لن تكون أسطوانة الغاز هي الوحيدة التي تتدلل على (ست البيت)، ففي الوقت الذي تستعصى فيه على المنال، تمارس الكثير من السلع الاستهلاكية اليومية ذات المسلك؛ وربما كان البصل الذي يعتبر أساس (الحلة) في المطبخ السوداني في طليعة تلك السلع، ما دفع المواطنين لاستنكار ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية طاحنة، ينوء بتبعاتها كاهل (محمد أحمد) المسكين. وفي راهن أزمة الغاز لا تتمثل المعضلة في الحصول على أسطوانة فقط، بل إنها أحد وجوه الأزمة حال انتبهنا إلى أنه ربما عاود الكرة بعد ثلاثة أسابيع أو أقل.. للشرح اكثر، فقد اعتاد المواطن فيما سبق تعبئة الأسطوانة في غضون شهر تقريباً، ولكن بسبب عدم التزام الجهات المسؤولة عن تعبئة الأسطوانة بالوزن المحدد (حوالي اثني عشر كيلو ونصف الكيلو)، فإن الكثيرين يضطرون إلى النجاة بجلدهم حال حصولهم على الغاز ليضحى التساؤل عن المواصفات ضرب من ضروب الترف..!! وعلى الرغم من تصريحات المؤسسة السودانية بانفراج الأزمة بوصول الغاز المستورد عبر باخرات محملة بالسلعة خلال هذا الأسبوع، إلا أنك حين تراقب الشارع العام تصاب بالدهشة من شدة الازدحام والاصطفاف أمام مراكز الوكلاء بالأحياء، والتدافع من أجل الحصول على الأسطوانة. وبالمقابل لم يعد تأثير أزمة الغاز مقتصرا على ربات المنازل فقط، بل امتد إلى أصحاب المخابز البلدية الذين يستخدمون الغاز في صنعهم للخبز. ويقول محمد النعيم أحد أصحاب المحلات التجارية ل(اليوم التالي) إنه ظل لثلاثة أيام يعاني في الحصول على حصته اليومية من صاحب المخبز، خاصة وأن محله يعد وجبة الفطور المتمثلة في الفول، ويقع بالقرب من المدارس الثانوية للبنين، وأيضا العمال الذين يعملون في مجال تشطيبات البناء، مما يجعله يفقد زبائنه بسبب عدم وجود الغاز. ويضاف محدثي: الغاز المتوفر حاليا هو غاز النيل فقط ويكاد يكون الأسهل في الحصول عليه ولكن أغلب الناس لا يمتلكون أسطوانات النيل فيضطرون لدفع فرق سعر قد يصل إلى ثلاثمائة جنيه للحصول عليها، وبلغ سعر الأسطوانة معبأة سبعمائة وخمسين جنيها. ولم تكن المحلات التجارية الأخرى بمنأى عن معاناة محمد بل إن معاناتها تكاد تكون أكبر خاصة وأن أغلبها تقوم ببيع الحليب جاهزا بعد غليه ومع أزمة الغاز جعل أصحاب المحلات يزيدون سعر الرطل من أربعة جنيهات وخمسمائة قرش إلى خمسة جنيهات. وربما تعمل الحكمة الشائعة (مصائب قوم عند قوم فوائد) عند وصف حال المواطنين الذين لجأوا إلى شراء المناقد الكهربائية (الهيتر)، ما أدى إلى تضاعف أسعارها خلال الأيام الماضية لعدم وجود الغاز، فبالقرب من أحد محلات بيع الأجهزة الكهريائية بشارع البلدية بحري التقت (اليوم التالي) عطيات مبارك التي أبدت استياءها من الأزمة وقالت بضجر بائن على ملامح وجهها الخمسيني: (معقولة الحكومة ما عارفة ما في غاز؟). وقالت محدثتي إنها فكرت في شراء هيتر ليساعدها في الطبخ وسخان كهربائي لعمل الشاي بالرغم من ارتفاع أسعارها مشيرة إلى أن الهيتر ذا العين الواحدة قفز سعره إلى (150) جنيها للصناعة اليابانية وهنالك هيتر أقرب إلى البوتجاز في شكله ذو (3) عيون ولكنه يعمل بالكهرباء وبلغ سعره حوالي (450) جنيها قبل أن تستدرك قائلة: (هي لكن هي ذاتها الكهرباء وينها البتشغلو؟). ودائما ما تأتي تصريحات وردود الجهات المسؤولة مطمئنة بأن الأزمة على وشك الانفراج ولكن أحيانا تظل تلك التصريحات عالقة في سماء الأزمة ولا تتعدى كونها حبرا على ورق، خاصة لمن يتابع الواقع داخل الأحياء عن كثب ولدى مراكز الوكلاء، لتظل المعاناة في تجدد مستمر، ولكن على أمل، وبأمنيات المواطن الذي يعاني ابتداء من ضياع زمنه في التجوال من وكيل إلى وكيل، بجانب خسارته المالية بدفع مبالغ كبيرة لأصحاب الركشات، قبل أن يعود ربما بخفي حنين اليوم التالي