حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصور خالد.. صفويٌ ضد الصَّفوة .... بروفايل: حسن بركية
نشر في سودانيل يوم 26 - 06 - 2010

منصور خالد شخصية مثيرة للجدل, فهو السياسي والمثقف والمفكر الذي ما أن يسمع اسمه البعض حتى يتضجر ويسخط, والبعض الآخر يذكر اسمه مقروناً بالعقل والتميز والثقافة العالية. للرجل أيضاً قلمٌ له أنيابٌ وأظافر.. كتاباته تتميز بقدر عالٍ من التوثيق والموضوعية حتى وإن اختلفت معه.. وأكثر ما يغضب منصور خالد أن تسأله عن دور الغرب وإسرائيل في مشاكل السودان الداخلية وإلقاء كل مشاكلنا على الخارج، ويرى الرجل أن مثل هذا الطرح هو بمثابة بحث عن حائط المبكى كثيراً ما يقوم بديلاً تعويضياً متوهماً مكان البحث عن العلة الموضوعية.
منصور خالد من الجعليين العمراب ولد بمدينة أم درمان في ديسمبر 1931م، نال بكالاريوس قانون جامعة الخرطوم 1957م، ماجستير قانون من جامعة بنسلفانيا 1960م، دكتوراة في القانون الدولي من جامعة الجزائر وجامعة باريس، عمل محامياً خلال 1957م 1959م بالخرطوم ثم ضابط قوانين سكرتارية الأمم المتحدة بنييورك عام 1962م، ثم ممثلاً للأمم المتحدة بالجزائر وعضو مكتب العلاقات مع الدول الأعضاء، ثم أستاذاً زائراً للقانون الدولي بجامعة كلورادو 1968م، ثم وزيراً للشباب والشؤون الاجتماعية 1969م 1971م، ورئيس وفد السودان للأمم المتحدة للدورة الخامسة والعشرين 1970م، ثم مستشاراً وممثلاً شخصياً للمدير العام لليونسكو 1970م، وكان المندوب الدائم للسودان في الأمم المتحدة من أبريل يوليو 1971م، ووزير التربية والتعليم خلال 1975م 1976م، ثم وزير الخارجية ومستشار الرئيس وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي 1974م 1978م, ومستشاراً للتمويل والاستثمار بلندن.. ومنذ عام 1985م انضم للحركة الشعبية مستشاراً لقرنق.
منذ أن كان منصور خالد طالباً بمدرسة وادي سيدنا الثانوية له شخصية متميزة, وطابعه الخاص لم يكن مثل الطلبة الآخرين, حيث تجده مشاركاً في النشاطات السياسية مع الطلبة، وكان معتداً بنفسه، في عطلات الجامعة كان يسافر إلى أوربا, ولم لا؟ فأهله من ذوي اليسار والمقتدرين وهذا الوضع جعل الرجل موضع حسد وحقد ونفور ممن حوله، منصور كان واحداً من الطلبة اللصيقين بعدد من الأساتذه الأجانب, وكان هذا أيضاً مبعث شكل جديد للاتهامات حوله.
عند قيام ثورة مايو 1969م أصيب مجتمع الخرطوم بدهشة بالغة، الثورة كان لحمتها وسداتها اليساريون والقوميون العرب, وكان الجسم الغريب بينهم د.منصور خالد, فلا هو من هذا ولا من ذاك، وازدادت الدهشة عندما عرف الناس أن محجوب عثمان من قيادات الحركة الشيوعية وعضو اللجنة المركزية رشح منصور ليكون وزيراً لوزارة الشباب والرياضة، لم يمكث منصور طويلاً في وزارة الشباب وانتقل بعدها إلى وزارة التربية والتعليم, ثم إلى وزارة الخارجية، وفيها وبحكم تكوينه الدبلوماسي والسياسي أعطى الدبلوماسية السودانية لون الاعتدال, وأزال كل رواسب الماضي لحكومة مايو, ومن مقعده بالخارجية تمكن من استقطاب دول الغرب وأمريكا نحو التعامل مع السودان بروح الود, ثم تحقيق المصالح المشتركة بينها وبين السودان, وربما يقال إنه نجح في تغيير سياسة مايو الاشتراكية ونقلها إلى تيار التكتيك الغربي في محل حطام النهج الاشتراكي الشيوعي، ومع هذا النشاط السياسي خلق منصور في داخل وزارة الخارجية (شلة منصور) أو (أولاد منصور), وخلق كتلة من الأصدقاء المقربين له حسب مزاجه وميوله الخاصة.
ثم غادر منصور البلاد تاركاً خلفه نظام نميري وموقعه الفريد في سدة الحكم, وبدأت مرحلة جديدة من حياة الرجل قام فيها بتوظيف قدراته الفكرية والسياسية في نقد مايو والرئيس نميري على وجه الخصوص, وكتب مقالات مشهورة في عدة صحف خليجية، وأيضاً قبل خروجه من البلاد كتب منصور خالد مقالات مشهورة وهو في السودان بعنوان: (لا خير فينا إن لم نقلها), وبعد خروج الرجل من السودان قال في نميري ما لم يقله عبد الله حمدنا الله في أغاني الحقيبة.. والسؤال: ماذا كان يقول منصور خالد عن نميري عندما كان جزءاً من حكومته, وماذا قال بعد خروجه؟. سوف نأخذ نموذجين ونترك الحكم للقارئ: عندما كان منصور في مايو وصديقاً حميماً لنميري قال ذات مرة لمجلة الحوادث البيروتية في حوار صحافي: (إن نميري رجل رشيد ومحنك وإنه واجه 13 انقلاباً عسكرياً قضى عليها تماماً ولا يحتاج نميري إلى رجل يرشده).
وبعد خروجه كتب منصور خالد معبراً عن رأيه عقب اغتيال الأستاذ محمود محمد طه ما يلي بالنص: (محمود لا ينكسر أمام الموت كما يفعل إمام آخر الزمان, والمقصود طبعاً هو جعفر نميري, الذي أكلاه السعي وراء الحياة فراراً في كل معركة, ولواذاً عند كل لقاء وتهالكاً أمام كل مجابهة، وأين حلم محمود من غلوائه؟ وأين تواضع محمود من خيلائه؟ وأين جرأة محمود من انخذاله وانزوائه؟ لقد اغتال النميري والعصبة التالفة من خلفه من كل مشعوذ ومنافق ومتاجر بالدين, لقد اغتال كل هؤلاء باسم الدين الإسلام والمسلمين مفكراً حراً أعزلَ من كل سلاح إلاّ القلم، الإمام النميري هو أول الناس إجفالاً عندما يلوح له بالعصا, ما سلَّ سيفه إلاَّ أمام أعزل, وما طالب الطعن والنزال إلا في ساحة خلاء، ودون الناس تضرعه للصنديد جون قرنق في أدغال الجنوب). إلى هنا انتهى حديث منصور خالد.
للرجل علاقات متوترة مع بعض السياسيين والمفكرين السودانيين على رأسهم الصادق المهدي ومحمد إبراهيم الشوش وغيرهم, والكل يذكر مقالاته الشهيرة في صحيفة الرأي العام بعنوان: (ويلٌ لهم: الإمام الحبيب والدكتور الأديب وصاحب المنبر المريب).
وفي هذه المقالات حدثت مخاشنات بين منصور خالد والشوش ووجه منصور خالد انتقادات لاذعة للشوش وتحدث عن جاهلية سفيانية، أما الشوش فكتب رداً على مقالات منصور خالد وقال: (انتظرت بشغف حقيقي أملاه حسن ظن في غير موضعه ما وعد به منصور من مساهمة أسبوعية في صحيفة الرأي العام, فجاء الرجل منتفخ الأوداج نافشاً ريشه يختال زهواً اختيال الهلوع الذي ظن أنه تمكن من امتلاك الحسام, واقترب من تحقيق أحلامٍ ظن أنها تبددت وضاعت, وكعادته امتلأ مقاله بكلمات طبولية صاخبة لا تعني شيئاً ولا تدل على شيء).
في كتابه: (النخبة السودانية وإدمان الفشل) ألهب منصور خالد ظهور الكثيرين بسياط النقد الحادة, ولم يسلم إلاّ القليل من قلم منصور خالد, وتعرض كل من (الصادق المهدي، الميرغني، الترابي، النصري.. إلخ) إلى انتقادات حادة من الرجل.
عبد الرسول النور إسماعيل قال: (إن منصور اسم لمع لسنوات طويلة في سماء السودان, وهو من المثقفين القلائل الذين يمكن أن نطلق عليهم لقب متعلم ومثقف, حيث أنه يجيد العربية والإنجليزية بطريقة مدهشة, وهو دارس للفقه على مذاهبه المختلفة, ويحمل ذخيرة كبيرة من الشعر يستشهد بها ويتمثل بها في المواقف المختلفة, وهو كاتب صحافي له نكهة خاصة لا تستطيع إلا أن تقرأه إلى النهاية، وهو مؤلف يجيد اختيار العناوين وعناوين الأبواب والفصول, وهو بهذه المعايير معايير الثقافة والعلم والكتابة علم على رأسه نار ونور لا يختلف في ذلك اثنان, ولو كان منصور خالد مصرياً لما تحدث الناس إلاّ عنه, ولكنه الآن وهو سوداني أنا أقدمه على محمد حسنين هيكل لغةً وتوثيقاً وفي كثير من الجوانب، ثانياً منصور خالد يمتاز بتهذيب شديد، يستطيع أن يتحمل أي كلام ويرد بطريقة مهذبة وسهلة ولكنها موجعة, وهو دائماً يستشهد بالأرقام والوثائق وله عقلية منظمة جداً, وأنا من المعجبين به في هذه الجوانب ومن المداومين على قراءة كل ما يكتب).
* عميد كلية الدكتاتورية:
يمضي عبد الرسول ليقول: (منصور خالد رجل صفوي وعلاقاته تكاد تكون محدودة ومع الصفوة التي خاطبها في كتاب بعنوان: (0حوار مع الصفوة) عام 1968م, وهاجمها في التسعينيات في كتاب: (النخبة السودانية وإدمان الفشل), ووجه لها انتقادات لاذعة ورغم ذلك هو أيضاً صفوي, وهو رجل يميل مع السلطة أينما مالت, بل نكون أكثر دقة ونقول هو يحدد مركز القوة ويقف بجانبه، كان مع عبد الله خليل عندما كان رئيساً للوزراء وبعد الانقلاب ذهب وعمل مع الأمم المتحدة, وهذه مؤسسة تضمن السمعة والقوة والمال, ثم عندما جاء جعفر نميري أيضاً جاء معه باعتبار أنه مركز قوة واستطاع أن يعمل وزيراً للشباب مع نميري رغم سيطرة الشيوعيين, ولكنه استطاع ذلك, بل ترقى إلى وزير للخارجية وكان وزيراً مميزاً وله علاقات خارجية يعتقد جازماً أنها الأهم, مثل العلاقة مع أمريكا والدول الأوربية, ويؤمن إيماناً كاملاً بأن بقية العالم لا يؤثر كثيراً في السياسة ولذلك أهمل العلاقة مع العالم العربي والأفريقي ومع كثير من دول العالم الثالث، وكان دائماً يسعى إلى بناء العلاقات مع الأقوى وهو لا يريد الضعاف، وهو مع كل شمس ومع كل فجر أشرق، وليس صحيحاً أنه خرج من سلطة مايو بإرادته، نميري أقاله من وزارة الخارجية والتي كانت بالنسبة له إمبراطورية كبرى, ونقله إلى وزارة التربية والتعليم وهي وزارة كانت أقل من طموحات منصور خالد.
غادر منصور خالد سلطة نميري عندما أصبح حول النميري مستشارون وسياسيون يركن إليهم نميري أكثر منه في عهد الإمامة, وشعر أنه لم يعد صاحب الرأي الأوحد ورأى أن شمس نميري تقترب من الغروب, وأن شمس الحركة الشعبية ومن ورائها الغرب قد بزغت, وهو لا يحب الآفلين فأراد أن يضع يده وجهده مع النجم البازغ لا مع النجم الآفل، ومنصور خالد رغم إمكاناته الكبيرة إلاّ أنه يسخر كل هذه الإمكانات لتحقيق أمجاد شخصية وليكون في دائرة الضو دائماً, ويضع يده على يد الأقوياء حتى اتهم بأنه صانع الدكتاتوريين وهو عميد مصنع الدكتاتوريين, ولا يريد أن يضيع وقته في العمل الحزبي ولجان تجتمع وتنفض وانتخابات و..و.. إلخ, يسعى إلى إقناع شخص واحد بقدراته فيعينه قوياً بجانبه ويختصر المراحل, ولا أعتقد أن منصور خالد كان له أي دور في توتر العلاقة بين حزب الأمة والحركة الشعبية, والعلاقة مرت بعدة مراحل ووصلت قمة التوتر بعد ضرب الطائرة المدنية في ملكال من قبل الحركة.. ثم جفوة اتفاق الميرغني قرنق.
بعد قيام الإنقاذ تحسنت العلاقة مع الحركة الشعبية ووصلت إلى قمتها في شقدوم 1993م, وتوترت العلاقة بعد الخطابات المتبادلة بين قرنق والصادق, ولا نستطيع أن نحمل منصور خالد تبعات هذه الخطابات لأن قرنق يعلم ما يفعل ويتحمل مسؤولية هذه الخطابات, ولكن منصور خالد ساهم في سلسلة خطابات أدت إلى توتر العلاقة بين الحركة الشعبية وحزب الأمة, ولذلك يتقرب منصور من الميرغني وكذلك تقرب من صلاح إدريس وأصبح مستشاره القانوني في الفترة التي تلت ضرب مصنع الشفاء, ولكن رغم ذلك منصور خالد موضوعي جداً في علاقاته وفي أحكامه, وفي بعض الأحايين لا يكون منصور موافقاً على تصرفات الراحل جون قرنق ضد حزب الأمة، ربما تكون هناك توترات وعدم استلطاف بين الرجل والصادق المهدي وذلك لأسباب تاريخية, لأن منصور خالد كان سكرتيراً لعبد الله خليل وعبد الله خليل كان طرفاً من أطراف الصراع في حزب الأمة.
وأيضاً هناك أسباب أخرى للتوتر الخفي في العلاقة بين منصور خالد والصادق المهدي, وهو أن كلا الرجلين مثقف ثقافة عالية وكلاهما متحدث بارع, ودائماً (المراح ما فيهو فحلين), وربما لاختلاف المدارس الفكرية لكليهما, الصادق المهدي يمثل المدرسة الديمقراطية بشكلها الكامل ومنصور خالد يمثل مدرسة القوة التي لا تضيع الوقت في الشكليات, وكلاهما رجل مهذب وكلاهما يحترم الآخر, ولم أسمع إطلاقاً خلال وجودي معهما برغم الخلاف في بعض النقاط إلا كلاماً طيباً.. إن المستقبل السياسي لمنصور خالد من ناحية نشر الأفكار والتبشير بها والمساهمة في صياغة القوانين فهو رجل ماهر ومتعدد المواهب, أما من ناحية تولي وظيفة محددة لا أعتقد أنه بحاجة إلى ذلك مع تقدم العمر, وتقدم العمر لا يلغي دور الرجل ولكن يغير طبيعة المهمة.
ويرى بعض المقربين منه أن منصور خالد لديه إحساس عميق بأنه مظلوم من الصفوة, ويرى أن الصفوة وأهل الشمال عموماً ظلموا الجنوب كما ظلموه هو, وهو لا يسعى لإيجاد شعبية لنفسه ولا ينتظر أن يصل إلى أي موقع عبر انتخابات, فهذه طريقة لا يؤمن بها.
يرى الكثيرون أنه يكفي أن يذكر اسم منصور خالد لتنهض على أثره المزيد من الاستفهامات, وتتعدد الآراء حول موقفه الفكري والسياسي كداعم للأنظمة الشمولية والانحياز لمراكز القوة, استناداً إلى تجربته مع نظام مايو وكذلك شخصيته الصامته البعيدة نسبياً عن الشارع السياسي.
لكن هل تكفي تجربة مايو للحكم على منصور خالد ودمغه بالتفكير الشمولي؟ وهل يمكن تفسير عزلته عن المنبر السياسي العام على أنها تعالٍ على هموم الجماهير وقضاياها الملحة.
من ألد خصوم منصور خالد الدكتور عبد الله علي إبراهيم والراحل صلاح أحمد إبراهيم الذي كان يردد دائماً: (إذا رأيت منصوراً في جانب فاختر الجانب الآخر لأنه - أي منصور- لا يناصر إلاّ الباطل), وتضم قائمة خصوم منصور, الصادق المهدي والشوش.. إلخ
وكان الدكتور عبد الله علي إبراهيم قد خصص حوالي 50 حلقة من سلسلة كتابات راتبة عن عمالة منصور للولايات المتحدة, وكان لافتاً التجاهل الذي أبداه منصور تجاه تلك التهم التي ذكرها عبد الله علي إبراهيم. وكتب عبد الله عن تجاهل منصور لتهم العمالة وقال: وبلغ فساد تهمة منصور بالعمالة لأمريكا حداً لم يعد منصور يعدها سوى (سفاهة). فقد استنكر سؤالاً عنها من محرر جريدة البيان (13-3-2002) وتمنع أن يجيب عنه, لأنه إذا فعل يكون انحدر من دَرَج المسائل الهامة والجدية التي سبقت في الحوار إلى درك السفاسف. واضطر منصور للقول تحت إلحاح المحرر إن اتهامه بالعمالة مما يشغل الأذهان: (اتهامي بالعمالة "سفاهة" درجت على تجاهلها). وواصل في استهجان بليغ للتهمة: (حسناً مثل هذا الكلام درجنا على تجاهله وتجاوزه لأنه يندرج في خانة السفاهة). غير أن كتابات الدكتور عبد الله علي إبراهيم في نظر الكثيرين لم تخلُ من الأهواء والمقاصد, وخاصة أن تقرير وكالة المخابرات الأمريكية أورد أسماء تسعة سودانيين تجاهلهم الدكتور وركز كل جهده لتتبع (عورات) منصور خالد.
وعرف عن منصور خالد شغفه بالتوثيق وبنفس القدر هو ضد الشفاهة وله عدد كبير من المؤلفات منها: (حوار مع الصفوة) و(النخبة السودانية وإدمان الفشل) و(السودان والنفق المظلم أزمة الفساد والاستبداد) و(جنوب السودان في المخيلة العربية).. إلخ
كتب منصور عن نيفاشا ونظر لها وعدد محاسنها ورياح ما بعد مصرع قرنق والتعثر الذي لازم تطبيق بنود نيفاشا, وغيرها من العواصف ربما ساهمت في إحباط الرجل الذي يبدو في هذه الآونة قليل الحركة وبعيد نسبياً عن الأضواء, ولا ننسى أن العمر له أحكام. في النهاية ستظل مواقف وأفكار الرجل محل جدل وخلاف وإعجاب ويمكن النظر لتجربته من عدة زوايا.
hassan mohmmed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.