بعضُ الناس ربما بسبب السذاجة المفرطة، قد يلوم، وقد يعتب بشدّة على المعارضين للنظام.. ليس لأنَّه محسوب ضمن جوقة الموالين وحارقي البخور، ولكن حسبما يزعم هو، أنَّه مدفوعٌ إلى ذلك بسبب شعورٍ طاغٍ بالخوف على مستقبل البلاد.. وبالتالي وفقاً لمنظوره ورؤيته، يتوجَّب على الناس أن يبوسوا أيديهم ظهراً وبطن، وأن يحمدوا الله تعالى على نعمة الأمن والأمان التي يرفلون فيها.. بخلاف بلاد أخرى انحدرت إلى الفوضى والدمار والدماء والأشلاء.. وقد تشرَّد أهلها بسبب ذلك في المنافي، وابتلعت البحار كثيرين منهم، في رحلاتٍ محفوفة بمخاطر الموت والضياع، هرباً وفراراً من واقعٍ مرعبٍ مرير. وأغلب الظن أنَّ كثيرين تتملَّكهم بحق هذا المخاوف، وتستحوذ على تفكيرهم.. لذلك آثروا الصبر، واستلذُّوا تجرُّع العلقم، على أن ينخرطوا في ثورة، قد تقتلع النظام نعم، لكنَّها قد تُسقط البلاد في هاوية الفوضى بحسب رأيهم.. ولست أشك لحظة واحدة، في أنّ النظام يبذل قُصارى جهده، في تغذية هذه المخاوف السوداء، والأفكار التشاؤميَّة، بشتّى سُبُل المكر ووسائل الخداع، لتتنامى وتعظم أكثر وأكثر لدى الناس.. فتكون بلا ريب أحد أدواته الفاعلة لإخماد الثورات والتحرّكات الشعبية. والثورة قبل أن تكون فعل على الأرض، هي في الأصل فكرة قد اشتعلت في الرؤوس واختمرت، ثم تفاعلت وهاجت بها النفوس.. ولذلك ميدان النظام الأول لإخماد الثورات والقضاء عليها هو ميدان فكري بالأساس.. ببث الدعايات والأفكار السلبية التي تُشَوِّش على فكرة الثورة.. كطرح مثل هذه المخاوف والأفكار، والتشكيك في جدوى الثورات.. وحسب ظني أنَّ النظام قد نجح في ذلك إلى حدٍّ ما.. طبعاً يصطف إلى جانب هذا العامل عوامل أخرى، عملت على إبطاء تسارع الحراك الثوري، كالقمع العنيف للتحرّكات، والإعتقالات الهوجاء، وحتى التصفيات الجسدية. وخلاصة هذه المخاوف السلبيَّة ومُؤدّاها، أنَّ على جماهير الشعب المطحونة المسحوقة أن تقف موقف الطرف العاقل، بأن تمارس أقصى درجات ضبط النفس وأن تصبر على النظام وتصبر وتصبر وتمضغ الصبر.. وحتى إذا بلغ صبرها حدَّه ونفد، بدأت من جديد تمارس ضبط النفس وتصبر.. وهكذا إلى ما شاء الله لها من الكرَّات والمرات. أمّا النظام فلا أظن أنَّ لديه النيَّة إطلاقاً في لعب دور الطرف العاقل هذا، لِيُجنِّب البلاد خطر الفوضى.. فهو سادر في ذات غَيِّه القديم، بلا أي مبالاة أو إلتفات لما يتربَّص بالبلاد من شرٍ مستطير، ومستقبلٍ مجهول، ومصيرٍ مخيفٍ مرعب. النظام منذ قرابة 27 سنة، وإلى الآن لايزال يرجو من الشعب أن يصبر.. فسادٌ ملء السمعِ والبصر، بلا محاسبات ولا محاكمات، وضائقةٌ معيشية مستحكمة لا تُطاق، وحروبٌ مستعرة لا يُراد لها أن تقف، ونزيفٌ مستمر.. ورغم ذلك يرجو النظام من الشعب أن يصبر أكثر وأكثر.. والشعب لم يقصِّر فقد صبر من قبل حتى ملَّ منه الصبر نفسه.. وعندما بدأ يتململ كشَّر له النظام عن أنيابه، وكأنَّ صبره الذي كان، كان فقط بسبب الخوف والجبن والإرتعاش ليس إلّا. لكنَّ التململ رغم ذلك مستمرٌ متصاعد، ونُذُر الإنفجار الوشيك بدت إرهاصاته ولاحت إشاراته.. وسحائب الثورة في تجمُّعٍ وتراكم.. وقريباً إن شاء الله، سترعد وتقدح بروقها، ليهطل غيثها مدراراً، فَيَعُمّ جميع ربوع البلاد، فيغسلها مما عَلِقَ بها من دَنَسٍ وأرجاسٍ وأنجاس. [email protected]