منذ توليه المنصب، في إطار برنامج الإصلاح القانوني وإصلاح الدولة، صدرت سلسلة من الإجراءات والقرارات المتنوعة من مكتب وزير العدل، مولانا عوض الحسن النور، أثارت ردود أفعال كبيرة وحظيت بنقاش وجدال مستفيضين وسط الخبراء والقانونيين ومختلف الأوساط بالبلاد. واختلف الناس بين مؤيد ومعارض لما ابتدره الوزير من إصلاحات قانونية، غير أن الهدف الأسمى أجبر الكثيرين على تغيير النظرة، والتماهي مع الإجراءات والإصلاحات التي تقودها العدل ورئاسة الجمهورية، والتي بلغت قمتها بفصل منصب النائب العام عن وزير العدل؛ وهي الخطوة التي تنتظر التنفيذ الفعلي. وتشغل حالياً قضية الشيك المرتد الساحة وتسيطر على التحليلات والتوقعات بشأن الجدال الدائر حول إلغاء المادة من القانون، أو الإبقاء عليها، وبلغ الشد والجذب حولها مبلغاً من العصف الذهني والفقهي والقانوني، فمادة يبقى بالحبس لحين السداد ظلت طيلة السنوات الماضية محل جدل وعقدت حولها العديد من الورش واللقاءات والاجتماعات المشتركة والتنسيقية لإيجاد المعالجة للمادة التي يعتقد البعض بأن لها آثاراً وتبعات تتعدى حبس الشخص الموقع على الشيك المرتد؛ منها الاجتماعية والاقتصادية كتشريد الأسر والأبناء وارتفاع حالات الطلاق، فضلاً عن توقف عجلة الاقتصاد. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود ما يقارب الأربعة آلاف مسجون لحين السداد بالبلاد، وبالأمس حذر الاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني من التداعيات التي وصفها بالسالبة والمؤثرة جراء تعديل المادة 179 من قانون الإجراءات المدنية والخاصة بالشيكات المرتدة على الاقتصاد الوطني ومجمل النشاط التجاري، وطالب بإلغاء مشروع أي تعديل مقترح على المادة لأضراره المباشرة، وأكد على أهمية الإبقاء على المادة (179) كما هي دون تعديل؛ (يبقى إلى حين السداد)، باعتبار أن التعامل بالشيكات هو الضامن الوحيد للتعاملات التجارية، وأبان أنه دون ذلك فإن مشروع التعديل المقترح سيؤدي مباشرة إلى حدوث انكماش اقتصادي، وإلى اللجوء للتعامل النقدي المباشرة عوضاً عن الشيكات. وفي المقابل فإن هناك وجهات نظر معارضة للقانون وتعتقد أنه كيدي وأن تعديله واجب وخطوة في الاتجاه الصحيح. ويؤكد مراقبون أن الغرض الأساسي من القانون حينما تم وضعه الإستيلاء على أموال وأملاك الرأسمالية الوطنية، وهو قانون هدف الى انهاء العمل بنظام الكمبيالة التي تسمح للمدين بلملمة أطرافه، وتمنحه فرصة البقاء خارج السجون حتى يستطيع سداد ديونه، إلا أنها الآن لم تعد موجودة ويعامل الجميع وفق قانون الشيكات الذي يحكم بالبقاء حتى السداد، وينتهي الأمر بمصادرة للبيوت والعقارات وتشريد الأسر. ويضيف آخرون أن القانون أتاح الفرصة للجوكية المحترفين للظهور والإثراء عبر امتهان كتابة الشيكات المرتدة. وسبق لرئيس البرلمان البروف إبراهيم أحمد عمر أن فتح أبواباً للنقاش العميق حول القضية الشائكة عندما كان يتحدث في ورشة عمل عنها مطلع الشهر الجاري بالبرلمان. وقتها طالب عمر بإيجاد وسائل أخرى لحل قضية يبقى لحين السداد غير وسيلة القانون الجنائي، وقال إن القضية أصبحت ظاهرة في المجتمع السوداني. وأضاف أن الظاهرة ليست بين دائن ومدين؛ بل هي صورة من صور التعامل الاقتصادي المخل بالدولة، ودعا لعقد ورش لدراسة القضية اجتماعياً واقتصادياً. واستغرب عمر التركيز على المدين وإغفال دور الدائن، وقال لماذا لا يعاقب الدائن؟ ونادى أن تناقش هذه الجزئية بوضوح، مشيراً إلى أن القيم التي كانت تضبط التعاملات الاقتصادية والسوق في السابق قبل القانون الجنائي كانت متيسرة، ونادى بضرورة التحري عن ذمة المدين مالياً، وقال إن قانون كسر البضاعة في السوق يقود للسجن، وتساءل إن كان هناك قصور في حل المشاكل المتعلقة بجرائم الشيكات. حسنا، يبدو أن وزير العدل مولانا عوض الحسن النور عازم على إجراء التعديل ويمضي بثقة لتحقيقه منطلقاً من أبعاد ونظرة خاصة وقناعة تامة بأهمية التعديل حول المادة لتلافي آثارها السلبية، ولكن في ظل الرفض والمعارضة التي يقابل بها البعض الأمر يبقى خيار اللجوء لحل وسط وصيغة قانونية ترضي الأطراف كافة هو الضرورة الملحة والواجبة لتحقيق التوافق حول المادة المثيرة للجدل، والتي يصفها مراقبون بأنها غير قانونية ولا دستورية، حيث أنها أقرت في المادة 243 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983، وهو نص غير قانوني وغير دستوري، باعتبار أن القانون يعد ملغىً بعد أن صادقت البلاد على العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 1986، الذي تنص المادة 11 فيه على عدم سجن أي إنسان بسبب عجزه عن تنفيذ التزام تعاقدي، لذا فينبغى قانوناً، بحسب وجهة نظر خبراء قانونيين، إزالة النص الوارد فى المادة 243 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983، مقروءاً مع الدستور الانتقالي للعام 2005، الذي نص في المادة 27 على مراعاة العهود والمواثيق التي وقعت عليها البلاد، والتي من بينها العهد الدولي الخاص لحقوق المدنية والسياسية. ويقول المحامي والناشط، الحقوقي عوض نصر الدين، ل(اليوم التالي) إن المسألة متشعبة وتحتاج لعصف ذهني وعقد ورش عمل مكثفة لجهة امتداد تأثيرات القضية على أطراف كثيرة - أفراداً وجماعات وشركات ورجال أعمال وغيرهم من الجهات التي يبلغها تأثير الشيك المرتد- ويضيف بأن الفيصل في إيجاد التوافق حول الرفض وقبول مبدأ إلغاء الماده هو جلوس كافة الأطراف القانونية والخبراء والاقتصاديين ووزارة العدل لدراسة القضية بتأنٍّ والخروج بتوصيات توجد التوافق حولها والوصول لصيغة نهائية متفق عليها. اليوم التالي