يعتزم الرئيس السوداني الهارب عمر حسن البشير حضور اجتماع الأممالمتحدة حول " مستقبل التنمية العالمية" أواخر الشهر المقبل في مدينة نيويورك. ولسفره لهناك فهو محتاج لطلب تأشيرة دخول للولايات المتحدة .وطلب تلك التأشيرة يعطي الرئيس أوباما سانحة لإتخاذ موقف قوي في دعم الجهود الدولية البطيئة في منع الإبادة الجماعية. قبل قرن من الزمان ، عندما أبيد أكثر من مليون أرمني، فإن كلمة "إبادة جماعية" لم تكن معروفة . وإن قتل الملايين من الناس كان شأنا داخليا و لا يمكن أن تتدخل دولة أجنبية فيه .إلا إن هذا الحال تغيير تماما بعد محرقة الهولوكست. و في عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الإبادة الجماعية، التي رفضت فكرة أن "الحكام" لديهم حصانة من المساءلة عن قتل شعوبهم ونص ذلك على "محكمة جزائية دولية" لمحاكمتهم.و استغرق الأمر حتى عام 1988 لتصادق الولاياتالمتحدة على تلك إتفاقية . بعد عشر سنوات أن في عام 1998، صوتت 120 دولة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. والتي لم توقع الولاياتالمتحدة على إتفاقيها . ولكن مع ذلك في عام 2005، قبل الرئيس الأسبق "جورج بوش" قراراً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تحال قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. في عام 2008 بصفتي المدعي العام لمحمكة الجانايات الدولية طلبت مذكرات إعتقال ضد البشير بتهمة الابادة الجماعية. وساعد الرئيس جورج في جهود نشر قوات حفظ السلام في دارفور وتقديم المساعدة الإنسانية هناك .وبناء على مذكراتي في عام 2009 أصدر قضاة المحكمة أمر توقيف ضد السيد البشير بتهمة إرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب . كما صدر أمر توقيف آخر بالإبادة الجماعية في عام 2010 . فالتحدي الآن هو إلقاء القبض عليه. للأسف، فإن قدرة السيد البشير في إرتكاب أعمال وحشية على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي أبقت القدرة البشرية عاجزة عن حماية ضحايا الإبادة الجماعية. فالاغتصاب والتجويع هي أسلحته الصامتة الجديدة، لتحل محل هجماته الوحشية المفتوحة على القرى. وذلك ليبقى بعيداً عن نظر المجتمع الدولية، فالحكومة السودانية طردت عمال الإغاثة وأعاقت الوصول إلى مخيمات اللاجئين. وقد حاول السيد البشير تحويل الانتباه عن الإجراءات الجنائية وذلك بتسويق أن المحكمة الجنائية الدولية منحازة ضد الأفارقة. من الذي سيعتقل البشير؟ : بينما هو في السلطة، فالقوات السودانية بالتأكيد لن تقبض عليه، كما وإن مجلس الأمن لم يجيز استخدام القوة لتنفيذ أمر الاعتقال. إذن فالخيار الوحيد المتبقي هو إلقاء القبض عليه عندما يزور دول أجنبية. حاول البشير زيارة جنوب أفريقيا في 2009 و 2010، ولكن أبلغ بأنه سيلقى القبض عليه اذا فعل ذلك . كما و في وقت سابق من هذا العام، رضخت حكومة جنوب أفريقيا، وقدمت له حصانة حتى يتمكن من حضور اجتماع للاتحاد الأفريقي في جوهانسبرغ. ومع ذلك أمر القضاء في جنوب أفريقيا باعتقاله. تمكن السيد البشير من المغادرة بينما كانت إجراءات محكمته جارية. في عام 2013، طلبت الحكومة السودانية تأشيرة دخول للولايات المتحدة للبشير لحضور الاجتماعات السنوية للجمعية العامة في نيويورك. وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأممالمتحدة، سامانثا باور "أنه سيكون من الأنسب" للسيد البشير السفر إلى لاهاي، حيث المحكمة الجنائية الدولية ، بدلا من نيويورك. ألغت الحكومة السودانية في نهاية المطاف تلك الرحلة. وإدارة أوباما لم تقدم أي إشارة إلى ما ستفعله معه في تلك الفترة . فوفقا للإتفاقية فإن نيويورك هي مقر الأممالمتحدة، و من المفترض للولايات المتحدة أن تمنح تأشيرات دخول لسفر القادة لحضور أحداث الأممالمتحدة، مع استثناء محدود جدا خاص بأمنها القومي. في الواقع، فإن السيد البشير يراهن على عدد من العوامل وهي : دعم من بعض الزعماء ألأفارقة له - والخدمات المخابراتية التي يمكن لحكومته تقدمها عن المنظمات الإرهابية في شرق أفريقيا- وحاجة أميركا لإدارة صراع السودان المستمر مع جنوب السودان، وهو ما سيجعل الولاياتالمتحدة تصرف النظر عن القبض عليه . وعلى عكس من تلك الحكمة التقليدية،فإن الولاياتالمتحدة تملك الحق في عدم السماح السيد البشير بالحضور . إذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي أن تلقي القبض عليه عند وصوله. وذلك بموجب ميثاق نورمبرغ، واتفاقية الإبادة الجماعية و النظام الأساسي و المحكمة الجنائية الدولية ، و ليس هناك حصانة لرؤساء الدول الذين يواجهون اتهامات أمام المحاكم الدولية. وعلاوة على ذلك، فهناك قانون اتحادي وهو " قانون حماية خدمة الأعضاء الأميركي " يخول للحكومة دعم الجهود الدولية في القبض على الأجانب المتهمين بارتكاب الفظائع "لتقديمهم للعدالة". وبموجب هذا القانون، فأن أحد أمراء الحروب في رواندا "بوسكو نتاغاندا" ، تم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2013. فللرئيس أوباما خيار سياسي ، و يجب على الولاياتالمتحدة منح السيد البشير تأشيرته، وبعد ذلك، فور وصوله، تقوم باعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ، حيث يمكنه تقديم ما يشاء من حجج قانونية في الدفاع عن براءته أو حصانته المزعومة أو انحياز النيابة العامة ضده . وذلل سيمثل موقف مهم. و يجب على الولاياتالمتحدة أن تفعل كل ما في وسعها لعزل السيد البشير وأن تعرب عن تضامنها مع شعب دارفور والتزامها في منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. -نيويورك تايمز أ.د.لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية 2003-2012، - محام في Getnick وGetnick - وأستاذ مشارك في كلية كينيدي للإدارة العامة - جامعة هارفارد