مثل الكثير من السوريين، كانت بيان البياسي لديها هواجس بشأن رئيسها (بشار الأسد) لسنوات، ولكنها مثل الكثير من السوريين الذين يسيطر عليهم الخوف، ظلت صامتة, وعندما وصلت موجة الثورات العربية إلى سوريا، دافعت أمام أصدقائها عن الأسد، مؤكدة أنه في قلبه إصلاحي، لكن غضبها تصاعد عندما رأت يوميا على الفضائيات مشاهد القتل, وهو ما دفع طالبة الأدب العربي البالغة من العمر 22 عاما إلى الانضمام إلى آلاف المتظاهرين الذين يملأون ساحات بلدتها الساحلية. وخلفية ذلك سنوات من المعاناة قالت إن عائلتها السنية تعرضت لها من نظام حافظ الأسد، ثم من نجله، في البلد الذي تهمين عليه الأقلية العلوية. وفي سلسلة من المقابلات، أجرتها «أسوشييتد برس» بالهاتف أو وجها لوجه مع محتجين سوريين ونازحين إلى لبنان، كانت الشكوى واحدة، وهي الفساد والمعاملة التمييزية والتفرقة على أساس ديني. وعائلة البياسي سنية متدينة في مدينة البيضا، وتقول إن النظام يضطهد المتدينين, وقالت: «أتذكر عندما كنت طفلة كنت أبكي على أعمامي الذين أمضوا 20 عاما في السجن لمجرد أنهم متدينون, وكانوا طلابا جامعيين في ذلك الوقت». وقالت إن شقيقها مثل كل الخريجين في بلدتها لا يستطيع أن يجد عملا، بينما الطلاب في القرية المجاورة العلوية يعملون في وظائف حكومية؛ لماذا؟ وتابعت قائلة: «أشعر بالاضطهاد لمجرد أنني أضع الحجاب عندما أذهب إلى الجامعة؛ يسألونني عن بطاقة الهوية وكأنني إرهابية»، وذلك في مكالمة عبر الهاتف من بلدتها. ويشكل العلويون 12 في المائة من سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليونا، ويبلغ السنة نحو 70 في المائة. واندلعت الاحتجاجات في منتصف مارس (آذار) بعد أسابيع من حديث للرئيس الأسد في «وول ستريت جورنال»، تباهى فيه بأن سوريا محصنة مما حدث من ثورات في بلدان عربية أخرى، وبأنه على اتصال مع الشارع. وكان بشار الأسد (46 عاما)، الذي تدرب كطبيب في بريطانيا، ينظر إليه كإصلاحي يعرقله المتشددون، ولا تزال لديه قاعدة تأييد، حسب «أ.ب»، بين الطبقة الوسطى التي استفادت من خطوات الانفتاح الاقتصادي وطبقة رجال الأعمال, وكذلك مخاوف الأقليات من هيمنة الأغلبية السنية على الحكم. وكانت الشرارة بعد مقتل الصبي البالغ من العمر 15 عاما في درعا، الذي رسم على الجدار شعارا معاديا للنظام. وأدى القمع الدموي للاحتجاجات الأولى إلى تغيير صورة الأسد وتحول المطالبات في الشارع من الإصلاح إلى رحيل النظام. وقال مصطفى، وهو حلاق سوري فر إلى لبنان (23 عاما) إن الأسد حدّث البلد وطوره لمصلحته ومصلحة طائفته. وقال إن الطريق إلى الوظائف والتعليم يمر عبر الشبيبة، وهي شبه ميليشيا تابعة للحكومة؛ فحتى غير المتعلم من الشبيبة يستطيع الحصول على ما يريده، بينما المتعلمون لا يستطيعون. وقال إن التمييز يحدث في أشياء صغيرة؛ فهناك سيدة مسنة سنية في بانياس تضطر إلى دفع أربعة أمثال رسوم الكهرباء التي تدفعها عائلة علوية مجاورة. وقد ظلت المدينتان الكبيرتان؛ دمشق وحلب، هادئتين نسبيا، ولكن الانتفاضة امتدت إلى 14 محافظة، وعلى الرغم من القمع اليومي وعدد القتلى، الذي وصل إلى 1400، فإن المظاهرات الليلية أصبحت مثل الكرنفالات؛ يتجمع فيها المحتجون ويلوحون بالعلم السوري. وتضم هذه المظاهرات فلاحين وأطباء لا يجدون وظائف؛ حيث يغني مثقفون ويوقدون شموعا ويرددون هتافات مناوئة للنظام. وقال فايز ساره، وهو كاتب مؤيد للديمقراطية وعلى اتصال بالشباب، إن حركة الاحتجاج تعكس تطلعات 40 في المائة من المجتمع، وهم الذين تقل سنهم عن 20 عاما، وهم يمثلون كافة أطياف المجتمع السوري، ومن الخطأ الظن بأن حركة الاحتجاج سنية فقط. وقال إن الثورة في تونس ومصر أيقظت المارد النائم في سوريا. وقال تاجر سجاد في درعا تحدث عبر هاتف «سكايب»، وطلب تعريفه باسم أبو هارون: «إن الانتفاضة يجب أن تستمر؛ لقد شممنا نسيم الحرية، ولا عودة إلى الوراء». مئات السوريين يفرون إلى لبنان وينقلون معهم مواشي وجرارات زراعية أقاموا لدى أقاربهم في البلدات الحدودية بيروت: يوسف دياب شهدت البلدات السورية المقابلة لمنطقة جبل أكروم اللبنانية، حركة نزوح لمئات السوريين، هي الأولى من نوعها منذ انطلاق شرارة الثورة الشعبية في سوريا في 15 مارس (آذار) الماضي. وكشفت مصادر ميدانية ل«الشرق الأوسط» أن عشرات العائلات السورية تركت منازلها وفرّت من بلدات هيت والبويت والسماقيات باتجاه بلدات أكروم والكنيسة وحنيدر ووادي خالد، بعد أن اجتازوا المعابر البرية غير الشرعية، وأقاموا عند أقاربهم اللبنانيين في البلدات المذكورة. وأشارت إلى أن الكثير من «النازحين نقلوا معهم المواشي والجرارات الزراعية والآليات الأخرى من سيارات وكميونات وغيرها». وأعلن ناشطون في مجال حقوق الإنسان ل«الشرق الأوسط»، أن «حركة النزوح الجديدة، جاءت على أثر اندلاع مظاهرات واسعة ولأول مرّة في مدينة القصير (محافظة حمص) التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وبعد تصدي عناصر الأمن السوري للمحتجين وإصابة العشرات منهم، وإدخال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة لوقف الاحتجاجات». وأكدوا أن «النازحين وهم جميعا من النساء والأطفال عبروا عن مخاوفهم من تكرار سيناريو مدينة تلكلخ في بلداتهم التي سقط فيها عشرات الضحايا، في حين لازم الرجال والشباب بيوتهم». وكشف الناشطون أن «خلافا وقع بين شبان من بلدة هيت من جهة وعناصر من المخابرات السورية، على خلفية نقل سبعة أصيبوا برصاص الأمن في مدينة القصير، ونقلهم بواسطة سيارة إسعاف باتجاه الحدود اللبنانية لمعالجتهم في مستشفيات عكار، وكان بانتظار الجرحى شبان أقاربهم من بلدة هيت كانوا يستقلون دراجات نارية. وفي الطريق اعترض سيارة الإسعاف عناصر من المخابرات السورية في بلدة حاويك الحدودية وكان يساعدهم بعض سكان هذه البلدة الموالين للنظام السوري محاولين إنزال المصابين، غير أن أبناء بلدة هيت تعاركوا مع العناصر الأمنية وتمكنوا من انتزاع الجرحى وإيصالهم إلى الأراضي اللبنانية، ونقلهم بواسطة الهيئات الطبية إلى مستشفى رحال في مدينة حلبا اللبنانية وكان اثنان منهم في حالة حرجة». وقد استدعى هذا التوتر حالة من الاستنفار الأمني، وتحدث شهود عيان عن حالة غليان في المنطقة المذكورة بعد ورود معلومات لأبناء البلدات السورية الحدودية، عن تعزيزات عسكرية يحضر لها الجيش السوري تمهيدا لاقتحام المنطقة، بعد التصدي لعناصر المخابرات بشكل علني وبتحد غير مسبوق، وهو أمر ينذر بتكرار المشهد الساخن الذي عاشته الحدود اللبنانية السورية عند منطقتي تلكلخ ووادي خالد على مدى أكثر من شهر.