عقب مُمُانعة مصرية طويلة، وبحسب ما حَمَلته الأنباء الداخلية والخارجية، أعلن وزير الخارجية السوداني عن اعتزام كلٌ من البشير والرئيس المصري ورئيس وزراء إثيوبيا، توقيع وثيقة اتفاقية سد النهضة الإثيوبي في مدينة الخرطوم يوم 23 مارس الجاري، وذلك عقب ال(توافُق) على (بنود) الاتفاقية و(كيفية) ال(استفادة) من هذا السد للدول الثلاث (دون توضيح هذه البنود أو الإفصاح عنها)!! مما يُثير الكثير من الاستفهامات والتساؤُلات المنطقية بشأن (مُوافقة) مصر التي (مُانَعَتْ) كثيراً قيام هذا السد، منذ أيام مبارك مروراً بمُرسي وانتهاءً بالسيسي، للتخوُّفات الكبيرة منه (وهم مُحقُّون) في مخاوفهم، انطلاقاً من الآثار ال(كارثية) لقيام هذا السد على أكثر من صعيد، سواء كان سياسياً (أمنياً) أو اقتصادياً أو بيئياً وغيرها. المُتابع للمُتأسلمين وكوارثهم منذ استحواذهم على السلطة في السودان عام 1989 بصفةٍ عامَّة، ولمسيرة البشير بصفةٍ خاصَّة، يلحظ – وبوضوح – اتسامهم بصفات الغدر والخيانة والكذب والتنازُل عن كل ما هو غالي، في سبيل مصلحة (آنية) أو هدف (مرحلي) تحت حُجَّة (فقه الضرورة)! وبمعنىً آخر، تغيير الجلد وفق (الحالة)، وهو ما كتبنا عنه كثيرا، وأفردنا له مساحات خاصَّة لكل صفة من الصفات المذمومة أعلاه. فعلى الصعيد العام نجد آخر (أكاذيب) و(خيبات) البشير وجماعته، حينما تنازَلوا (مُؤخَّراً) عن مشروعهم ال(حضاري) وانتمائهم للفكر الإسلاموي العالمي، في ضوء تصريحاتهم في أكثر من مناسبة، وقبلها حربهم التي أدخلوا فيها السودان وأهله بالجنوب باعتبارها جهاداً (مُقدَّساً)، ثم تنازلوا عن هذه ال(قُدسية) بل وتبرَّأوا من (مُنتسبيهم) الذين فقدوا أرواحهم هناك! ودونكم أيضاً ما جرى عقب تمثيليتهم المُسمَّاة مُفاصلة، وما أعقبها من تلاسُنات بين كبيرهم الذي عَلَّمَهم الفجور و(تلاميذه) الذين فاقوه (فجوراً)، وما لبثوا أنْ عادوا (يُغَطْغِطُون) على بعضهم البعض في مشهدٍ درامي، يعكس بوضوح انحدارهم و(انحطاطهم) وابتعادهم عن كل القيم والمُثُل! وفي ما يخص تنازُلات (انبراشات) البشير لمصر بصفةٍ خاصَّة، نجدها امتدت منذ أيَّام مُبارك، عقب اتهامه لهم بتدبير قتله في أديس أبابا، وهي – أي تنازُلات البشير وصحبه لمصر – تعدَّدت وتنوَّعت، بدايةً بمُثلث حلايب وشلاتين الذي تركوه لمصر منذ تسعينات القرن الماضي، وتمادوا أكثر واحتلوا أجزاءً واسعة من أراضي الشمال (جهة وادي حلفا) بما يتجاوز ال17 كيلو متر داخل أراضي السودان! مروراً بمنحته المنهوبة من حقوق ودماء السودان مُمثَّلة في خمسة آلاف رأس من الماشية كهدية لأخوان ال(أمس) عقب اقتلاع مبارك، ثم السيارات المُهداة لفريق كرة القدم المصري وما استصحبه من ميداليات (ذهبية) وأوسمة، انتهاءً بالمحاصيل الزراعية السودانية (سمسم، قطن، زهرة شمس...) ومزرعة خاصَّة ل(مُرسي) وأرض الجيلي وما خُفي أعظم..! لعلَّكم جميعاً (شهدتم) ما جرى له من مهازل أخيرة في مُؤتمر شرم الشيخ المُقام (أي المُؤتمر) أساساً لدعم الاقتصاد المصري (حصراً)، ومع هذا ذهب البشير (مُتسوِّلاً) و(مُستجدياً) بنحوٍ يترفَّع عنه (الحلُّوف) ناهيك البشر! ورغم ما وجده من استهزاءٍ واستخفافٍ رسمي على مُستوى القادة بمن فيهم المصري نفسه، أو على مُستوى الإعلام المرئي والمقروء، إلا أنَّه واصل تنازُلاته المُخجلة على حساب السودان وأهله! حينما أعرب عن (إيمانه) بأهمِّية قوة مصر (المُحتلَّة) للسودان لمكانتها ال(ريادية) فى العالم، مُثنياً على رئيسها الذي استفزَّاه وأجبره على عدم فتح ملف مثلث حلايب وغيرها من المناطق المُحتلَّة! وتمادى أكثر في انحطاطه – أي البشير – حينما عَرَضَ المزيد من مقدرات السودان لتلتهمها مصر وغيرها من الدول، دون أن يندي (جبينه) ال(مُنكسر) أو يرفع رأسه ال(مُنتكس)! وجميع هذه التنازُلات على حساب السودان وأهله، وتُؤكِّد – بما لا يدع مجالاً لأدنى شك – أنَّ مصر وعلى اختلاف أنظمتها تنظر فقط لمصالحها الخاصَّة، وتطمع في السودان وأهله ومقدراته، بل وتستخسره (أي السودان وموارده) علينا، ويسخرون – ليس منا – وإنَّما من البشير نفسه ومع هذا لا يتَّعظ ولا يفهم، فهمُّه الأوَّل هو البقاء في السلطة ولو تنازل عن (ثدي مُرضعته) كما ذكر المُقرَّبون منه وصدَّقته أفعاله ال(مأفونة) في حق البلد وأهله! الجديد في الأمر يا أهل السودان، أنَّ التنازُلات السابقة جميعها بلا استثناء (سهلة) التعويض، فالثروة الحيوانية أو المالية يُمكن تعويضها، والأماكن المُحتلَّة (ستخرج) منها مصر (صاغرة) عقب اقتلاع هذا ال(خائب) ال(مأفون) هو وجماعته، ولكن قيام سد كالنهضة بما يُشكِّله من مُهدَّداتٍ كبيرةٍ جداً على حاضر السودان ومُستقبله، يصعب تلافيها ومُعالجتها مهما حدث! وترتفع المخاوف أكثر، في ظل الغموض الذي يكتنف مضامين وبنود هذه الاتفاقية وشروطها، عقب مُمانعات مصر السابقة التي بدأنا بها هذا المقال، وإصرار أثيوبيا السابق أيضاً على (عدم) التنازل عن بناء السد، ثم فجأة تأتي مُوافقة الطرفين بلا (مُقدمات)! والمنطق يقولان بغير هذا، باعتبارها اتفاقية (مفصيلة) وجوهرية، ولا نبالغ إذا وصفناها بالأخطر من اتفاقية (عنتيبي) الأم، لكون أنَّ هذا السد يأتي في ظروف بالغة التعقيد، سواء كانت طبيعية كالتغيُّرات المناخية وانحسار كميات المياه السطحية (أنهار أو أمطار) وتلوُّث المخزون الجوفي وزيادة استخدامات الدول المُستفيدة من المياه، بل والمُهددات التي تعتري سلامة السد نفسه، وما يُمكن أن يحدث للسودان بصفةٍ خاصَّة! بخلاف الاعتبارات السياسية كزيادة الدول المُستفيدة من النيل (دولة الجنوب) وغيرها، وهي في المُحصِّلة تجعل المُوافقة على قيام مثل هذا السد أمر بالغ الحساسية، ويرتقي لمُستوى استفتاء الشعب على شروطه، كوننا نحن وأبنائنا من سيدفع الثمن وليس البشير ال(مُنبرش) وجماعته ال(مُغامرة)! والناظر لما رَشَح من أنباء بشأن الاتفاقية، يرتاب أكثر سواء من منطلق ما عرفناه عن البشير من مواقف (مُخزية) استعرضنا بعضها أعلاه، أو من منطلق مواقف الطرفين الآخرين، أو ما نشرته بعض المواقع عن (بعض) ملامح و(شروط) هذه الاتفاقية. فكل ما صدر عن رئيس الوزراء الإثيوبى هو إعرابه عن ارتياحه لنجاح الوفود التفاوضية فى التوصل إلى (اتفاق) حول إجراءات بناء الثقة حول مشروع سد النهضة، والذى يتضمن (مبادئ حاكمة) بين الدول الثلاث و(ضمانات) تحافظ على (مصالحها)، وكيفية تحقيق المكاسب المشتركة! في ما أكَّد الرئيس المصري على أنَّ ال(مبادئ) التى تم الاتفاق عليها تعد (سابقة إيجابية) تسهم فى تعزيز التعاون وآليات التنسيق بشأن (استخدامات مياه النيل)، وتعزز ال(تكامل) وال(اندماج) بين كل من إثيوبيا والسودان ومصر! وأمَّا البشير، فمواقفه معلومة لكم بالضرورة، واستعرضنا بعضاً منها أعلاه وجميعها مُخزية كما أسلفنا، يبقى فقط ما (رَشَحَ) من أنباء بشأن حقيقة (تغيُّر) الموقف المصري تجاه السد، نتيجة لما قدَّمه البشير على (حساب) السودان وأهله ل(استرضاء) مصر التي تحتل حلايب وغيرها، و(خوفاً) من أثيوبيا التي تحتل الفشقة وتطمعُ في المزيد! فقد نُشِرَ في عددٍ من المواقع أنَّ مصر ستحافظ على حصتها المائية (كاملةً) خصماً على (نصيب) ال(سودان)، حيث ستلتزم الدول المُوقِّعة على اتفاق 23 مارس الجاري بالمُحافظة على (نصيب مصر) من مياه النيل، على حساب الحلقة الأضعف بين الدول الثلاث وهو (سودان البشير) و(علي كرتي) وجماعتهما المُغامرة! دون مُراعاةٍ للشعب السوداني ومُستقبل أبنائه، ولعلَّ ما يُعزِّز – بل يُؤكد – صحَّة هذا الأمر ما أوردناه بشأن ما نشره بعض الموقع كما ذكرنا وما سبقه من استعراض (بعض) مواقف البشير المأفونة وجماعته! الحقيقة أمامكم الآن مُجرَّدة يا شعب السودان، وكما أوضحنا أعلاه، هذه الاتفاقية ستُشكِّل عائقاً حقيقياً أمام نهضة السودان إذا ما قُدر للسد القيام وعدم الانهيار، وستكون سبباً في زوال السودان إذا ما انهار كما تشير بعض الفرضيات، وفي كلتا الحالتين، سيستحيل تعديلها أو تغييرها عقب التوقيع، حتَّى لو تم اقتلاع البشير ال(خائن) وجماعته المُغامرة، ودونكم مواقف مصر وصلابتها في الاتفاقية الأم (عنتيبي) ومطامعها في السودان، مما يُحتِّم على كل السودانيين الوقوف في وجه هذه الجريمة التاريخية التي تفوق (بكثير) ما اقترفته الجماعة الإسلاموية في السودان، وهو مهرٌ غالي ونفيس كونه لا يقتصر على حاضرنا المأزوم أنما يمتد ليشمل مستقبل أجيالنا القادمة! عليكم جميعاً مُناهضة هذه الكارثة بما في ذلك (اعتراض) توقيع الاتفاقية المشؤومة يوم الثالث والعشرين من مارس، إلا بعد معرفة تفاصيلها ومضامينها، بل والحيلولة دون استقبال كلٍ من الرئيسين المصري والأثيوبي، فأنتم تدافعون عن حقوقكم وتضمنون مُستقبلكم ومُستقبل أبنائكم، كما يسعون هم (المصريون والأثيوبيون)، وهو حقٌ مكفولٌ لكم. فسياسة ال(غَطْغَطَة) وال(مَحْرَقَة) لن تنفعكم عقب وقوع الفأس في الرأس، وليخرج كل السودانيين في مظاهرات عارمة ليحيلوا دون هذا الأمر، فمن واقع ما استعرضناه أعلاه باختصار، الخطر آتٍ آت ولا مجال لتلافيه، فقد فاقت جرائم البشير وجماعته كل حدود المقبول والمعقول ولن تتوقف إلا إذا بادر الشعب بإيقافها عبر اقتلاعه هو ومن معه.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد. [email protected]