ما زال الشيخ الصوفي الأمين عمر الأمين يثير جدلاً حيثما ذهب ولا تفارق صورته مرآة الأحداث في وسائل الإعلام المختلفة، فمن الإمارات تناقلت الوكالات خبر اعتقاله من قبل السلطات الشرطية على خلفية بلاغات من مؤسسات وأفراد بتهمة الاحتيال التي تصبغ هناك على أعمال الدجل والشعوذة. وأدت الأنباء الى إعادة الشيخ المثير للجدل إلى منصات الهجوم عليه من قبل قطاع كبير في الرأي العام ظل يستنكر أدواته في التصوف وإدارة الطريقة التي يتبعها عشرات الشباب من الجنسين، في مقابل محاولات خجولة للدفاع عن الرجل وتبرير ما حدث في ظل انعدام التفاصيل الدقيقة لما جرى في دولة الإمارات العربية المتحدة. الأوساط الصوفية في البلاد التي تستعد لاختتام احتفالاتها بالمولد النبوي الشريف تلقت الخبر بحالة من الصدمة والمرارة ودفع بتساؤلات عن المصداقية التي يتمتع بها والالتزام الديني والأخلاقي للرجل، فقد قال الصوفي الشاب يس محمد أحمد إن الواقعة رغم عدم وضوح تفاصيلها ستترك آثاراً سلبية يصعب تجاوزها على صورة المتصوفة وجهودهم المستمرة منذ عقود في هذا البلد لإرساء قيم الدين الحقة في أوساط الشباب ونشر سيرة وسلوك الرسول الكريم بينهم كنموذج لما يجب أن تكون عليه حياة المسلم. والتصوف بحسب يس سلوك شخصي قويم يترفع عن الدنيا ومباهجها الزائلة من أجل مكانة أرفع في الحياة الآخرة، وتتطلب تلك المكانة مجاهدة بالنفس وللنفس وترفع كامل عن الصغائر وبعد عن كل ما يثير الشبهات وبذر الشقاق بين الناس، وربما لذلك لا يتفهم، الصوفي الشاب، عدم التزام الشيخ المشار اليه بآداب الشيوخ المعروفة في السودان ونأيهم التام عن الأضواء تحديداً. لكن رئيس هيئة تزكية المجتمع ميرغني محمد حمزه يقول إن القبض على الشيخ ليس نهاية التاريخ،" كما أن الحقيقية حول ما حدث ليست واضحة لأن الشيخ قد يكون بريئاً"، واستبعد أن تؤثر هذه الحادثة على الشباب الذي توجه خلال الفترة الماضية إلى التصوف بأعداد كبيرة، داعياً الى عدم التضجر وإظهار الضعف لأن ذلك يتنافى مع أخلاق صاحب الذكرى "صلعم"، الا أن رئيس هيئة المجتمع عاد وأشار، في حديثه ل(الجريدة)، الى أن أي تأثيرات متوقعة يمكن أن تعالج بالرجوع إلى توجيهات الدين، داعياً في ذات الوقت الى الدعاء للشيخ والذكر الذي يشبه أجواء هذه المناسبة المباركة. أما الشيخ ياسر الإدريسي فقد دعا الى عدم العمل على تجريم الأشخاص وتصيد الأخطاء، وأشار الى ضرورة الاستهداء بالآية القرآنية "فمن نكص إنما ينكص عن نفسه"، وتابع بالقول إن من ينكص لا يجب أن يحسب على الآخرين وإنما يحسب على نفسه.. الشيخ الذي رفض، في حديثه ل(الجريدة)، أن تتم محاربة شخص بعينة لأن تلك الخطوة لا تستهدف بالضرورة التعريف بالحق، يقول إن الشيخ مثل أي شخص قد يكون أخفق في مسألة معينة مثل أي شخص آخر، لأن اإانسان لا يمكن أن يكون كاملاً، فالكمال من صفات الله. الانتقادات الكثيفة التي وجهت للشيخ الصوفي سابقاً كان مبعثها صعوده بسرعة الصاروخ الى واجهة الأحداث، وتصدره المجالس السياسية والاجتماعية في مناسبات مختلفة، وربما كان سفره برفقة الفريق طه عثمان مدير مكتب رئيس الجمهورية إلى ذات الدولة التي اعتقل فيها من أهم أسبابها. وربما لذلك ضجت الأسافير بمجرد نشر الخبر على الإنترنت، حتى قبل تأكيده، بالعديد من الصور والتعليقات التي كان أغلبها مؤيداً لخطوة القبض على الرجل المثير للجدل، بل طالبوا بالقبض على شيوخ آخرين في السودان قالوا إنهم يستغلون الدين في التجارة والسياسة ويفعلون ما ينهون عنه الآخرين، بينما اختلف معهم البعض متعللين بأنه مواطن سوداني وينبغي على الحكومة التدخل ومعرفة ما حدث بغض النظر عن أفعاله الداخلية المختلف حولها في السودان، لأن الأمر من وجهة نظرهم سيشوه سمعة السودانيين في تلك الدولة، وبينما حفلت الصفحات المعارضة للرجل على مواقع التواصل الاجتماعي بخبر القبض، لم تظهر في الصفحات المؤيدة أية إشارة للأمر، واعتبره المريدون استهداف آخر للشيخ، وكانت تقارير إخبارية أشارت الى أن الشيخ الأمين سبق وأن وجه انتقادات حادة لنائب رئيس الإمارات حاكم إمارة دبي محمد بن راشد عقب انسحابه من جلسة القمة الاقتصادية بشرم الشيخ المصرية، بعد أن صعد الرئيس البشير إلى المنصة لأداء كلمته، ونسبت إليه القول: "نائب رئيس الإمارات حاكم إمارة دبي محمد بن راشد، تصرف بصورة صبيانية لم تراعِ المساعدات التي قدمها السودان الى الإمارات طوال تاريخه". لكن مراقبون يستبعدون أن تعمد دولة مثل الإمارات العربية الى استهداف ذلك الشيخ على خلفية تلك الآراء المرسلة، خصوصاً وأن الرجل لا يحمل أي صفة رسمية أو شعبية، وإن كان مقرباً من دوائر رسمية في السودان. ويشير هؤلاء الى أن الدولة المعنية لا تقدم حصانات لأي شخصية أمام القانون الذي يطبق على جميع رعاياها والجاليات المقيمة، مشيرين إلى شواهد منها القبض على شخصيات عربية وأجنبية تتمتع بالشهرة والنفوذ لمجرد الاشتباه في مخالفتها القانون. ورغم أن الجهات الرسمية في السودان تحاشت التعليق على الأنباء الواردة من الإمارات بشأن الشيخ المثير للجدل، فإن مريديه تحركوا لنفي الواقعة من خلال الصحف أمس الأول، قبل أن تعود وتؤكدها صحف في الخرطوم. صعد الشيخ المثير للجدل على واجهة الأحداث بغتة في العام 2012 بعد أن وقعت اشتباكات بين مريدي الشيخ وسكان حي بيت المال، على خلفية مطالبهم برحيله من الحي نهائياً، الحجة التي قدمها السكان كانت الإزعاج الناتج عن نشاط الشيخ ومريديه من الشباب، لكن الشيخ اتهم أيادٍ خارجية بالتسبب بالمشكلة مؤكداً أن زاويته التي عمرها 20 عاماً لم تشهد من قبل أي مشكلة مماثلة. معظم الانتقادات التي وجهت للشيخ في تلك المرحلة كانت حول طريقته المختلفة في استقطاب الشباب والتعامل معهم، والأجواء المفارقة في زاويته الكائنة في بيت المال لأجواء زوايا الصوفية في أنحاء البلاد، غير أن للشيخ المثير للجدل وجهة نظر مختلفة في الأمر وتبرير خاص جداً، إذا يقول" أنا في العاصمة منتهج نهجاً مختلفاً عن التقابة عندي مايكرويف لأنو الناس البتجيني ما ممكن تنتظر لمن أذبح ليه وأسلخ ليه وأولع النار عشان كده نستخدم التكنولوجيا في الأكل وفي كل شئ ونحن في العاصمة ما بتتقبل العصيدة أم دبلبة الا تأكلها براك وهنا لازم تجيب ليهم الهامبيرغر والهوت دوق لكن لو جبته ليك العيكورة أنت دا ما بتقدر تشربها لأنو كل ناس عندهم جوهم، وأنا بجوني أجانب وناس من هولندا وبلجيكا دخلوا الإسلام جديد وناس من الخليج". اللافت أن الشيخ الأمين انتقل من حالة الدفاع عن النفس وعن طريقته المختلفة في التصوف إلى حالة من تعزيز الحضور في المشهد العام بالبلاد، حيث التقطت صور للرجل مع رئيس البلاد قيل بعدها إنها في مناسبة اجتماعية، ومع شخصيات زائرة للسودان ودبلوماسيين في سفارات غربية، لكن الصورة الأشد إثارة للجدل كانت للرجل مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دلقو الشهير بحميدتي، حيث برز الشيخ الصوفي يحمل الكلاشينكوف ويطلق الرصاص. ظاهرة شيخ الأمين الإعلامية، كما يصفها الأخصائي الاجتماعي عبدالرحيم العطا، ليست معزولة عن ظواهر عديدة في مجالات مختلفة برزت في السودان كنتاج طبيعي لعملية من التحول يشهدها المجتمع منذ أكثر من عقدين من الزمان، الظاهرة التي فارقت ما عرف عن شيوخ الصوفية وآدابها تكشف عن مدى التحول المشار إليه، بسبب عوامل مختلفة من بينها الأوضاع الاقتصادية التي أدت الى سيادة القيم المادية على القيم الروحية وتوظيف الأخيرة كمدخل للأولى، وكل ذلك في ظل محيط أكبر من الإحباط والضبابية يلف الفئات المختلفة. الجريدة