فيما لم يبق أمام إعلان إستقلال جنوب البلاد سوى سبعة أسابيع التوغل العسكري في أبيي يشكل خطرًا كبيرًا على السودان فيما لم يبق أمام إعلان إستقلال جنوب السودان سوى 7 أسابيع، وهو الهدف الذي طال انتظاره 50 عاماً وراح ضحيته ملايين الأفراد، يتابع قادة جنوب السودان جيش الجزء الشمالي – وهو عدوهم اللدود منذ فترة طويلة – وهو يتقدم في منطقة آبيي المتنازع عليها. لا يبدو أن الضغوط الدبلوماسية تعمل على تهدئة التوغل العسكري في آبيي ، لذا، فالتساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو ما إن كان سيقوم الجنوب بتعبئة جيشه ويحاول أن يفرض سيطرته على آبيي، أم سيضطر إلى تجرع هزيمة مذلة. وقال مسؤول أميركي منوط بملف السودان، لكن غير مخول له التحدث علناً :" لا يمتلكون في حقيقة الأمر أي خيارات جيدة. وهم قريبون للغاية من الحصول على ما سعوا بجد لامتلاكه، وقد تُعرِّض الحرب كل ذلك للخطر. لكن بوسعي أن أخبركم بأنهم مجانين تماماً، عند أعلى المستويات". ورأت الصحيفة من جانبها أنه إذا ما أقدم الجنوب على شن حملة مضادة أو قام بتصعيد المواجهة عسكرياً، فبمقدور الشمال أن يتهمه بخرق معاهدة السلام، التي تم توقيعها عام 2005، وحددت الشروط الخاصة باستقلال جنوب السودان. ولفت محللون كذلك إلى أن الشمال سيرفض حينها الاعتراف بالجنوب، المقرر له في التاسع من شهر تموز/ يوليو المقبل، وهو الحدث الذي يتحضر الجنوبيون للاحتفال به بشكل كبير. وأوضحت الصحيفة أن سباقاً محموماً قد يندلع بين الشمال والجنوب بصورة سريعة، على أرضية الميدان وعلى الساحة الدبلوماسية العالمية، على حد سواء. ومن المحتمل أن تعترف بعض الدول باستقلال جنوب السودان، بينما ستدعم دول أخرى حكومة الخرطوم، في الشمال، وستعامل الجنوبيين على أنهم مرتدون. وما أضاف قدراً من التعقيد، والتفجر، تلك القوة الرمزية التي تحظى بها منطقة آبيي. وقال عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة وستمنستر في لندن، إن بدو قبيلة المسيرية، الذين ينجرفون داخل وخارج آبيي وينحازون للشمال، يُعتَبَروا مقاتلين شرسين، استعانت بهم الحكومة في الماضي، ليقوموا بدور الميليشيات. وأضاف "تشعر الخرطوم بالتزام تجاههم، خاصةً وأنها قد تحتاج إليهم مرة أخرى". وبالنسبة للجنوبيين، تعتبر آبيي موطناً لبعض أبرز قادتهم، بمن فيهم العديد من الوزراء والقادة العسكريين. وما زاد الأمور تعقيداً، رغم إرتباط آبيي أخلاقياً وثقافياً بجنوب السودان، هو موافقة زعماء آبيي المحليين قبل عقود على أن يخضعوا لحكم الشمال. ومضت الصحيفة تنقل في هذا الإطار عن زاك فيرتين، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تدعو لمنع الصراعات العنيفة وتسويتها، قوله :" هناك توتراً في الجنوب. وهناك أناس لا يرغبون في تجدد اشتعال الحرب أو تهديد استقلال الجنوب وهناك دارة بارزة أخرى تشعر أنها لا يمكن أن تستسلم أبعد من ذلك". وأكد من جانبه فيليب أغوير، ناطق باسم جيش جنوب السودان، أنهم لم يعلنوا الحرب، وأتبع " نحن نحترم أراضي جنوب السودان". وواصل في غضون ذلك دبلوماسيون غربيون حثهم لشمال السودان على الانسحاب من آبيي، لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أنهم يتزحزحون. وقال في واشنطن يوم أمس مبعوث الرئيس الاميركي باراك أوباما الخاص إلى السودان، برينستون ليمان، إن توغل الشمال في آبيي كان "غير متناسب وغير مسؤول"، وحذر من أنه يعرض اتفاق السلام وجهود تطبيع العلاقات مع واشنطن للخطر. ورغم إظهار القوة، أكد محللون أن الشمال لا يرغب أيضاً في بدء حرب مع الجنوب، حيث يدرك الرئيس عمر حسن البشير أن أي حرب سيخوضها ضد الجنوب ستكون طويلة وقبيحة، مثلما كانت على نحو متقطع منذ الاستقلال عام 1956. كما لفتت الصحيفة إلى أن الحرب ستعني أيضًا فقدان الشمال لقدرته على الوصول إلى النفط، الذي تتقاسمه مع الجنوب، وسيستمر في تقاسمه على الأرجح. ورأى فيترين، محلل مجموعة الأزمات الدولية، في الختام، أن الشمال يجازف بتصعيد المواجه لأن آبيي أصبحت ورقة مساومة، وهو ما يهدف للتأثير من خلاله على مجرى المفاوضات. 150 الف شخص فروا من ابيي "والبشير أعلن عدم نية الجيش بالإنسحاب فر اكثر من 150 الف شخص من المعارك في مدينة ابيي السودانية التي تحتلها قوات السلطة المركزية في الشمال التي كررت الثلاثاء تأكيد مطالبتها بهذه المنطقة المتنازع عليها مع الجنوبيين. واعلن الرئيس السوداني عمر البشير الثلاثاء ان الجيش السوداني لن ينسحب من مدينة ابيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، معتبرا انها "ارض شمالية" فيما يطالب المجتمع الدولي بانسحاب القوات الشمالية. واضاف "اعطيت القوات المسلحة الضوء الاخضر في حالة حدوث اي استفزازات بالرد عليها دون الرجوع الي (...) ونحن مستعدون للعودة للحرب". وسيطرت الدبابات الشمالية الاحد على ابيي، منتهكة بذلك اتفاقات السلام التي انهت في 2005 الحرب الاهلية بين شمال السودان المسلم والعربي، وجنوبه الذي يشكل المسيحيون الاكثرية فيه، واسفرت عن مليوني قتيل. وفيما كانت النيران مندلعة وعمليات السلب والنهب جارية الاثنين في المدينة الواقعة على الحدود الشماليةالجنوبية، فر الاف الاشخاص نحو الجنوب، وخصوصا في اتجاه مدينة اقوك. وقالت المتحدثة باسم مكتب الاممالمتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية اليزابيت بيرز في جنيف "تفيد التقديرات في اقوك ان هناك حوالى 150 الف نازح في المدينة وحولها". واضافت ان "هؤلاء الاشخاص قد غادروا ابيي، انهم يفرون نحو الجنوب". وتجاهلت الحكومة المركزية في الخرطوم برئاسة البشير نداءات جنوب السودان والمجموعة الدولية لسحب قواته التي تدخلت السبت في ابيي، احدى ابرز نقاط التوتر بين الجانبين. وقالت السفيرة الاميركية في الاممالمتحدة سوزان رايس "نطالب بالانسحاب الكامل وغير المشروط والفوري لقوات شمال السودان". وفي بروكسل، اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون "من الضروري ان تتوقف الاعمال الحربية فورا وان تنسحب القوات الشمالية من ابيي لتفادي تعرض اتفاق السلام الشامل (الذي وقع العام 2005) لاخفاق خطير". من جانبها، نددت كندا ب"انفجار العنف في ابيي" داعية "الطرفين" الى الانسحاب. وكرر وزير الاعلام في جنوب السودان برنابا ماريال بنجامن ان "على القوات المسلحة السودانية ان تضع حدا لاحتلالها غير القانوني وتغادر ابيي". لكن وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين، قال في تصريح نقلته وكالة الانباء السودانية، ان "ابيي ستبقى مدينة شمالية حتى يقرر السكان مصيرها بانفسهم". وكان من المقرر ان تصوت منطقة ابيي الخصبة التي يدعي الشمال والجنوب احقيتهما فيها، على تقرير مصيرها في كانون الثاني/يناير، بالتزامن مع الاستفتاء على استقلال الجنوب الذي صوت فيه السكان باغلبية ساحقة لصالح الاستقلال. الا انه لم يجر التصويت على مصير تلك المنطقة بسبب خلافات حول من يحق لهم التصويت. وسيطرت القوات الحكومية على تلك المنطقة السبت. وقال حسين ان "الجيش (الشمالي) سيبقى في ابيي من اجل الحفاظ على الامن والاستقرار الى ان يتم اتخاذ قرار سياسي". واحتجاجا على "الاعمال الاجرامية في ابيي"، استقال لوكا بيونغ الوزير الجنوبي في حكومة الوحدة في الخرطوم. وقال بيونغ المتحدر من منطقة ابيي "كنا نأمل في ان نتمكن من تشكيل دولتين قابلتين للحياة تقيمان في ما بينهما علاقات جيدة، لكن الخرطوم غير مهتمة بالسلام على ما يبدو". واضاف "مع جرائم الحرب التي يرتكبها في ابيي حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، لا استطيع ان ابقى عن طيبة خاطر عضوا في الحكومة". وابيي هي في صلب نزاع من اجل الوصول الى المياه ولكنها ايضا في صلب خصومات قبلية تاريخية، وتشهد تصعيدا لاعمال العنف منذ الاستفتاء في كانون الثاني/يناير حول جنوب السودان الذي فاز فيه الخيار الانفصالي بأكثرية ساحقة. وفتح هذا الفوز الطريق لاستقلال هذه المنطقة المقرر في تموز/يوليو.