* على العكس مما قد يحب الكثيرون من السودانيين في شمال السودان أن يظنوا، لن ينهي انفصال الجنوب واستقلاله أزمة الهوية ولن يحول بشكل سحري الدولة إلى دولة أمة إسلامية عربية أصيلة. أمير أحمد منذ قبل عام على استقلالها في 1956، والسودان يشهد أعمال عنف وإراقة دم مريعة، مستمرة حتى الآن. وأسباب هذا كثيرة ومعقّدة، لكن متهما رئيسيا واحدا بهذه الجريمة كان دوما هو أزمة هوية السودان الأفريقية-العربية، والتي لا يبدو أبدا أن نهايتها وشيكة. وعلى العكس مما قد يحب الكثير من السودانيين في شمال السودان أن يظنوا، لن ينهي انفصال الجنوب واستقلاله أزمة الهوية هذه، ومؤكد أنه لن يحول بشكل سحري الدولة الى دولة أمة اسلامية عربية أصيلة. هذا لن يحدث، ولو بالقوة، بسبب تلك الحقيقة البسيطة التي تقول إن السودان كان دوما، وسيظل دوما وعاء تذوب فيه الأديان والعرقيات. والسودان بلد متعدد بسبب أقلياته الكثيرة وقبائله الأفريقية والعربية والعربية الأفريقية المهيمنة، وهو بلد متعدد الاديان بالنظر الى ذلك التنوع في سكانه من مسلمين ومسيحيين ووثنيين. والسؤال هو: هل سيكون لدى السودان في النهاية حكومة ديمقراطية تعترف وتحترم فعلا تنوعه؟ أم سيستمر في السودان نظام الحكم العربي الأفريقي الاسلامي، والذي يتنكر بمقدار كبير لأفرقيته، والذي يسعى بالقوة الى فرض تفسيره الذي لا يخدم غيره للشريعة الاسلامية على الجميع؟ من الصعب أن نقول ما الذي يخبأه المستقبل للسودان، بخاصة في ضوء الربيع العربي، والأحوال الاقتصادية التي تزداد سوءا، وأزمة أبيي الأخيرة. وما سيحدث سيظل مخبأ في المستقبل حتى يكشف عن نفسه. هذا وفي الوقت نفسه، أحد الأشياء التي نريد نحن السودانيين في شمال السودان أن نفعلها هو أن نتعامل مع أزمة هويتنا كشعب. إنها أزمة، سوادنيو الشمال غير مضطرين الى التعامل معها، لأنهم عرقيا وثقافيا أفارقة. مع هذا، ولو تحدثنا بشكل عام، سودانيو الشمال ليسوا كذلك. وباستثناء عدد قليل من القبائل مثل قبيلة الرشايدة، وهم عرقيا وثقافيا عرب، وبعض القبائل في دارفور وقرب الجنوب، وهم عرقيا وثقافيا أفارقة، أغلب السودانيين في شمال السودان هم عرب أفارقة. ونحن عرب أفارقة بثلاثة طرق رئيسية، يمكن تبسيطها كالتالي: أولا، نحن عرب أفارقة عرقيا وثقافيا. وثانيا، نحن أفارقة عرقيا لكن ثقافيا الشق العربي هو الغالب. وثالثا، نحن عرب أفارقة عرقيا لكن ثقافيا هيمنت علينا الثقافة العربية بالكامل، فتعربنا. ومع هذا، لا تعترف توجهاتنا في الواقع بهذه الحقيقة. نعم، هناك الكثير منا يقدرون ويثمنون هذا الميراث الخليط بين كوننا عربا وكوننا أفارقة، يقدرون هويتنا الذاتية، كعرب أفارقة أو كسودانيين وحسب. وهناك الكثير منا أيضا يصنفون أنفسهم في الأساس على أنهم عرب أو أفارقة، ولهم أسباب مقبولة تعتمد على أي جانب في ميراثهم العرقي والثقافي له الغلبة على الجانب الآخر. وهناك الكثير منا ممن يرفضون تصنيفهم كأفارقة أو كعرب، في ظل وجود عدد قليل في كلا الجانبين -عددهم ينخفض- ممن يبدون صراحة عدم احترام للجانب الذي يرفضونه في أنفسهم. ثم هناك هؤلاء ممن لا يرفضون أي جانب من الجانبين المشكلين لهم، لكنهم بدلا من ذلك يباعدون أنفسهم عن جانب من الجانبين -العربي أو الأفريقي- بوعي منهم أو من دون وعي. ومن خلال خبرتي وملاحظتي، يميل فعل الإبعاد عن جانب من الجانبين لدى هؤلاء الى أن يكون ديناميكيا -يتطور تزايدا وعمقا. وهذا الفعل من الممكن أن يحدث لأسباب مختلفة اجتماعية وسياسية. على سبيل المثال، هناك الكثير من العرب الأفارقة السودانيين المتدينين ممن قابلت وتحدثت اليهم يفضلون مبدئيا تعريف أنفسهم على أنهم عرب، لأن العرب كانوا هم المسلمون الأوائل وهم من نشروا الإسلام في العالم. وهم يرون في ذلك أمرا مميزا لوضعيتهم الاجتماعية، كما أن تدينهم هو الذي يعطى للعالم من حولهم لونه، ويشكل وجهات نظرهم في العالم أيضا. (الثقافة الإسلامية والثقافة العربية متداخلتان بشدة بأكثر من طريقة في السودان، لدرجة أن الفصل بينهما أحيانا يكون صعبا). وإن كان في المحادثة التي كانت لي في العام 2006 مع صديق أمريكي سوداني عربي أفريقي يعيش في شيكاجو أي مؤشر لنا، أقله أنه في عصر ما بعد 11 سبتمبر، الكثير كصديقي هذا يفضلون تعريف أنفسهم كأفارقة أكثر مما يحددون أنفسهم كعرب. ولا يسعني الآن إلا أن أتساءل كيف سيؤثر الربيع العربي، والذي حطم القوالب النمطية العالمية وأعاد التأكيد على الكرامة، كيف سيؤثر في مثل هؤلاء. وواضح أن مختلف العرب الأفارقة السودانيين سيحدد ويعرف كل منهم نفسه بطريقة مختلفة لأسباب مختلفة، وكل منهم حر فيما يريد أن يكون لكن لا يجب أن يكون الارتباك والتخبط هما الناتج. فأمة بهوية متضاربة -أو متصارعة، وهو الأمر الأسوأ- من المحتمل أن تواجه الصعوبات وهي تحاول أن تتحرك نحو الأمام، خاصة إن كانت تعوزها الثقة، والاعتزاز بالذات وتقديرها، ورؤيتها للمستقبل.