الهدف من كتابة هذا المقال هو الابقاء علي الزخم والحماس الذي سبق المؤتمر وصحبه، بدليل الحضور المشرِّف والحماس الذي لمسناه جميعاً من الحضور، وما عبروا عنه من رغبتهم في مواصلة العمل واللقاءات حتي نصل بما نبتغيه ونرمي اليه من هذا اللقاء الجامع وما سوف يليه من اعمال اللجان واللقاءات القادمة، والتي اري أن الوقت قد حان لإنشائها وتنشيط ما هو قائم منها. لا شك أن مبادرة المؤتمر التداولي تمثل خطوة ايجابية في طريق تنشيط دور المعارضة للنظام الجاثم علي صدر الوطن منذ ما زاد علي ربع القرن، بهدف بث الأمل ورفع الروح المعنوية لشعبنا وانتشاله من وهدة اليأس والاستسلام للظلم والفساد الذي طغي علي النفوس حتي اصبح واقعاً في حياة اهلنا في السودان لا يرون منه مناصاً ولا خلاص. هذا التنشيط للعمل علي اسقاط النظام لن يتم بسهولة، بل يحتاج الي عمل دؤوب وتضافر جميع جهود الحادبين علي شأن الوطن سواء في المهاجر وداخل الوطن لوضع مخرجات المؤتمر الي حيذ التنفيذ. لقد قام المؤتمر بطرح عدد من الاوراق استعرض بعضها تحليل قصور المعارضة وهي تواجه عنفاً مبرمجاً من النظام هدف الي تفكيك النقابات المهنية، والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني وبناء بدائل لها تتبع للنظام وتخضع لسياساته الجائرة. وقد تعرضت بعض الاوراق الي فساد النظام، والي دور المرأة، الدور المنوط بالشباب وكان من اهم الاوراق دور الاعلام في كشف فساد النطام والعمل علي تنسيق معارضة الداخل للقيام بالانتفاضة المرجوة علي نطاق الوطن بدلاً من قصرها علي العاصمة حيث يتمكن النظام من استهدافها وقمعها كما حدث في سبتمبر 2014 لقد عمل هذا النظام الجائر، ومنذ اول يوم له في السلطة علي شل النشاط الوطني المشروع والذي يكفله الدستور، فقام بحل الاحزاب ومصادرة ممتلكاتها، ووأد الديمقراطية والشفافية في الحياة العامة، وعمد الي الترهيب، ثم الترغيب بالوعود الزائفة بينما عمل بيده الأُخري علي نشر الحروب بين ابناء الوطن الواحد، وسمح باستشراء الفساد واستباحة المال العام من قِبَل المسؤولين حتي انهك موارد البلاد وافقر العباد، وضاعف من الدين القومي. إن من اهم اهداف المؤتمر التداولي وانجازاته هو وضع خطة عمل واضحة المعالم، تضع امامها اهدافاً عملية من الممكن تحقيقها بالعمل المخلص الدؤوب وبدون الحاجة الي اللجوء الي الصدام الدموي والعنف الذي يستمرئه النظام، بل ويقوم عليه، ويدعو المعارضة الي انتهاجه في تصريحات مباشرة رددها رأس النظام وسدنته في أكثر من موقف وتصريح. لقد قرر المؤتمر إقامة لجان تخصصية بقيادة متخصصين في العمل المعارض لبناء وإنشاء النقابات والاتحادات الطلابية والشبابية، وتكليفها بتنشيط العمل النقابي المعارض للنظام في كافة المهاجر، وعلي رأسها لجان العاملين في مجال الاعلام بكل اشكاله، خاصةً البث الاذاعي ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الفيس بوك، والواتساب، وتويتر والتواصل عبر الاسكايب. وندعوا الي الشروع فيها قبل ان ينطفئ الزخم الدي أثاره المؤتمر ويخبو الحماس الذي اشعل وقدته - . إن من اهم مُخرجات مؤتمرنا هي الاجماع علي تبني استراتيجية اللاعنف وذلك بالتنسيق لإنجاح العصيان المدني العام ، والاعتصامات ثم الاضرابات والخروج في تظاهرات سلمية يكون توقيتها واحداً في كافة مدن السودان الكبري لتشتيت مقاومة النظام وشل قدرته علي اخمادها. كان من ضمن الاوراق التي تداولها المؤتمر، ما كتبه الاستاذ مصطفي عمر في عددٍ من المقالات بصحيفة الراكوبة الاليكترونية موضحاً فيها نظرية اللاعنف في مواجة الانظمة الديكتاتورية للعمل علي اسقاطها، وهو ما ضمنها بروفيسور جين شارب في كتابه ضارباً المثل بنضال المهاتما غاندي وكفاحه ضد المستعمرين البريطانيين لبلاده. كذلك ذكر برفيسور شارب مناضلين آخرين اتخذوا لنضالهم سبيل اللاعنف في بلاد أخري غير الهند. ولا ننسي مدام سان سو شي ومقاومتها للحكم العسكري الاوتوقراطي الغاشم في بورما وما تعرضت له من الاعتقال والعناء، لكن كل ذلك فشل في كسر ارادتها فكان تكريمها بنيلها جائزة نوبل. إن نظرية اللاعنف للعمل علي اسقاط الانظمة الشمولية الديكتاتورية تعتمد علي حقيقة أن الديكتاتوريات والانظمة الشمولية لا تمتلك قوة ضمنية، او عون الهي يضمن لها السيطرة علي الشعوب واذلالها كما تدعي بعضها، لكنها إنما تستمد قوتها من استخدامها للعنف والارهاب، وسلب الحقوق وإهدار الكرامة والتجسس علي كل صغيرةٍ وكبيرة يقدم عليها او حتي ينطق بها المواطنون، وتخويف الناس واقناعهم بأنهم لا يملكون القدرة علي الثورة وتغيير النظام الغاشم الذي فرض نفسه عليهم واذلهم وافقرهم، فيرضون بالامر الواقع علي أنهم لا يملكون بديلاً افضل من النظام القائم رغم ظلمه وفساده فيستسلمون ويخضعون له. اما اذا رفض الشعب، وباعداد متزايده، عدم التعاون مع النظام، وتفادي الاصطدام مع قواته، وهو ما يسعي اليه النظام، فإنه وفي هذه الحالة يفقد سيطرته وتصبح قيادته مشلوله تماما. إن أمثال هذه الديكتوريات - ولنا مثلٌ في سوداننا- إنما توجه معظم الثروات والدخل القومي للبلد الذي تسيطر عليه نحو انشاء جيوش من اجهزة القمع والامن التي تدفع لها بسخاء للعمل علي الابقاء علي النظام الفاسد، دون اهتمام بالمواطن واحتياجاته، من توفير الامن والمسكن والغذاء والصحة والتعليم واساسيات الحياة الاخري من توفير الطرق، والماء والطاقة والاتصالات التي لم تقم الحكومات الا لأجلها. فالحكومة السودانية تصرف ما يقرب من ال 70٪ من ميزانية الدولة علي القوات المسلحة واجهزة الامن لحماية النظام واطالة بقائه في السلطة معيناً لها في الاستمرار في الفساد ونهب موارد الدولة لاثراء المسؤولين ، هذا بينما تستمر الحروب وتمتد الي ارقاع السودان البعيدة عن المركز، وبينما تنفق الدولة اقل من 2٪ من الدخل القومي علي الصحة كمثال. إن هذه الحكومة التي جاءت عبر انقلاب عسكري اعتدي علي الدستور وقوض حكومة منتخبة -مهما كانت عيوبها ورأينا فيها- هي حكومة فاسدة مفسدة، لا يهمها او يعنيها تشريد المواطنين داخل وخارج الوطن، ولا ازهاق ارواح العزل منهم، بل تدمير قراهم ومصادر عيشهم بلا وازع من عقل او ضمير، وهي حكومة لا يحق لها ان تحكم بلداً كالسودان فيه ما فيه من عقول وخبرات وموارد. تأسيساً علي ما قد ذكرت فإن انجع االسبل لمواجهة هذا النظام الدموي والحاق الهزيمة به وارساله الي مذبلة التاريخ مع امثاله من الانظمة التي ثارت عليها شعوب عربية وانتصرت عليها، هو إنتهاج سبيل اللاعنف، الذي يعتمد علي انتظام الغالبية العظمي من شعبنا، وباعداد متزايدة في الاحجام عن التعاون مع النظام في كافة المناسبات دون اللجوء الي العنف والمصادمة حتي لا يجد النظام مبرراً للفتك بالمواطنين العُزل المسالمين في حين يعلم النظام أن انظار دول الجوار، بل والمجتمع العالمي موجهة اليه. لقد باشر شعبنا صورةً من صور العصيان المدني استجابةً لتوجيهات قيادات معارضة في الداخل عندما قاطع الانتخابات الرئاسية الاخيرة، كذلك عندما قاطعت قيادات المعارضة دعوة النظام للمشاركة في مائدة الحوار الزائف ادراكاً منها بانها دعوة حق أُريد بها باطل، وأنه لم يراد منها سوي الخداع وبذل الوعود واطالة عمر النظام، مما سبب حرجاً للنظام علي نطاق دولي. إنه ومن خلال زيادة وعي الشعب بحقوقه، وتنويره وكشف مدي الفساد الذي ولغ فيه الحكام علي حساب المواطن البسيط الذي يكاد لا يجد ما يقيم اوده، و بتعاون الاحزاب والمنظمات المدنية بتوحدها واجماعها علي انتهاج وتكثيف العمل بمبدأ العصيان المدني والتظاهرات السلمية المتواقتة، ننتقل بنضالنا المشترك الي المرحلة الحاسمة، أي الاعتصام في البيوت، والاضراب العام والامتناع عن دفع الضرائب لشل حركة النظام، وفي نفس الوقت تجنب الصدام المباشر مع مليشيات النظام ومرتزقته الذين لن يتورعوا عن الاعتاء علي المواطنين العزل بضربهم بل وحتي قتلهم، وبهذا الاسلوب يفقد النظام السيطرة علي الوضع خاصةً اذا ما انحازت قواتنا المسلحة الي جانب الجماهير كما حدث في اكتوبر وابريل. في مثل هذا السيناريو، قد تهرب بعض قيادات النظام الي خارج الوطن تفادياً للمساءلة وما قد يتبعها من عقاب، او ترفع راية الاستسلام فتعيد ما سرقته من بلايين الدولارات الي الخزينة العامة مما يساعد في بناء السودان الجديد. إن هذه استراتيجية معلومة، قد انتهجتها الشعوب وحققت عن طريقها نجاحات باهرة. لقد برهن الشعب السوداني الجسور لكل العالم نجاح هذه الاستراتيجية عندما هزم الديكتاتورية الاولي في اكتوبر 1964 عبر العصيان المدني والاضراب العام، ثم اعاد التجربة في انتفاضته المجيد في ابريل 1985. إن هذه الاستراتيجية التي طرحتها في هذا البيان في حاجةٍ الي قناعة تامةٍ لا يساورها أدني شك في امكانية نجاحها، فقط ان توفرت لها النوايا الصادقة والامكانيات المادية، وهي بلا شك في حاجةٍ الي جهد كبير والتزام صارم عبر فترة قد تطول او قد تقصر اعتماداً علي عوامل لا يمكننا التنبؤ بها في هذا الوقت. ليس هناك شك في أن الدور الحاسم في اشعال فتيل الثورة إنما يقع علي اكتاف الشباب والطلاب. علي أن ذلك يستلزم من الطليعة القيادية العمل علي زيادة الوعي بين هذه الفئة من القوي الثورية. يجب العمل علي ازالة ما علق بعقول الشباب من خرافات النظام واساطيره ونشر الغيبيات، والعمل الجاد لتدريب قيادات الطلاب ومنظمات الشباب في الداخل والخارج وذلك باللجوء الي، وتسهيل، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي علي اوسع نطاق ممكن. وختاماً، اؤكد أن المؤتمر التداولي الذي عُقد بلندن، او اللجنة التي دعت واشرفت علي تنفيذه، ليست حزباً سياسياً ولا تتبع لاي لحزب بعينه، ولا هي تنظيم نقابي ذو توجهات بعينها، إنما كانت تلك مبادرة من بروفيسور الفاتح بركة توجه بها الي مجموعة من الزملاء ذوي افكار متقاربة اثقلت قلوبهم واهمت عقولهم هموم الوطن والمواطنين، وأهمت ضمائر منهم لا تزال حية تتأذي من رؤية الفساد والافساد، ومعاناة شعب خرجوا من صلبه ويحنون الي العودة اليه. فكان تردي الاحوال خلال 26 عاماً من حكم اوتوقراطي لم يقدم للوطن ولا للمواطن شيئاً من طموحاته واستحقاقاته، بل عمل علي تهديم ما كان قائماً وعلي رأسه التدهور المريع في الخدمات الصحية والتعليم، والقصور في توفير الاساسيات الحياتية من امن وطاقة وماء هو عصب الحياة. هذا ولنا، نحن المنظمون للمؤتمر أمل كبير لا يتزعزع في أن تتوحد قوي المعارضة وأن تعمل بجدية لإنقاذ الوطن ممن ادعوا انهم انما قاموا بانقلابهم المشؤوم لانقاذه فتردوا به الي مجاهل لا يعلم مداها الا الله، فعلي قوي المعارضة الاتفاق علي استراتيجية انجاح الاضراب العام واستراتيجية العصيان المدني وخروج التظاهرات السلمية المتواقتة في كافة المدن الكبري، وسوف يعمل المؤتمر عبر لجانه علي نشر الوعي واقامة مؤتمرات مماثلة علي نطاق السودانيين في المهاجر واللهرالموفق. وانهي هذا المقال بدعوة الي التواصل حتي ننفذ العصيان المرني المتكامل. ما اتفقنا عليه والا ابتلعه النسيان كما هي العادة في اجتماعاتنا واتفاقياتنا كسودانيين،كثيرا ما تتسم بالحماس ولكن لا يلبث ذلك الحماس ان يخبو ويموت، وارجو ان لا يكون ذلك مصير ذلك الجهد الذي بذلناه تقديراً لمن كلفوا انفسهم بالحضور والمساهمة في المؤتمر . والله الموفق دكتور علي نور الجليل فرغلي نيابةً عن مؤتمر لندن التداولي