انحسرت الطبقة الوسطى في السودان بصورة متسارعة خلال العقود والسنوات الأخيرة، وكثرت التحليلات والأسباب التي أدت إلى ذلك، كما طرحت عدة حلول من هذا النفق المظلم، وبغض النظر عن مرتبة الفرد ضمن الطبقة الوسطى إلا أن دورهم في العملية الاقتصادية له نفس الأهمية، لأن ما يميزهم هو الاستقرار النسبي من الناحية المالية وإن كانت الهزة الاقتصادية الأخيرة التي اجتاحت العالم قد أخلت بذلك التوازن «البيان» استطلعت عدداً من شرائح المجتمع السوداني المختلفة حول هذه القضية الخطيرة. يرى الخبير الاقتصادي عبدالخالق المتعشي في شأن انحسار الطبقة الوسطى أن «اختفاءها من السودان فاقم من التعثر الاقتصادي من الناحية الشرائية والاستهلاكية، وعمق من فقدان العقول التي كانت تمثل العمود الفقري لتلك الطبقة، والتي هاجرت لأسباب عديدة ولكنها كلها تنصب في فقدان المقومات الجاذبة لنجاح ونمو تلك الطبقة». ويضيف المتعشي: «إذا نظرنا إلى الاقتصاد السوداني نظرة تحليلية -أي بمعنى الغوص في مكوناته والتمعن في آلياته منفصلة عن بعضها قبل دمجها بغرض الفهم السليم لمواطن الداء- نلاحظ العلاقة المباشرة بين تقلص عدد الأعضاء المنضويين تحت لواء تلك المجموعة الطبقة الوسطى وتراجع وتدني الاقتصاد، وبالطبع هناك عوامل كثيرة وعديدة يمكن نسبتها إلى ذلك التدهور وإرجاع المسببات لها، ولكن بالتركيز على غياب الطبقة الوسطى في السودان نجد أن انحسار الطبقة الوسطى لعب دورا كبيرا في ذلك التراجع الاقتصادي». من جانبها، ترى المحامية إنعام محمد عبدالله أن «الاقتصاد السوداني وعثراته المتلاحقة وعدم نهوضه في ظل الأزمات السياسية، ألقى بظلال سوداوية على حال كل الطبقات، ولكن أدى إلى إعدام ما يسمى بالطبقة الوسطى تماما» وأضافت: «لا أرى بادرة أمل في أن تظهر من جديد طبقة وسطى، لأن الواقع السوداني يبشر بالفقر أكثر من غيره لعامة الناس وأصبح الثراء محصورا في طبقة معينة وإصلاح الحال مرتبط بإصلاحات كثيرة خاصة في بلد بالغ التعقيد مثل السودان». في المقابل، يرى الأستاذ بجامعة السودان كمال محمد مضوي أن «الطبقة الوسطى لا تبنى بالقرارات أو تكديس كل المشاريع الحيوية والصناعات التي تخلق هذه الطبقة في منطقة جغرافية واحدة وهى الخرطوم وما حولها، حيث إن تركيز الاستثمار في الخرطوم، اعتصر الأقاليم وقلص تلك الطبقة إلى درجة الزوال، ويجب إعادة النظر في التخطيط الاقتصادي ليست من ناحية جدواه فحسب، ولكن من حيث الموقع المناسب للمشروع أو الاستثمار المناسب». البيان