شكل اغتيال الشهيد الدكتور خليل إبراهيم هزة للضمير الشعبي السوداني، فالحكومة ترسل فرق الاغتيال لمواطنيها وتستهدفهم بدون التزام بقوانين الحرب الدولية ، وتمنع أسرة مكلومة من تلقي العزاء في فقيدها فترسل عناصر الشرطة والأمن لتداهم المعزين وتطلق الذخيرة الحية تحذيرا وتصيبهم بالرصاص المطاطي وترمي تجمع المعزيات بقنابل الغاز السام الخانق للأنفاس قبل أن يسيل الدموع.. (حريات) ذهبت إلى دار الشهيد بضاحية عد حسين جنوبالخرطوم لتنقل لقرائها بعض مشاهد العزاء. الأسرة والمعزون صابرون يلفهم إيمان قوي بعدالة القضية التي استشهد لأجلها الدكتور خليل، وتصميم عارم بالاقتصاص وإعادة ميزان العدل في البلاد. كان أبناء الدكتور خليل قد ذهبوا للمستشفى لتفقد الذين أصيبوا في أحداث يوم الأحد، اليوم الأول للعزاء حيث أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي على المعزين وأصيب البعض جراء الهجوم وألقيت 15 قنبلة غاز داخل حوش البيت. أما البنات آلاء وإيثار وإيلاف فقد كن صابرات محتسبات يحمدن الله علنا ويدعينه أن يتقبل والدهن شهيدا. السيدة زينات علي يوسف زوجة الشهيد الدكتور خليل ظهرت نخلة باسقة صامدة أمام الحدث الجلل، وتسمعها تردد باستمرار: الله أكبر.. الله أكبر على كل من طغى وتجبر، كل من عليها فان ، فإذا حادثت في الهاتف الذي لم يصمت لحظة كانت تقول: الله الله وترددها، وإذا احتضنتها إحدى النائحات الباكيات كانت تضمها قائلة: سنبكي يوم القصاص. إذا جلست إليها سمعت بأخبار اتصالات الناس في معسكرات النازحين، فهذا مندوب عن معسكر كلمة بجنوب دارفور يقول لها إن المعسكر كله يبلغ الأسرة العزاء وكلنا معكم، وهذا مندوب معسكر أبو شوك في شمال دارفور، وذلك مندوب معسكر آخر، كل أهالي المعسكرات تقريبا اتصلوا معزين ومتضامنين. السيدة زينات خريجة جامعة أم درمان الإسلامية بينما الدكتور خليل خريج كلية الطب بجامعة الجزيرة، التقيا في التنظيم الواحد وتزوجته وهي من قرية ود ربيعة بالجزيرة الخضراء ، وآمنت بعدالة قضية التهميش في السودان. وردا على حديث أن كل الناس في السودان مهمشين قالت زينات: صحيح ولكن التهميش درجات، هنالك من تهميشهم في غياب خدمات الصحة والتعليم، ومن تهميشهم يبدأ في البحث عن حقهم في الجنسية ينكرون عليهم الانتماء للسودان! تجد في مجلسها كثيرات من صديقاتها ورفيقات الهم، ففي عد حسين عدد من أسر حملة السلاح، كما فيها عدد من ضباط جهاز الأمن، يحاولون أن يحصوا عليهم أنفاسهم. وإذا سألت كيف تعيش أسرة دكتور خليل عرفت كيف يعاقب النظام الغادر أبناءه وبناته في كل خطوة يخطونها حتى في نتائج دراساتهم الجامعية. عزت السيدة وصال المهدي وبنتيها سلمى وأسماء الترابي في اليوم الأول ، وقد ذكرنا في (حريات) تفاصيل ما حدث برواية سلمى الترابي، ووجدت (حريات) في اليوم الثاني للعزاء بعض القياديات من القوى السياسية منهن الأستاذة سارة نقد الله والدكتورة مريم الصادق المهدي ورباح الصادق والأستاذة هالة عبد الحليم . وتتابع المعزين من قادة القوى السياسية ففي اليوم الثاني للعزاء ذهب الدكتور حسن الترابي مع وفد كبير من المؤتمر الشعبي، وفي اليوم الثالث ذهب الإمام الصادق المهدي مع وفد من حزب الأمة القومي. أما السياسيون من دارفور فتجدهم مقيمين في العزاء على الدوام كالأستاذ بارود صندل المحامي . وعلمت (حريات) إنه في اليوم الأول للعزاء اغلقت كل الكباري والطرق المؤدية إلى أحياء المهمشين التي يسمونها ب(حزام الخرطوم الأسود!)، فأغلق الطريق من أمبدة وأرجعت فيه كل العربات المتجهة للخرطوم والتي تحمل أعدادا من المتوقع ذهابهم للعزاء، نفس الشيء حدث مع الطريق من مايو، ومن الحاج يوسف، وكلها من إجراءات النظام لمنع العزاء في الشهيد الدكتور خليل الذي صار علما لقضية التغيير في السودان بشكل عام وللمهمشين بشكل خاص. وإذا خرجت من بيت العزاء وجدت أن عربات الشرطة موزعة في الطرق المؤدية للبيت تقف بجنودها المدججين، ووجدت حضورا لافتا لعناصر الأمن لا تخطئهم برغم ملابسهم المدنية. ويمكن للنظام أن يقمع الغضب بإجراءاته المتشددة ولكن يقينا فإن اغتيال الدكتور خليل حدث له ما وراءه، ولن تنتهي القضية بمراسم الدفن.