أوضحت جملة من الأبحاث أن عدم استقرار النوم، خلال السنوات الأولى من عمر الطفل، يمكن أن ينعكس سلبا على جودة حياته، مستقبلا، فحرمانه من نوم هادئ وكاف يعرضه لفقدان متقطع للذاكرة ويضعف قدراته الفكرية ويصعب اندماجه داخل مجتمعه بسبب عدوانيته وميله للعزلة. العرب سوسن ماهر تحدث اضطرابات النوم لدى الأطفال ما بين العام الأول والثاني وتكون متقطّعة أو مزمنة، بسبب سوء الحالة المزاجية وبعض الأسباب الجسدية الأخرى. وتظهر طبيعة المشكلة عن طريق بعض الظواهر الجسدية والحركية التي تحدث أثناء النوم، مثل: الذعر الليلي والكوابيس أو الصراخ، نتيجة عدم شعورهم بالطمأنينة. وقد تحدث اضطرابات أخرى، مثل الانتفاضة المفاجئة للقدم أو الشعور بضيق في التنفّس، والذي يأتي نتيجة لأسباب متعدّدة، أهمها الخوف من الغرباء، والأصوات غير المقبولة لديهم، فضلا عن التوتر الزائد في الأسرة، والذي يتأثّر به الطفل، ويظهر على تصرّفاته خلال الليل. ويوضح د. جمال شفيق، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن الضغوط النفسية التي يتعرّض لها الأطفال في السنوات الأولى، تعدّ أحد أسباب اضطرابات النوم لديهم، بسبب عدم قدرة الجهاز العصبي على تحمّل الإرهاق النفسي الناتج عن تصرّفات أحد الوالدين تجاههم، لأن الطفل في هذا العمر يستطيع تحديد طبيعة شعور من حوله. ويؤكد شفيق أن مشاهدة الطفل للقصص المرعبة والأفلام الكارتونية المخيفة التي تحض دائما على العنف، من أخطر أسباب اضطرابات النوم لديه، لأن تصوّرات الأطفال عن الأشياء في هذه السنّ تكون دائما بريئة، وبالتالي يحدث خلل في خلايا المخ عند رؤية وسماع المشاهد المخيفة، ويبدأ الجهاز العصبي في الاهتزاز، مما يؤثّر على أعصاب الجسم كله. ويشير شفيق إلى أن بقاء الطفل في أماكن مظلمة لفترات طويلة يسبّب لديه اضطرابا في النوم، لأن مشاعر القلق والتوتر تتملكه. ومن ثم تحدث صراعات عضوية داخلية تثمر إثارة زائدة لمشاعر الخوف لديه. وبالتالي يفقد سيطرته على نفسه أثناء النوم. وتنتج بعض التصرّفات مثل: حركات فجائية بالقدمين، أو الحديث والصراخ. ويقول د. أمير حجاج، استشاري الطب النفسي إن انفصال الطفل عن والديه أثناء فترات النوم، يجعله يشعر بالخوف من فقدانهما، وهو ما ينتج عنه حدوث اضطرابات أثناء النوم تظهر من خلال الذعر الليلي أو الكوابيس لدى الأطفال الصغار. وتكون أعراضها عبر البكاء أو الصراخ أثناء النوم دون وعي. أما الأطفال ما بين عمر 5 و6 سنوات، تكون لديهم مخاوف أخرى مثل الخوف من نشوب حريق في منزلهم، أو دخول اللصوص لإيذاء الوالدين. ويؤكد حجاج أن تغيير مكان نوم الطفل يسبّب أيضا اضطرابات أثناء النوم، لأن معظمهم لا يحبون التغيير الدائم بسبب العلاقة التي تربطهم بأماكن نومهم. ومن ثم يشعرون بعدم استقرار نفسي يؤدي إلى عدة ظواهر مثل المشي أثناء النوم، وملامسة الأدوات الحادة أو السقوط من الفراش فجأة. ويحدث هذا لدى 10 بالمئة من الأطفال دون الخامسة من عمرهم. ويشير د. هادي المليجي، استشاري الطب النفسي، إلى وجود أضرار تصيب الطفل جراء حدوث اضطرابات له أثناء النوم، مثل رؤيته لأشياء مزعجة، أو عدم إحساسه بالأمان نتيجة عدم وجود والديه بالقرب منه أثناء النوم. ويوضح أنه من الأضرار الأخرى التي تصيب الطفل نتيجة اضطرابات النوم، عدم قدرته على تذكّر الأشياء نتيجة إصابته بفقدان متقطّع للذاكرة، بسبب عدم استقرار حالته النفسية. كما أن نومه بوضعيات غير طبيعية يعد من أضرار اضطرابات النوم لديه، حيث يعاني من انقطاع النفس، ليلا. وهذا يدفعه إلى بذل جهد كبير لكي يتنفّس، مما يسبّب له التعرّق والتمايل أثناء النوم. اضطرابات النوم لدى الأطفال تؤدي إلى تعزيز تقلب المزاج والتصرفات العدوانية تجاه الآخرين ويقول المليجي إن اضطرابات النوم لدى الأطفال تؤدي أيضا إلى تعزيز تقلّب المزاج والتصرّفات العدوانية تجاه الآخرين، بالإضافة إلى الحركة المفرطة والاندفاعية والشجار الدائم وعدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية. كما أنها تتسبّب في حدوث خلل في نمو الطفل مما يضر بأداء وظائف القلب. وعن علاج اضطرابات نوم الأطفال، تقول د. ناهد منصور، استشارية الطب النفسي إنه يمكن علاج هذه الاضطرابات، من خلال تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ الخاصة، لأن ذلك يقلّل فترات الأرق التي يشعر بها الطفل وتجعله أكثر استعدادا للنوم الهادئ المستقر، كما يجب تواجد الوالدين بالقرب من طفلهما أثناء نومه حتى لا ينزعج إذا استيقظ ولم يجدهما. وتشدّد منصور على أهمية توفير جو عائلي هادئ قبل نوم الطفل بفترة طويلة، حتى يشعر بالاستقرار النفسي أثناء النوم، بالإضافة إلى عدم الربط بين نومه وعقابه عندما يرتكب خطأ ما، حتى لا يتجنّب النوم ويشعر بالتوتر والقلق كلما اقترب موعده. وأجريت دراسة نشرت في المجلة الطبية الاسترالية حول مشاكل النوم عند الاطفال، أشارت إلى أن المراجع الصحية توصي بأن فترات النوم يجب أن لا تقل بالنسبة للرضع عن 16-18 ساعة باليوم، منها 3-4 ساعات مقسمة بين الليل والنهار. وعلى الاطفال في سن المدرسة النوم 11-12 ساعة متواصلة ليلا. وأظهرت نتائج الدراسة أن ساعات النوم عند الأطفال تقل تدريجيا كلما كبروا، ليصبح معدل ساعات النوم من 10 ساعات لتصل إلى 8 ساعات عندما يبلغون سن 16 سنة.