تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ((آسيا تتكلم سعودي))    ما هي محظورات الحج للنساء؟    الفَهم البيجِي بعد السّاعة 12    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالفيديو.. قائد لواء البراء بن مالك يهدي الطالبة الحائزة على المركز الأول بامتحانات الشهادة السودانية هدية غالية جداً على نفسه إضافة لهاتف (آيفون 16 برو ماكس) ويعدها بسيارة موديل السنة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يحيي حفل من داخل مياه (حوض السباحة) وساخرون: (بقينا فاطين سطر والجاتنا تختانا)    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    494822061_9663035930475726_3969005193179346163_n    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    السعودية تستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا"    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخوان السودان وسياسة الكيمان: فشل التجربة وعدم الإعتراف بالخطأ
نشر في الراكوبة يوم 27 - 06 - 2016


مقدمة
أنقلب الأخوان على الحكم الديموقراطى (فى سيناريو البشير الى القصر رئيسا والترابى الى السجن حبيسا) وأمامهم تحديين، الحرب فى الجنوب والوضع الإقتصادى. بدوا بتمكين أنفسهم من مفاصل ألإقتصاد ومراكز القرار. أبعدوا الخضوم ا من الخدمة المدنية بحجة الصالح العام، والسيا سيين بحجة تمكين الشريعة وقفل الباب على العلمانية، وحاربوا الذين يحملون السلاح بفقه الجهاد. على الصعيد الخارجى عمدوا الى التعامل مع الغرب بلغة المعاداة وليس بلغة المحاباه و المصالح المشتركة. كانت النتيجة خراب الإقتصاد وإنتشار الفساد، أنفصال الجنوب وانتقا ل العدوى الى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق فزادت كلفة الحرب وأثقلت كاهل الإقتصاد المنهك أصلا. تم المساس بسيادة الدولة وأختفت الفشقة وحلايب وشلاتين من خريظة السودان واصبح رئيس الدولة مطلوب للعدالة فى المحكمة الجنائية لجرائم ارتكبها فى حق شعبه المسلم واصبح السودان من الدول الراعية للإرهاب ومن الدول الأكثر فقرا وفسادا. صا درت السلطة الحريات وأحتمت بجهاز الأمن وأخيرا بقوات الدعم السريع للبقاء بكرسى الحكم. هذا المقال هو قراءة لعقلية الأخوان لمعرفة أس المشكلة التى يعانى منها الوطن.
الأخوان وسياسة الكيمان
فى إعتقادى ان المشاكل التى يعانى منها السودان هو نتيجة للخطأ فى المفهوم الذى استولى الأخوان من أجله السلطة، وليس الخطاء فى تطبيق البرامج الإقتصادية والسياسية التى تقوم علي إثرها السلطة. الغرض من أستيلاء ألأخوان على السلطة هو نطبيق مشروعهم الحضارى، هم أدرى من غيرهم بتعريف المشروع الحضارى لكنه فى إعتقادى هو إعادة النظر فى الإسلام عند السودانيين حتى تتم برمجتهم على نهج واحد ليشكلوا جزءا مهما من دولة الخلافة الاسلامية واستغلال موقع السودان الجغرافى فى تمدد الإسلام شمالا وجنوبا. لتحقيق هذا الغرض إعتمدوا على مفهوم صياغة المواطن السودانى ليكون السودان لبنه أساسية فى دولة الخلافة لتحقيق المفهوم الأكبر بإقامة دولة الخلافة فى المشرق العربى ثم بقية دول لعالم.
المفهوم الأول: صياغة المواطن السودانى ليكون لبنه أساسية فى المشروع الحضارى:
فى اوائل عهد الأنقاذ ذكر الدكتور الترابى فى مقابلة بقناة الجزيرة إنهم لن يقبلوا بعودة ا المعارضين الا إذا اغتسلوا فى فى البحر الأحمر.. هكذا تنظر جماعة الاخوان لغيرهم من المواطنين فى السودان.
تربى الأخوان منذ نعومة أظافرهم على انهم أصحاب رسالة لنصرة الاسلام بمشروعهم الحضارى، وصنفوا من يخالفهم الرأى (إما معهم أو ضدهم)، فتربوا على سياسة الكيمان (مننا- يمثلون الأخوان ،معنا- المتعاطفون معهم، و ضدنا- الذين يخلفونهم فى توجههم). أيام الجامعة سعى الأخوان لتجنيد الطلاب لتكبير (كوم مننا) على حساب (كوم معنا) بالإقناع أو الترغيب الذى كا نت من وسا ئله أنذاك ال BURSARY (صندوق دعم الطلاب حاليا) وEXCHANGE PROGRAMS ( منح التبادل العلمى مع الجامعات الأوروبية). كان لزاما عليهم الفوز باتحاد الطلاب فى الجامعات والروابط فى الكليات لتفعيل سياسة الترغيب وتمرير أجندتهم وتلميع كوادرهم ( القادة المستقبليين للمشروع الحضارى). أ تبعوا سياسة الترهيب بالتعدى المعنوى والأذى الجسدى بالعصى والسيخ لتحجيم وتصغير كوم (ضدنا). بعد أنقلاب الأخوان على السلطة إستأ ثر كوم (مننا) بالمناصب السيادية ومشاريع الكسب المادية، و كوم (معنا) بالمناصب الأخرى التى تقلدوها بالولاء قبل الخبرة، قأنقلب الهرم ألأدارى فصار الطالب يأمر أستاذه والجندى يوجه ضباطه. أما كوم (ضدنا) فكان نصيبهم الفصل من الخدمة للصالح العام والترهيب الذى وصل الحبس والتعذيب فى بيوت الأشباح. حلت كوادر الأخوان محل المفصولين من الخدمة وهيمنوا على القضاء، الجيش، الشرطة، النقابات، واتحادات العمال والمزارعين والطلاب. بهذا المفهوم الضيق تم التعامل مع الاخر بالتصنيف وليس بما يحمل من أفكار ورؤى.
بعد الإستيلاء على السلطة كانت وجهتهم نحو الشعب فروجوا للحرب الجهادية وعرس الشهيد وما صاحبها من خرافات، فأنشاءوا معسكرات الدفاع الشعبى لتسويق افكارهم وتغذية الحرب بامثال (سكران الجنة) وخلق جسم عسكرى موالى لهم و يوازى القوات المسلحة فكانت كتيبة ابو دجانة، كتبة الأهوال، الدبابين، سائحين،...و غيرهم بلإضافة لوحدات الدفاع الشعبى.
كان الغرض من صياغة المواطنين هو (أخونتهم) اى جعلهم يؤمنون بايديولوجيا الأخوان حتى يناصرونهم ( أو على أقل تقدير لا يعارضونهم ) فى تطبيق مشروعهم الحضارى. نجح الأخوان الى حد كبير فى استقطاب شريحة كبيره من المجتمع لكنهم فشلوا فى تسويق ايديولوجيتهم على هذه الشريحة التى شاركت معهم من أجل الوظائف لأشباع أنفسهم، والمناصب السياسية لخدمة أهلهم. هنا أستشعر ألأخوان بخطر التزايد فى ( كوم معنا) فقاموا بخلط كومى (مننا ومعنا) فصار كوم (نحن) وهو ما يمثل الحقبة التى تلت إعلان الترابى تعطيل عمل المجلس الستينى فى تنظيم الأخوان والإتجاه للمجتمع بمفهوم الإسلام العريض . هذا الخلط والتقسيم الجديد للكيمان أدى الى توثيق الرابط المادى على حساب الرابط الفكرى فى كوم (نحن)، أما كوم (ضدنا) فصار كوم (غيرنا).
ألت كل مقاليد الأمور لكوم (نحن) فصاروا هم القاضى والجلاد فغاب الحساب، وتملكوا مفاتيح الإقتصاد فأنتشر الفساد، مما أغرى مجموعات كبيرة من النغعيين الى دخول كوم (نحن) تحت شعار فيد وأستفيد. بعد عشرة سنة من التمرق فى نعيم السلطة وفى سبيل الهيمنة عليها، تسربت مذكرة العشرة تلاميذ لسلب الهيمنه من شيخهم الترابى، فكانت مفاصلة ( القصر والمنشية) ، فأنقسم كوم (نحن) الى كومين، (كوم المؤتمر الوطنى) وكوم (المؤتمرالشعبى) . لم يجد (كوم الشعبى) مكانه فى الخريطة السياسية، فلا هو حكومة ولا هو معارضة ولم يجرأ احد منهم على الاحتجاج علنا، فالسجن الذى اودعت فيه السلطات الترابى موجود، والامن موجود، وبيوت الأشباح شاغرة.
أختار كوم (معنا الاول) البقاء فى (كوم المؤتمر الوطنى) للحفاظ على مصالحه. بقى التلاميذ الذين غدروا بشيخهم فى (كوم المؤتمر الوطنى) مما أقلق البشير والمقربين منه، فأبعدهم وتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، فاستنكر التلاميذ هذا الإجراء ووصفوه بالإنقلاب على الأخوان المسلمين وإبعادهم مع الإعتماد على العسكريين . هذا الإنقلاب جعل من الحركة الاسلامية قط بدون مخالب عاجزة عن الدفاع عن ابسط حقوق أعضائها.
نشط كوم (غيرنا) لأسترداد حريته المستلبة و حقوقه المغتصبه فسعى لتوحيد المعارضة المدنية مع الكفاح المسلح (مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية،1995). فى ظل تدخل المجتمعين الإقليمى والدولى ظهرت العديد من الإتفاقيات أشهرها نيفاشا (2005) التى أدت الى أنفصال الجنوب (2011). هلل وكبر كوم (الوطنى) لأنفصال الجنوب المسيحى وذبحوا الثيران (السوداء) لأنتهاء الحرب مع المسيحيين فى الجنوب القديم، لكنهم وجدوا أنفسهم فى حرب جديدة مع المسلمين فى الجنوب الجديد، لماذأ؟؟ لأن العلة واحدة وهى غياب الحرية والعدل الإجتماعى فى توزيع الثروة والسلطة.
الإخفاقات المتزايده فى كوم ( كوم الوطنى- وقبله كوم نحن) حركت الشباب فى كوم (غيرنا) فكونوا أجسام معارضة فى الشارع كحركة قرفنا بالإضافة للحراك الطلابى فى الجامعات. قام النظام بقتل المتظاهرين من الشباب فلجأوا الى المعارضة بالكيبورد التى تعتمد على الإسفير فى التواصل فيما بينهم بلالإضافة الى تنوير المواطنين بفضائح النظام. هذه المعارضة الناعمة بالمعلومة الصادقة والكلمة الجريئة أقلقت النظام الخشن ولم يفلح (جداد الحكومة الإلكترونى) فى وقف تمددها فى أوساط المجتمع السودانى.
استمر (كوم الوطنى) فى السلطة معتمدا على المثلث الأمنى (الجيش والشرطة و الأمن). أجرى البشير تغيرات فى هيكلة ومهام المثلث الأمنى لتؤل له كل السلطات للمحافظة على سلطته، خطوه وصفها غازى العتبانى فى إحدى مقالاته بأنها حكم مطلق سيؤدى الى فساد مطلق. بعد كل ذلك لم يطمئن البشير للمثلث الأمنى فحول المثلث الأمنى الى مربع أمنى بإضافة قوات التدخل السريع (الجنجويد) وجعلها جزءا من الأمن ومهيمنة على القوات النظامية الاخرى فى المربع الأمنى.
سياسة الكيمان فرقت أهل المشروع الحضارى شذر مذر، منهم من خرج (أو بالأصح أجبر على الخروج) من السلطة ومنهم من بقى ، فمات أحد أهم مقومات المشروع الحضاى (صياغة المواطن السودانى) فلم يجد من ينعاه أو يتقبل فيه العزاء. أنتقل الترابى الى الدار الاخرة وكان يمنى النفس بالإطمئنان على السودان قبل وفاته. بقى البشير محروسا بلأمن وفى يدية تركة إسمها وطن ، الثورة خلفه والجنائية أمامه و لا ندرى ماذا سيفعل أو سيفعل به، وأن غدا لناظره قريب.
المفهوم الثانى هو العمل على أعادة دولة الخلافة الاسلامية: الغرض من إعادة دولة الخلافة هو تحكيم قبضة الاسلام فى الشرق الأوسط ثم بقية العالم. ومن شعاراتهم التى ترسخ لهذا المفهوم ( لا تسل عن موطني عن نسبي .. إنه الإسلام موطنى، أمي وأبي) وشعار (الإسلام هو الحل) . فى أوائل عهد الانقاذ عندما سئل الترابى فى مقابلة بقناة ال BBC البريطانية عن الفرض من إستلامهم للسلطة فى السودان أجاب: الفرض هو نشر الاسلام فى الشمال القريب والبعيد، أستدرك مقدم البرنامج هذه العبارة وقال للترابى: أظن الشمال القريب هو مصر والبعيد اسكتلندا، ابتسم الترابى، فواصل مقدم البرنامج و ماذا أعددتم للذلك؟ أجاب: اعددنا لذلك مليون مجاهد. تأكيدا لهذا المفهوم فى عام 1991 أسس الترابى حزب المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية وصار الترابى الأمين العام لهذا المؤتمر. ولعلنا نتذكر جيدا ظهور الفنوشى وبلحاج وأحمد يسن على شاشة التلفاز. فى ظل هذا المفهوم تقدمت مصلحة دولة الخلافة على مصلحة الوطن فرأينا طا ئرات محملة بالإفطار والدولارات لأطفال (غزة)، ثم رأينا سلاح الطيران يرمى بحمم البراميل المتفجرة على أطفال جبال النوبة فى جنوب كردفان.
أتنبه العالم الغربى لدولة الخلافة التى ستمدد لتشملهم فتبنى جورج بوش شعار العالم الجديد (THE NEW WORLD ORDER) الذى يبدأ بتقسيم الشرق الأوسط - وما ندرى الى أين ينتهى خصوصا إذا فاز المرشح الجمهورى للرئاسة الأمريكية( دونالد ترامب). أستفاد الغرب من كل التناقضات الموجودة فى العالمين العربى والاسلامى ليطبق نظرية ( الفوضى الخلاقة)، وهى حروب تؤدى الى فوضى دون أن ينتصر فيها طرف على الاخر لتخلق واقع جديد يتفق مع الغرب. نجحت هذه النظرية فى إحداث حروب بين الدول المعنية ( حرب الخليج الثاتية) و حروب فى كل دولة بين مكوناتها الأثنية والعقائدية مما أدى الى تفتيت وتقسيم هذه الدول، كانت البداية فى العراق مرورا بسوريا واليمن وليبيا، فطنت مصر فنجت بجلدها مؤقتا، وفى القائمة السودان والسعودية ودول الخليج والاردن ولبنان وفلسطين ودول المغرب العربى. الفوضى الخلاقة ساعدت أيضا فى خلق واقع فى هذه الدول تعا ملت معه أمريكا والغرب فى إطار الأرهاب كالقاعدة وطالبان وجبهة النصرة وأخيرا وليس اخرا الدولة الاسلامية. هذه المنظمات الأرهابية هم ألابناء غير شرعيين للتنظيم الدولى للأخوان لأنهم خرجوا من رحم المعا ناة من سياساتهم و لهم نفس الايديولوجيا ويدعون الى دولة الخلافة.
هل فشلت تجربة الأخوان؟؟
تجربة - أرتبط فيها الإخفاق باسم المخفق(نيفاشا،...)، والفساد باسم المفسد( مشروع سندس ، المدينة الرياضية، موسسة الأقطان، خط هيثرو، الحج والعمرة، أراضى مكتب الوالى، ...)، وحل فيها التدمير مكان التعمير (مشروع الجزيرة، السكة حديد، النقل النهرىى، الخطوط الجوية السودانية، البنية التحتية، الخدمة المدنية‘ القوات المسلحة، التعليم‘ الصحة العامة وصحة البيئة‘ ...)، و فشلت فى إدارة التنوع وحرضت على الجهوية والقبلية فتفتت النسيج اللإجتماعى، وغا بت فيها المؤسسية، وخلت منها المشاريع الإقتصادية، و غابت فيها الية النقد والمحاسبة - هى قطعا تجربة فاشلة. فى ظل كل هذه الاخفاقات الحديث عن انجازات على قلة عددها وصغر حجمها فى غضون 27 سنة أشبه بوحود إبرة فى كوم من الزبالة.
أصبح المشروع الحضارى بعد 27 سنة مجرد تفاخر بأكل البيتزا والهوت دوق واستعمال الايفون فى بلد يعانى مواطنوه يوميا من إنقطاع الكهرباء والماء، ويعانون اللأمرين من الغلاء. لم يقف أهل المشروع الحضارى عند هذا الحد فوصفوا مواطني بكل ما هو غير حضارى وأمتنوا عليه ب (قفة الملاح) و (عود الكبريت). لم يستوعبوا الدرس من تجربتهم ولم يتعلموا من تجارب غيرهم .
ليتهم تعلموا من مهاتير محمد فى ماليزيا(1981-2003) الذى أستطاع فى خلال 22 سنة أن يجعل من ماليزيا البلد الفقير دولة صناعية وصفت بانها وأحدة من النمور ألاقتصادية فى شرق أسيا وتقف كتفا بكتف مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية.أعتمد مهاتير على عقول الماليزيين وأستجلب التكنلوجيا من جيرانه ليحقق نهضة إقتصادية صناعية شهد عليها العالم فى الوقت الذى هجر فيه أهل المشروع الحضارى العقول السودانية للإستفادة من تحصيل حفنة دولارات من الضرائب والتحويلات.
ليتهم تعلموا من لويس دا سيلفا (2003- 2011) الذى استطاع خلال 8 سنوات فقط أن يحقق نهضة تنموية فى البرازيل أنتشلت بلاده من تحت خط الفقر الى فايض فى الميزانية يفوق ال 200 مليار دولار. أكثر من ذلك صنفت البرازيل كثامن أقوى إقتصاد فى العالم وأكثر من ذلك المستقبل الذى يبشر بان اقتصاد البرازيل سيتفوق على إقتصاد المانيا واليابان مجتمعين بحلول عام 2040 م. هذه حسابات والارقام لا تكذب. أعتمد دا سيلفا على الديموقراطية وبسط الحرية فى الحكم وعلى الخبراء الإقتصاديين والشركات الوطنية لتحقيق العدالة الإجتماعية فى محاربة الفقر فكانت النتيجة أن تنهض البرازيل إقتصاديا بموقوماتها الزراعية والصناعية.
فشل أهل المشروع الحضارى لأنهم إعتمدوا على الشعارات وغفلوا عن السيا سات . فكان إهتمامهم بجمع الحشود لترديد الشعارات أكثر من اهتمامهم بجمع الخبراء فى الأقتصاد والسياسة. الشعارات هى قول بدون عمل ولو سبقها تخطيط وأعقبها عمل لتحولت الى خطط فى التنمية الإقتصادية والسياسة. المواطن السودانى لم يأكل (مما يزرع) ولم يلبس (مما يصنع) وشعار (هى لله لا للسلطة ولا للجاه) لم يحمى المتأ سلمين من الفساد وشعار ( لا لدنيا قد عملنا) لم يحميهم من الأستمتاع بمطايب الدنيا حتى الثمالة.
الملخص
لأجل المشروع الحضارى أستولى أهل المشروع على السلطة لأقامة دولة الشريعة حتى لا ينفصل الدين عن الدولة، فصاروا هم الدين والدولة فى ان واحد. ففى تمكين أنفسهم تمكين للدين والتعدى عليهم تعدى على الدين ونقض سياساتهم رفض للشريعة. وكل ما يفعلوه من باطل يجوز طالما أنه يخدم الدين.
فى تقديرى فشل أخوان السودان فى صياغة المواطن السودانى، وحولت أمريكا حلمهم بإقامة دولة الخلافة الى كابوس بتقسيم الدول الإسلامية وتكريس مفهوم الدولة القطرية( من قطر او دولة). مع هذا الكابوس تم حقنهم بواسطة أمريكا والغرب بفيروس ( الإرهاب) فعطلت مصالحهم وأقامت عليهم الحجة لمحاربتهم.
الختام : هل الى سبيل من خروج السودان من هذا النفق المظلم؟؟
بناء الدولة السليمة وتوفير العيشة الكريمة للمواطنين يقوم على الأعتماد على أهل الأقتصاد والسياسة والذين ليس بالضرورة ان يكونوا من المتدينين. أخيرا أستدرك الغنوشى هذا المفهوم فى تونس وجاء ت تصريحاته بإبعاد استغلال الدين فى السياسة وإبعاد السيا سة عن الدين. هذه التصريحات التى قبلها بعض المتأ سلمين وتحفظ عليها اخرون، تفيد صراحة الى قبول الغنوشى بفصل الدين عن السياسة.
فى بلد مستنير كتونس أقر الغنوشى - أحد ابرز الشخصيات فى تنظيم الأخوان العالمى وصاحب تجربة فى الحكم والمعارضة- بخطا تجربتهم فى تطبيق الدولة الدينية على أرض الواقع، فهل ننتظر أن يحدث ذلك فى السودان؟ بصيص الأمل الذى تراه فى حديث الدكتور حسن مكىى بإعترافه بخطأ تجربتهم فى الحصول على الجواز الاسلامى يتحول الى ظلام عندما تستمع الى البشير وأعوانه وهم يحزمون حقائبهم للهجره الى الله. يا هولاء كيف تهاجروا الى الله وايديكم ملطخة بدماء الابرياء، وكروشكم ممتلئة بحق الضعفاء، ولم تحكموا الناس بالعدل والقسط وبما جاء من السماء، أليس منكم رجل رشيد؟
الدكتور حسن مكى إعترف بخطأ تجربتهم و لم يعترف بخطأهم فى حق الشعب السودانى الذى أعتبره فى تقديرى إنه ليس خطاءا بل جرما فى حق الشعب السودانى يستوجب المحاسبة والعقاب.
أخيرا الشعب هو صا حب الحكم و القضية، فإذا أستعصت الحلول السلمية فليوحد القلم مع البندقية وسلمت يا وطنى من كل سؤ.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.