بقي الوضع السوري تحت المجهر الإقليمي والدولي، في ظل ارتفاع منسوب التحركات الاحتجاجية التي تطالب بالحرية وبإسقاط النظام، والتصدي لهذه التحركات من قبل الأمن السوري والجيش النظامي وما يعرف ب«الشبيحة» وسقوط العشرات من القتلى والجرحى المدنيين بالرصاص الحي، إضافة إلى حملة الاعتقالات التي تطال أعدادا كبيرة من المتظاهرين والناشطين في مجال حقوق الإنسان. كانت أمس مدينة تلكلخ السورية، القريبة من الحدود اللبنانية الشمالية، المنطقة الأكثر سخونة، بعدما أفادت الأنباء بأن «وحدات مشاة من الجيش السوري بدأت انتشارا منذ ساعات الصباح الأولى استعدادا لدخول المدينة التي تبعد عن مدينة حمص 45 كيلومترا، وتزامن ذلك مع إطلاق نار متفرق تمشيطا للمنطقة في جهة الكروم والحقول، بينما دوى انفجار كبير داخل المدينة سُمعت أصداؤه على بعد كيلومترات، أعقبه إطلاق زخات من الرصاص ونزوح كبير للأهالي والعائلات باتجاه الحدود اللبنانية». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شاهد عيان سوري أن 4 أشخاص قتلوا أمس في تلكلخ برصاص قوات الأمن، على الرغم من التعليمات الرسمية بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. وأفاد الشاهد بأن «قوات الأمن التي تحاصر تلكلخ منذ الصباح تطلق النار بأسلحة رشاشة». وقد تظاهر آلاف الأشخاص، الجمعة، في هذه البلدة القريبة من مدينة حمص، ثالثة كبريات المدن السورية، وتقع على بعد 160 كم شمالي العاصمة دمشق. من جهته، أعلن ممثل منظمة «هيومان رايتس ووتش» في بيروت، نديم حوري، أن «الأوضاع الإنسانية والاجتماعية تتفاقم في سوريا كلها، في ظل تزايد التضييق وعمليات الاعتقال والقتل التي طالت مواطنين أبرياء وناشطين». وأكد حوري ل«الشرق الأوسط» أن «المنطقة الأكثر سخونة حاليا هي مدينة تلكلخ القريبة من الحدود اللبنانية، وأن المنظمة تلقت اتصالات ونداءات استغاثة من مواطنين محاصرين في منازلهم وحياتهم مهددة بالخطر، ولم يتمكنوا من مغادرة بيوتهم، أسوة بعشرات العائلات التي نزحت إلى لبنان». وقال: «تلقينا تقارير تفيد بأن مدينة تلكلخ محاصرة من قبل الأمن السوري منذ ساعات الفجر الأولى، والمخابرات السورية تجوب الأحياء وتقتحم المنازل وتنفذ حملة اعتقالات تطال الشباب والرجال»، وكشف عن أن «العناصر الأمنية كانت تطلق النار بكثافة على المنازل، مما أدى إلى سقوط 3 قتلى عرف منهم علي حازم الباشا، فضلا عن سقوط العشرات من الجرحى الذين تعذر على البعض منهم الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج». ولفت إلى أن «المنظمة لم تتمكن من الحصول على معلومات مفصلة عن باقي المدن والمحافظات السورية»، مشيرا إلى أن «الأوضاع في مدينة حمص لم تتضح بشكل كامل بعد يوم الجمعة الدموي الذي سقط فيه عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المحتجين، خصوصا أن الاتصالات مع حمص شبه معدومة منذ أن حوصرت بدبابات الجيش السوري، لكن ما يتوافر من معلومات، على ندرتها، لا يبشر بالخير». وأبدى حوري قلقه ل«استمرار حملة الاعتقالات التي تطال نشطاء وعاملين في مجال حقوق الإنسان داخل سوريا»، موضحا أنه «جرى بعد ظهر أمس (أول من أمس) اعتقال المحامية كارين تلة، الناشطة بمجال حقوق الإنسان، عندما كانت تستقل سيارة (ميني باص) في منطقة برزة في دمشق واقتيدت إلى مكان مجهول ولم يُعرف شيء عن مصيرها». وتطرق ممثل «هيومان رايتس ووتش» إلى موضوع مدينة درعا، فأشار إلى أن «المدينة لا تزال شبه محاصرة في ظل تشديد الطوق العسكري والانتشار الأمني الواسع في شوارعها وأحيائها، ومنع التجوال باستثناء السماح للنساء دون الرجال بالخروج من المنازل بين الساعتين الخامسة والسابعة لشراء بعض الحاجيات، فضلا عن استمرار قطع التيار الكهربائي والمياه عن المدينة»، كاشفا عن أنه «لم يسمح للرجال بالذهاب إلى المساجد لأداء صلاة الجمعة الماضية، كما أن السلطات السورية ما زالت تمنع المنظمات التابعة للأمم المتحدة من دخول درعا وتقديم الإعانات للمحاصرين، وهذا ما اشتكت منه الأممالمتحدة و(الأونروا)»، لافتا إلى أن «القرى والبلدات القريبة من درعا تعاني مصاعب كبيرة أيضا». أما وكالة الأنباء السورية (سانا)، فنقلت عن مصدر مسؤول في وزارة الداخلية السورية أن «عدد الذين سلموا أنفسهم من المتورطين بأعمال شغب وصل حتى تاريخ اليوم (أمس) إلى 6131 شخصا في مختلف المحافظات، تم الإفراج عنهم بعد تعهدهم بعدم تكرار أي عمل يسيء إلى أمن الوطن والمواطن». وأوضح المصدر أن «الكثير من المتورطين استمروا بالحضور إلى مراكز الشرطة والأمن للاستفادة من المهلة التي حددتها وزارة الداخلية لإعفائهم من التبعات القانونية وعدم ملاحقتهم في حال سلموا أنفسهم إلى السلطات المختصة». كانت وزارة الداخلية قد ذكرت، في بيان لها، أنه «يمكن لكل من غرر بهم وشاركوا أو قاموا بأعمال يعاقب عليها القانون من حمل للسلاح أو إخلال بالأمن أو الإدلاء ببيانات مضللة الاستفادة من المهلة المحددة حتى 15 من الشهر الحالي لإعفائهم من العقاب والتبعات القانونية وعدم ملاحقتهم في حال بادروا إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات المختصة والإعلام عن المخربين والإرهابيين وأماكن وجود الأسلحة». ولا تزال السلطات السورية تقطع الاتصالات عن بعض المدن التي تشهد وجودا للجيش والقوات الأمنية، مثل درعا وبعض المناطق في حمص وبانياس. مع القيام بتخفيض سرعة خدمة الإنترنت إلى الحد الأدنى، مما يجعل تصفح الكثير من المواقع صعبا جدا، مع استحالة متابعة ما يبث من فيديو على الشبكة، هذا إضافة إلى تعطيل الدخول إلى مواقع معينة في مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» والصفحات الإخبارية السورية في موقع «يوتيوب». إلى ذلك، تصاعدت موجة من الغضب الشعبي على أداء الإعلام الرسمي الذي يحتكر تغطية الأحداث الجارية، ومنع أيٍّ من وسائل الإعلام من الوصول إلى موقع الحدث أو تداول أي معلومات غير الرواية الرسمية. وبات من المألوف رفع لافتات خلال المظاهرات تصف وسائل الإعلام السورية ب«الكاذبة» في أكثر من مظاهرة شهدتها البلاد. ووصل الغضب إلى حد قيام الأهالي بطرد مراسلي وسائل الإعلام المحلية وتحطيم كاميراتهم. وسبق أن حصل هذا في درعا ودوما وبانياس والرقة وحماة. ويوم الجمعة الماضي قالت مصادر محلية: إن المتظاهرين في مدينة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب (شمال البلاد) قاموا بطرد طاقم تابع للتلفزيون السوري في منطقة المعرة، وحطموا وأحرقوا السيارة التي كانوا يستقلونها، بعد أن اكتشفوا أنهم يقومون بتصوير المظاهرة (جمعة حرائر سوريا)؛ حيث تمت محاصرة الفريق وأخذ الشريط منهم وقد تدخل بعض الأهالي لتخليص أعضاء الفريق من أيدي المحتجين الغاضبين. ويشك المتظاهرون أن التلفزيون السوري يقوم بتصوير المظاهرات ليس لعرضها على شاشة التلفزيون وإنما لتزويد الأجهزة الأمنية بصور واضحة للمتظاهرين يتم بناء عليها اعتقالهم في وقت لاحق. تقبلوا اعتذار مصر عن عدم استضافة مؤتمرهم..معارضون لنظام الأسد يطالبون وزراء الخارجية العرب بالتدخل لحقن دماء السوريين في الوقت الذي تستعد فيه جامعة الدول العربية لعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب الاستثنائي، المقرر عقده اليوم (الأحد)، شهد مقر الجامعة، بالقاهرة، أمس، اعتصام عشرات من أفراد الجالية السورية في مصر من المناوئين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، بمشاركة عدد من المعارضين والنشطاء السوريين المقيمين في دول أوروبية وعربية من المتواجدين بالقاهرة حاليا، وذلك بهدف تشكيل ضغط على مسؤولي الجامعة لاتخاذ قرار و«موقف إيجابي» في مواجهة ما سموه بقمع انتفاضة الشعب السوري. وطالب المعتصمون وزراء الخارجية ب«وقفة إنسانية عروبية» لإنقاذ أبناء سوريا، وطرد المندوب السوري من الجامعة العربية وتعليق عضوية نظام بشار الأسد، قائلين إنه «فقد شرعيته بعد أن قتل شعبه». وكان عدد من المعارضين والنشطاء السوريين قد توافدوا قبل عشرة أيام إلى القاهرة من دول المهجر، تزامنا مع اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي كان مقررا له يوم الخامس من مايو (أيار) الحالي، وتم تأجيله إلى اليوم، إلى جانب سعيهم لعقد اجتماع في مصر يضم كافة أطياف المعارضة السورية حول العالم، للتنسيق فيما بينها فيما يخص المرحلة الحالية، ولكن تعذر عقد الاجتماع. وقال نشطاء سوريون إن «السلطات المصرية اعتذرت عن استضافة عقد مؤتمر يضم كل أطياف المعارضة السورية حول العالم، ونحن نتفهم الأمر». وقال المعارض السوري محمد مأمون الحمصي، ل«الشرق الأوسط»: «تأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب المرة الماضية كان له وقع سيئ لدى الشعب السوري، فكان بمثابة استمرار لموقف الجامعة الصامت تجاه الأوضاع في سوريا، وبمثابة الضوء الأخضر للنظام السوري ليزيد من تنكيله بالشعب، وليمعن في تطويق وحصار المدن وحرمانها من الغذاء والدواء». أضاف: «بعد ساعات من ادعاء النظام السوري بأنه أوقف إطلاق النار على المتظاهرين، خرجت علينا الأخبار بأن الجيش يقتحم مدينة تل كلخ، وهو ما يتناقض تماما مع ما بررته أبواق النظام السوري بفتح الحوار، هذا بخلاف ما قامت به السلطات الأمنية، أول من أمس (الجمعة)، المعروف بجمعة الحرائر من قتل واعتقال العشرات في داريا وريف دمشق وحمص وعفرين ومناطق أخرى». وتابع: «ما نطالب به اليوم وزراء الخارجية هو حقن دماء السوريين، وعدم انتهاج سياسة الكيل بمكيالين، فدماء السوريين ليست بأرخص من دماء أشقائنا الليبيين، واتخاذ موقف إيجابي ضد النظام السوري، وأتمنى من الوزراء العرب أن يضعوا أمامهم موقف المجتمع الدولي، وكيف قامت الخارجية البريطانية باستدعاء سفير سوريا وهددت بفرض عقوبات، في إطار عمل منسق مع دول أوروبية أخرى احتجاجا على قمع المعارضين للنظام في سوريا». من جانبه، قال الناشط السياسي ثائر الناشف، إن مشاركة المعارضين السوريين، الذين توافدوا من دول المهجر، جاءت بهدف عمل ضغط على الجامعة العربية التي لم تخرج مواقفها عن الصمت المطبق تجاه ما يحدث في سوريا، ولكي يتضامنوا مع الجالية السورية في مصر وجهودها المستمرة في النضال. في حين قال عدد من الطلاب السوريين الدارسين بالقاهرة، الذين قاموا بعمل مجسمات لنعوش الشهداء في المدن السورية، مثل البيضة ودير الزور واللاذقية وبانياس وطرطوس وأدلب.. وتم تغطيتها بالعلم السوري.