عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماهي قصة الشفرة السرية ( خارجية خرطوم -سوداني نيويورك) التي حوّلت منصور خالد لكرة لهب أحرقت الرشيد الطاهر ..ثم نظام نميري ؟
نشر في الراكوبة يوم 03 - 05 - 2016


[email protected]
مدخل : يوم أن تكلم الغضب
نبدأ بتصحيح لخاطرة هامة سقطت من بين شقوق الذاكرة فإختلت صفائح المعمار الحكائي الذي خرجنا له . أخبرت في الحلقة الأولي عن هدؤ الدكتور منصور خالد وقلت (أكثر ماكان يستهويني طريقة تعامله مع الامر وقدرته علي فرملة مايعتلج بدواخله من غضب ، فيبدو غضبه مُفرغا من اللهب بل وعاديا جدا ! في حضرة أي موقف عام يُعكِّر صفاؤه هرج الخصوم ، يهرب منصور سابحا في هدوئه المُتَعمّد ، بلا أي اثر للأدرانانيل Adrenaline في عروقه وهذه صفة لازمة للاعبي البوكر : وجه منبسط ومنفرج أمامك كقرص البانكيك ، بلا توترات أو نتؤات ...وحسن إصغاء ومتابعة يحسده عليها من به صمم .) ...نعم ظلت هذه عادة سلوكه في المطلق ، بيد أن إستثناؤها جاء فارعا يوم أن شَخَص . حدث هذا في مدينة التفاحة المقضومة (نيويورك) ظهيرة يوم ممطر من أكتوبر1977. في تقديري أن ذلك اليوم مثّل علامة فارقة في ماسيكون عليه منصور خالد في قادم حياته فقد قرر أن يذيق نظام نميري حنظلات تثوي مرارتها في الحلقوم ، ويسري زعافها فيهري البدن . نعم ، إنه السفور بالعداء علي نظام أسهم فيه وشيّد أركانه . يومها إنقض منصور خالد كإنتحاري داعشي مفجرا شحنة نيزيكية من الغضب في وجه الراحل الرشيد الطاهر بكر، نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الجديد الذي خلفه في المنصب يوم 10 سبتمبر 1977 ، قبل أقل من شهر من حضوره لنيويورك . كان منصور غاضبا وموجوعا بعد أن تكشفت له فصول المؤامرة عليه فنهش لحم الرشيد فما أبقي منه شيئا لجوارح جو السماء ولا لدود حفر الأرض.
منصور خالد مابين وجبة السوشي وخاشوقجي وشلاليت كرة الماء
تحدثنا عن فترة منصور خالد الاولي بالخارجية ، 1971-1975، وقلنا أنه أُزيح عنها لبعض عام وزيرا للتربية والتعليم . كان لرحيله من الخارجية علاقة بحرب المحاور ومراكز القوي التي إنبجست كفقاعات دائرية طافت دوائرها حول " فيل الغرفة " ، الرئيس نميري . ظل منصور يعارك فريق القصر مدركا أنهم يريدونه حيا أو ميتا فهو أمرؤ تيقن من منيو نفسه : فأمره كالسوشي الياباني ، إن إستذقت طعمه ماتوقفت عن الازدراد وإن إستكرهته تقززت ورميت أعواد الهاشي في الزبالة .
إستقوت الأجنحة المتضادة بكل شئ وإستقدمت حتي السماسرة الدوليين أمثال السعودي عدنان خاشقوجي الذي فرش جيبه ليحصد الفِلْس إن رنّ والدولار إن حفّ . ماهم هذا الآدمي إن كان سبيله للمال بسمسرة في تجارة ، أودهنسة في قوادة بطليقته البريطانية ثريا ( تزوجا 1961في وإنفصلا في 1974). عندما إكتشف الخاشوقجي خزائن السودان الهاملة والفحولة السائبة لولاة أمره ، أصبحت طليقته ذات صولات وجولات في عاصمتنا وشهدت علي لياليها الحوائط في غرف فنادقنا . الحظوة التي توفرت لهذا الخاشوقجي في بلادنا ستصيبك ، عزيزي القارئ ، بحالة من الجنون إن حاولنا تفصيل الذي كان يجري . فمثلا ، ستقرأ في الوثيقة المرفقة رسالة من بهاء الدين محمد ادريس ( بعد إنتصار جناح القصر بإقصاء منصور خالد من الخارجية ). كان بهاء شريك خاشوقجي في المغانم وهذه رسلة منه للسفير السوداني بواشنطن يوصيه بالاهتمام بعدنان خاشوقجي السعودي ، المولود أبا عن جد عن حاج تخلف في مكة المكرمة ونجا من كشات الحج ، بإعتبار أنه يحمل جواز سفر دبلوماسي سوداني !!! لماذا يمنحونه الجواز الدبلوماسي السوداني ؟ ببساطة للتذاكي علي الامريكان لأن عدنان كان يخشي من الدخول لأمريكا بجوازه السعودي العادي لتهربه الضريبي ، وإستتباعا وجد ضالته في الجواز الدبلوماسي لبلادنا " المهببة والهاملة " فبذوله بسخاء لهذا النصاب السعودي الدولي الذي تبرأت ذات مرة بلاده عنه ومنعته دخوله أراضيها فأتي للخرطوم وبطائرته طار برئيسنا نميري شخصيا للماك فيصل ليطلب له الصفح ، وقبل الملك إكراما لملطشة رئيس جمهوريتنا !!! المهم في الأمر أن الخارجية الأمريكية ردت علي هذه القوادة الدبلوماسية بصفعة ومحاضرة قانونية رفيعة لكل من عدنان ولسفيرنا بواشنطن وقالت لهم انتم بحاجة لقراءة قانون الحصانة الدبلوماسية التي تُمنح للدبلومسيين وليس للنصابين !! سيلفت نظرك في الوثيقة ان بهاء الدين وقع علي الرسالة بصفته وزيرا للخارجية ( ولم يكن سوي وزير لشؤون نميري الخاصة ) – ويالها من شؤون خاصة جعلت خاشوقجي يمر بعاصمتنا ويصطحب رئيسنا لمقابلة من وعده قرشا غض النظر عن مصالحنا الوطنية ومنطلقات سياستنا الخارجية ، مثل بيع الفلاشا وزيارة نميري يوم 12 مايو 1982 معه لنيروبي للقاء اريل شارون والاتفاق علي ترحيل الفلاشا في عملية موسي الشهيرة ( الصورة منشورة في كتاب All Spy a Prince الذي تصدّر ولبضعة أشهر القائمة الموثوقة للكتب الجديدة الاكثر مبيعا التي تنشرها دوريا صحيفة نيويورك تايمز)..
إنفرزت الأكوام التنفيذية مابين (مع) و(ضد)، وإستعرت المشاحنات ولعبة عض الأصابع سجالا مابين الفريقين .الاول فريق البطانة المحيطة بنميري مباشرة بالقصر الجمهوري والذي تعاون مع وزراء بارتيمرز. كابتن هذا التيم كان الدكتور بهاء الدين محمد إدريس وزير شؤون الرئاسة بالقصر ومن لعيبته بدرالدين سليمان ، مهدي مصطفي الهادي والرشيد الطاهر بكر . في الركن المقابل وقف كابتن التكنوقراطيين منصور خالد ومعه رهط من الوزراء منهم مأمون بحيري "المالية" ، إبراهيم منعم منصور ، عبدالرحمن عبدالله " الخدمة والاصلاح الاداري" ، الدكتور بشير عبادي"الصناعة" وعدد آخر من المتعاطفين . كانت حربا سرية تدار بلؤم كرة الماء : علي السطح تقمص اللاعبون البراءة وتنادوا للحصول علي الكرة ولا شئ سواها ،أما تحت الماء فدارت الشلاليت واللكمات والركلات وكافة محتويات القاموس من المخاشنات! تري اللاعب في المسبح متزّيا بطاقية لون فريقه ، وفجأة لا تبصر له من أثر له إلا فقاعات ودوائر الاكسجين تدل علي مكانه ، فقد إقتنصه قنّاص وأغرقه ! كانت حربا ذات وطأة وفي بعض مراحلها بلغت حد تهشيم عظام الند .
العلاقات السودانية الأمريكية التحولات اللاهثة 1973-1976
في يوم 1 مارس 1973 إقتحم ثمانية أفراد من منظمة ايلول الاسود حفل للسفارة السعودية بالخرطوم وقتلوا السفير الامريكي ونائبه والقائم بالاعمال االبلجيكي . طلب وزير الخارجية الدكتور منصور خالد من النميري إبتعاث وزير الخدمة والاصلاح الاداري ، عبدالرحمن عبدالله ، للتعزية بإسمه فإلتقي الرئيس نيكسون يوم 6 مارس 1973 بحضور السفير عبدالعزيز النصري وكيسنجر ، مستشار الامن القومي ومعه مساعد وزير الخارجية ، ديفيد نيوسوم . كانت هذه الزيارة ضربة معلم قدم فيها السودان إعتذارا حضاريا مستحقا عما جري متخيرا التفاعل السريع مع الحيثيات حيث أعقب الاغتيال بخمسة أيام فقط ، وأبلغ الوزير نيكسون تأكيدات نميري اللازمة بأن العدالة ستأخذ مجراها فإستحسنت إدارة نيكسون التحرك وثمنته عاليا . بيد أن نميري عاد بعد عام "فلخبط " كل شئ وهدم مابناه . فبعد صدور حكم المحكمة السودانية علي الفدائيين بالسجن مدي الحياة قام بتخفيض الحكم الي 7 سنوات ثم قرر تسليمهم لمنظمة التحرير الفلسطينية !! لم ينتظر وزير الخارجية كيسنجر توصل بلاده رسميا بما جري ، فأرسل برقية غاضبة لسفيره بروير بالخرطوم Telegram 139021/SECTO 1 فيها توجيهات صارمة ومجافية للتقاليد الامريكية الرسمية التي تتريث عادة لتستبين أي أمر . وعليه ، من غير المألوف عرفا توجيه السفير بتصرفات محددة لا تستند علي حقائق وإنما علي محض إجتهادات تحليلية لما قرأه كيسنجر في وكالات الانباء يوم 24 يونيو 1974 . قال كيسنجر لسفيره بالخرطوم مانصه ( لو أن الحقائق تطابقت مع ماقلناه أعلاه " أي صحة صدور احكام ثم تخفيف نميري لها وقراره تسليم الفدائيين لمنظمة التحرير الفلسطينية " يجب أن تطلب مقابلة نميري ويجب ان تقول أنك تفعل ذلك بموجب توجيهات من الحكومة الامريكية . يجب أن تعبر عن يأسنا وخيبة أملنا العارمة تجاه مايماثل اطلاق سراح هؤلاء القتلة المعترفين بجريمة قتل الممثلين الديبلوماسيين لدولتين بمن فيهم الممثل الشخصي للرئيس نيكسون . بالامكان تذكير نميري بتأكيداته المتكررة بأن العدالة المناسبة سوف تأخذ مجراها ). ثم تبع ذلك بتخفيض الطاقم الدبلوماسي الامريكي بالخرطوم وكادت العلاقات أن تموت ....
قبل أن يترك منصور خالد الخارجية أرسل "أولاده" لتحضير ملفات عديدة وترتيب زيارة تاريخية لنميري لواشنطن رغما ان منصب السفير فيها كان شاغرا بعد ترقية د.فرانسس ونقله للخرطوم كوزير دولة . عندما حضرت الموافقة الامريكية كان منصور قد أزيح من الخارجية . ذهب معية نميري وكان وزيرا للتربية والتعليم وبمداخلة واحدة نطق فيها 53 كلمة أنجليزية ثبت أن وجوده في الوفد كان شرطا لازما وأساسيا لنجاح الزيارة ومانتج عنها من مساعدات تنموية وإتفاقات زراعية متعددة . إلتقي النميري بالرئيس جيرالد فورد في البيت الابيض صباح 10 يونيو 1976 لمدة 46 دقيقة فقط ( من الساعة 11:20-10:34 صباحا) وبرغم جلسات التلخيصات Briefing والاعداد التي نفذها منصور وفرانسس الاعداد مع نميري بتحديد الموضوعات التي يجب أن يتطرق لها إلا أنه ظل علي عادة الخروج من النص والحديث عن عدائه لليبيا والسوفيت والغوص في تفاصيل أضرت بأولويات الموضوعات وأهميتها وضيق الوقت . لا غرو فقد تعود نميري علي مكاشفات تلفزيونية شهرية زادت مدتها عن 3 من أغنيات حفلات أم كلثوم الجديدة لذلك فربما إعتقد أن لرؤساء أمريكا ذات الفُسْحَةُ لطق الحنك ! . أحس منصور بالحاجة للتدخل فوجه حديثه للرئيس فورد كما تفيد منصوصات اللقاء ، قال لفورد ( للسودان إمكانيات ضخمة حيث لدينا 200 مليون أيكر من الأراضي الصالحة للزراعة . نحن بحاجة لإستقرار الأحوال وللدعم التقني.الآن ، لدينا إستقرار ونحتاج للمحافظة عليه . نحصل في الوقت الراهن علي أموال من العرب بيد أننا نحتاج للفنيين الغربيين لأكمال هذا المشروع الثلاثي .) سأله فورد إن كانت الامم المتحدة تساعد السودان فقال له منصور نعم ، البنك الدولي يسهم) .
كلمة وغطاها ...وحصل السودان علي أكبر مساعدات تنموية في تأريخه من أمريكا في السبعينات .
1977عام المصالحة والسمسرة وفوز المعسكر الجالس حول أذن الرئيس
إبعاد منصور من وزارة الخارجية في 1975 ، أكد بأن الفريق الآخر ظن أن منصب الخارجية هو الذي صنع من منصور ماصنع في إنتقاص ظالم لقدراته. لذلك فإن ماأسفرت عنه مرافقة منصور وهو وزير تربية لنميري في رحلة أمريكا ، كانت ككي الحشا بمرواد أحمر . فقد إستشرفت الزيارة آفقا جديدة للعلاقات الثنائية فاقت ماكانت عليه . تبين نميري قدرات هذه الدرة الدبلوماسية التي بين يديه فأعادالدكتور منصور خالد الي وزارة لم يستطع أيا من أعقباه فيها ملء خُف الحذاء بقدم كالتي توفر عليها من سبقهما للمنصب. نقول هذا وللوزيرين جمال محمد أحمد ومحجوب مكاوي كفاءات إدارية غير منظورة ولا مسبوقة في التميز أما شهادة منصور المتكررة في إستاذية جمال وأفضاله عليه فتزخر بها الكثير من مخطوطاته . عاد للخارجية في يناير 1977 لكنه عاد لسودان فيه مزاج رئيس إنقلب علي دستوره بل وعلي سلوكياته ورتبته العسكرية ، فأصبح في طريقه لإمامة مسلمي السودان إبتداءا توجهاته الاسلامية في القيادة الرشيدة وبرنامجه المعلن في ولايته الجديدة في يناير . وبالبداهة ، كانت فرصة مواتية لترفيع الراحل الأستاذ الرشيد الطاهر بكر المحامي، الذي كان وزيرا للعدل في 1972ليصبح نائبا لرئيس الجمهورية . كان الرشيد ثالث مراقب عام لحركة الإخوان المسلمين السودانية ، بعد كل من علي طالب الله والدكتور محمد الخير عبد القادر. يقال أن إنسلاخ الرشيد من الحركة الاسلامية بعد 10 سنوات من تزعمها له صلة جينية بأجداده زعماء الكونجارا بجنوب غرب دارفور والذين يمتثلون لمأثورهم (حكم لى ساق ولا مال لى خناق ) .
آن الاوان ..موسم الهجرة من المدينة الظالم أهلها الي نيويورك
تعززت سطوة الفريق المضاد بعد أن لحق بهم خصم منصور اللدود حسن الترابي في مارس 1977 قادما للمصالحة بعد أن أعلن نميري إسلامية رئاسته الجديدة . بعد حوالي 9 أشهر في وزارته القديمة /الجديدة قرر منصور مغادرة جزارة النحر السياسي في الخرطوم بعد أن ملّ اللعب وتأكد له إطباق الطرف الآخر علي أذن الرئيس تماما ، فأصبح ذلك الفريق ينتشي فينطق بإسمه دلعا وتفخيما فينادونه ( أب عاج ) ويبطشون بيده ظلما ويسمونه (أبوالجعافر) ويزينون ألقابه التسعة في تصغير ومودة فيشيرون له (بالريس ) أما المشير القائد فيزداد نشوة وتخديرا ويدير لهم ماأرادوا طائعا وراضيا . رمي منصور بشباكه حول وظيفة أممية ذات نفوذ وصيت وقوة . مسماها الوظيفي هو مدير عام التنمية للأمم المتحدة بدرجة نائب للأمين العام كورت فالدهايم ( نمساوي الجنسية عمل لفترتين من 1 يناير 1972 إلى 31 ديسمبر 1981) . سعي لصديقه الشيخ صباح الأحمد ( وزير خارجية الكويت وعميد وزراء الخارجية العرب أنذاك ) فما خذله . منافسه الوحيد كان من دولة غانا ( وهو منافس أتي به الامين العام في الساعة الخامسة والعشرين فأحرج المجموعة الافريقية التي كانت متفقة في الاجمالي علي الدكتر منصور خالد . ولنا أن نذكر أن سوشي منصور كان مستساغا لوزير خارجية ليبيا، التريكي ، فلم يعترض ، لا هو ولا رئيسه القذافي ، علي ترشيحه رغم السوء الشديد للعلاقات الشخصية والثنائية مابين سودان نميري وليبيا القذافي . ذهب منصور طالبا دعم الامين العام لمنظمة الوحدة الافريقية ، الدبلوماسي الكاميروني وليام إتيكي ( 1974-1978 ) ، فتمكن من ضمان غالب الاصوات الافريقية . إستزاد من منظمة المؤتمر الاسلامي لتدبيب شوكته وتقويتها ، فسعي طالبا مباركة صديقه أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي ، أمادو كريم قاي السنغال ( 1975-1979) فضمنها . وختم بمحمود رياض الامين العام للجامعة العربية ( مصري من 1 يونيو 1972 مارس 1979 ) فحصل علي بغيته . أصبح كل شئ مرتبا وجاهزا .....توجه منصور للأمم المتحدة ولحسن حظه وجد في البعثة الدائمة السفير فاروق عبدالرحمن الذي حل منقولا في أغسطس 1977 من سفارتنا بلندن مترقيا كسفير ثانٍ ونائبا للبعثة الدائمة بعد أن أمضي اقل من عامين في لندن . عرفت الخارجية السفير فاروق عبدالرحمن كدبلوماسي كامل الدسم . كان مولعا باللّغي مجيدا للفرنسية والعربية والإنجليزية فيما ظل مسنودا برصيد وافر من الاحترام و ملكات دبلوماسية متميزة نالت تقدير مضيفيه وتثمين زملائه وتقريب وزيره له . تكونت البعثة الدائمة بقيادة السفير مصطفي مدني أبشر من كوكبة متوهجة ضمت كل من :
سعيد سعد محجوب ( وزيرمفوض ) ، تشارلز مانيانغ (مستشار) ، مبارك حسين رحمة الله (سكرتير أول) ، محمد آدم عثمان ( سكرتير ثاني) بالاضافة لكل من عوض عبدربه ( إداري) ومروان المشرف (محاسب ) .أما الوفد الذي حضر من الخرطوم لمتابعة أعمال الدورة 32 فضم عددا ممن يسمون باولاد منصور منهم السفراء يوسف مختار وابراهيم طه أيوب بالاضافة الي عبدالله محجوب سيدأحمد الذي كان ممثلا للسودان في جنيف مقر الاتحاد الأوربي آنذاك . قلنا بأن من يسمون بأولاد منصور هم فئة غالبة من الدبلوماسيين الشباب وثلة من القدامي نالوا ثقته التامة فعهد لهم بمهام طليعية متخطيا " ديناصورات " متحف الخارجية . لن يحاجج أحد أن تلك القائمة كانت مثل "قائمة العميد " للمتفوقين في الجامعات الأمريكية ، الدخول لها يحفة قتاد المهنة وأشواك الخيال الأصيل . أولاد منصور مثلوا ، عبر السنين ، زبدة نجباء الدبلوماسية السودانية . عندما حل منصور وزيرا في عام1971 كان معظمهم من الكوادر الوظيفية الوسطي والدنيا فدفعهم بترقيات تحفيزية تجاوزت مسطرة الترقي ومنصوصات ديوان شؤون الخدمة، فأوصلهم قفزا مظليا لرتب قيادية في فترة وجيزة . في إتساق مع ديناميكية وتجدد القائمة فإن بعض هؤلاء "العيال" بقي علي صلاته الوثيقة مع وزيره ، وترخرخت حظوة نفر ، بينما سقطت قلة من عُلاها فإنقلبت مودتها معه للضد . شملت القائمة ، عطفا علي ماتختزنه الذاكرة في المجمل وبدون إعتبار للأقدمية أو ترتيبا للمناصب كل من : هاشم عثمان ( يقولون أنه أكثر موظف خدمة مدنية في السودان حاباه د. منصور فأصبح أكثر من إستفاد من سنوات إستوزاره في مايو لكنه إنقلب عليه فغدا أخبث وأشرس من عاداه وعمل علي تشويه سمعته عندما فاصل منصور النظام وغادر للخارج ! فبادئا ذي بدء وبمجرد مااصبح منصور وزيرا للشباب والرياضة في 1969 إستقدمه للعمل معه وفاءا لعلاقات قديمة نشأت في اليونسكو بباريس عندما كان هاشم منتدبا من وظيفته الاصلية كمعلم في المرحلة الثانوية .. وفي 1971 نقله معه للخارجية في وظيفة وزير مفوض ثم رقاه سفيرا للسودان بنيروبي ثم عينه وكيلا للوزارة .هذه الخبرات المتراكمة مهدت الطريق لهاشم عثمان ليصبح في أخريات مايو وزيرا للخارجية .) جلال حسن عتباني ، إبراهيم طه ايوب، سيداحمد الحردلو ، عصام حسن ، عبدالله محجوب سيدأحمد ، عثمان نافع حمد ، فاروق عبدالرحمن ، يوسف مختار، عثمان السمحوني ، محمد المكي إبراهيم ، هاشم التني ، الفاتح ابراهيم حمد ، عطا الله حمد البشير ، أحمد يوسف التني ، عصام أبوجديري ، عوض محمد الحسن ، اشول دينج ، عمر الشيخ ، ابوزيد الحسن. . وأحمد جبارة الله .
معركة الرشيد يدير المعركة السرية
حضر الرشيد الطاهر بكر من الخرطوم مزهوا بمنصبيه ، نائبا لرئيس الجمهورية ووزيراللخارجية . رافقه لنيويورك السفير عصام أبوجديري والملحق عبدالله ود البيه . رجع مندوب السودان الدائم السفير مصطفي مدني أبشر من عطلته السنوية لمقره في 15 سبتمبر ، مستبقا افتتاح أعمال الدورة 32 بايام قلائل إذ بدأت اعمالها يوم 20 سبتمبر باعتماد عضوية جيبوتي . أحس الدبلوماسيون أن شيئا ما ينسج في الخفاء عندما دعاهم السفير مصطفي مدني الي إجتماع غير مألوف وبخهم فيه علي تفرغهم وإنصرافهم لدعم ترشح منصور خالد للمنصب الأممي وجعله شغلهم الشاغل ومضي لحد تقريعهم إهمالهم تواجد وزير الخارجية الجديد ونائب رئيس الجمهورية في نيويورك ! وماخذل أولاد منصور منصورهم فأسمعوا مصطفي مدني مالم يكن في حسبانه . تصدي له ، أولا، السفير يوسف مختار وقال له بدعابة محشوة بإتهامات اليد القابضة عن الانفاق مما نسميه دارجا ب" الفسالة" ، لماذا لم تقم بدعوة الوزير الي مأدبة بمنزلك مادام أن الامر تعلق بالضيافة ولديك الطباخين ومال الضيافة ؟ كان المتحدثون علي درجة من الخشونة والعنف رغم تغيب أحد أعمدة قول الحق ، السفير ابراهيم طه أيوب ، لموعد مع طبيب الأسنان . بعد ذاك الرد الأصْوُع ، أبلغوه رغبتهم دعوة الوزير للغداء في كافتيريا الأمم المتحدة علي حسابهم ، وبالفعل تشاركوا قيمة الوجبة التي حضرها السفير ووزيره . رغم مرور 29 عاما علي هذه الواقعة إلا أن موقف السفير مدني من ترشيح منصور خالد لايزال مثيرا للجدلوالاستغراب .فما يتوافر بين الرجلين من قواسم مشتركة فيه مما نصيب أوفر مما يجمعهما مما يفرقهما . فهما أمدرمانيان متماثلان في العمر يرتبطان بوشائج عامرة بالراحل جمال محمد أحمد ، فمصطفي متزوج من كريمته ومنصور تلميذ ممنون بأستاذيته . فمثلا ، عرفانا من منصور بأفضال معلمه جمال (الذي لم يكن علي ود مع نميري ) قام بتعيينه بعد عودته من السفارة بلندن ، رئيسا لتحرير الصحافة ، ثم رفّعه مستشارا له ومضي جمال ليصبح في عام 1975 ولفترة قصيرة وزيرا للخارجية . في التداولبين أهل الخارجية ممن خبروا الرجلين ، أن مصطفي مدني إبن كمبيرج ومن قبلها الجامعة الأمريكية ببيروت ، كان منتفخ الذات ومغرورا وظن أن إعترافه بتميز منصور سيكون خصما علي طاؤوسيته ويستشهدون علي ذلك خلو كتابه الصادر في 2012 من مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بالسودان بعنوان (ثلاثون عاماً في الدبلوماسية-حديث الذكريات) من أي ذكر لسنوات وبصمات منصور بالخارجية وهي مما لا ينكره سوي من أعمته الغيرة وتغافل بالجحود .
ماعلينا ، فقد إنهمك فعلا أولاد منصور في ترتيب الكثير لرجل عرفوا قيمته . فقد سخّر السفير عبدالله محجوب سيداحمد صلاته بالمجموعة الأوروبية وجيّرها بذكاء لصالح صديقه منصور خالد ضد منافسه الغاني إذ أن المنصب كان مخصصا للمجموعة الأفريقية . نقطة إنطلاقه في حملة تسويق وزيره السابق إرتكزت علي دور منصور في ماتحقق من سلام متمثلا في إتفاقية الجنوب 1972
بدأ العد التنازلي ....وإقترب التصويت إلا أن أهم شئ واسهل شئ لم يكتمل : وصول برقية الترشيح الرسمية من حكومة السودان .
الخطة الجهنمية : سحب ترشيح منصور خالد وإنقضاض الخناجر !
لم يكن منصور يدري أن مابدا له من ظرف وزمالة ، لم يكن سوي خناجر مغروسة في الرمال ستظهر في اللحظة المناسبة لتنقض علي آماله ذبحا وتقطيعا مع صافره النهاية وقد أصبح بينه والمنصب بضعة أيام بعرض الترشيح علي الجمعية العامة للتصويت . يقال ان الرشيد الطاهر أطلع السفير مصطفي مدني علي تفاصيل الخطة وضمن إلتزامه بالسرية موحيا بموافقته علي تمديد مدته التي شارفت علي النهاية وعودته المعاشية للخرطوم بيد أن رواية البقاء في نيويورك لم تتحقق فغادرها مصطفي مدني فور إنتهاء مدته . الهدف الإستراتيجي للخطة الجهنمية هي نسف المشروع في ساعته الاخيرة أولا بسحب ترشيح الدكتور منصور خالد من القائمة وترك الفرصة للغاني الذي لم يكن له من حليف الا بضعة بلدان . النتظار لأخر لحظة هدفه التكتيكي هو إفراغ أي تحرك يقوم به من عنصر الوقت فلايتمكن من ترتيب أي خطة بديلة . كانت ، بحق ، خطة لئيمة ومليئة بالتشفي .
إنشغل الرشيد الطاهر وسفيره مدني ليس فقط بتطمين منصور خالد بأن وصول البرقية أمرا مفروغ منه بل أوهماه بأنهم قد أعدوا خطة كاملة لإستقطاب كل دعم له ويراجعون ممثلي الدول المساندة لمرشح جمهورية السودان . كانت هذه التطمينات هي العمود الفقري للخطة الإبليسية الهادفة لشراء أقصي مايمكن شراؤه من وقت قبل الضغط علي الصاقع ! طمنوا منصور بإختلاق المعاذير ، وتظاهروا بإرسال إستعجالات وهمية للخرطوم في الأيام الأخيرة ، ومع محاصرة وضغط منصور لهم إنهالت إتصالاتهم الهاتفية واللاسلكية ...وماتبدلت الوعود . بدأ أنف منصور في التعرف علي رائحة خبرها في مطبخ المكائد بالخرطوم ، يسأل الرشيد عن تأخر برقية الترشيح فينفي له هواجسه ، يجالس مصطفي مدني فيبدد همومه !
أصبح الدكتور منصور مداوما يوميا في مقر بعثة السودان ( سودان ميشن ).
أنتفض ناهضا بطريقة غريبة ..كان في إستواء العصا
في ليلة التنفيذ ، وصلت برقية مشفرة يُراد لمحتواها أن يكون سريا ، وأن يُبلّغ لرئيس البعثة ومنه للوزير. ولأن الشفرة تحتاج لبعض الوقت لفك طلاسمها السرية وبإضافة 7 ساعات هي فروقات الوقت ، فإن البرقية المشفرّة وصلت نيويورك ليلا ولم تبدأ مساعي فكها إلا الصباح التالي . فك المسؤول الشفرة وعندما حضر السفير فاروق عبدالرحمن لمقر البعثة في التاسعة صباحا، وقبل أن يدخل إجتماعه اليومي مع طاقمه الدبلوماسي ، سلموه البرقية فكانت صاعقة من صواقع برق البطانة العبادي ! تقول البرقية ، في ذبدتها ( لعلمكم فإن الدكتور منصور خالد المتواجد معكم في نيويورك لا يمثل إلا نفسه ولا علاقة للسودان بهذا الترشيح الذي لايعنيه في شئ ) .حضر منصور لمقر البعثة الدائمة قبل الظهيرة ، وجلس في مكتب السفير مع السفير الزائر عبدالله محجوب سيداحمد ونادي علي نائب رئيس البعثة السفير فاروق عبدالرحمن يستفسره عن الانباء . حضر فاروق وسلّم الشفرة المحلولة للدكتور منصور خالد . إنه الفصل الأخير في المؤامرة : تم سحب ترشيح الدكتور منصور خالد فقد تخلي بلده عنه ...ترك المتناحرون مصالح بلادنا وإنصرفوا للنيل من خصمهم فتركوا المنصب للغاني ليفوز بتزكية !
حمل الرجل الجريح الورقة متجهما وترك المكتب. والغضب إن إستبد بمن إنتوي شرا زاحمت مركباته سيارات "أوبر ". قصد الرشيد الطاهر بكر في فندقه. خلال الاسبوع الماضي هاتفت ولعدة مرات الصديق السفير فاروق عبدالرحمن ، المقيم الآن بلندن ، وتحادثنا مطولا واشكر له أريحيته بالصبر علي تحققي من بعض البينات للتثبت من الحيثيات لهامة التي غدت اليوم بعد نشرها ملكا للتأريخ . سألته ليصف لي كيفية إستقبال د. منصور للنبأ ، قال " إنتفض من كرسيه واقفا منتصبا كما لم أره من قبل ..إنتفض ناهضا بطريقة غريبة ..كان في إستواء العصا. ساد صمت مخيف ، ثم نطق منصور بكلمات كثيرة أوقد كل حرف الصاعق فيما تلاه فتفجر وإنفجر معه ، وإستمر تساقط نرد دومينو الغضب غزيرا كما الأمطار..ختم الإكسلانس فاروق إنطباعاته بماسال من ذاكرته ( لم أره في حياتي بمثل ذلك الغضب... أبدا . أفهمني والسفير عبدالله محجوب سيداحمد أنه متوجه لمقابلة نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية في الفندق)
الفصل الاخير.. الاستجواب الهين ثم الانفجار : ليه بتكضب يارشيد؟
تميز الرشيد الطاهر بكر بالهدؤ والذكاء وإستفاد من هاتين الخاصتين في توفير الغطاء اللازم للتآمر ليعزز مسوغ إنكاره plausible deniability بنفي صلته بماجري . هذه ميزة إخوانية مؤصلة قد تصل حد تشكيك المُشاهد أن مايطالعه ليس هو الحقيقة وإنما وهم لا وجود له سببه حاجة الرائي لإسعاف بصري مستعجل عند طبيب العيون ! يقول أقرانه أن هذه المزية جعلته مراقبا فاعلا للتنظيم إذ أنه فضّل العمل السري دوما كوسيلة للقفز علي السلطة ، مثل مشاركته في إنقلاب احمد حامد . تمنيت لو كنت نملة في ثقب الارض أو حشرة طوّافة لرؤية رد فعل منصور بعد أن إستدرج الرشيدالطاهر برشاقة محامي يستجوب محاميا عن الموضوع . لم يقل له شيئا عن الشفرة . محور أسئلة منصور كان لو أن الخرطوم تعرف أن تأخرها في إرسال البرقية قد يضيع عليه الفرصة ، فأجابه الرشيد أن هذا أمر مستبعد وعليه ألاّ يقلق . ومضي يورط الرشيد أكثر وأكثر وإستصدر منه كثيرا من التطمينات ، وفجأة أطبق عليه فكا مفترسا إذ رمي له بالبرقية الشفرة أمامه متسائلا وبتكرار : ( طيب ده شنو ياكذّاب... ليه بتكضب يارشيد ، ليه بتكضب يارشيد ، ليه بتكضب يارشيد )؟ ...,... فبهت المسؤول الذي كان علم من السائل فتجمد وصقع وظهرت ألوان قزح علي وجه نائب رئيس جمهورية السودان .
بعد أشهر من هذه الحادثة الفارقة في تأريخ بلادنا ، وبدأت معركة مفتوحة من نوع جديد إستهلها منصور مؤرخا ( لا خير فينا إن لم نقلها ) فرد عليه ثالوث سري يُقال أنه فيه مهدي مصطفي الهادي والرشيد الطاهر ومحمد محجوب سليمان بمقال مناكف عنوانه ( لا خير فيه ) ....ربما بسبب من هذه الشفرة أزهرت المكتبة السودانية كتبا خطها يراع منصور ، فوثق خصومته وما أبقي !
مذبحة لأولاد منصور ..الحقد يطال فاروق عبدالرحمن وعبدالله محجوب
كان فاروق قد أكمل قرابة الشهر في مقره الجديد عندما حدث ماحدث وكان منظورا له البقاء في نيويورك قرابة 4 سنوات قادمات بعد خصم الفترة الوجيزة التي قضاها في لندن وهي لاتتعدي العامين . علم مصطفي مدني أن ثمة ثمن لابد وأن يدفعه نائبه فطلب منه في 7 نوفمبر أن يكتب له تلخيصا للذي جري بالشفرة ، رغم أن فاروق كان قد أبلغ السفير شفاهة وأيضا الوزير منفردا ، بقصة الشفرة . حضر الوكيل هاشم عثمان لنيويورك في مطلع نوفمبر 1977 وأبلغ السفير الشاب قرار نقله للخرطوم ( الأصح هو إرجاعه تأديبيا ) فلم يُسمح له بإكمال مدته بل وأنه طلب منهم أمهاله لإسبوعين لأن لجنة نزع السلاح ، التي كان يمثل السودان فيها، سوف تطرح بعض قراراتها للتصويت ، فكان رد مصطفي مدني (حضورك للتصويت ونتيجة التصويت غير ضرورية ) !! ففهم ماأصابه من غضبة فذهب للخرطوم راضيا بما قدم وفعل . أصبح فاروق عبدالرحمن بموقفه الشجاع بحق "ولد منصور " الذي طاله كرباج الدولة المختطفة بواسطة أفراد ، ففدي صديقه الواقعي ، أو والده المهني مجازا ، فزاده صمودا . عجزوا عن كسره فهزمهم هذا الرجل الفرد بيراع دوخهم وزلزل عرشهم وقضي علي كتائب مرتزقتهم . بقي السفير فاروق عبدالرحمن في وزارة الخارجية وبعد وصول أوباش الدبلوماسية قيضت له قدراته أن تظفر بخدماته دولة قطر فإستقدمته لتطوير وزارة خارجيتها . أما مندوب السودان لدي المجموعة الاوربية الراحل سفير عبدالله محجوب سيدأحمد فأبلغوه بالعودة لمقره ولا لزوم لوجوده !
عمر عبدالرحمن وتغلبه علي ثالوث الاعاقة ليصبح إرهابيا
لو نفذت إستقصاءا بيانيا لجلساء منصور خالد لعلمت أنهم لا يحرصون علي مجالسته فقط لاستكشاف رأيه بشأن مستجد سياسي ، أو للإستمتاع بقراءاته التحليلية لمتواتر الأحداث ، أو للإستزادة من معارفه ، وإنما لأن قاسمهم المشترك الجاذب هو تنوّع موضوعات التسامر وظرف الرجل وتذوقه للنكات وردها بأحسن منها. يحتفل بالنكتة وتنتصب قهقهاته شامخة المعمار من عدة طوابق ، بفرفشه منظورة تتناغم فيها متحركات جسده ، فتفضح السرور . تتسيّد جلساته نكاته الإستدلالية ، فلديه طرفات تحاكي كل المناسبات . شكرا لحصيلة الأسفار وتجواله كالطائر الخطّاف فيملأ منها جرابه ليشد مستمعيه بما قرأ وسمع بسرد مفذلك للحيثيات - لا هو بالإسهاب المُنفِّر ولا هو بالإطناب المُختزل . حكاياته المحشوة بالسيرة تنجب ضحكات كاملة الدسم فتلصق بذاكرة السامعين ليوم تالٍ يثبتون فيه نسب النكتة به ، ليس حفظا لحقوقه الأدبية ، ولكن للإخْبار بمن يجالسون.
كان الاقتصادي المتميز بصندوق النقد الدولي ، الرشيد عثمان خالد ، رحمه الله وأحسن اليه ، أقرب خلق الله لقلب الدكتور منصور خالد . لم تكن علاقتهما الودودة جدا ، واللصيقة جدا بخافية علي من عرفوا الرجلين ففيها ماغاب عن علاقات منصور الاخري : قربي رحم ، رِفقة عمر ، تطابق جِيلي ، عشق للقراءة ومعرفة موسوعية ومزاج متطابق في الاحتفاء بالغناء والفنون وتفرعاتهما من برامج المباهج والأنس . كان الرشيد ، رغم إغترابه عن السودان ثلثي حياته ، باراً بأهله ، سبطا كريما من دوحة آل عثمان خالد بالموردة وتفرعاتها في أسرة سوار الذهب الكبري . في التسعينات نصح الرشيد شقيقته الطاهرة( رحمها الله ) بالذهاب للإستطباب في مصر من غضروف لئيم . وبالفعل سافرت للقاهرة تسعي بأقدامها للعلاج في أحد المستشفيات "الإستثمارية ". وبدلا من التعافي ، شُلت حركتها تماما من الرقبة والي مادونها جراء خطأ جراحي أسكنها السرير وللأبد . هرع شقيقها المفجوع الرشيد ، رفقة إبنه المحامي هشام ، لتكملة إجراءات إستقدامها لأمريكا بعد أن حجز لها سريرا في مستشفي جامعة جورجتاون . ذهب للسفارة الامريكية ليستصدر لها سمة دخول لواشنطن وإصطحب ما لزم من أوراقها الطبية والثبوتيات المؤيدة لقدرته المالية علي الصرف علي إستطباب وإستصافة أخته . فاجأه القنصل الامريكي بالقاهرة طالبا مثول الطاهرة أمامه . حتي يراها ! شرح له الرشيد ماحاق بها من شلل وأستدل بالتقارير ، بيد ان تصلب القنصل ماتزحزج فختم علي جوازها عبارة الرفض الامريكي المؤدب ( شوهدت في السفارة). هاج الرشيد وماج وبصعوبة تمكن إبنه من إستعادة رزانة عُرف بها والده الذي طارت به أجنحة الغضب . فور خروجهما من مبني السفارة إتصل الرشيد بمنصور يبثه شكواه من قنصل أغلق مخة بضبة ومفتاح فأساء لصلاحيات وظيفته . أيقظ الاتصال منصور الذي كان نائما في ركن ناءٍ من الدنيا. لم يمسك الرشيد غضبه وظل في هجومه علي القنصل ومنصور يكرر بلا جدوي ( ماذا قال لك القنصل بالضبط يارشيد ، لماذا رفض ) ؟ ترك الرشيد غضبه وذهب للعقل ومحاولة وفق منطق هات من الاخر فقال خالطا الانجليزية بالعربية ( يامنصور ، مش مهم قال شنو خلينا نحلل الموضوع ونقول أن من ضمن مخاوف القنصل ان تكون الطاهرة أختي إرهابية . طيب كيف تكون ارهابية وهي أولا كبيرة في السن "senior citizen" ومعاقة "handicapped" وكمان أُميّة "illiterate" يامنصور ؟ ) وبدون مقدمات ، نسي الرشيد غضبه وفورته وانفجر ضاحكا أمام إستغراب هشام الذي مافهم رد منصور الا عندما ترجمه له والده فيما بعد : ( طيب كل الحاجات الثلاثة اللي قلتها دي يارشيد ماهي برضو متوافرة في عمر عبدالرحمن ، شوفو عمل أيه في نيويورك ؟)
فرانسس والإستمتاع بالعيش دوما علي الحدود :
كانت السيارة العائلية الرحيبة تنهب الارض من ولاية فيرجينيا قاصدة دار الدكتور فرانسس دينج بولاية ميرلاند المجاورة . حمولة وافرة من مجموعة سودانية لا يجمعها سوي مناهضتها لنظام الخرطوم فخلطت مرئياتها السياسية بالبامية المفروكة في غداء بمنزل الصديق الدكتور لوال دينج ، وزير الدولة بالمالية ووزير النفط بعد سنوات . كان المأدبة علي شرف وفد زائر من التجمع الوطني . بعد الغداء قدم د. فرانسس دعوة مفاجئة للعشاء بمنزله ذات المساء بعد أن علم لتوه ان غالب الزوار سيغادر واشنطن عائدا للقاهرة في اليوم التالي .غادر لبيته مبكرا لترتيب الوليمة . إقترح لوال شحننا في سيارته حتي لاينقطع الحديث فتركنا مركباتنا عند بابه . إختار سائقنا الاقتصادي بالبنك الدولي مسارا يشق كرش فيرجينا من عند الوسط ، بدلا عن جادة الدائري السريع ، فطال المسير جراء التوقف المتكرر عند اشارات المرور. في لحظة صمت لإلتقاط الانفاس من مداخلات طويلة ، سأل د.منصور خالد السائق ( انت يا لوال ...فرانسس ده اصلو ساكن وين؟ ) كانت الانجليزية أقرب الي لسان لوال فاجاب أنه يسكن في "البوردر لاين" الفاصل مابين واشنطن العاصمة وولاية ميرلاند . ونكتة من د.منصور محشوة بالكثير ( هو فرانسس ده حياتو كلها عيشة في البوردرلاين!)ضجت السيارة بالضحك واستلطاف اشارة ألمعية تقطر ذكاءا وتختزل قصة أمير دينكا نقوك وأبيي وتخربش علي عادة فرانسس في عدم إتخاذ مواقفا حدية ، فقد عُرف بنصف المواقف التي لم ترض كثيرين وأغضبت النصف الاخر لكنها أفرحت الطرفين عندما إحتاجوا للتنازل والوقوف علي منصة رمادية !
كمال ترباس ...الزلزال ومصطفي نميري
لمنصور علاقة متوطدة بالمغني كمال ترباس .كانت ليالي مصر هي الخرطوم البديلة في التسعينات . لأمر جد مُلِّح ، قرر منصور المرور علي شقة ترباس في طريقه للمطار في رحلة تغادر أول المساء ! وهما في إجتماعهما في صالون ترباس ، دخل عليهما زائر فصافح رب الدار بحيميمة معتادة بينما إنتصب الدكتور منصور كديدبان للتحية. بثقة مفعمة عرّف ترباس زائره بضيفه ، " طبعا بتعرفوا بعض " ففاجأه الضيف بأن جلس علي أول كرسي ! تكهرب الجو وأحس صاحب الدار بحرج اللحظة التي يتهيبها أي مُضيف . حاول بلطفه المعتاد أن ينثر علي الجو بعضا من قفشاته فيخفف علي الديدبان المنتصب حرجه ، إلا أن صاحبنا كان حاسماكنقطة في جملة مفيدة : ( أنا مابسلم علي منصور خالد ! ) . ذهب ترباس لداخل بيته وبقي الخصمان لوحدهما يبحلقان في صمت ، منصور يريد أن يعرف هوية الغاضب بينما الغاضب منشرحا بماحققه من إنجاز برتوكولي غير مألوف ، رد له إعتبارا ضائعا لم يعلم مردوده في مقياس الكرامة والتشفي إلا هو . وبمثل مافاجأه الرجل ، رمي له منصور بسؤال فيه بعضا من التحدي ، ( طيب ممكن تقول لي إنت منو وأنا سويت ليك شنو اللي خلاّك ترفض تسلم عليّ ؟) ونفخ الرجل الإجابة بصوت إنتفض لما ظنه وخزة إنتقاص منصور لقدره ، مستنكفا عدم تذكره فنزع منه اللقب العلمي ( أنا منو يامنصور ؟ ..أنا مصطفي نميري يامنصور اللي طلعتني حرامي في كتابك ؟ أها إتذكرتني ) قالها بتحدٍ تعافي مؤقتا من جرح ....وفجأة إرتجت العمارة ، وماجت وتطاير أثاث الصالون الأنيق فخطف الضيف عمامته وهرول باتجاه الباب الذي إنشق أخدود عظيم في حائطه لجواره . ربما إنتقل غضب الرجل لجوف الأرض ففار زلزال القاهرة بقوة 5.8 درجة على مقياس ريختر يوم 12 أكتوبر 1992 ، الساعة الثالثة و 9 دقائق عصراً . في تلك اللحظات العصيبة عاد ترباس متفقدا ضيوفه في الصالون فسأل منصور عن خصمه ، أحد عناوين الفساد في آخريات عهد أخيه إذ ترأس جمعية ود نميري ، قال له منصور ببرود " إحتجنا لزلزال للتخلص من صديقك "!! أهي رباطة جأش أم تمسكا بالبرود والسخرية ، لا أدري ، بيد أن ماأعلمه أن زلزال "دهشور " كان الاقوي منذ 150 عاما بخسائر ضخمة ، قُتل فيه 545 شخصا وأصيب 6512 وتشرد حوالي 50000
**** خاطرة ****
معذرة علي تأخري علي موعد بيننا كان ميقاته الاسبوع الماضي . فيما كنت أتهيأ للدفع بهذا المقال للنشر، كان السودان في المقابر يشيع مرة أخري خلال إسبوع فلذة من فلذات الوطن . حبستني عنكم البشاعة والفظاعة والترخص التام في إصطياد أحلامنا بلا وازع ولا رادع ...ولا بِغِمْ . شاهدت فيديو أم الشهيد فإنشطر قلبي وتشتت فتاتا، فكان التأخير عزاء للنفس وبعض من لياقة واجبة . رحم الله شهداء الوطن جميعا وغدا ستشرق الشمس .
شكرا لمن بعث لي بهذه القصيدة ، نظم شاعر الثورة الأستاذ أزهري محمد علي
****
وفتحنا بابك ياوطن ...للداير يدخل والبفوت
وربطنا اسمك بالشجن...والعبرة والخوف والسكوت
امالنا فيك ضاعت سُدىً...احساسنا بيك داير يموت
ودموعنا في الخدين رِسن...وهواك ماشي علي خفوت
سلمنا رايتك للغجر...ختوك في الجيب والبنوك
غشونا بي كبري وشجر...قالولنا بكرة بعمروك
مرقونا للغربة السفر...جابو البيدفع واجروك
خلونا بنسبّك جهر...ونخون جدودنا الحرروك
لقمتنا في بطنك تعب...مجلوبة بي أخر نفس
وأخلاقنا هادنت الغضب...من كلمتين بندق جرس
ديلك عبيد داك ود عرب...هي الخلت البلد اتنحس
وبقينا نفخر بالنسب...وإسم القبيلة بقى الهوس
بتروك من تحتك غصب...قالو الجنوب اكبر مرض
حكمونا بالدِّين الكِضب...وسكتنا مافي الاعترض
شغلونا بي هم الحرب...الفات وغاب والانقرض
سوّونا بيناتم لعب...احزاب حكومة مع بعض
دارينا في الروح انتماك...وبقينا كايسين لي بلاد
تنجدنا من عيشة شقاك...ونعيش أقلو سنين سُعاد
تاورنا شوق ماضينا داك...اللمة والاهل البعاد
ورجعنا بنردد غناك...ياعازة كيف ننساك عاد
سامحنا عارفنك كبير...قلبك مستف بالكرم
وعتابنا كان حرقة زفير...مغبونة من حالنا السجم
باكر معاك ان شاء الله خير...بنحررك من الوهم
وهواك يصبح في الأخير...كل القلوب حافظاهو صم.
نواصل الحلقة 4 الاخيرة في الاسبوع القادم بمشيئة الله
لمطالعة تقارير الكاتب السابقة بإرشيف الراكوبة أضغط علي هذا الرابط
http://www.alrakoba.net/articles-act...cles-id-88.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.