من الإمام بعدم فرض وصاية سياسية من داخل البيت، بحسب أفادة رباح الصادق، اللقاءت هنالك تكون في صورتها الاجتماعية ويتم تداول القضايا دون إبداء أيما توصية، رباح تشير إلى أن هناك جمعية عمومية فيها كل أسرة الإمام تجتمع لمناقشة بعض القضايا، لكن هنالك من يعتقد، بل ويرجح من خلال الشواهد أن الأسرة تمارس هيمنة وأضحة على الحزب وتتخذ القرارات عوضاً عنه في بعض الأحيان، وهو رأي يثار على نحو كبير، خصوصاً عقب اختيار دكتورة مريم نائب لرئيس حزب الأمة، أسرة الصادق لماماً ما تلتقي بوالدهم، يحدث ذلك في العادة بمبادرة منه مثل أن تتم عبر سكرتيره الخاص محمد زكي أوعبر الشقيقة الكبرى أم سلمة لشرب الشاي ومناقشة قضية اجتماعية، سيما وأن بعض أفراد الأسرة لا يقطنون معه في البيت عدا ثلاثة منهم ن من بينهم رباح ، كان ذلك في الماضي، الأن يتعذر اللقاء بسبب الغياب القسري للصادق المهدي بالضرورة، فلا بد أنهم يشتاقون إليه ولا بد أن الصادق يحن إلى وثرثرة (العريشة) .. تلك اللقاءات أضحت أسفيرية بسبب النقلة التنكلوجية الهائلة، والأن هنالك قروب في (الواتسب) يجمع شمل الأسرة ولا يشعرون بسببه بإنقطاع الوصل، والصور، صور الأحفاد والحكايات والسياسة حاضرة بإستمرار. لا حجر ولا وصاية من المهم الإشارة إلى أن الإمام لم يحجر على شخص اعتقادا سياسيا، وحتى لم يرفض تزويج واحدة من الأسرة من شخص ينتمي إلى تيار آخر وإنما كان هو بالذات من أشد المتحمسين لزواج وصال بالترابي وغيرها، ذلك ما أكدته رباح، ووقائع التاريخ التي لم تمحى، بجانب ذلك فغالب البنات تزوجن من خارج المنظومة، وفي ما يتعلق بخطوبة الصادق المهدي الأولى فالصادق المهدي _كما هو معروف_ تقدم في بواكير شبابه لخطبة ابنة الراحل الدكتور التجاني الماحي وقد كان التجاني (ناصريا) ساعتها ولكن الأقدار شاءت أن لا يتزوجها، ولا حتى انتماء والدها حال دون (طرق الباب) ابتداءاً . ليس بعيد عن ذلك صعود محمد مختار الخطيب سكرتيراً للحزب الشيوعي عقب رحيل نقد، وإن كان الحال بالنسبة للشيوعيين هو الرفقة المامونة، والحرية الكاملة في التعاطي السياسي، فإن الخطيب المهندس الزراعي يبدو لطيفاً مع ابناه الخمسة، لا يحجر على احد منهم، تختلف اهتماماتهم وتصوراتهم للأشياء، ولربما يكون لدى البعض رأي في تقديرات الوالد يجهر به دون شك، هو أب بالعراقي والسروال الطويل قبل ان يكون سكرتير بكارفتة لأعرق الأحزاب الافريقية، لتكتسب الإشتراكية معناها الأشمل هنالك ، ومع ذلك الخطيب كما قال في أحد الحوارات الصحفية فهو يسلح بناته بالوعي واحترام الاخر والثقة في النفس، له إبن واحد هو مختار وأربع بنات احداهن بالولايات المتحدةالأمريكية، وبالنسبة لإنتماءتهم السياسية فهو لا يتدخل في صياغة شخصياتهم _ على حد وصفه_ بل هم أحرار فيما يعتقدون، قطاً من بينهم شيوعيين، لكن الزوجة وهى معلمة وربة منزل عادية فهى ليست شيوعية، يلزمها فقط بعض التعاطف مع الشيوعيينن ولا تبخل، وبالضرورة لا تبخل بالنصح لزوجها . هموم الناس غيض من فيض يتناثر هنا وهناك، في كل الطوائف والبيوتات السياسية، فالتمنع عن الخوض في الممارسة السياسية أو حتى التعليق عليها جعل بعض أبناء الأسر يرفضون التعليق والحديث للصحيفة حول ما يجري بالداخل، وموقع الهموم المتناثرة للأسرة السودانية من الإعراب، هنال بالداخل .. أسطوانة الغاز، الخبز العاري المعدوم، أرتفاع أسعار السلع، فاتورة الكهرباء والمياه، الحب والزواج والهجرة .. فما يجري هنالك لا أحد يعرف عنه كثير شئ، ولا أحد يعلم كؤوس المواضيع التي تدور رحاها في جلسات الانس، وإذ ما كانوا يشعرون بمعاناة الأخرين، ريثما تتخلق تلك البرلمانات الصغيرة المنحازة للضعفاء ومن هم بلا سند في مواجهة عواصف السياسة وتغولاتها . اليوم التالي