ان كان النظام هو عقل الدولة فإن دولتنا تمضي دون عقل، وطبيعي ان يختلط كل شئ وتصبح الفوضى هي القانون، فمن بين مهام الحكومة التي تهدف للحفاظ على الدولة ورفاه مواطنيها. لا يقوم النظام الانقاذي سوى بجباية المال وشن الحرب على المواطن. المال نفسه الذي يجب صرفه ضمن أوجه يحددها القانون، ولأنه لا يوجد قانون، فالمال يصرف في كل شئ عدا أوجه صرفه الصحيحة. يصرف لرشوة الناس و(تأليف قلوبهم على محبة حزب الحكومة ورأسها المشغول بالسفر لاثبات (رجولته) أمام القضاء الدولي) ولشراء السلاح وبث الفتن بين مكونات مجتمعنا، ولتمكين اهل النظام، أي شرعنة سرقة المال العام وتحويله لمنفعة اشخاص النظام. الفيديو المنتشر في وسائل التواصل حول التعذيب الوحشي الذي يتعرض له شاب على يد بعض المواطنين يؤكد أن دولتنا ذاهبة الى الجحيم. الحكومة المناط بها تنفيذ القانون، مشغولة بكل شئ الا تطبيق القانون. وحين يأخذ بعض المواطنين المبادرة لتطبيق قانونهم بانفسهم، تتفرج الحكومة عليهم بدلا من محاسبتهم (وربما تلقي ببعض الحطب الى النار طالما ان المردود سيكون ايضا مزيدا من الفتن) الحكومة لا تتدخل الا حين يتعلق الامر بنشاط ترى فيه تهديدا محتملا لوجودها: مظاهرة، ندوة، مخاطبة في الشارع، معرض للكتاب، نشاط لمركز ثقافي، مقال في جريدة ينتقد بعض ممارساتها الوحشية، عندها تظهر الحكومة. تخرج كل اسلحتها الفتاكة. حتى القانون الذي وضعته هي نفسها لا يشغل حيّزا في إهتمامها. الحكومة هي المسئولة عن توفير الأمن. والأمن ليس نشرا للجنود أو تشييد أكشاك الأمن الشامل،أو التجسس على معارضي النظام. الأمن عملية متكاملة لا يمكن أن تقوم بها الا الحكومة الصالحة الحريصة على رفاه مواطنيها. تطبق القانون اولا على الجميع وتبدأ بمنسوبيها أنفسهم، بما يحقق العدالة والمساواة بين جميع أفراد الشعب في الحقوق والواجبات . تنجز مشاريع التنمية المتوازنة. توفر الوظائف، توفر للشباب وسائل التأهيل من مدارس مهنية ومراكز تدريب. تدعم القطاعات المنتجة وتشجعها. تنشئ وتساعد في انشاء المنظمات الاهلية التي تقدم الخدمات للمواطنين في كل مكان وفي كل المجالات. أين أهل الانقاذ من تاريخ الاسلام الذي يزعمون أنهم ورثته والماضون في دربه. الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يسهر الليل في رعاية مواطنيه وتفقد أحوالهم، وعطل عقاب السرقة في عام الرمادة. ولأنه حقق الأمن الحقيقي فقد أخلد للنوم تحت شجرة في العراء. الحكم ليس شرفا أو مظهرا لنصر زائف، أو غنيمة كما يتعامل معه أهل الانقاذ. الحكم مسئولية، يجب أن يتقدم لها من بإمكانه وضع الخطط وتنفيذها، من يحترم إرادة الناس التي تختاره وليس التي يفرض نفسه عليها بقوة السلاح. من لا يستطيع تحمل مسئولية الحكم عليه ان يبقى في بيته. لا أحد يجبره على ذلك وليس لديه تفويض إلهي يمنحه حق حكم الناس رغم أنوفهم. من يصرف أكثر من نصف ميزانية الدولة لتأمين بقائه في الكرسي لا يمكن أن يحقق أمنا أو عدالة أو يطبق قانونا يساوي بين الناس جميعا. وفي ظل غياب دولة القانون يدفع الضعفاء الثمن، قبل أيام تعرّض أحد وكلاء النيابة للإهانة والاعتقال من طرف ضابط في الشرطة حين حاول تطبيق القانون واطلاق سراح اسرة إعتقلها الشرطي دون وجه حق. الوزير أو القاضي أو ضابط الشرطة تصبح في بلادنا مناصب تضفي على صاحبها المهابة والسلطة! مع انه يفترض ان الشخصية التي تشغل وظيفة عامة تصبح اقرب للحياد وتبتعد عن الاهواء الشخصية وتمارس وظيفتها لخدمة الدولة وتطبيق قانونها. وليس لانتهاكه ، أصبحت الوظيفة العامة مجرد وسيلة للتسلط على الناس، والاستيلاء على المال العام، مجرد مظهر إجتماعي، فالانقاذ حوّلت الحكم الى غنيمة (والحشاش يملأ شبكته). ما فعله المواطنون بالشاب هو عين ما تقوم به الدولة في مواجهة معارضيها، فهي التي إستنّت تعذيب الخصوم وإعتقالهم وقتلهم خارج النظام القضائي والنتيجة هي الفوضى التي نجني ثمارها الآن. النظام هو السارق الأكبر في بلادنا، نهب المال العام وبدده. وأصحاب الحقوق لا يجدون شيئا، والنتيجة يضيق الحال بغالب مواطنينا ويعجزون عن توفير لقمة الخبز وحبة الدواء لأنفسهم وأطفالهم، يلجأ البعض للسرقة لسد الرمق، ولأن النظام لا يهمه أن يجوع الناس أو يلجأوا للسرقة فإنه لا يهمه بالتالي ان يسعى البعض لتطبيق القانون حسب فهمهم له، طالما أنهم لا يمثلون تهديدا للنظام!. جريمة تعذيب الشاب هي سقوط أخلاقي لا علاقة له بقيمنا وأخلاقنا التي ظللنا نتغنى بها طوال قرون. سقوط ربما يؤشر لدخول الانقاذ (العظم) كما اشار د. حيدر إبراهيم: أن ذلك السلوك الهمجي هو مؤشر لنجاح تدبير الانقاذ في خلخلة كل شئ. كل من يملك ضميرا حيا يجب أن يدين هذا المسلك الوحشي الذي إقترفه هؤلاء المواطنون بحق شاب صغير لم تقدم له الدولة شيئا سوى الاضطهاد والكبت والتعذيب، كل صاحب ضمير حي يجب أن ينادي بمحاسبة كل من يرتكب مثل هذا الفعل تجاه مواطن هو ضحية للظلم ولحروب الدولة العبثية وتخليها عن مواطنيها. ويبقى الحل في تكاتف الجميع من أجل القضاء على السرطان المسمى بالانقاذ، والذي بات تهديده لوجودنا كأمة أساسها الاخلاق والقيم الموروثة في مهب الريح. للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي: https://www.facebook.com/ortoot?ref=aymt_homepage_panel [email protected]