العلاقة بين الثورة والجسد رسالة غير مباشرة أراد المخرج خالد الحجر توصيلها للمشاهدين عبر أحداث فيلمه "حرام الجسد" الذي يعرض حاليا بدور العرض السينمائية المصرية، واختار الحجر ليلة 29 يناير 2011، لتكون هي المفتاح الذي تنطلق منه أحداث العمل، تلك الليلة الشهيرة التي فتحت فيها بعض سجون مصر وهرب الآلاف منها بعد اختفاء الشرطة. العرب رغم التوقع بأن المشاهد سيرى في فيلم "حرام الجسد" المصري سردا واقعيا يربط بين تاريخ ليلة 29 يناير 2011 وما تلاه من أحداث، إلاّ أن هذا لم يحدث، فالمخرج وصاحب القصة أيضا اعتقدا أن اختيار التاريخ أو التعرض لسيرة الثورة المصرية من خلال ما تخلل الفيلم من مشاهد ستكون في صالح القيمة الرئيسية التي وصل إليها في نهاية الأحداث. علي السجين الذي يهرب جريا وصولا إلى المزرعة التي يعمل بها ابن عمه حسن، المتزوج من حبيبته القديمة فاطمة، ورغم رفض الأخيرة بقاء حبيبها القديم معهم في العزبة، يفاجئها صاحب المزرعة بالموافقة، ليبدأ الصراع بين العاشقين القديمين، وبين رغبة الزوج في الإنجاب من زوجته التي يحبها، لكنه عاجز عن إرضائها في الفراش بسبب إصابته بمرض السكري. يحاول المهندس صاحب العزبة، أو "الباش مهندس" كما ينادونه مساعدة الزوج، فيجلب له عقارا يعينه على دوره في علاقته مع زوجته، لكنه بدلا من ذلك يصيبه بأزمة قلبية، يستغلها ابن عمه للتخلص منه، فيضع يديه على فمه كاتما أنفاسه ويطلب من زوجته ربط قدميه، فترفض في البداية، لكنها تستسلم وتطيع. والصراع هنا لا ينتهي، بل يبدأ في التصاعد بعدما شاهد صاحب العزبة مشاهد خيانة الزوجة في إحدى الليالي التي كان ساهرا فيها، يبدأ في نسج خيوطه العنكبوتية حول الزوجة لتعترف أولا بجريمة قتل زوجها، ثم مساومتها على جسدها مقابل سكوته وعدم إبلاغ الشرطة عن الجريمة. اختار خالد الحجر تاريخا هاما ضمن أحداث الثورة، لكنه لم يوضح علاقة الربط بين وقوع مثل هذه الأفعال المحرمة والثورة، فصفحات الجرائد والكثير من الأعمال السينمائية التي قدمت من قبل طال الحديث فيها عن مثل هذه الأمور، لذلك لم نكن بحاجة إلى عشيق هارب من السجن في هذا التوقيت، كما قدم الحجر مشاهد عابرة طيلة أحداث الفيلم، جمعت صاحب العزبة وأصحاب الثروات الطائلة، بينه وبين نجله الشاب الثائر الذي يرفض والده نزوله للميدان، فيضطر للقفز من الشباك. مع الإشارة إلى أن الوجه الجديد الذي اختير لهذا الدور، فشل تماما في جذب الانتباه له، لافتعاله المبالغ فيه، ويقوم الأب بالاستماع الدائم لأخبار البلاد، ونظرا لأننا لم نر أي ملامح قلق على وجه "الباش مهندس" الذي جسد دوره الفنان فطين عبدالوهاب شعرنا أنه رجل نزيه، لأنه غير مكترث بثروته، لكننا نفاجأ أنه يعترف في أحد المشاهد بأنه هرب أمواله خارج البلاد. وإذا كانت فكرة المخرج رصد العلاقة بين الفقراء والأغنياء خلال هذه الفترة، وسيطرة أصحاب النفوذ على الضعفاء حتى إن كان ذلك ممثلا في الجسد، فما الجديد الذي أتى به صاحب القصة، كما بدت بعض المشاهد غير منطقية في العمل، أهمها أن فاطمة التي ساهمت في قتل زوجها مع عشيقها، تجلس في المساء بائسة، ثم يأتي إليها العشيق تضربه بيديها في البداية، لكنها تقيم معه علاقة في تلك الليلة، والأزمة هنا ليست في فكرة الخيانة التي أنهت حياة الزوج وجعلتها أرملة، بل في مشاعرها كشريكة في القتل. المخرج جعلها في ما يشبه الغيبوبة التي لم تفق منها وتشعر بذنبها، إلاّ بعد أن تنجب طفلا من العشيق، حيث يراودها صوت الزوج القتيل في منامها متخيلة صورته، فترفض إطعامه، بل إنها تفكر في إلقائه في بئر مياه. ورغم أن المخرج لم يجرح الأعين بمشاهد صادمة متوقعة قياسا على اسم الفيلم والضجة التي ثارت حوله، غير أنه عوّض ذلك ببعض الكلمات الجريئة على لسان الأبطال. الحقيقة أن النهاية التي اختارها خالد الحجر كانت مقنعة، وتمت صياغتها بمهارة وحرفية كبيرتين، فقد رأينا علي البطل يحفر بئرا بحسب أوامر "الباش مهندس" ، دون أن يتوقع أنها ستكون قبره هو وعشيقته في نهاية الأحداث. وبعد وضع فاطمة لمولودها تبقى روح زوجها القديم ترفرف حولها، وتؤكد أن هذا الطفل ابن حرام، ومع رفضها لإرضاعه تذهب جريا نحو البئر لإلقائه، فتحدث مشادة بينها وبين العشيق تعترف له فيها بخيانتها مع "الباش مهندس" فيدفع بها في البئر، ثم يقفز خلفها لإنقاذها بعد أن يضع الطفل بجوار البئر، لكنهما يفقدان حياتهما بعد أن حاول كليهما التمسك بالحبل للصعود إلى أعلى، فيقطع ويغرقان في المياه. وبعيدا عن ذلك، قدم فيلم "حرام الجسد" للسينما وجهين جديدين أتقن كل منهما دوره ببراعة وهما ناهد السباعي (فاطمة)، وأحمد عبدالله محمود (علي)، حيث بدت تلقائيتهما وانسجامهما معا واضحين على الشاشة.