حكومة الظل السودانية - سنتان على إعلان التشكيل الوزراي في الرابع والعشرين من ديسمبر 2013 وفي مؤتمر صحفي أقيم في طيبة برس بالخرطوم، أعلنت حكومة الظل السودانية عن أول تشكيل وزاري لها بعد أكثر من 24 شهرا من مجهودات التأسيس والتأطير. وكان إعلان التشكيل الوزراري صافرة بداية لإرساء المشروع على أرض الواقع بهدف تغيير شكل ومفهوم وقيم الممارسة السياسية في السودان لتكون المنافسة السياسية مبنية على البرامج العملية التي تضع الحلول للوطن والمواطن بدلا من الإكتفاء بالشجب والإستنكار والرفض دون طرح حلول عملية لللإشكالات التي يعيشها المواطن السوداني. دعوة للخروج من الثكنات الفكرية (الأديولجيات) والولائات الطائفية والدينية والجهوية والقبلية إلى رحابات التنافس على وضع الحلول المختلفة التي تجعل من المواطن أعلى قيمة في هرم المنافسة السياسية، لا الفكرة و لا الحزب و لا الطائفة و لا المصلحة المضيقة للأشخاص والمجموعات. بعد مرور أربعة وعشرين شهرا من الإنطلاق، ندعوكم لنقف سوية لتقييم التجربة بهدف تطويرها وتقويمها، مبتدئين برؤيتنا لإيجابيات التجربة وسلبياتها والصعوبات التي واجهتها وتواجهها. آملين أن يشاركنا الجميع بالرأي حيث أن المشروع ملك للجميع والهدف النهائي المرجو منه هو الوطن والمواطن السوداني. من أهم السلبيات ونقاط الضعف والصعوبات التي واجهها المشروع: فشل حكومة الظل في إطلاق عدد من برامج وزارتها المعلنة (التعليم، الصناعة، الطاقة، الثقافة) وهذا تقصير منا نعزوه لأكثر من سبب، أولها أن عدد من المنضمين للمشروع لم يطلعوا على أدبيات وأفكار وبرامج المشروع المطروحة والمتاحة للجميع بكل عميق، مما سبب اختلافا حول الأهداف و وسائل العمل. إضافة إلى ذلك أن جل المنخرطين في المشروع هم متطوعون، لدى البعض منهم التزامات أخرى في العمل العام إضافة إلى الإلتزامات الشخصية والمتعلقة بظروف العمل والمعيشة. كما أن الإدارة الداخلية لحكومة الظل تتحمل مسؤولية هذا الفشل لعدم قدرتها على ابتكار حلول لهذا الإشكال الذي تكرر وأدى إلى استقالة أكثر من عضو من المشروع على مراحل مختلفة. ضعف إقبال الأكاديميين والمختصين على المشاركة في المشروع، برغم الدعوات المتكررة التي قدمتها وما زالت تقدمها حكومة الظل للجميع في المشاركة في رسم خطط مستقبلية تفصيلية لسبل إدارة الدولة في السودان. عدم تمكن حكومة الظل من إيصال فكرتها إلى نطاق أعرض من السودانيات والسودانيين خارج أطر التواصل الإجتماعي الإفتراضي، وقد نعزو ذلك إلى شح المورد البشري وطبيعة البنية الهيكلية لحكومات الظل على خلاف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الأخرى التي تمتلك قاعدة جماهيرية وقاعدة مناصرين وأعضاء يمكن أن يساهموا في نشر الفكرة أو انجاح المشاريع العملية على مستويات مختلفة (الطلاب والجامعات، المناطق الريفية ...الخ). عزوف الناشطين السياسيين السودانيين عن المشاركة أو نقاش الأفكار والمشاريع التي تطرحها حكومة الظل رغم أنه من المؤكد اطلاعهم وتفاعلهم الغير مباشر مع المشروع. وقد توقفنا عند هذه النقطة في أكثر من حين لمناقشتها ومحاولة معرفة أسبابها ومعالجتها، وجل ما توصلنا إليه هو أن الناشطين السياسيين الحاليين امتداد للمنظومة السياسية المعيبة في السودان، فهم ليسوا فقط غير قادرين على انتاج برامج عملية مستوحاه من أطرهم النظرية، بل هم غير قادرين على تناول البرامج التي تطرح بالنقد أو القبول أو حتى النقاش. رغم أن الفرق بين السياسي والمواطن الغير سياسي هو فقط القدرة على إيجاد الحلول. كنا قد أوضحنا في كل مؤتمراتنا الصحفية، أننا و نسبة لحداثة الفكرة في السياق السوداني آخذين في عين الإعتبار تعقيدات الواقع السياسي السوداني، كانت المبادرة قد تركت أمر الشكل التنظيمي النهائي لحكومة الظل السودانية ليتفاعل مع محيطه، كان النقاش منذ بدايته يدور حول: هل إذا ما كانت حكومة الظل سيسندها حزب سياسي أم أنها ستعمل بشكل مجموعة ضغط أم أنها ستكون مستودع أفكار (ثنك تانك أو جسم يقدم خدمات النصح وإبتكار الحلول للمشاكل التنموية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية)، ويبدو أن هذه النقطة ما زالت غير محسومة بين العاملين في حكومة الظل السودانية، وقد أصبحت تلقي بثقلها السالب على المشروع. من ناحية أخرى ورغما عن التحولات الكبيرة في السياسة المحلية، الاقليمية والعالمية، لا سيما كم الإحباط العام الناجم عن فشل المحاولات المتعددة للتغيير في السودان والتضييق الذي يمارسه النظام الحاكم على المواطنين في العيش والحرية والكرامة والعدالة، رغما عن كل ذلك إلا أننا نرى أن مشروع حكومة الظل السودانية تأثر وأثر إيجابا في عدد من المناحي، أهمها: التفاعل عامة مع مشاريع حكومة الظل السودانية في ازدياد مضطرد، وقد وصل عدد متابعي صفحة حكومة الظل السودانية إلى ما يقارب ال29 الف متابع، وهو عدد يفوق متابعي صفحة أي حزب أو منظومة سياسية في السودان. نجحت حكومة الظل السودانية في خلق جو عام يؤكد على أهمية عدم الإكتفاء بالشجب والرفض والإستنكار خلال المعارضة، وضرورة طرح حلول عملية للإشكالات المعاشة، ونجحت في تأطير شكل الرفض الجماهيري العام وعزوف الغالبية العظمى من السودانيات والسودانيين عن المشاركة السياسية. ما طرحته قوى نداء السودان في مؤتمر السياسات البديلة هو أول مشروع لمعارضة سودانية منذ ما قبل إستقلال السودان يهتم بالتنظير والتحضير لسبل إدارة الدولة، حيث كانت المعارضة في كل الحقب والأنظمة السياسية التي مرت على السودان، تهتم وتتحدث فقط عن أنظمة الحكم دون محاولة طرح أي معالجات لإشكالات إدارة الدولة، رغم أن إدارة الدولة ومعايش ومشاكل المواطن (من المفترض) أن تكون الهم الأساسي والشغل الشاغل لجميع الأحزاب السياسية. نحن نعزو هذا الاتجاه من المعارضة للضغط والجو العام الذي نجحت حكومة الظل السودانية في خلقه. سهامت حكومة الظل مع مختلف القوى الداعية للسلام في تخفيف حدة خطابات الحرب والإقصاء العرقي. ان التغيير الذي تنشده حكومة الظل السودانية يعمل في دائرة تغيير الوعي لدور السياسة وما ينبغي ان تكون عليه، هذا التغيير يستغرق وقتا طويلا لأنه تغيير في بنية العقلية السياسية السودانية وتغيير لثوابت الطبقة السياسية السودانية التي بنيت على مدى عقود، عليه فإننا نعلم أن هذا المشروع، مشروع طويل المدى وعلى العاملين فيه التميز بطول النفس وعدم استعجال النتائج. نعمل خلال الفترة القادمة على أن نضع أمام الرأي العام تصورنا لخطة تنموية تفصيلية للسودان بالأرقام في كافة المجالات حتى نطرحها للنقاش والتطوير لتصبح قاعدة لحوار مجتمعي واسع وعميق.