دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تعرف عن النصف الظلي في شخصية منصور خالد؟
نشر في الراكوبة يوم 12 - 04 - 2016


[email protected]
مدخل :
عرفت الدكتور منصور خالد عن قرب منذ أن هاجرت للولايات المتحدة للإستزادة بدراسة عليا ولمواصلة العمل كمراسل أولا ، ثم مديرا ، لمكتب جريدة السياسة الكويتية بواشنطن التي كنت قد إنضممت للعمل بها فور تخرجي من الجامعة عام 1977 . أما هو فجاء بعد أن نفض يده عن نظام جعفر نميري وإرتحل عن السودان في 1978 منضماً لمعهد ودرو ولسون للباحثين العالميين في واشنطن . حضورنا لهذه المدينة كان متزامنا وصادف البدايات الباكرة من عام 1979 . حصادي المهني من اللقاءات والحوارات الصحفية معه ، طيلة هذه العقود ، كان لقاءا يتيما أجريته بالخرطوم عندما أوفدتني "السياسة" لتغطية المصالحة الوطنية بين جعفر نميري والصادق المهدي وحضور الأخير للسودان في عيد الاضحي - نوفمبر 1977 . كان من المفترض أن ألتقيه والراحل الدكتور حسن الترابي في مناظرة مباشرة أعددت لها بإتقان ، إلا أن الدكتور الترابي إتصل معتذرا في آخر لحظة . المهم ، مابين تلك التواريخ الغائرة واليوم ، مرت سنوات طويلة منذ تعرفي علي الرجل . سنوات حفلت بالكثير وزادت من كثير وتغير خلالها الكثير . أهم محطات اللقيا التي جمعتنا كانت معارضتنا لديكتاتوريتين ضاريتين ، عمل السياسي في إحداهن ثم إنشق عنها ، وصادم الثانية الي أن إعتزل الصدام وخلد للأرشفة والكتابة ، بينما ظل الصحافي علي حاله مع من تنكبوا الطريق الطويل .
تلقيت ضمن كثيرين من خلصاء وأصدقاء الدكتور منصور خالد، دعوة كريمة لتكريمه والإحتفاء به من اللجنة القومية " الاهلية " التي إبتدرت هذه الإحتفالية المُستحقة . فالشكر لهذا الرهط الكريم الذي أحس بهذه الضرورة ، والشكر أجزله للمُحْتفي به الذي أشار عليهم بدعوتي ، مع كُثّر آخرين ، فكلف اللجنة التنسيقية بضرورة إرسال دعوات شخصية بإسمه لهم.
تمنيت الحضور ويقيني أن الصديق العزيز ، الذي خَبَر الزحف مابين المطرقة والمقصلة والسندان كل السنوات مابين 1978-2005، سيتفهم الضرورات الموضوعية التي أجازت لي الغياب . ولأن أجندات الإحتفالية لا تحتمل تسجيل موقف سياسي ، أو التذكير بمرارات ماثلة ، ربما سيكون ملائما البوح ببعض من الذكريات الخاصة . وليذكر من يقرأ هذا المقال ، أن كل حرف فيه خرج بولادة قيصرية فهذه مكنونات شخصية حبستها لسنوات عددا ، وتعانق الضوء ، اليوم ، لأول مرة . أكتب هذه الحلقات النادرة بقرار شخصي أن هذا هو أنسب ماأشارك به كنمط مغاير من الكتابة لما ألفته من كتابات وتدوين. بل هو أيضا غير ما تطرقت له الأوراق التي قُدمت في الإحتفالية . لن أناقش بشكل محوري فكر منصور ولا أطروحاته أو فلسفته أو تجربته في العمل العام ، فهذه مهمة يقوم بها بهمة كثيرون ممن يتناولون الشأن العام . وبالتالي فإن تعرضي لبعض تلك الجوانب لن يكون متعمقا ، إن تم ، ولا يتعدي حدود العموميات المحضة . فقد قررت أن أنصرف لشئ آخر ، وإن كان ذو صلة ، بيد أنه أكثر تركيزا علي بعض الملامسات الخاصة بي لبعض جوانب شخصية هذا الرجل الواقعة في النص الظلي . ففيها كثير مما لا يعرفه كثيرون وربما أسهم في فهمه أكثر
لا أدري لماذا وكيف تقاصرت حكمة أهلنا عن إستثناء التكريم من رازحات الموت ، فكَرّهوا عبارات الشكر والعرفان إلا بعد الرحيل الي دار الخلود ؟ كيف فات عليهم التفريق مابين تعداد المناقب أمام فاعليها إستحسانا وبسطاً لقيم الإقتداء ، وبين الصمت عليها لحين بلوغ الأجل كتابه ؟ لماذا حسبوا كل شكر نعي ، وكل تذكر لجميل مرثية ؟ نحمد الله أن متعك يادكتور برداء العافية لتجلس عملاقا شاخصا بين أحبابك ، مكتمل هندام المَخِيط والذهن ، تستمع ليومين متتاليين لتقريظ من أحبوك كزينة فكرية متفردة ، يُخبرون الدنيا بشأنك ، يمجدون سيرتك ويشكرون رفقتك ...ويظل الفارق بين المرثية الرصينة وكلمة الشكر المفذلكة مرهون بكيفية تصريفنا لفعل الماضي . إذ يتعين دوما الانتباه لتفعيلات الماضي فتصبح مضارعا مستمرا حتي يتفايض الفرح ، ونعترف أن تلكم مهمة لغوية شاقة - تماما كمشقة كتابة هذا المقال الجيّاش بذكريات وجدانية غدت فعل ماض ساقط .
خلال هذه الحلقات الثلاثة من البوح الشخصي سأحكي بلا تسلسل مسبق للوقائع أو مرئياتي الذاتية ، سأترك الروايات والاحداث تتساقط من الذاكرة ، بلا ترتيب منهجي، وفق درجة إلحاحها وتزاحمها تماما كما الحال علي بوفيهات الطعام التي تشترط "السيرفس" بأولوية الحضور .
تساؤلات سرمدية : من هو منصور خالد
لا أعرف سودانيا واحدا نفذ فيه مثقفو بلدنا مبدأ ( الرجل العام ملك عام ) وجعلوه مادة لأحاديثهم ، قدحا ومدحا، مثل الدكتور منصور خالد . فلو كان الخيال وبعض من الحقيقة هما خميرة الاشاعة ، فإن كثيرا من الناس جعلوا الحديث عنه ، والانشغال بأخباره ، مادة لإجتماعياتهم بترخص تام طُوي عنه القيد . وذهب غلاتهم فحمِّلوه أوزارا ليست من صنعه ونسبوا له أفعالا ماسمع بها إلا منهم ، وصحح أخرون معلومات عنه بما هو أفدح بتحليلات تسبح في فضاءات الخيال الشاطح . إذن ، لابد وأن من شئ "ستليثي" مغاير يفعله منصور ، أو يصدر منه كإشارات كهرومغناطيسية لتفسح له هذا الحيز الدماغي الوافر في مخيلة هذه الكتل الآدمية ! هل لأن منصور خالد كان وزيرا ؟ لكن ماذا عساك أن تقول وقد كان آخر يوم دوام له كوزير بوزارة الخارجية هو يوم السبت الموافق 10 سبتمبر 1977 ، أي قبل 38 عاما و8 أشهر ؟ وماقولك عن بلد غدا الإستوزار فيها في يُسر دخول مسجد الحي يوم الجمعة ، لا يحتاج لأئ قدرات أو كفاءات ؟ هل ياتري لأن منصور خالد يصدح كمغنٍ بما يطلبه هو ، ولا يكترث بالمستمعين ؟ لكن ومابالك بهذه الشريحة التي لا تنفك تخاشنه وتتقصّده بالشتم ليلا وتقرأ كتبه صباحا وتتسقط أخباره ضحي وماينفكون يرددون إتهاماتهم له كمحفوظات مدرسية ؟ لماذا يُلقِي مرضي الرّمد السياسي القبض علي ظِله كل مرة ، ودونهم العدو الحقيقي الذي سرق قوتهم ودمر حيواتهم ؟ تحضرني كمثال زيارتي للسودان بعد سقوط نظام الطاغية جعفر نميري ، وكانت الاولي منذ ثمانية أعوام . دعاني نقيب المهندسين لزيارته وكان عضوا بلجنة التحقيق مع رمز الفساد الاول في العهد المايوي ، الراحل الدكتور بهاء الدين ادريس ، والتي ترأسها المحامي الراحل الدكتور سليم عيسي عبدالمسيح . سألتهم إن كانوا تحصلوا علي البيّنات الدامغة التي نشرها الدكتور منصور في حلقات بصحيفة القبس الكويتية ثم وثقها في كتابه الأشهر ( السودان داخل النفق المظلم -قصة الفساد والاستبداد ) ، أجابوني بالنفي وسألوني لو كان من سبيل لأمدهم بنسخة ، فأهديتهم نسختي الوحيدة وغادرت . بعد أيام حضر د. منصور للسودان . وفجأة ، أنفضّ سماسرة الانتفاضة عن حلقات "دلالتهم" ومكايداتهم لدق جرس البلطجة علي رقبة الرجل بإيعاز مباشر ، بل وبمبادرة متحمسة من رئيس لجنة الدفاع عن ذات اللص المايوي الموقوف !!طالب الراحل المحامي عبدالوهاب بوب ، ومعه وزير العدل الانقاذي فيما بعد الرحل عبدالعزيز شدو، بالقبض علي منصور بإعتباره ( أحد رموز مايو ) وأكبر المتآمرين علي الديموقراطية ونسوا أن بعض دعاة القبض عليه ومحاكمته كانوا في قطار مايو حتي آخر محطة له في 1985 . ماشفع لمنصور مغادرته لذات القطار منذ 7 سنوات أو فضحه ، ولأول مرة ، بالوثائق فسادنميري وزمرته ، بل وأن زيارته للسودان تمت بالتنسيق مع النائب العام ، عمر عبدالعاطي ، لتمليكهم أدلة علي فساد جعفر نميري تساعدهم في المحاكمات !! غض النظر عن الحيثيات ، تتبدي براعة منصور خالد أنه ظل ، وبعد 40 عاما من الإستوزار ، مايسترو فرقة قوامها نفسه فقط ، إن نطق حرص الناس علي متابعة قوله بأكثر من حرصهم علي مؤتمر صحفي يعقده وزير الخارجية الماثل !! ظل رجلا فردا ، يعزف علي وترياته عزفا منفردا " ون مان باند " ، لا لجنة مركزية تسائله ، ولا رئيس حزب يستدعيه ويصرفه ، ولا لجان قطاعية ينسق معها . سَمِه طائر السياسة الطليق له قاعدة جماهيرية ضخمة من القراء تتشكل من ألوان الطيف ، لكنها قاعدة بلا برامج وبلا إلتزام بل وبلا حد أدني ...يجمعها يراع منصور وتستطلع رؤاه ،ولا شئ غير ذلك... ولو جاز السؤال ، عن من هم هؤلاء ، فإنهم حتما مريدوه ومعارضوه ، في آن ، إذ أن الرجل لم يجهز في عمره حملة انتخابية ولم يترشح في دائرة ولم يخض لا إنتخابات ولا خور أبوعنجة حتي !
منصور خالد قارئ نهم وكاتب ذو شهية مفتوحة للورق والأقلام . من مسلماته أن المعرفة هي الغذاء الروحي والقراءة هي الغذاء الذهني وكليهما يمثل القوالب الضاغطة التي تطبع رؤي الافراد وتشكل مسارات تفكيرهم ، فالجوهرة ليست سوي فحمة حجرية ماكان لها أن تتلألأ لو لم تتعرض لضغط التشكيل .
قد يُفاجأ الناس إن علموا بأن كل ماخطه الرجل من كتب ومؤلفات ، منذ رحيله عن السودان في 1978 وهجرته الاولي لأمريكا ، كان أما في فندق أو في جوف طائرة تداعب هامات السحاب . ذات مرة ، في منتصف الثمانينات ، هاتفني من الباحة الخارجية لمطار جنيف . كان منزعجا وإن لم تغادره سخريته المعهودة ، وهو يحكي لي تعرضه للتو لسرقة أتت علي كل ماكان يحمله من أموال وبطاقات إئتمانية هرب بها اللصوص اللذين شغله أحدهم بالحديث بينما ذهب الاخر بالغنيمة . قال بلذعة تلهج ببعض من إمتنان ( برضو كويس ، علي الاقل خلوا لي الشنطة الكبيرة بتاعت الكتب والاوراق) وقصد فعلا إعلان فرحته ، فهذه الشنطة الكبيرة وماتحويه من قصاصات هي قدح تخمير عجينة الكتاب القادم. ويالها من عجينة مُكلِفة ، ففيها حصيلة ساعات طويلة من الأسفار وعبور الأطلنطي شدا للرحال لمكتبة الكونغرس لتجميع معينات الكتابة الوثائقية من مراجع وكتب ومذكرات و قصاصات بحثية مصورة !!!
موقف في المنصة الاخلاقية: مابين صلاح أحمد إبراهيم ومنصور خالد
علم منصور عبر سنيه في المحفل العام أن السيطرة علي نقطة الضوء المشعة في منتصف الدائرة وبقدر ما جلبت له من صيت يدغدغ التواضع ويُفْرِح الخاطر ،إلاأن أسرجت جحافلا من خصوم تنوعوا مابين مخاصم في الرأي ، وأضعافهم من مناهضيه حسدا وغيلة ، والعياذ بالله ! أكثر ماكان يستهويني طريقة تعامله مع الامر وقدرته علي فرملة مايعتلج بدواخله من غضب فيبدو مُفرغا من اللهب بل وعاديا جدا ! في حضرة أي موقف عام يعكر صفاؤه هرج الخصوم ، تجده يسبح في هدوئه المتعمد بلا أي اثر للأدرانانيل Adrenaline في عروقه . مزجة من صفة لاعبي البوكر ، وجه منبسط منفرج أمامك كقرص البانكيك ، بلا توترات أو نتؤات ...وحسن إصغاء ومتابعة يحسده عليها من به صمم .
أضف عندك : منصور مستمع فريد !
كان يوما في أخريات شهر مايو 1993 وقد خرجت لتوي من فريضة الحج لا أدري ماذا حدث بالعالم من حولي لأسبوع كامل ، ففي تلكم الايام لم نعرف المحمول ولا الانترنت بعد . وصلت لفندقي بجده وهاتفت الزميل الصديق السر سيداحمد عن مستجدات الانباء . صعقني بنبأ وفاة الشاعر الكبير الاستاذ صلاح أحمد إبراهيم ، رحمه الله منذ أيام ! هزني النبأ ورجف له قلبي ليس من باب الحزن فقط ولكن لأمر أخر ماعلمه سواي والدكتور منصور خالد . فصلاح ، الشاعر المرهف وصاحب القلم الرشيق كان أحد القامات السامقة ، بل والنادرة جدا ، في الأدب والكتابة السياسية في بلادنا . توفر علي قلم كنت ، كغيري من الالاف ، أحرص علي متابعته إسبوعيا في مجلة الدستور البعثية التي صدرت من لندن في الثمانينات . بيد أن قلمه الرشيق ماترك لدكتور منصور خالد من جنب للإتكاء ، فقد ظلت سياط كلمات صلاح تجلده ، ولسنوات ، بلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة . وصلاح إن قدح شطح ، وإن ذم جرح وإن هجأ أدمي . ظل قائما علي منصور لايغادره أبدا في سلسلة حلقات جمعها الناس وحرصوا عليها بأكثر مما تابعوا مفاصلته العلنية الأشهر مع عمر مصطفي المكي وعنوانها الموسوم " إرم السيف يامسيلمة فشرف المبارزة قاصر علي الشرفاء ". كان صلاح أديبا فطحلا وأمدرمانيا قحا ، سَمِّه صعلوكاً أدبياً ظريفاً ! له مفردات لا تتوفر عليها في سوق الكتابة ، فهي صنيع منسجه الخاص من بلاغة وظرف و تريقة وخيال آخاذ . تأمل بيت الشعر الذي يهجو فيه زميله في حنتوب جعفر نميري وستفهم بعضاً مما نرمي اليه ، قال صلاح في من زماله في حنتوب ( أنت بَغْلٌ تغلّب فيه نصف الحمار ) ويالها من "هاتريك " في الذم والهجاء جمع فيها ثلاثية منقصات هي كرش البغل وقبحها ، وتغليب بلادة الحمار في نميري بإنقاص النصف الحصاني المعتاد في المشاركة التهجينية ، اما بلاغة عدم قدرة البغل علي الإنجاب فكانت الضربة الكبري تحت الحزام ، ولا نزيد !! تخصص صلاح في منصور وعنوّن سلسلة مقالات هجومية أسماها ( منصور خالد ، دينكا بور ) متوافقا من خط المجلة ، المعادي تماما لمناصرة منصور خالد لأفريقية السودان وإنجذابه لحركة قرنق ( ترأس تحرير مجلة الدستور القيادي البعثي شوقي ملاسي بميزانية سمينة من بلاد صدام حسين التي تنكر علي السودان أفريقيته تماما ولا تري فيه الا العرب والعروبة والتعريب ) . صال صلاح وجال ومنصور مستكينا ، يرجع بعد كل جولة الي ركنه في الحلبة راميا يديه بلا قفاز ...ولا رصيد من نقاط. تساءل الناس ، كل الناس ، عن سر هذه الاستكانة وأحار صبره من وصلوه بالسؤال ، وكنت من ضمن هؤلاء! قال لي باقتضاب أن لصلاح يوما سيأتي . كان يفوق في صبره علي هذا الأذي ، وحُلْمه المتحمِّل لنكران الجميل ، ماكان يرويه عن والده الافتراضي عبدالله بك . ففي روايته أن صحفيا شهيرا في ذلك الزمان تخصصت صحيفته في شتم حكومة عبدالله بك والتنديد بسياسته . إلا أن الرجل كان أول الحضور لمجلس شاي المساء في منزل رئيس الوزراء الذي كان يؤمه العشرات من أصدقائه . يحضر الرجل وينزوي ، "يشفِّط" الشاي ويستمع للموضوعات المطروحة ويسجل كل شئ في ذاكرته .وبعد فترة يودع المجلس وينطلق لصحيفته ليخرج مانشيت اليوم التالي خبرا من ذات الجلسة ...مهاجما عبدالله خليل بضراوة ! إحتار أصدقاء عبدالله بك في أمر الرجل وفاتحوا سيد الدار بغضبهم بل وسأله أحدهم إن كان يقرأ مايكتبه هذا الصحفي ، كان رد البيه صاعقا في حلمه ( اللي بكتبو في جريدته هو أول شئ بقراه في الصُبح مع القهوة ...انتو زعلانين ليه - عشان بيشتمني ؟ طيب لو هو عشان يعيش لازم يشتمني ، ماتخلوا الناس تعيش ؟) ....وياله من درس !
إنتظرت ماسيكون عليه أمر منصور مع صلاح . توالت السنوات وأنا علي رصيف الانتظار الي أن إتصل لي يسألني عن برنامجي الصيفي ذات عام فأخبرته بمهمة إستشارية لثلاثة أشهر في جده للمشاركة في إصدارة متخصصة للمجموعة السعودية للأبحاث هي صحيفة (الاقتصادية) التي ترأس تحريرها الزميل السعودي الاستاذ محمد التونسي . أوصاني بالاتصال وأنا في طريقي لجده عبر القاهرة بمن سيوصل لي أوراقا هامة كلفني بقراءتها والتعليق عليها بسرعة لأنها جزءا من باب هام في كتاب علي وشك أن يدفع به للمطبعة . هفوت كعادتي ، لأقرأ ما خصني به رغم عدم علمي بالموضوع . وصلت جده وفي شنطتي نصف باب كامل خصصه بالكامل لصلاح أحمد إبراهيم ! نعم ، نصف باب مكتمل الحواشي والمتون والشهود المرجعيون . لا أذكر أن مرّدتني القراءة وحبستني بمحض ارادتي في فندقي ، هجرا وتملصا من دعوات جموع من الأهل والأصدقاء بمثل مافعلت أوراق منصور في مرافعته التأريخية علي إتهامات صلاح له عبر سنوات طويلة . في كل كتابات الرجل ، غض النظر عن موقفك منها ، تتجلي قدرته الفريدة في نقل الناس من محطة إنتظارهم الراهنة ، الي فضاءات لم يطأؤها. فحروفه قيثارة طرية العود تطربك سمعاً ، وتطيّب أذنك بعذوبة الإختيار والتناغم النصي ، وترتاح عيناك عند تراكيب المعاني ومعمارها ، فلا تبرحها وتعيد إستهجائها وتأملها مرتين وثلاثة لئلا تفقد أي من ممكنون متعها فلا تدري كيف طوّع الأدب ليزحم به مفردات السياسة أو مزج علوم الدين بالدبلوماسية أو حاضر عن التنمية والبيئة وهو رجل قانون !
بيد أنه كان عنيفا ودمويا وثأريأ هذه المرة ، ماترك من سر إلا وفضحه ولا من مستور إلا وكشفه .
تساءلت ....ماذا تراني سأفعل بهذه المادة المفعمة بالقنابل العنقودية سريعة الانشطار ، هل سأسلمها للناشر حسب الاتفاق ؟ وزاد من محنتي أن د.منصور أستعجلني مرة بالفراغ منها وسرعة إرسالها والان مات موضوعها وتبقي لحاملها يومين لمغادرة لقاهرة ؟؟ إتصلت بسكرتيرته وبدون تفكير أخذت رقم الهاتف الذي يتواجد فيه . نسيت أبجديات الاتصال الدولي بمعرفة بلد الهاتف ومن ثم مضاهاة فروق الوقت ، كان لُبْي وكل شئ فيّ مشغول بمالآت الاوراق وقد أنفتح باب الاحتمالات ولابد من كلمة فاصلة من صاحب الشأن . اتصلت . جاءني صوته متحمالا كسولا من النوم ، اعتذرت وسألته عن مكان وجوده فكان علي بعد 6 ساعات بالعاصمة البرازيلية بونس آيرس يحضر قمة الأرض . دخلت توووش في الموضوع ( صلاح أحمد أبراهيم قبل يومين ..مغادر للقاهرة بعد يومين ماذا أفعل بالاوراق ) ؟ صمت قليلا وسمعت 4 كلمات نفض صوته فيهن الكسل ، فجاء مذعورا ( معقول!! لا ياخ ...لا ياخ ..ياسلام ) لم أجب بشئ سوي كررت أن الموت خطفه قبل يومين واردفت ( مااذا أفعل بالاوراق ) لم يتلكأ وقال بإنجليزية مجيدة
Just discard them . He is not going to be here to defend himself . Please , just totally forget the papers you have
(فقط تخلص منها . لن يكون موجودا للدفاع عن نفسه . أرجوك أن تنسي الأوراق التي لديك تماما)
هذه المنصة الاخلاقية الرفيعة ، لا تحتاج لشرح ، فلعمري أن بلوغها والوقوف علي أرضيتها فيه شرف لا ينعقد إلا لرجال علموا قيم العلو والسمو .
منصور عبدالله خليل ... و الإنتصاف للأحياء
إن سألت منصور خالد عن دور عبدالله خليل في حياته باغتك فورا ( كان بمثابة الاب لي !) . لا يعرف غمطا لحقوق الناس ، أو نكرانا لجمائلهم ، فقد عرفته مهتبلا للسوانح ، وفي كثير من الاحيان صانعا لها ، للتعريف بعرفان قديم ، فيُضخِّمه مهما صغر فيتراءي كتوهج مجرات السديم . يردد قوله عن عبدالله "بك" فورا وبلا لكلكة أو حرج ، فيقدمه علي أسرته ، وأسرته - لله درها- هي درة التاج الأمدرماني المُرّصع بجدوده أخيار العمراب ، سلالة وديدة بنت الشريف حمد الدنان . ولا شك أن إسهاب منصور في التعريف بسجايا رئيس وزراء السودان السابق ، المرحوم عبد الله بك خليل(1956-1958) يجمع مثوبتين : صدقة جارية للراحل الكبير وقيمة إنسانية رفيعة للمادح الذي ظل يتصدي بهمة منتصفا لمن ظلموه بقالةٍ ، أو موضحا الخلل لمن إنتقصوا حقه . كان هذا ديدنه مع من يقدحون في سيرة الغائبين بجهل وتقحُّم ، فينتصب محاميا ساعيا بالعدالة للأموات من ظَلَمتُهم الأحياء .
في سبتمبر 2012 كتبت خاطرة عن الدكتور فرانسس دينج . كانت خاطرة مفعمة بذكريات متلاطمة يوم أن رأيت د. فرانسس في التلفاز يسلم أوراق إعتماده للأمين العام للأمم المتحدة ، بان كي مون ، سفيرا لجمهورية جنوب السودان السودانية ، المنشطرة عن خريطة ألفناها فرسمنا كنتورها بدقة في اليقظة والمنام . بعد ساعات كانت شاشة بريدي الاليكتروني تشع برسالة من الدكتور منصور أهميتها الخبرية بالنسبة لي أنها تدحض فورا ماظللت أسمعه من حسد منصور ومكايداته وكرهه بل وغيرته من فرانسيس ، جاء في جزء من رسالته الانجليزية
( Francis is a noble man who had been misunderstood by some and misprised by many duds who hardly measure up to his stature )
(فرانسس رجل فاضل أُسيئ فهمه من قبل البعض ، ولم يقدر قيمته كثير من الرجال الذين فشلوا في بلوغ قامته)
بل وحتي خصومه المبادرين للنيل منه يكون حظهم من معاملته الاحترام والتوقير ، من هؤلاء الوكيل الاقتصادي بإحدي الوزارات . إستقدمه د.منصور سفيرا بوزارة الخارجية للإستفادة من معارفه الإقتصادية ودربته في التخطيط .كان الرجل مسكونا بفكر عروبي شاطح من النوع الذي يُعْمي الأبصار عن حقائق بديهية مثل ان السودان بلد أفريقي سكانه في الأصل زنوج وأفارقة أتت اليهم بعض القبائل ذات الجذور العربية !! بيد أنك لو سمعت هذا الوكيل مفاخرا ومتحمسا لعروبة السودان ، لظننت أن المتنبي كان من مواليد كادوقلي وهاجر مع جده الي أرقو ليستقر به المقام في " فريق فنقر" بحي العباسية ، ولحلفت أيمانا مغلظا أن سيف الدولة إنتقل من دولة الخلافة في مدينة زالنجي وسكن طوكر !!! كان الوكيل العروبي لا يرمش له طرف ولا يحس بالخجل وهو ينكر علي أهلنا الاخيار في هذي البقاع السودانية الأصلية حقهم في الإحتفاء بمواطنتهم السودانية الأصلية وثقافاتهم المتميزة رغما عن عدم عروبتهم . وبرغم كل ذلك ، فإن نقد الرجل العلني لوزيره المتمسك بالهوية الهجين للسودان ، لم يكلفه إنتقاصا في الحقوق أو يتسبب في تشفٍ إداري أو قطع للرزق . فعلي العكس تماما ، خصه وزيره بترفيع راتب وزخ من ترقيات مستحقة . ولعلنا نذكر هنا أن إنجذاب منصور لزنوجة السودان كان في أساسه متوازنا ومعافيا من غلواء الافريكانية المنغلقة علي نفسها أو المتربصة بالاخرين فيما يعرف بالتعنصُر العكسيReverse Racisim ) ) . أسأل ملفات الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية السابقة عن دور بسمارك الدبلوماسية السودانية ونجاحه في الخروج بمنظمة التحرير الفلسطينية من الانغلاق العربي- العربي الي سوح العمل الأفريقي . أسأل كيف هندس ،أولا ، ثم أمّن حصول المنظمة علي أول مقعد بصفة عضو مراقب بالقمة الأفريقية بالصومال في 1974 ! يومها نزل ممثل منظمة التحرير في القاهرة ، جمال الصوراني ، يتبختر خطوة بخطوة وكعب بكعب يقود وفده الفلسطيني من درج طائرة سودانير الرئاسية ضيوفا علي القمة معية وفد السودان برئاسة النميري ووزير خارجيته. أصاب الذهول اسرائيل علي هذا الاختراق الدبلوماسي لقارة بكر هيمنت عليها بسطوة تجارية وعسكرية منظورة ، وغير منظورة ، إذ إحتكرت تجارة الالماس والذهب والسياحة والبترول وغذّت حلفائها بالمساعدات العسكرية والتقنيات الزراعية والهندسية السخية . كثيرون لا يعلمون أن العلم السوداني يوم أن رفرف في سراي الخرطوم عام 1956 ، كان العلم الاسرائيلي يرفرف في سماء أكرا ( غانا) في ذات العام ! بل وتتالي صعود اعلام نجمة داؤد في بضعة كبريات العواصم الافريقية منها أثيوبيا ، جنوب افريقيا ، الكاميرون ، ساحل العاج ، أفريقيا الوسطي كينيا وانجولا والكونغو وغيرها .
لم يقف جهد خارجية منصور عند حد الفسلطينيين .بل تمكن من إستحداث وتنفيذ فكرة أول قمة رئاسية عربية أفريقية مشتركة في الجزائر عام 1975 قال فيها قولته الأشهر التي جهلها العالم العربي وسقطت من مخيلة الافارقة ( أفريقيا هي الامتداد الاستراتيجي للعالم العربي ففيها يعيش ثلثي العالم العربي ، بل هي الموطن الجغرافي الأكثر أكتظاظا بالعرب من بلاد العرب التأريخية) .
شذرات من أحاديث : الموضوعية وعمود الخارجية ودعمه للشباب
الحديث عن موضوعية التقييم وركون منصور خالد لهذا النهج العلمي المستير لابد وأن تُقرن معه صفة أخري لصيقة به وهي خروجه عن المألوف وتمرده علي القالب الجاهز . والصفتان لا يمكن إسقاطهما علي مواقف دون أخري إذ يؤخذان في المُجمل . فمثلا ، هذه الموضوعية هي التي جعلته يدخل في معركة مفتوحة مع ديوان شؤون الخدمة ، في منتصف السبعينات ، عندما قرر أن يجعل الكفاءة والجهد أساسا للترقيات في وزارة الخارجية وألغي معيار الاقدمية وزحف الصف الذي يستثقله الوثّابون من المثابرين ، ويستميت فيه الكسالي عديمي الخيال المهني . فكرهه للمألوف ومعاداته للرتابة يتبدي واضحا في هذه المظلة التي قذف بها فريقا قوامه 18 من شباب الخارجية ليتقدموا الصفوف ! وقديما قيل أن الخروج عن المألوف من النِّعم التي لا يتوفر عليها سوي المبدعين من يتمطي أفقهم فيسبق رؤاهم ، فيستأمنوا المجهول ويتنكبوا سكة الإبداع غير هيّابين . رقي الوزير بضعة نفر من "شباب" الخارجية مستحسنا جهدهم المبذول في البحوث والتقارير الراتبة التي دفعوا بها للوزارة من بلدان تمثيلهم ( اذكر من هؤلاء الدبلوماسيين الافذاذ ممن سموا بأولاد منصور ، الصديق العزيز الدكتور عطاالله حمد البشير ، الامين العام السابق لمنظمة الايقاد الذي قفز عبر زانة الانجاز " المنصورية "من منصب السكرتير الثاني الي المستشار من دون أن يري الوزير الدبلوماسي الشاب أو يتعرف عليه . أما الكفاءة التي ميزت عطاالله فقد شهدنا عليها ونحن حفنة من الطلاب والطالبات السودانيين المبتعثين لجامعة الكويت حين أشرف علينا هذا القنصل ، آنذاك ، متحملا مسؤولية المستشار الثقافي ) .
إذن هو واحد في زمرة نفر قليل يثقبون بالونه محيطهم ويغادرونها بجرأة للسباحة في فضاءات بلا أسقف وبلا كوابح . منصور خالد يجد في الريادة بعض من نفسه وإن حدثني مرة أن الشخص المسكون بالزعامة والرئاسة هو " شخص معتوه ...." الأول ليه ؟ الثاني مالو ؟" قالها مستنكرا ومتحديا . ورغم كل ذلك ، فقد بني له رصيدا شخصيا في قائمة ( هو أول من ) في دنيا براءات الإختراع اسودانية : فهو أول من بني منزلا فيه نصف بيزمنت في الاستقبال ، فينكشف باقي المسكن أمامك ، لكنك لن تري شيئا ! وهو أول من خاصم " ابوسبعين " وغيره من الاعلاف وتربية منتجات الكلسترول من لحوم وألبان ، ليخصص مزرعته لتنتج زهورا إستوائية للتصدير لأوروبا ! وهو أول من يفكر في بناء مكتبة ديجتال مجانية لطلاب العلم علي الطراز الغربي الحديث مكتملة الأثاث بطوابق متعددة في بيته "الموروث "الملاصق لمسجد جده في حي الهجرة بأمدرمان تطل علي 3 شوارع ، مكتبة في ارض خاصة وفي حي خاص مفتوحة لطلبة العلم من كل السودان .. ومجانا ؟
وثمة كلمة عن هذه المكتبة بالذات ، ومالها من دلالات أُخر .
لتنفيذ التصميم الهندسي لمكتبته ، تجاوز دكتور منصور كل بيوت الخبرة الاستشارية العملاقة بالخرطوم ، وإختار مكتبا هندسيا سودانيا صغيرا ومغمورا لكنه مُشرِّف القدرات ، ولا يقل عن مستويات بيوتات التصميم العالمية . عهد لهم تصميم مكتبته المجاورة لمسجد جده الشيخ محمد عبدالماجد في حي الهجرة . الدلالة الأهم في الإختيار هي أن مؤسس وصاحب هذه المكتب هو المهندس المعماري "الشاب" محمد عبدالحميد بخيت خريج جامعة الخرطوم دفعة 2001 وحاز علي الماجستير من سويسرا ، منحه د.منصور ثقته رغم أن محمد من مواليد عام 1978 ، أي العام التالي منذ أن ترك منصور آخر وزارة وهاجر للخارج !
لست ترانا بحاجة لإستخلاص دلالات هذا الإختيار إذ تتجلي فيها واحدة من مزايا الرجل وسعيه الدؤوب لكسر الحواجز مع الأجيال الجديدة ، وبالذات فئة الشباب ، بمنحهم ثقته التامة لإثبات قدراتهم .
هذه الروح الشابة التي لا تشيخ قال عنها في موضتها وشارلستونها الراحل عمر الحاج موسي يوم أن بايع النميري لرئاسة جمهورية ( جئنا اتنين الف مندوب وهنا في هذه القاعه جلسنا قيافه بعافيتنا وسلامتنا . جئنا من عاج وحجل وسديري وقفطان وملفحه وعبايه ومنصور خالد ) . وهي روح من عجينة ماعرف به نجم محطة ABC News المذيع الامريكي " ديك كلارك " الذي بموته في 2012 شغر لقب " أكبر شاب في أمريكا "America oldest teenager . سيظل هذا التواصل مع الأجيال اللاحقة أحد العلامات التجارية الخاصة بمنصور خالد ، فهو تواصل جامع لايستثني مهنة أو شريحة عمرية أوجندر أو عرق ، بل وأحيانا تجد بعض من يتواصل معهم في تضاد كيميائي محير مع آخرين في ذات دائرته ، فيشيب شعرك ! أنها صنعة منصور الفريدة وكيفية تخيّره للاصدقاء .
يتعامل منصور مع الناس مستعينا من قواعد الدبلوماسية بركنين ، أولهما الغموض البناء Constructive Ambiguity ، فلا يعرف المُخْتار شيئا عن سبب إختياره أو درجة قربه من الرجل الأسطورة ، فيفرح وينطط . وثانيهما ، في ظروف شح من هم أقرب الي تفضيلاته ومزاجه ، فغالبا مايعتمد علي نظرية "غياب البدائل" ، فيختار الأقرب الي مزاجه وتفضيلاته فيعزز رضاه في من إختار بإعتبارهم الأقرب وليسوا الأمثل . في الحالين ، يكون قد ظفر بأمر هام وهو إعتقاد المُخْتار أنه من خلاصة الخلصاء من ذوي الحظوة ، فيتركه منصور يهنأ بهذه الإعتقاد فلا ينتقص منه ولا يكدر فرحته ، وفي المقابل يحصد ولاءا مستداما . هذا فيما يتصل بغالبية الناس المتحلقين حوله ، لكنه عندما يختار خاصته فهو لا يتردد في الجهر بتفضيلاته . من هذه التفضيلات الراسخة كانت علائقه بالمرحوم الرائد فاروق حمد الله الذي أعدمه النميري مع في يوليو 1971 . فرغم تعامله مع كل الاخرين من رموز مايو إلا أنهم علموا بصلته الوشيجة بفاروق حمدالله
نواصل الحلقة 2 في الاسبوع الفادم بمشيئة الله
لمطالعة تقارير لكاتب السابقة بإرشيف الراكوبة أضغط علي هذا الرابط
[/size] http://www.alrakoba.net/articles-act...cles-id-88.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.