في الأنباء أن الأستاذ عبد الباسط سبدرات قد تلاسن مع رئيس البرلمان بسبب كلمة (الاستقامة) الواردة في مسمى قانون مكافحة الفساد، الذي يقرأ (قانون مكافحة الفساد والشفافية والاستقامة)، سبدرات احتج على الكلمة بشدة بينما تمسك بها رئيس البرلمان بعنادٍ حتى كادا أن يتماسكا الحزز، وقد عجبت واستعجبت (وأديت ربي العجب) لهذا الاعتراض العجيب من سبدرات شخصياً، وأوشكت أن أقول فيه ما يقوله المثل (إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً)، ولكن تلطفاً به اكتفيت من المثل بجزئه الأخير لتذكيره بما قد يكون نسِيَهُ، فسبدرات عينه بشحمه ولحمه حين كان وزيراً للعدل قبل نحو سبع سنوات، كان قد قال في معرض حديث له عن مكافحة الفساد ما معناه أنهم في الحكومة يعوِّلون دائماً على "الوازع الديني" لمكافحة الفساد، بل وزادنا من شعر المكافحة بيتاً يقول (المهم ليس معاقبة المفسد.. بل حماية الآخر النظيف)، فكيف بالله عليكم لمن يقول مثل ذلك أن يعترض بقوة على كلمة (الاستقامة)، وما هو هذا الفرق الشاسع بين وازع سبدرات الديني واستقامة إبراهيم أحمد عمر، الذي يجعل سبدرات يثور كل هذه الثورة، ربما يكون الفرق في أن كلام الوزارة يمحوه كلام البرلمان على رأي جارية الخليفة العباسي الأمين ابن زبيدة، التي جرى على لسانها المثل الشرود (كلام الليل يمحوه النهار).. المشكلة يا عزيزنا سبدرات ليست في عبارة الاستقامة وإنما في كيف يمكن مكافحة الفساد سواء بالوازع الديني على رأيك أو بالاستقامة على رأي بروف إبراهيم... هل ترى يكون ذلك مثلاً بأن توزِّع الحكومة مصاحف على موظفيها وتفرض عليهم حلقات تلاوة راتبة أثناء ساعات العمل، لتغذية روح الطهر والنزاهة والاستقامة فيهم، وتنزع عنهم شرور النفس الأمارة بالسوء، ولن تنسى بالطبع موظفيها المسيحيين، فتمدهم هم الآخرين بنسخ من الإنجيل للسبب ذاته، أم كيف تكون هذه الاستقامة التي يطالب بها القانون وربما يعاقب على عدم وجودها، بل قبل ذلك ما هو مقياس هذه الاستقامة وما هي مواصفاتها وكيف يمكن التعويل عليها في مكافحة الفساد، ولنفترض جدلاً أن الاستقامة المعنية تعني ظاهرياً الملتحين الذين تتلألأ على جباههم غرر الصلاة ويشهد لهم الناس بارتياد المساجد وحلقات التلاوة..الخ هذه المظاهر، فمن بربكم غير الله يعلم حقيقة وبواطن أمثال هؤلاء، وكم وكم ممن كان على شاكلتهم وهيئتهم تم ضبطهم والغين في الحرام والفساد، ثم قبل ذلك كله فالدين نفسه قد أشار لمكافحة الفساد والمنكرات بوسائل وطرائق ليس بينها الاستقامة، وفي الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، فإذا عزمت الحكومة حقيقة وصح عزمها على مكافحة الفساد، عليها أن تكافحه بيدها القوية من خلال اتخاذ القرارات القوية والرادعة وب(السيستم) الضابط والمنضبط، الذي يجعل المفسد يتردد ألف مرة قبل أن يحاول السطو ولو على فتفوتة من المال العام... [email protected]