في غمرة الفرح بتزييف الانتخابات خرج الرئيس بكذبة جديدة يعد فيها بتكوين مفوضية للفساد ،كما وعد بأن يكون قانونها هو أول عمل يقوم به البرلمان الجديد !!! أليس حول هذا الرئيس مستشارون أُولو بقية ينهونه عن ترديد الكذب ؟ أليس فيهم رجلٌ رشيد يذكره بآلية مكافحة الفساد التي ماتت بعد عام واحد من تكوينها وذاب رئيسها الدكتور أبو قناية كذرة ملح في خضم بحر الفساد الهائل ؟ هل يعقل أن يُؤتى بالرجل من موقعه كوكيل أول بوزارة المالية في فبراير 2011 ويُوعَدُ بتكليفه بمهام جديدة لدى الرئاسة ، وتخرج صحف الغد مبشرةً بأنه سيتم تعيينه أميناً عاماً لمفوضية مكافحة الفساد التي سيتم تشكيلها قريباً ، ثم يظل الرجل قابعاً في القصر بلا مهام لما يقرب من العام حتى يناير من عام 2012 ، حيث أصدر الرئيس قراراً بإنشاء آلية وليس مفوضية لمكافحة الفساد بلا قانون يحكمها ، وتم تحديد مسئوليتها في التنسيق بين رئاسة الجمهورية والجهات المختصة بوزارة العدل والمجلس الوطني لاستكمال المعلومات وإعداد التقارير ؟ ظهر الدكتور الطيب أبو قناية لوسائل الإعلام بعد أكثر من شهر من تعيينه في صالون سيد أحمد خليفة وكشف عن وجود خمس ملفات لقضايا فساد وُضعت أمام الرئيس لكنه لم يكشف أي تفاصيل حول الجهات المتورطة فيها ، وشدد على عدم وجود خط أحمر يمنع محاسبة المفسدين لكنه اعترف بالتعقيد الشديد الذي يحيط بإجراءات رفع الحصانة ، ووصف قضايا الفساد بأنّ بها عشرات المطبات ، وأنها معقدة ومتشابكة ، وأنّ مرتكبيها يخفون كل المعالم ، وأن غسيل الأموال من أكبر معاقل الفساد ، وأنّ بعض المسئولين تعدوا على أصول الدولة وحولوها بأسمائهم !!! كما أكد على ضمان الحماية لكل من يتقدم بشكوى ، ويبدو أن ذلك هو ما شجع النقيب شرطة أبوزيد علي عبد الله ودفعه لتقديم ملفات الفساد بالشرطة للرئيس يحدوه الأمل وتملؤه الثقة في آلية مكافحة الفساد ، فإذا به يجد نفسه محكوماً عليه بالسجن أربعة أعوام بواسطة محاكم الشرطة غير الدستورية والغرامة خمسة ملايين بتهمة إشانة سمعة الشرطة ، وعندما برأته المحكمة الدستورية وحكمت ببطلان محاكم الشرطة وعدم دستوريتها ، تصدى الرئيس شخصياً للمحكمة الدستورية وأقال رئيسها وطالب البرلمان بإجراء تعديلات دستورية تجيز تكوين محاكم للشرطة أسوةً بالجيش !!! ولم يقف عند هذا الحد بل نصب نفسه خصماً لنقيب الشرطة وطالب بإعادة محاكمته !!! ولقد أراد الرئيس بفعله هذا أن يثبت لأهل السودان جميعاً أن كل من يتقدم بإتهامات بالفساد سيكون مصيره مصير النقيب أبو زيد !!! ومن يومها عرف أهل السودان أنّ الرئيس هو الذي يعيق مجرى العدالة وأنّه هو و أسرته يشكلون بؤرة الفساد ومكبَّها الآسن ولن تنجح محاكمة أي مفسد قبل نزع الحصانة من الرئيس وتقديمه كأول فاسد. كان الدكتور أبو قناية يدافع في صالون سيد أحمد خليفة عن أنّ الآلية ليست جهازاً للرصد فقط وليست مناورة حكومية وأنّ الدولة جادة في مكافحة الفساد ، ولكن أثبتت الأيام خطأ تفاؤله ذلك فقد تم اعفاؤه بعد عام واحد فقط في فبراير 2013 دون أن يستطيع خلال هذا العام التقدم خطوة واحدة في تنفيذ المهام التي وردت في قرار تعيينه ، كما لم يستطع تعيين موظف واحد ليعمل معه ولم تتطور آليته الي مفوضية ! لقد مضى الدكتور أبو قناية تشيعه تهم الفساد ، والحقيقة أنه كان ضحية صراع مراكز القوى داخل الدولة ، بعضهم يتهمه بأنه جيئ به ليحمي فساد الرئيس وأسرته ، وبعضهم يتهمه بأنه ضالعٌ في الفساد مع السيد علي الشرهان وشقيق الرئيس عبد الله البشير وزوجته اللواء شرطة نور الهدى محمد الشفيع وقد جاء ذلك بالأرقام في وثائق كثيرة تم تداولها !!! وبعد أكثر من عامين يخرج علينا الرئيس وقبل تنصيبه بيومين ليشنِّف آذاننا بأنّ أول تشريع يصدره البرلمان الجديد سيكون قانون مفوضية مكافحة الفساد ، بعد أن خرج النقيب أبو زيد مهاجراً وبعد أن مضى شاهد الأقطان وغسان الي ربهما وبعد أن أُخفيت كل شواهد وشهود جرائم الفساد خلال أربعة سنوات ، شبعنا فيها مناورات وأحاديث كاذبة عن تكوين آليات ومفوضيات لمحاربة الفساد الذي أصبح يمشي بيننا دون حياء وتم تنصيبه في مطلع يونيو الجاري في حفل بهيج رأساً للدولة !!! ولم نسمع حتى اليوم وبعد مرور شهر تقريبا على انعقاد البرلمان عن صدور أي قانون لمفوضية مكافحة الفساد الذي وعدنا بصدوره كأول قانون من برلمان الغفلة الجديد !!! [email protected]