الحديث مع الكاتبة اليمنية ندى شعلان خال من التكلف، بسيط، تقول ما في قلبها وما تفكر فيه بعيدا عن البهرجات اللغوية، صراحتها وجرأتها لا تتركان مجالا للمواربة أو التلاعب معها، الروائية اليمنيّة خريجة بكالوريوس صيدلة وحاصلة على دبلوم في المعلوماتية، صدرت لها مؤخرا عن دار نوفل- هاشيت أنطوان روايتها الثانية بعنوان "بئر زينب". كان ل"العرب" اللقاء التالي مع الروائية اليمنيّة، في حديث عن الثورة والكتابة ووضعية الأنثى في اليمن. العرب عمار المأمون تأخذ الكاتبة اليمنية ندى شعلان من الثورة موقف المراقب في روايتها الأخيرة "بئر زينب"، إذ تكشف عن طبقات العنف الدفينة في المجتمع اليمني، لكن هل ترى شعلان أن جيل الثورة في اليمن على الرغم من الهزائم التي حلت به قادر على اجتثاث هويات الماضي القمعية؟ وهل يمكن تجاوز التآمرات المحلية والدولية تجاه الثورة؟ تستطرد شعلان بقولها وبوضوح: دعني أكن صريحة، بعيدا عن الأجوبة المنمقة والمقولبة، الجاهزة والهادفة لرفع الروح المعنوية للشارع ولو كذبا، باختصار هذا الجيل غير قادر، وغير واع كفاية، ولم يع حقيقة التآمر -الداخلي والخارجي- الذي يهدف إلى إجهاض ثورته ودفعه إلى الاقتتال، الذي سرعان ما انجرّ إليه ببلاهة منقطعة النظير. الكتابة قادرة تحضر في بئر زينب هزيمة المرأة في المجتمع وتقاليده، لكن هل ترى شعلان في الكتابة وسيلة للخلاص، أم لا بدّ من ثورة في سبيل المرأة تضرب المجتمع في عمق تكوينه الذكوري؟ تؤكد شعلان بأنها لم تعد تؤمن بالثورة ما لم يكن هذا المصطلح متبوعا بكلمة "فكرية"، فهي تؤمن فقط بالثورات الفكرية، والكتابة جزء منها بالطبع، وتضيف: إن الكتابة قادرة على بث روح التغيير، لكن القوة وحدها هي التي تفرض التغيير، والمرأة كي تكسب حقوقها وتغيّر من واقعها المأساوي فهي بحاجة إلى الوصول إلى مكمن هذه القوة، وهو بالطبع السلطة. التدوين الذي يقوم به خالد في رواية "بئر زينب" بعنوان "المنسيون"، يتشابه مع مقولة "الرواية ذاكرة المهمشين والمهزومين"، فالكتابة تساهم في التشكيك بشرعية التاريخ ومدى مصداقيته. تستطرد ضيفتنا انطلاقا من هذه الفكرة بقولها إن التاريخ غالبا هو وجهة نظر المنتصر، ومنحاز دوما لمصالحه بغض النظر عن الحقيقة، فذاكرة الشعوب هي التاريخ الحقيقي. وتضيف: الرواية جزء من هذه الذاكرة؛ وبعيدا عن الخطاب الرسمي القائم حاليا، أريد أن أقول إنه في تاريخ اليمن الطويل حدث العديد من المآسي والكوارث لعل أبرزها انهيار سدّ مأرب، لكن يبقى أسوأها علي عبدالله صالح بالطبع، هذا ما يجب أن يتذكره الناس وهذا ما يفترض أن يدوّنه التاريخ. هناك تشوّه جسدي يحكم شخصيات الذكور في الرواية، وكأن في ذلك حكما مسبقا عليها بوصفها خاضعة لهويات العفّ الملتصقة جسديا بها، وتمنعها من الفعل أو تحكم عليها بالفشل، تفسر شعلان ذلك بقولها: في الواقع أنا أهديت -وإن لم أكتب على صفحة الإهداء ذلك- عملي هذا لكل من قيل لهم بأنهم "لن يستطيعوا، ولكنهم استطاعوا". الإعاقة الواردة في العمل هي في الواقع إعاقة رمزية للدلالة على التشوهات الاجتماعية التي تحكمنا وسط هذا الشرق المريض والمضطرب. والانتصارات البسيطة الواردة في العمل هي انتصارات على هذه الإعاقات تحديدا، ودعوة إلى عدم الاستسلام لها. يحضر حاليا التشدد الديني والعنف المرتبط بالرؤية الظلامية للكون، ولا بدّ من دور للثورات وللخطاب الذي تحمله قصد الوقوف في وجه هذا العنف التاريخي، والكتابة كفعل تشكيك بالتاريخ أو كتخييل لأحداثه قادرة على انتقاد هذه البنى الفكرية التي تنشأ الآن، تعقب شعلان: إن الثورات خُطفت من قبل هذه القوى الظلامية، هذه القوى التي وإن تعددت أجنحتها ومسمياتها إلا أن موردها ومصدرها يبقى واحدا، وتتابع: الثورات وإن بدأت نقية إلا أن من يطبق اليوم على خناقها هم أنفسهم من يكرسون هذا الفكر الظلامي، أما الكتابة فأرى بالفعل أنها قادرة على انتقاد هذا الفكر وتحريك شعور الشارع، على الأقل، بالمقت إزاءه. الرواية توثيق العلاقة بين خالد وزينب قائمة على أساس الحكي، وبصورة أدق السرد وارتباطه بالذاكرة وإعادة تكوينها، وكأن ندى تكتب الآن وتأخذ بعين الاعتبار لاحقا، أي حين ستكون الرواية وثيقة تخييلية للتاريخ، لكن هل للكاتبة في ذلك مسؤولية، بوصف الرواية وثيقة من نوع ما؟ تعلق ضيفتنا بالقول: إن الرواية نوع من التوثيق التاريخي للمرحلة التي عاصرها الكاتب. الرواية جزء من ذاكرة الشعوب وتضيف: لقد عاصرت الثورة، نزلت إلى ساحاتها وبالنهاية حاولت نقل ما لمسته وعايشته شخصيا من تجارب بأمانة ودقة، وكما قلت في بداية الكتاب "هي وجهة نظر ثائر بسيط نزل إلى الساحات بانتماء وحيد هو الانتماء إلى الوطن بعيدا عن أيّ انتماء حزبي أو ميل سياسي". النهاية الرومانسيّة التي تنتهي بها بئر زينب تثير التساؤلات، برغم أنها تدعو إلى الأمل، ففي حالة زينب انتهى بها الأمر مع من تحب، لكن في حالة خالد نراه اكتفى بالكتابة وتوقف عن الفعل، تبرر شعلان ذلك بقولها إن الكتابة وحدها غير قادرة على التغيير لكن لها دورا في الدفع إليه. الكثير من التصنيفات تقسم فعل الكتابة إلى ذكورية وأخرى نسوية، فهل كانت ندى شعلان توافق على هذا التقسيم؟ وهل ترى أن ثورات الربيع العربي أنصفت المرأة وحاولت أن تعيد لصوتها الاعتبار؟ تجيب ضيفتنا ضاحكة: هل أوافق؟ الكثيرات لا يوافقن. عن نفسي بصراحة لست متأكدة، فكثيرا ما أغير قناعاتي، لكن حتى هذه اللحظة أقول بأني أوافق على تصنيف الأدب إلى نسوي وذكوري، طبعا مع الاعتبار بأني أقصد هنا الأدب النسوي أيّا كان كاتبه ذكرا أو أنثى، فمن وجهة نظري إنه تقسيم منصف، خصوصا للقارئ، فهذا يسهل عليه اختيار الروايات الأفضل، وبحسب ما لمسته حتى الآن كانت روايات الأدب النسوي دوما أفضل. وتضيف: إن ثورات الربيع العربي -قبل اختطافها- كانت بالفعل قد أعادت لصوت المرأة الاعتبار، لكن بعد اختطافها ازداد الطين بلة، كانت المرأة وقضاياها سابقا في الهامش، أما الآن فهي رسميا في ما وراء الهامش. الطفل الذي خسرته زينب وقتله الشيخ أقرب إلى القربان في سبيل الانعتاق من سلطة القمع، هل ترى شعلان أن القرابين التي تقدمها الثورات العربية الآن كافية للانعتاق؟ تجيب الكاتبة: لا أؤمن بالقرابين، فمنذ متى كانت الدماء تبني أوطانا، الدماء تخرجك من دكتاتورية لتسلمك إلى أخرى، أؤمن بشخص يعلم ويعمل أكثر من ذاك الذي يسمى شهيدا؛ ما الذي يمكن أن يقدمه الأموات على كل حال؟