الطرق الصوفية شكلت وجدان معظم أهل السودان وتركت آثاراً متعددة ومتجددة في الحياة السودانية منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وتعتبر الصوفية من الروافد المغذية والمؤثرة في تشكيل الشخصية السودانية. التربية الصوفية وما عرفت به من قيم السماحة والتوادد والمحبة وتزكية النفس والسلام الداخلي لتشيع في سمت القلوب هذه القيم الرفيعة والعالية السوامق، هي ما ألفنا في الحياة الصوفية والأدب الصوفي. أما زمان الانحدارات الذي أظلنا جعل الفارهات تصل إلى أدعياء التصوف والترحاب الذي كان مليئاً بالسلام عليكم صار هتافاً ب(الكلاش) في أكبر هزيمة لسماحة الإسلام والمتصوفة. هذا الحديث من وحي زيارة قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) إلى الشيخ الأمين المثير للجدل، وجزء من هذه الإثارة هذا (الكلاش) الذي علا صوته في أعرق أحياء أمدرمان وأحدث الهلع في أوساط اليافعين والنساء، فالأعيرة النارية لم يكن مصدرها يوماً دور الطرق الصوفية. لا مانع أن يقود شيخ الأمين منهجاً لإنهاء صورة الزهد و(الدروشة) التي دمغت مسيرة التصوف بالسودان، ويتبنى ما يسمى بالتصوف الجديد في السودان، وهو المنتمي إلى الطريقة المكاشفية، ويستهدف الشباب والطبقة الثرية، ويستخدم لغة جديدة هي الأقرب إلى مزاج الشباب، ولكن أن يصل به الأمر به لابتداع شكل جديد في استقبال ضيوفه يصل حد إطلاق الأعيرة النارية وببندقية آلية فهذا يعني أنه (عوج الدرب) كما يقول المتصوفة تماماً. بعض أهل المنطقة التي تقع فيها زاوية شيخ الأمين ظلوا يشتكون من الجلبة والضوضاء التي يحدثها حوارييه ب(النوبة) والذكر بالصوت العالي، ولكنهم فشلوا في كسب القضية ضده، وظل موجوداً بالقرب منهم وهم له كارهون، ومنهم من جاهره العداء ونال جزاءه ضرباً بهروات من مجهولين لا يعلمونهم وهو ينكرهم، وبالتالي ما دام أن الأمر وصل إلى استقبال قائد قوات الدعم السريع ب(الكلاش) فهذا يعني أن شيخ الأمين وضع المسبحة أرضاً وحمل (الكلاش)، وهو الشيخ الذي يوصف بالمجدد والمنفتح و(الحوارو جكسي) وفي ذلك دلالة بأن (الجنس اللطيف) يفضلون أخذ (المكاشفية) على يديه. أن يظهر شيخ الأمين مستثمراً في الذهب، أو أن يلبس جلباباً مزركشاً أشبه ب(الهندي)، أو يتحدث صراحة عن دعمه للهلال والكاردينال فهذا شأنه، ولكن أن يحمل السلاح وفي وسط أمدرمان فهذه ظاهرة لا علاقة لها بالتصوف وتعني أنه بصدد إنشاء حركة صوفية مسلحة، فبعض الناس لا يخافون حوارييه لشراستهم أو شجاعتهم النادرة، بل لزعمهم أنهم ربما يحوذون على أسلحة للحماية وقد لا تكون بيضاء. إن مجرد استخدام (الكلاش) وليس (المسبحة) في استقبال الضيوف (الخاصين) لشيخ الأمين يعني أن الفوضى باتت تمشي على أربع، وأن على السلطات أن تجيب من أين تحصل الشيخ على هذا (الكلاش)؟ وهو سلاح تمتلكه القوات النظامية فقط ولا يجوز أن يعرض به غيرها (وكمان) في قلب أمدرمان.. (عرفنا أزرق طيبة وشيخ الزريبة وشيخ كدباس والشيخ الشايقي إلا اللمين أبوكلاش دي شياخة ما دايرنها أخير منها الحوارو بيبسي). الجريدة