أكد الخبير الإعلامي البروفيسور علي محمد شمو أن الإذاعة السودانية نشأت في ظروف مهمة على مستوى العالم، وهي حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي. وأضاف أن تلك الحقبة شهدت أحداثاً تاريخية على الصعيدين المحلي والدولي، وفي كافة الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية، من بينها الحراك الوطني الثقافي الذي أدى بدوره إلى قيام مؤتمر الخريجين، وكذلك الصراع العالمي بين دول المحور والحلفاء واستخدام وسائل وتقنيات مختلفة لتأجيج الصراع لعبت فيه الإذاعات دوراً كبيراً. نشأة الإذاعة وقال شمو في ندوة (دور الإذاعة في تشكيل الوجدان القومي) بمنتدى دال الثقافي، التي صاحبها تقديم عدد من أغنيات الحقيبة قدمها الفنان جمال النحاس قال إنه في هذا الجو الخانق بالصراعات نشأت الإذاعة السودانية، وتطرق شمو في هذا الصدد إلى مجموعة من المحاور والمحطات، وركز على محور دور الإذاعة أو الراديو ووظيفته في تلك الحقبة، وأضاف أن الاهتمام بالإذاعات الناطقة باللغة العربية في الدول العربية أمراً بات في غاية الأهمية من الدول المستعمرة، وذلك لخدمة أغراضها أولاً وكشف أن أول من أعطى فكرة تأسيس إذاعة عربية هو يونس بحري رجل عراقي الجنسية ووصفه شمو بالرجل الخطير، وأوضح أن هيئة الإذاعة البريطانية أنشأت إذاعة تقدم خدمات باللغة العربية رداً على إذاعة صوت برلين الناطقة بالعربية، وفي السودان قدم مقترحاً بإنشاء إذاعة في العام 1939م من قبل وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات البريطانية، مشيراً بأن السودان كان يشكل أهمية كبرى في الخارطة الدولية، وذلك من خلال تمتعه بثقافات متنوعة وتراث شعبي غزير جداً لافتاً إلى أن الغرض من إنشاء إذاعة أم درمان هو الاستقطاب. وأكد أن العام 1942م بدأ راديو أم درمان في بث برامجه من البوسطة أم درمان بتمويل من الجهات صاحبة المقترح. توصيف المهام وقال إن الراديو بدأ ب(ربع ساعة) تبث كل (15) يوماً بغرض معرفة أصداء ومدى قبول الناس في السودان لهذا الحدث الجديد. وأضاف أن السكرتير الإداري كان مناطاً به إدارة الجانب السياسي المتعلق بنشرات الأخبار وخلافه، وكذلك مصلحة البريد والبرق مناط بها إدارة الجانب الفني بينما تولى حسين طه منصب أول مدير للإذاعة وجاء بعده متولي عيد. ثم تطرق بروفيسور علي شمو إلى مرحلة النضال الوطني في تلك الحقبة، مشيراً إلى نضال العمال في مدينة عطبرة وتكوين الأحزاب السياسية ممثلة في حركات الإخوان المسلمين وحركات اليسار ومؤتمر الخريجين، وكذلك ازدياد حالة الوعي من خلال انفتاح السودانيين إلى الاستماع إلى الإذاعة الخارجية. وأشار إلى الإشراقات العظيمة من خلال التعاون والاتفاق الذي تم بين راديو أم درمان وهيئة الإذاعة البريطانية الذي بدوره قاد إلى تدريب عدد من الكوادر الإعلامية السودانية في بريطانية، من بينهم متولي عيد وصلاح أحمد محمد صالح والخانجي وآخرون، مؤكداً أن الإذاعة السودانية تقدمت على الكثير من الإذاعات الأخرى في المنطقة العربية، فتم تحويلها من البوسطة إلى منزل حسن الطيب هاشم ومد فترة الإرسال اليومي. نقطة انطلاق وأبان أنه بهذا التطور انفتحت الإذاعة ومثلت نقطة الانطلاق الأولى للشعراء والفنانين، فظهر الفنانون عبد الحميد يوسف، وحسن عطية والكاشف وأبوداؤود ثم إبراهيم عوض ووردي وغيرهم، ثم تطرق البروفيسور علي شمو إلى النقلة الأخرى من خلال التسجيل على الأسطوانات والأشرطة، إضافة إلى النقلة التي حدثت على مستوى تطور البرامج، مشيراً إلى برنامج ربوع السودان الذي ابتدعه المذيع محمد الخير عثمان وبث أول مرة مسلسل درامي من (30) حلقة في العام 1956م. وخلص علي شمو في ختام حديثه إلى إلقاء الضوء على برنامج حقيبة الفن وبداياته الأولى والنقلة التي صاحبته من الغناء بالرق إلى الغناء بالأوركسترا على يد صلاح أحمد محمد صالح. وختم بأن الإذاعة إلى جانب نشرها حالة الوعي عند السودانيين هي أيضاً استطاعت الحفاظ على تراث هذه الأمة بقدر كبير جداً اليوم التالي